السلطان الأخير..

.. وها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواصل السعي لتتويج نفسه “سلطاناً” يمكن – في تقديره أن يرث السلاطين القدامى، أيام كان الأتراك عثمانيين وكان سلطانهم يحاول تقليد الخلفاء الأمويين والعباسيين والفاطميين، فاللقب أهم من المنصب.

إن “السلطان” أردوغان يحتل الآن بعض الشمال في العراق بذريعة “تأديب” الأكراد الذين يقاتلهم في تركيا ذاتها ويقتل الكثير منهم في شمالي سوريا وشرقها، ويرسل أعداداً منهم ليقاتلوا تحت علمه في ليبيا، متناسياً أن السلطنة قد سقطت وأن لقبه “رئيس الجمهورية” وليس السلطان.

في الوقت ذاته يحاول “السلطان” تعزيز قدرات الأقلية التركية بجعلها “جمهورية ثانية” إلى جانب “قبرص” الناطقة باليونانية، مع أن القبارصة كانوا راضين بوحدة الجزيرة الصغيرة التي كانت عواطف أبنائها تتجه إلى الجيران الأقربين في لبنان وسوريا ومعها مصر، فضلاً عن اليونان.

الأحلام تقتل أصحابها متى كانت أعظم من قدرتهم على تحقيقها على الأرض، وأردوغان ينام مع السلاطين العثمانيين ويتمثل نفسه واحداً منها. وذات سنة جاء هذا الرئيس التركي إلى لبنان في زيارة رسمية، وقد أصَّر حينها على زيارة قرى صغيرة في عكار يقيم فيها بعض من نزحوا من تركيا، أو كانوا يخدمون كجنود في جيش السلطان ثم استقروا مع هزيمتهم في آخر موقع من مواقع الحرب التي خسروها ومعهم الألمان أمام التحالف البريطاني الفرنسي في الحرب العالمية الأولى.

للمناسبة: الألمان هم الذين أنشأوا خطوط السكة الحديد في لبنان وكانت المحطة في رياق، وقد خدمت في نقل جنودهم إلى الجبهة في مواجهة الإنكليز والفرنسيين، وقبلها وأثناءها كان الضابط البريطاني لورنس مكلفاً بالعلاقة مع أبناء الشريف حسين، أمير مكة حينها، وهو من أوصى بنجله عبدالله ليكون أميراً على الإمارة التي اقتطعها من الأرض السورية وجعلها شرقي الأردن، كما كان “مهندس” انتقال فيصل الأول من سوريا التي رفضته ملكاً، لينصبه ملكاً على العراق 1920، ومع إنتهاء الحرب العالمية الأولى.

*****

ليس حلماً إذن .. بل أن اردوغان يتخيل نفسه آخر سلاطين العثمانيين، وقد حباه الله الصحة والجاه ومكنَّه من أن يصل إلى رئاسة بلدية إسطنبول، أو الأستانة، مقر السلاطين وحريمهم أيام العثمانيين.. ثم قفز بعدها إلى رئاسة الدولة، واستقر في العاصمة الرسمية أنقرة لكن خياله ظل يجوب الآفاق ويصطنع له الأحلام فيصوره سلطاناً من حقه أن يستعيد “أملاك” السلطنة العثمانية..

وما اندفاعه إلى ليبيا، بوهم أنها بعض أملاك السلطنة فليس إلا ذريعة لتبرير محاولته احتلالها بتسنّم موقع السلطان الذي انتهى زمانه، وإلا إلى إشهار عدائه للعرب والمسلمين وتدعيم إتجاهه نحو الغرب، عبر التحالف مع الاميركيين، من دون أن يقطع مع الروس الذين يحاورونه فيتجنب الصدام معهم وينافقهم ليعززوا موقعه في المنطقة، على أن ولاءه يبقى، أولاً وأخيراً، للأميركيين الذين ساندوه في مختلف معاركه وعلى مختلف الجبهات بدءا من سوريا وإنتهاء بليبيا.

آخر ” السلاطين” عنيد، وهو يثأر الآن للسلطنة من سوريا والسوريين ويخاصم المصريين ويتقدم لإحتلال ليبيا وقتل الليبيين.

آخر “السلاطين” أسوأهم.. بلا منافس!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى