«المونيتور»: إسرائيل ما زالت بعيدة عن الحرب الأهلية ولكنها تقترب منها سريعا بمرور الايام

 

نشر موقع «المونيتور» الإخباري مقالًا لـ بن كاسبيت، المحل السياسي الإسرائيلي، حذَّر فيه من أن إسرائيل أصبحت على شفا حرب أهلية بسبب التحريض المتزايد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والمعركة حول المظاهرات وحالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
يقول الكاتب في مستهل مقاله إن تهديد الحرب الأهلية طغى على تاريخ اليهود منذ أيام الكتاب المقدس وتاريخ الإسرائيليين. والواقع أن المصطلح العبري عن «الحرب الأهلية» هو «حرب الأشقاء»، والتي يرجع تاريخها على الأرجح إلى القبائل الاثني عشر، إن لم يكن إلى ولدَي آدم قابيل وهابيل. وتعزو المعتقدات اليهودية تدمير الهيكل الأول والهيكل الثاني في القدس إلى «الكراهية العقيمة» والصدامات الداخلية بين اليهود أنفسهم.
ولطالما كانت إسرائيل العصر الحديث تخشى من مثل هذا الاحتمال؛ إذ تبنَّت بوعي النهج المعاكس الذي يُمَجد الوحدة ويؤكد على المصير المشترك ويدعم التماسك الداخلي باعتباره واحدًا من أعظم أصولها في مواجهة الشدائد. ومنذ إعلان قيام دولتها في عام 1948، كان الشعور السائد بأن «العالم ضدنا» مصدرًا للفخر والقوة حتى أثناء أوقات الخلافات الداخلية. وقد تآكل هذا التماسك في الأعوام الأخيرة، وحل محله هوَّة داخلية دموية تغذيها الكراهية الشرسة التي تبدو وكأنها خرجت عن نطاق السيطرة. ونادرًا ما كانت إسرائيل قريبة إلى هذا الحد من الصدام الداخلي العنيف، بل وربما حتى من الحرب الأهلية.
ليست المرة الأولى
ويشير الكاتب إلى أن إسرائيل واجهت صدامين داخليين ذوي تأثير عميق في تاريخها القصير، إذ وقعت الحادثة الأولى في يونيو (حزيران) 1948، بعد أسابيع من إعلان الاستقلال، عندما أمر رئيس الوزراء الجديد آنذاك ديفيد بن غوريون بإغراق السفينة «ألتالينا»، وهي سفينة تحمل أسلحة لمنظمة «إيتسل» السرية التي كانت في طور الاندماج في الجيش الإسرائيلي.
ووقعت الحادثة الثانية بعد أربع سنوات من الأولى، عندما قاد مناحيم بيجن، زعيم حزب حيروت، الحزب الأم لحزب الليكود، احتجاجات حاشدة ضد اتفاقية تعويضات المحرقة التي أبرمتها إسرائيل مع ألمانيا. وفي كلتا الحادثتين، توقفت الأطراف قبيل نشوب مواجهات دامية. ويعود الفضل الرئيس في كلتا الحالتين إلى بيجن، الذي انتُخب لاحقًا رئيسًا للوزراء في عام 1977، والذي بذل كل ما في وسعه لمنع نشوب الحرب الأهلية وكان يفتخر بهذا الإنجاز حتى يوم وفاته.
تفتقر إسرائيل أكثر من أي شيء إلى شخصية قدوة مُبَجَّلة مثل بيجن، بحسب التقرير، الذي ضغط على المكابح قبل فوات الأوان وقدَّم رفاهة الدولة على المصالح الشخصية أو السياسية لحركته.
ولكن رئيس الوزراء ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو لا يعتزم أن يحذو حذو بيجن، بل إنه على العكس من ذلك ينخرط يوميًّا في تكثيف التحريض ضد مؤسسات الدولة وأعدائه السياسيين الحقيقيين والافتراضيين. ويواجهه مئات الآلاف من المعارضين الذين لا يرغبون أيضًا في التنحي، وباتت الغالبية الصامتة من الإسرائيليين ممزقة بين هذين المعسكرين المتنازعين. وتواجه الشرطة صعوبة في التعامل مع الاحتجاجات، وتراجعت الثقة في مؤسسات الدولة إلى أدنى مستوياتها، وأصبحت الكراهية تصبغ الساحة العامة كما لم يحدث من قبل.
صراع شخصي محض
ويوضح الكاتب أن النزاع لم يعد يدور حول الأيديولوجيات المتنافسة بين اليسار واليمين، ولا حول الاتفاقيات والتنازلات للدول المعادية وقضايا الحرب والسلام، لكن الصراع بين شطري الشعب الإسرائيلي عبارة عن صراع شخصي محض؛ إذ يضع أنصار نتنياهو ومعارضيه في مواجهة ضد بعضهم البعض.
ومن ناحية، هناك شريحة كبيرة من الجمهور الذين يثقون في نتنياهو وينظرون إليه باعتباره المسيح الذي يحول بين إسرائيل والزوال. وعلى الجانب الآخر هناك شريحة من الجمهور، بنفس القدر من الحماسة، الذين ينظرون إلى نتنياهو باعتباره خطرًا داهمًا واضحًا على مستقبل الدولة. وبالجمع بين جائحة فيروس كورونا المستعرة وتداعياتها الاقتصادية، واليهود الأرثوذكس المتشددين الذين يتجاهلون قيود الإغلاق العام، والاحتجاجات المستمرة التي تتحول إلى عنف متزايد، تواجه إسرائيل توترات داخلية خطيرة من أسوأ ما شهدته منذ قيام دولتها.
وهجوم نتنياهو ومبعوثيه المتواصل على سيادة القانون، وعلى سلطات إنفاذ القانون، والمحاكم، وكل رموز الدولة الأخرى، يجعل من التوترات الحالية قنبلة موقوتة شديدة الانفجار، بحسب الكاتب. وقد حققت الحملة نجاحًا كبيرًا؛ فلم يعد كثيرون في إسرائيل يثقون في أي مؤسسة حكومية، ويعتقد عديدون أن الشرطة ساعدت نتنياهو، وأن الادِّعاء العام والمدعي العام تآمروا لإسقاطه بعد أن وجَّهوا ضده لائحة اتهام بالفساد لا أساس لها من الصحة وأن اليسار «الشيطاني»، رغم وضعه الذي يكاد يكون منقرضًا، يتآمر لاستعادة أيام مجده من خلال سيطرة قوية على الحكومة، بحسب التقرير.
ويُشاطر خصوم نتنياهو أتباعه نفس الشعور بأن مؤسسات الدولة مُفْلِسة. وبدأ الاحتجاج المناهض لنتنياهو منذ حوالي ثلاثة أعوام، ولكنه لم يهدأ بعد. وكان الاحتجاج مقتصرًا في البداية على عدة مجموعات صغيرة ركَّزت في الأساس على الفساد المزعوم لرئيس الوزراء، ولكنها فشلت في اجتذاب دعم واسع النطاق.
وقد طفح الكيل مع تفشي فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية، الأمر الذي دفع عشرات الآلاف من الشباب الإسرائيلي إلى الخروج إلى الشوارع وحوَّل ما كان إلى حد كبير احتجاجًا محمودًا إلى تهديد متزايد لقبضة نتنياهو على السلطة. وسرعان ما توسَّعت المظاهرات المنتظمة خارج مقر إقامة نتنياهو الرسمي في تل أبيب وتصاعدت وتيرتها، مما أدى إلى احتجاجات أصغر عرضية في جميع أنحاء البلاد؛ حيث اتخذ عشرات الآلاف مواقع عند مئات التقاطعات والجسور ملوحين بعلم الدولة والأعلام السوداء مطالبين باستقالة نتنياهو. وأضاف الآلاف كلمة «ارحل» إلى صور ملفاتهم الشخصية على فيسبوك في الأيام الأخيرة.
مواجهة الاحتجاجات ستؤدي للحرب أهلية
ويلفت الكاتب إلى أن نتنياهو يبذل كل ما في وسعه لمواجهة الاحتجاجات، وتوظيف انتشار عدوى فيروس كورونا لخدمة غاياته. وأفادت مصادر داخل المجموعة الوزارية المعنية بأزمة فيروس كورونا مرارًا أن الحظر المفروض على الاحتجاجات الذي استطاع نتنياهو تمريره ذو أهمية أكبر بالنسبة له من الوقوف في وجه الجائحة.
وكانت آخر مرة واجه فيها نتنياهو مثل هذا الاحتجاج الشعبي في عام 2011، عندما تدفق مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع وساحات المدن للمطالبة بـ«العدالة الاجتماعية». وأخضع نتنياهو هذا الاحتجاج بسهولة نسبية من خلال الوعد ببعض الفُتَات الاقتصادي والتفاوض لإطلاق سراح جلعاد شاليط، الجندي الذي أسرته حماس مقابل إطلاق سراح المئات من أعضاء حماس.
وبعد مرور تسع سنوات، لم يعد هذا خيارًا واردًا؛ فإسرائيل تحقق أرقامًا قياسية في الإصابة بكوفيد-19، وخسر نحو مليون إسرائيلي وظائفهم وفقد عشرات الآلاف شركاتهم، وعجز الميزانية آخذ في الارتفاع، ويبدو أن الحكومة تفتقر إلى العزيمة أو إيجاد الحلول. ولا ينبغي أن يتوقع الإسرائيليون أخبارًا جيدة في أي وقت قريب.
إن اليأس يتزايد لدى الجانبين المتحاربين، وتستخدم الشرطة تكتيكات عنيفة على نحو متزايد للسيطرة على الاحتجاجات. ولن يتطلب الأمر سوى شرارة واحدة لإشعال برميل البارود الذي يهدد الشارع. ولم تساعد دعوات الصحافيين والنقاد المحافظين إلى العفو عن نتنياهو ودفن لائحة اتهاماته في مقابل استقالته لاستعادة الهدوء في الشارع الإسرائيلي.
واختتم الكاتب مقاله بالقول يبدو أن نتنياهو لا يخطط للتراجع، وكذلك خصومه. ومن المقرر أن تبدأ مرحلة الأدلة في محاكمته في يناير (كانون الثاني)، كذلك يُحتجز مُنافسه/شريكه حزب أزرق أبيض باعتباره رهينة في حكومة «الوحدة» الكسيحة إلى حد كبير والتي تشكَّلت في مايو (أيار)، ولا يلوح أي حل منطقي في الأفق.
ويبدو أن نبوءة الرئيس روفين ريفلين التي أطلقها قبل عدة سنوات بأن نتنياهو سوف يأخذ الدولة معه إذا سقط، تتحقق أمام أعيننا، بحسب الكاتب. إن إسرائيل ما زالت بعيدة عن حرب أهلية حقيقية، ولكن المسافة بينها وبين الحرب الأهلية تقل وتقترب بمرور الأيام.
.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى