جمال عبد الناصر.. الحاضر الغائب

بقلم: عبد الهادي الراجح

 

خمسون عاما بالتمام والكمال ولياليها الطويلة، أي نصف قرن، مرت على الرحيل المفجع لرمز الأمة وعنوان نهضتها وتحررها، الزعيم جمال عبد الناصر .
ورغم مرور نصف قرن على الرحيل المفجع إلا أنه لا يزال الحاضر الذي لا يغيب ، نراه في كل صرخة تحررية في كل مسيرة إصلاح أو انتفاضة على الظلم والقهر أو ثورة على الباطل لا نرى إلا صوره وشعاراته ترفع وكأنه لا يزال بيننا روحا وجسدا .
أعداءه من تجار الدين وبقايا الإقطاع وحتى ذيول الأنظمة المعتلة وأغلبهم خاصة في مصر تحديدا لولا مجانية التعليم التي أوجدها الزعيم عبد الناصر لكانوا اليوم مجرد عبيد لدى الإقطاعيين أي مجتمع 5% الذي كان سائدا في ذلك الوقت .
ولكن للأسف عاد اليوم بعد الثورة المضادة التي قادها المقبور أنور الساداتي بأمر مشغليه الصهاينة ودعم عملائهم من إعراب اللسان ليحكم مصر حتى وهو في قبره .
هؤلاء يرون في الزعيم جمال عبد الناصر المارد الذي رحل جسدا ولكن رسالته وتأثيره الذي يسمونه تحريضا تستدعي كل يوم المؤيدين والمؤمنين بوحدة هذه الأمة وقوميتها ووجودها .
أما مؤيديه من القابضين على جمر المبادئ فهو بالنسبة لهم موجودا في المقاومة المصرية لكل ما هو صهيو أمريكي وموجود في المقاومة اللبنانية ويرون في سماحة السيد حسن نصر الله رمزا للمقاومة في لبنان وناصر لبنان الجديد ، كما هو موجود في فلسطين بكل صرخة مقاومة ورفض للوجود الصهيوني بغض النظر عن هوية التنظيم أو ذلك .
وموجودا في المقاومة العراقية للوجود الصهيو أمريكي ، وموجود في ليبيا ورفض مشروع صهينتها وموجود في سوريا وهو عنوانا لوحدتها وعلمها القومي الذي يريد عملاء العدو تغيره اليوم .
موجود في كل حركة رفض للوجود الصهيو أمريكي في كل قطر عربي حتى لو كان هذا الرفض مخالفا لنهج عبد الناصر، أليس وجه الثوار واحد كما قال الشاعر الثائر مظفر النواب .
خمسون عاما من الغياب الذي وحد كل الأضداد على أهمية ثورة يوليو المجيدة وزعيمها ، من يحبه ومن يرفضه على السواء وما هذا السيل الجارف من الهجوم على التجربة الناصرية وشيطنة رمزها بكل ما لقنوا به من فن الأكاذيب والافتراءات التي باءت جميعها بالفشل .
وما الذي جمع كل هذه الأضداد من الصهاينة الأمريكان والرجعية العربية وتجار الإسلام السياسي وبقايا الإقطاعيين من دعاة التيار الانعزالي غير العداء لجمال عبد الناصر ومشروعه القومي التحرري .
من الذي جمع بين الإسلام الثوري الحقيقي الممثل في حزب الله والجهاد الإسلامي وغيرهم في حب واحترام تجربة الزعيم وضرورة الاستفادة منها غير روح المقاومة الحقيقية الكامنة في ضمائر وأسس هذه التنظيمات التي لا ترى عدو للأمة غير الكيان الصهيوني وعملائه في المنطقة وداعميه من الشيطان الأكبر أمريكا كما كان يقول الإمام الخميني رحمه الله إلى الشيطان القزم ابن سلمان وابن ناقص في الجزيرة العربية وما يسمى بدويلة الإمارات العبرية ومن يدور في فلكهم في السر والعلن .
خمسون عاما على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر وكأنها بالأمس ، خمسون عاما من ثورة الأكاذيب التخريبية على الزعيم وتجربته ومحاولة تشويهها ولكن لم تؤثر في وجدان الأمة العربية وأبناءها .
خمسون عاما وهو في عالم الخلود والأبدية ومنتقديه سقطت عنهم كل الأقنعة حتى ورقة التوت التي كانت تستر عورتهم القذرة .
خمسون عاما وأمتنا العربية في حالة من اليتم السياسي بانتظار جمال عبد الناصر التنظيم والتيار الواحد الموحد الذي يجمع الأمة وليس جمال عبد الناصر الإنسان الذي لم يبقى منه إلا عنوان الرسالة الخالدة التي كان أفضل من حملها وهي موجودة قبله وستبقى من بعده حتى ظهور الحزب التيار الناصري الذي ينتمي بحق وحقيقية لرسالة جمال عبد الناصر الوحدوية المتمثلة بالثالوث المقدس الحرية والاشتراكية والوحدة وليس من يتاجر اليوم بالناصرية بعد رحيل رمزها .
جمال عبد الناصر حالة تاريخية ونموذج لتجربة لن تتكرر ولن يجود الزمن بمثله فارس لم يغيبه الموت إلا كانسان ولكن حضوره باعتراف أعدائه ومحبيه الكثيرون فهو حضور طاغي فلا يمكن مناقشة سياسية أو اقتصادية أو وحدوية إلا وكان حضور الزعيم جمال عبد الناصر فارضا نفسه على كل متحدث وحسب الخندق الذي يقف به هذا أو ذاك .
لذلك هو الحاضر رغم نصف قرن من الغياب وأعدائه الفاشلون وهم من نصف قرن يتخبطون سياسيا وفي عهده كانت لهم قيمة ولم تخرج تنظيماتهم للأسف عن دائرة الهجوم المستمر على تاريخ الزعيم وتجربته وانتقاده حتى في أعظم ايجابياته ونظرتهم دائما سوداء لا ترى إلا السواد .
لذلك قلنا ونقول جمال عبد الناصر حالة ثورية وإنسانية لا تتكرر ولن يستنسخها الزمن إلا كتنظيم سياسي يأخذ بكل أبعاد التجربة الايجابية ويتلاشى مع ما وقعت به من أخطاء كأي تجربة إنسانية ، فهل يوجد خطأ أكبر من وجود عميل احتل مواقع مهمة اسمه أنور الساداتي وهذا برأيي من أكبر الأخطاء التي وقعت بها التجربة الناصرية .
سلام عليك أبا خالد العظيم، سلام عليك يوم ولدت ويوم خرجت ثائرا من أجل وطنك وأمتك ويوم تبعث حيا.. فأنت الحاضر الغائب وباقي الأنظمة المعتلة هم الأموات الأحياء .
ولا نامت أعين الجبناء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى