قبل البدء: لا يمكن لأي شخص لديه ذرة من الوطنية أن يقف معارضاً أو في وجه مصالحة فلسطينية حقيقية تقوم على أسس سليمة تدعم قضية الشعب وحقوقه وبعيداً عن التدخلات والاشتراطات الخارجية التي تتمسك بها بعض الأطراف…
مع كل اتفاق أو حتى لقاء للمصالحة بين فتح وحماس يسود التفاؤل وأحياناً الفرح والألعاب النارية بقرب نهاية الخلاف والانقسام وغيرها مما تشتهون من التوصيفات…
وفي كل مرة دون استثناء أعلن وأؤكد أنه لا يمكن لأي اتفاق أن ينجح طالما بقيت نفس الوجوه والنوايا، وطالما غابت أسس المصالحة ومرجعيتها (يكفي استخدام أي محرك بحث ووضع كلمة المصالحة مع اسمي لتأكيد ذلك)…
بل كنت أزيد أنها حتى لو نجحت بداية فسيتم عرقلتها لاحقاً، وإن لم تعرقل سيتم تنفيذ جزء منها والتهرب من الباقي، مع اختلاق الأعذار لعدم التطبيق…
وأيضاً في كل مرة أصبح عدو المصالحة والمتشائم الأول والسلبي والذي لا يريد مصلحة الشعب والمستفيد من الانقسام (لا أدري كيف؟) الى آخر القائمة…
لا يطول الأمر حتى نعود للمربع الأول وكأنك يا ابو زيد ما غزيت…
لا تختلف “تفاهمات اسطنبول” هذه المرة عن سابقاتها: تفاؤل وأجواء ايجابية وانتخابات قادمة، ثم فجأة يبدأ السيناريو القديم بحذافيره: تشكيك واتهامات بالعرقلة واختلاق الأعذار والتهرب من المصالحة…
عزام الأحمد يخرج ويقول ننتظر موافقة حماس الخطية على التفاهمات وعلى اجراء الانتخابات…
وسبحان الله بذات التعبيرات والكلمات والحجج السابقة…
فقط نظرة سريعة حول “الموافقة الخطية أو الكتابية”، تابعوا معي بعض الأمثلة السابقة وكأنها نسخ ولصق:
يوليو 2019: محمود العالول، نائب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في قيادة حركة «فتح»، إن حركته أكدت لمصر أنها متمسكة باتفاق 2017 للمصالحة، وطلبت موافقة خطية من حماس بشأن ذلك.
نوفمبر 2018: حركة فتح تنتظر موافقة حركة حماس الخطية لاجراء الانتخابات.
مايو 2015: نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح فهمي الزعارير، في تصريح صحفي: الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ينتظر موافقة خطية من حركة حماس لإجراء انتخابات فلسطينية عامة.
فبراير 2014: الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة: الرئيس محمود عباس متمسك تماماً بالمصالحة مع حركة حماس وإنهاء الانقسام، وإن المصالحة الفلسطينية تنتظر موافقة خطية من حركة حماس.
في كل مرة كانت فتح تحصل على الموافقة الخطية، لينتهي الأمر كما بدأ…
ولا ننسى كذلك إصرار فتح قبل سنوات أن تتزامن انتخابات رئاسة السلطة مع انتخابات التشريعي لتنقلب اليوم على موقفها وتصر أن تسبق انتخابات التشريعي الانتخابات الرئاسية – مع تحفظي ورفضي لكل المسميات تحت حراب المحتل…
هل تعلمون لماذا انقلبوا على موقفهم؟
سينتظرون نتائج التشريعي – ان جرت – فإن لم تكن على مقاس الاحتلال ومن يدفع لهم انقلبوا عليها وأبقوا “رئيسهم” في مكانه، وعطلوا كل شيء، تماماً كما فعلوا عام 2006…
هم لا يتغيرون ويكررون نفس السيناريوهات، لكن البعض يحاول الحصول على نتائج مختلفة مع تكرار الأمر ذاته كل مرة!
صدقوني لا عزام الأحمد ولا عباس بيدهم القرار، هم مجرد أدوات…
ولكن ومع تمسك الجميع بالمصالحة من خلال منظوره الخاص، ومع التباعد المستمر في المواقف، إلا أن المصالحة التي يمكن تحقيقها – وهي بعيدة المنال- تضمن محددات جديدة تتعامل مع المتغيرات وموازين القوى الداخلية والخارجية، مع تحديد للمرجعيات والتفكير في بديل عملي للسلطة الفاقدة للقرار والتي تشكل اليوم عبئا حقيقياً على الشعب الفلسطيني، ومراجعة شاملة لإستراتيجية المواجهة مع الاحتلال.
مما تتطلبه المصالحة أيضاً تغيير عقلية الإقصاء وما تمثله من استفراد بالشرعية المزعومة والقرار الفلسطيني، والتعامل بحساسية مع ملفات شائكة لا مفر من تناولها، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية والحزبية، وما يعنيه ذلك من إبعاد وعزل العناصر التوتيرية المعروفة والمسببة للوضع الحالي، واتخاذ مبادرات حسن نية أولها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
كررنا حتى مللنا من أنفسنا أن المصالحة لها أساسات ومحددات: سقف زمني محدد، آليات تنفيذ واضحة، نية صادقة، وسيط نزيه، وقرار مستقل.
لم تتوفر بعد هذه العناصر، وما زال الاحتلال المتحكم في كل شيء حتى مكان مبيت رئيس السلطة وقيادته لسيارته…
وما زالت الأموال المشروطة والرواتب المذلة السلاح الأقوى والأنجع…
ما أن يوقف الاحتلال عائدات الضرائب حتى يخنع ويخضع ويتراجع عبّاس ومن معه…
من يقبل بأن يكون ألعوبة وأداة في يد الاحتلال لا يمكن الوثوق به…
ومن رهن نفسه لمبدأ “الحياة مفاوضات” لن يصبح وطنياً فجأة…
باختصار:
واهم من يظن أن المصالحة ممكنة بنفس الأدوات السابقة…
يضحك على نفسه من يعتقد أن عباس ومن معه سيتغيرون…
يحلم من يظن أن المصالحة قريبة وممكنة حالياً…
للمتباكين على المصالحة المفترضة نهدي لهم هذا المثل الشعبي المعروف: رجعت حليمة لعادتها القديمة.
لا نامت أعين الجبناء