هل تصمد الكويت على نهج اميرها الراحل وسط ضغوط “خلايجة التطبيع” للالتحاق بهم؟؟

استطاع أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أن يبني امبراطورية دبلوماسية، على مدار العقود الماضية مكنت بلاده من الحفاظ على حيادية منقطعة النظير، وتعدى الأمر ذلك من خلال مساهمته في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية في الشرق الأوسط، بعد الغزو العراقي للكويت في عام 1990، وبهذا يكون الإرث الدبلوماسي للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ثقيلاً ويحمل في طياته العديد من التحديات في ظل وجود العديد من الملفات الشائكة التي تنتظر الأمير الجديد، لاسيما ملف “التطبيع مع اسرائيل”.
الكويت كانت محايدة في الكثير من نزاعات الشرق الأوسط المستعصية، إلا أنها في موضوع “التطبيع” مع العدو الاسرائيلي، اتخذت موقفاً صارماً معارضاً للتطبيع حتى تحقيق جميع طلبات الفلسطينيين وتنفيذ الاتفاقيات الدولية، إلا أن الأسئلة التي تتردد اليوم كيف سيكون موقف أمير الكويت الجديد من التطبيع؟
صحيفة “وول ستريت جورنال” تحدثت عن الاحتمالات المتاحة أمام الأمير الجديد، وكيف يمكن أن يتعامل مع ملف التطبيع، وتقول الصحيفة إن وفاة الشيخ صباح مهندس العلاقات الخارجية للكويت منذ فترة طويلة يترك خليفته أمام معضلة كبيرة، تطبيع العلاقات مع إسرائيل من عدمه، دون إقامة دولة فلسطينية.
وكان الشيخ صباح داعماً بثبات للفلسطينيين حتى حين ضعف دعم العرب لرؤية الفلسطينيين لدولتهم المستقلة. وأدَّى تطبيع العلاقات الذي توسَّطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل والإمارات والبحرين إلى زيادة الضغط على آخرين، بينهم الكويت، ليحذو حذوهما.
فبعد لقاءٍ في وقتٍ سابق من هذا الشهر مع أكبر أبناء الشيخ صباح، وزير الدفاع السابق الذي يُعَد منافساً رئيساً ليكون ولي العهد المقبل، قال الرئيس ترامب إنَّ الكويت ستكون البلد التالي الذي يقيم علاقات رسمية مع إسرائيل. لكن بعد أسبوع في الأمم المتحدة، أعاد رئيس وزراء الكويت تأكيد إصرار بلاده على أن يأتي السلام مع الفلسطينيين سابقاً على التطبيع مع العالم العربي.
وعلى عكس معظم جيرانها، لا بدّ أن توازن الكويت الضغوط من الولايات المتحدة، أكبر ضامن أمني لها، مقابل العلاقات الودية التي تحتفظ بها البلاد مع الجارة إيران، وكذلك الرأي العام الداعم للفلسطينيين، الذي يُعزِّزه الإعلام المحلي والبرلمان اللذان يُعدَّان من بين الأقوى في المنطقة.
ويقول عضو بارز بالأسرة الكويتية الحاكمة للصحيفة الأمريكية، إنَّه يتوقع أن تحاول السعودية والإمارات الضغط على الكويت لتحذو حذوهما بصورة أكبر، ولاسيما في القضايا الإقليمية التي سعى الشيخ صباح لسلوك مسار وسط فيها. لكنَّه قال إنَّ الأمير الجديد كان مشاركاً بقوة في قرارات سلفه، ولا يؤيد التطبيع الأحادي مع إسرائيل، وأضاف: “الكويت تريد موقفاً محايداً. لن ندعم ما يجري ونشيد به، لكنَّنا لن ننتقده أيضاً”.
ويقول بدر السيف، أستاذ التاريخ المساعد بجامعة الكويت، إنَّه في حين قد ينكز الجيران الكويت ويدفعونها لرؤية ما يمكنهم أن يأتوا به، فإنَّنا “لسنا بلداً يتغير بين عشيةٍ وضحاها. الأمر لا يسير على هذا النحو. هناك عملية”. وأضاف أنَّه بالنظر إلى الرأي العام القوي ضد التطبيع، “لن يطلق أي حاكم قادم النار على قدميه بفعل ذلك”.
وبسبب النظر إلى الكويت باعتبارها أكثر الدول الخليجية الداعمة للفلسطينيين، قد يسهم إبرام اتفاق مع إسرائيل في ترسيخ قبول الدولة اليهودية في المنطقة، لكن بحسب يوئيل غوزانكسي، الرئيس السابق لمكتب الخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فإنَّ السياسة الداخلية والمكانة الأقل نسبياً مقارنةً بمركزي القوة في الإمارات والسعودية تجعل الكويت ذات أولوية أقل لدى الدولة اليهودية. وأضاف: “لا أرى أنَّ ذلك سيحدث. سيكون الأمر انتحاراً داخلياً”.
الشعب الكويتي معروف عنه مناصرته للقضية الفلسطينية ودعمها، وما وضع المواطنين بصورة عفوية خريطة فلسطين أمام منازلهم إلا خير دليل على مكانة فلسطين لدى الكويتيين، ونقلت صحيفة “القبس” الكويتية عن مصادر حكومية “رفيعة جداً” أن رفض التطبيع من قبل الكويت “ثابت ولم يتغير”، مضيفة أن “الكويت تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه كاملة والتوصل إلى حل عادل قائم على مرجعيات السلام وحل الدولتين”.
الصعوبة الحقيقة ليست في رفض التطبيع بقدر الصعوبة التي سيواجهها أمير الكويت الجديد في الحفاظ على دور الوساطة الذي لعبته بلاده بين الدول المتناحرة في المنطقة الخليجية، لا لشيء إلا لأنه يفتقر إلى خبرة شقيقه الراحل في التوفيق ببين الأطراف المتناحرة على مدى عقود في منطقة يعمها الاستقطاب.
الكويت ستحافظ على علاقات جيدة مع جيرانها لا محالة، ولن ترغب في الحصول على دور قيادي، ومع ذلك هناك من يشكك بقدرة الشيخ نواف في الحفاظ على ارث الدبلوماسية الكويتية بنفس القوة التي كان يتمتع بها الأمير الصباح، ويقول مصدران لرويترز، قريبان من الأسرة الحاكمة وأحد الدبلوماسيين، إن من المرجح أن تستمر السياسة الخارجية دون تغيير لكن الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يمكن أن تفقد جاذبيتها على المستوى الدولي. وأضاف أحد المصدرين: “الأمير الجديد ليس لديه الخبرة أو الاستعداد للسياسة الخارجية”. وأضاف “في الداخل ستبقى الكويت قوية، لكن في الخارج ستكون أضعف”.
وبشكل كبير ظل الشيخ نواف خارج دائرة الضوء وهو ولي العهد، وأيضاً عندما كان وزيراً للدفاع وقت الغزو عام 1990 ووزيراً للداخلية. وهو معروف بأنه مؤسس الحرس الوطني، وحاول بناء تعاون أمني مع الدول العربية. وقال المصدر الدبلوماسي إن اختيار أمير البلاد في 2006 الشيخ نواف ولياً للعهد اعتبر على نطاق واسع اختياراً مفاجئاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى