البطريرك الراعي يوظف رتبتة الدينية ليصعّد ضد حزب الله ويطالب بمداهمة مخازن أسلحته

صعد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته، امس الأحد، الهجوم على حزب الله دون أن يسميه، داعيا السلطات اللبنانية إلى مداهمة “كل مخابئ السلاح والمتفجرات ومخازنه المنتشرة من غير وجه شرعي بين الأحياء السكنية والمدن والبلدات والقرى”.
وقال البطريرك الماروني، في نبرة غير معهودة موجهة ضد هذا الحزب المقاوم وتعكس نفاد صبر ممّا آل إليه الوضع في لبنان، إن “بعض المناطق اللبنانية تحولت إلى حقول متفجرات لا نعلم متى تنفجر ومن سيفجرها”، مشدّدا على أنّ “وجود هذه المخابئ يشكل تهديدا جديا وخطيرا لحياة المواطنين التي ليست ملكا لأي شخص أو فئة أو حزب أو منظمة”.
وكان انفجار مدمر قد ضرب في الرابع من أغسطس الجاري مرفأ بيروت، وأدى إلى مقتل العشرات وتشريد الآلاف فضلا عمّا خلفه من دمار واسع في المدينة.
وبحسب تقديرات أولية، وقع الانفجار في عنبر 12، الذي قالت السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة “نترات الأمونيوم”، مُصادرة ومُخزنة بطريقة غير سليمة منذ عام 2014، ولأن الإهمال يبدو الفرضية الأولى لما حدث بيد أن فرضية الاعتداء من قبل إحدى الجهات تبقى مطروحة.
ويشهد لبنان انقساما حول التحقيق في انفجار المرفأ، ففيما تدعو قيادات روحية وسياسية على غرار مفتي لبنان الشيخ عبداللطيف دريان إلى تحقيق دولي في انفجار المرفأ، يرفض آخرون بينهم حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر (حزب رئيس الجمهورية) جبران باسيل اللجوء إلى هذا التحقيق والاكتفاء بتحقيقات مؤسسات الدولة.
وقال الراعي خلال ترؤسه القداس في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، إنّ “ما يدمي القلب بالأكثر (بعد كارثة انفجار المرفأ) ويثير الغضب الشعبي هو أن بعض مسؤولي الدولة يتعاطون مع الكارثة من زاوية سياسية ويحولون دون تحقيق دولي يكشف بواسطة تقنياته وحياديته أسباب التفجير ويحدد المسؤوليات بتجرد ونزاهة”.
وأضاف “يكاد الغضب الشعبي أن يتفجر عند رؤية المعنيين بتأليف حكومة جديدة، يقاربون عملية التأليف من منظار انتخابيٍ ومصلحيٍ ويضعون الشروط والشروط المضادة، وكأن لا البلاد انهارت، ولا الجوع عمّ، ولا الكيان ترنح، ولا انفجار المرفأ حصل، ولا 200 شهيد سقطوا، ولا ألوفا من الجرحى، ولا مئات الألوف من دون مأوى، ولا بيروت تدمرت، ولا عقوبات قديمة وجديدة، ولا وباء كورونا يكتسح البلاد”.
وعمق الانفجار من ندوب لبنان الذي يئن تحت ثقل أزمة مالية عميقة، في ظل تحفظات دولية على تقديم الدعم المالي قبل أن تقدم الطبقة السياسية الحاكمة على إصلاحات جوهرية سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي في علاقة بضرورة وقف حزب الله الشيعي التدخل في الصراعات الإقليمية وتسليم ترسانته العسكرية المخزنة في المناطق الآهلة بالسكان.
وما يزيد الوضع سوءا حالة التشظي السياسي في ظل إصرار الفريق السياسي الحاكم الذي يقوده حزب الله على إبقاء هيمنته على البلد، دون مبالاة بأوجاع الناس، وليس أدل من المشاورات الجارية بشأن تشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة حسان دياب التي استقالت بعد يومين من الانفجار على خلفية احتجاجات شعبية واسعة.
وقال البطريرك الماروني “إنّ الشعب والعالم يترقّبان تأليفَ حكومة إنقاذٍ وطنيٍّ واقتصاديٍّ سريعا دونما إبطاء، مهما كان السبب، شرط أن تتألف من رجالات إنقاذ. فلمَ مقاومةُ الإصلاح؟ ولمَ حصرُ السلطةِ في منظومةٍ أثبتَتْ فشلَها؟ إنّ ما نخشاه أن يكون أحدُ أهدافِ التسويف في تأليف الحكومة هو إعادةُ لبنان إلى عزلته التي كان يَرزح تحتها قبل تفجير المرفأ”.
انفجار المرفأ “الغامض” يعيد طرح أسئلة بشأن مخازن أسلحة حزب الله
وأثار انفجار بيروت تعاطفا لافتا مع لبنان، ما شكل بارقة أمل للبنانيين بعودة وضع البلاد على خارطة الرعاية الدولية، لكن مسار الأمور وسياسات أقطاب السلطة يشيان بأن الأزمة في هذا البلد ستبقى “محلك سر”.
وجدد الراعي، امس الأحد دعوته إلى وثيقة بعنوان “لبنان الحياد الناشط”، التي أطلقها في 17 أغسطس الجاري، قائلا في هذا الصدد “لقد بات الحياد معيارَ قناعتنا بمفهوم لبنان الكبير ودوره التاريخيّ وصيغة الشراكة التي أرساها الميثاق الوطنيّ وطوّرها اتّفاق الطائف. إنّ بناء الدولة القويّة مرهونٌ باعتماد الحياد لا بالاستغناء عنه. وهذا ما نرجوه عشيّة الاحتفال بالمئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير. صحيحٌ أنّ لبنان صغيرٌ بمساحته، لكنّه كبيرٌ بشعبه ورسالته”.
ويهدف طرح الحياد الناشط بحسب تصريحات سابقة للراعي، إلى ضرورة “تعزيز مفهوم الدولة اللبنانية، من خلال جيش قوي وقضاء مستقل ومؤسسات قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي”، وهذا ما يفرض عمليا على حزب الله نزع سلاحه والنأي بنفسه عن حرائق المنطقة، والتحول إلى حزب مدني، ولكن الأخير لا يبدو مستعدا لهكذا توجه في ظل ارتهان قراراه بيد إيران، وهذه من الأسباب التي دفعت على ما يبدو الكاردينال إلى التصعيد ضده في ظل قناعته بأن الوضع في لبنان لم يعد يحتمل.
وقال البطريرك الماروني في وقت سابق، إن هيمنة حزب الله على الحكومة والسياسة في البلاد، تجعل لبنان وحيدا ومحروما من الدعم الخليجي أو الأميركي أو الأوروبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى