القرار السّياسيّ الوطنيّ المستقلّ.. والنّزاع المجتمعيّ العالميّ المعاصر حوله
بقلم : د . بهجت سليمان

1▪︎ يجمع تاريخ “ الفكر السّياسيّ” الحديث و المعاصر ، بمجمله ، و بخاصّة منه ذو الأصول التّاريخيّة الرّاديكاليّة أو المتداخل مع التّقاليد الثّوريّة ما قبل الماركسيّة و مروراً بالماركسيّة – الّلينينيّة ، على أنّ الرّأسماليّة العالميّة قد دخلت أزمتها التّكوينيّة البنيويّة ، وفق توقّعات ( ماركس ) ، بدخولها عصر“ الإمبريالّية ” ، بحسَب تعبير ( لينين ) في أنّ ” الإمبريالّية هي أعلى مراحل الرّأسماليّة ” ..
و بتعبير آخر فإنّ “ الإمبرياليّة ” ، بتعريف معاصر لها ، هي المرحلة السّياسيّة العالميّة الأشمل لسيطرة الرأسمالّية ، في أحدث طبعة لها و هي رأس المال الماليّ الاحتكاريّ للنّظام الماليّ النّقديّ الرّيعيّ الرّأسماليّ العالميّ ( الإتجار بالثّروات و الأموال ، و الاستثمار الرّيعيّ الماليّ ) .
2▪︎ و إذا كانت الحرب العالميّة الأولى قد دشّنت المرحلة الإمبريالّية للرّأسماليّة ، فإنّ الولايات المتّحدة قد ساهمت في إشعال الحربين العالميّتين لمحاصرة و تطويق و إجهاض و ترويض و إخضاع دولتين تقليديّتين عملاقتين ، هما ( ألمانيا ) و ( اليابان ) ..
و لقد حقّقت ( أميركا ) ذلك كما حقّقت في ذلك قفزة اقتصاديّة و عسكريّة و سيايسيّة ، على مستوى رأس المال العالميّ ، و دخلت عبر ذلك عصر الإمبريالّية التّوليتاريّة على مستوى العالم ، هذه المرّة ، في إطار حقائق لايمكن إغفالها في الّتاريخ المعاصر ، و نحن ليس علينا ذلك ، و لا يُمكننا إخضاعها للأيديولوجّيات التي بدأت راديكاليّاتها تنضبُ مع الزّمن ، حيث تشهد للظّاهرة أعراضها ، في التّحليل ، سواءٌ أكانت هذه الأعراض أعراضاً مرضيّة ، أم أنّها صفات طبيعيّة لتطوّر لم يتّفق الجميع على استيعابه أو فهمه بطريقة واحدة..
بمعنى أنّ للإمبريالّية العالميّة آليّات متجدّدة و لاتنتهي ببساطة ، بهذه السّرعة التي ترجوها شعوب العالم الفقيرة ، مع أنّ الأفق التّاريخيّ ، في تناهياته الإنسانّية ، مسدود أمام واقع استثمار الإنسان للإنسان ، و بالتّالي أمام جميع التّحوّلات و الاستحالات الوقائّية للإمبريالّية ، مهما طال بها الزّمن ، و قد يكون ، نسبيّاً ، طويلاً .
ففي ظروف التّناقضات الحقيقيّة في بنية النّظام العالميّ السّياسيّ الإمبرياليّ ، يجب ألّا يغيب عن أنظارنا ما يُسمّى بالتّرميمات التي تسلكها الرّأسماليّة العالميّة و نظامها العولميّ ، بالعنف و الحروب المعاصرة بواسطة ” الاقتتال الّذاتيّ” ، و الذي لاقى مناخه النّموذجيّ في البلاد العربّية – الإسلامّية ، بحكم حجم التّخلّف الهائل الذي تعيشه شعوب هذه البلاد ، كما بحكم خيانات الأنظمة في هذه البلدان و الدّول ، و تواطئها مع أعدائها ضدّ شعوبها ، في سبيل مصالحها الذّاتيّة المحدودة التي لا تكاد تتجاوز الشّره والشبق المرضيّ إلى المال و السّلطة المجرّدة من كلّ استقلالّية توحي بالكرامة الذّاتيّة والوطنيّة ؛ بحيث أنّ صيانة و ترميم الإمبريالّية العالميّة ، الذّاتيّة ، اليومَ ، يكاد يكون ، بأسباب كثيرة و فاعلة ، جرّاء تواطؤ الأنظمة ” الوطنّية ” ، في العالم المتخلّف ، و على رأسه الدّول العربيّة الإسلامّية الأكثر ثروة مالّية ، في العالم.
3▪︎ يجري هذا العرض و الاستعراض التّاريخيّ المُذلّ ، تحت إشراف مباشر للإمبريالّية العالميّة بقيادة الولايات المتّحدة الأميركّية ، في ضوء النّهار السّاطع ، و دونما أدنى حرج سياسيّ لجميع أولئك و هؤلاء الّساسة و السّياسيين ، متعلّلين جميعهم بالوطنيّات الزّائفة ، و لكن بحماية ازدهار الإمبريالّية العالميّة ، بعد سقوط الاتّحاد السّوفييتي ، و انتشار مئات الآلاف من “ المارينز ” الأميركيّ في أوربّا و آسيا و أفريقيا ، في عمليّة تطويق عسكريّ و ماليّ مباشر للعالم ، من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسيّ ، في رابعة نهار العالم المعاصر ، و بدون أدنى حياء أو سرّيّة مفترضة ، و بواسطة أعتى قوى البحر و البرّ و الجوّ العسكريّة ، المدعومة بأقوى القرار السّياسيّ العالميّ الخاضع لهيمنة أميركا و إشرافها و تنفيذها المباشر ، لإخضاع قرار العالم للطّموحات الأميركّية الموقوتة على خرافات الصّهيونيّة العالميّة ، نحو تحقيق هدف إشعال الحرب العالميّة التي توحي أو تنذر بالقيامة اليهوديّة ، أو بإخضاع الأرض لفكرة العرق التّاريخيّ المختار .
4▪︎ شهدت الإمبريالّية تطورها الحقيقيّ من واقع النّشاط الاقتصاديّ والسّياسيّ ، في معمعة التّطوّرات الغربيّة ، أساساً ، ما بين الحربين العالميّتين ، الأولى و الثّانية ، حيث لا بدّ من أن نأخذ ازدياد النّفوذ اليهوديّ – الصّهيونيّ المتزايد بشدّة ، بعين الاعتبار ، بعد أن جلبت ” حروب نابليون ” لليهود حقوقاً في المساواة في كافّة أنحاء أوربّا ، و بشكل واسع ، حيث تزامن ذلك مع ظهور الصّحافة اليهوديّة الرّائدة ، و تحقيق اليهود لثروات طائلة من تمويل جميع الأطراف المتحاربة ، إذ يعود إلى فترة هذه الحروب ، ثمّ إلى ظروف الحرب العالميّة الأولى ، و ما بين الحربين ، و إبّان الحرب العالميّة الثّانية ، اشتهار ( آل روتشيلد ) الذي كان أن ظهر منذ الحروب النّابليونيّة ، بشكل حرّ و علنيّ و صريح .
اليوم ، يمتاز النّموذج الإمبرياليّ الأميركيّ بأنّه نموذج آمن من التّدخّل العسكريّ المباشر ، وهذا الأمر هو ما يجعل البعض يصفون القرن الواحد والعشرين ، بأّنه قرن أميركيّ ، في موازاة تهديد ” النّاتو” للعالَم ، والذي تجاوز عدد جيشه العسكريّ ( 10000000 ) ، عشرة ملايين ، مدعومين ومدعّمين بأقوى و أعتى الأسلحة الفتّاكة على مستوى العالم . هكذا بدت أميركا كوريثة لروما بدون منازع .
5▪︎ ويبدو أنّ ”الذّكريات” ماتزال تحرّك العالمَ ثأراً لما قاله ( هتلر ) أمام ” الرّايخستاغ ” الألمانيّ عشيّة اندلاع الحرب العالمّية الثّانية ، في العام ( 1930 م) ، حيث قال :
( إنّ الرّأسمال اليهوديّ إذا ما أشعل حرباً عالميّة ، فستكون النّتيجة ” إبادة العرق اليهوديّ في أوربّا ” ) .
و لمّا كانت الحرب قد اندلعت ، و وجّه ( هتلر ) الاتّهام غير مرّة إلى الرّأسمال المالي اليهوديّ بأنّه هو ” من أشعل الحرب ” ، فإنّ كثيرين يرون في عبارة ( هتلر ) هذه إشارة إلى وجود خطّة لديه منذ ذلك الحين ” لحلّ المسألة اليهوديّة حلّاً نهائيّاً ” يتلخّص بتصفية سكان أوروربّا اليهود ، جسديّاً ” .
[ لغز عمره ثلاثة آلاف عام – إيغَر شَفَريفتش – ترجمة د. عادل اسماعيل – د. نوفل نيّوف. دار التّكوين – الطّبعة الأولى – ٢٠١٨م – دمشق ، سوريا- ص ( ٢٨٩ ) ] .
و هكذا لم تكن الحضارة العالميّة ، يوماً ، حكراً على التّفوّق بواسطة الرّغبات و الأحلام المرسلة على غاربها ، و لكنّها كانت ، دوماً ، رهناً بعدم اتّباع الوصفات السّياسيّة الجاهزة ، و ذلك أيّاً كان مصدرها ؛ بالإضافة إلى تطّور النّظريّة النّقديّة ، الاجتماعّية و السّياسيّة ، التي جعلت من التّعارضات الفكريّة سبباً هامّاً لإزالة كلّ ما لا يخدم طموحات الاعتداد بالّذات القوميّة للرأسماليّة الوطنيّة في مرحلة ما قبل الإمبريالّية ، تحت شعارات مشكوك في صدقيّتها الانتمائّية إلى ذاتها ، نفسها ..
ممّا جعل – في ما بعد – إمكانيّة الاستقلالّية المعاصرة للقرار السّياسيّ الاقتصاديّ – السّياسيّ المستقلّ ، أمراً أشبهَ بالخرافة المعاصرة التي يتجنّب كثيرون الخوض فيها تحت يافطات مختلفة من الشّعارات الموتورة و الأسباب الثّأريّة من الذّات .
6▪︎في هذا الإطار ، فإنّه علينا أن لا نتّبع أهواءنا الاجتماعّية أو السّياسيّة والذاتيّة ، و ذلك مهما كانت نشأتها و ظروف استقرارها في قناعاتنا ، إذ أنّ من أخطر المزالق التّاريخيّة التي وقع فيها الأيديولوجيّون ، إنّما هو في أنّهم استسلموا لأهوائهم ، و في أن نستسلم لأهوائنا ، فيما هي تصنع لنا صورة العالم على الطّريقة الثّأريّة ( كما فعل فورييه و ماركس ، كمثالين مباشرين على ما نذهب إليه ، هنا ) ، إذ تكفّل التّاريخ التّالي بدرس سياسيّ لنا ، من أجلنا ، أبناء هذا الحاضر ، يتضمّن مطالبتنا بالتّريّث قبل الانجراف وراء الأهواء الذاتية التي تذخر بها كتابات القدماء و المُحدّثين ..
هذا في الوقت الذي يوازي ذلك مظاهر تنفيذيّة من الأيديولوجّيات المسلّحة المرافقة لتلك الفقهيّات و الفتاوى القصيويّة القاتلة .
و بالعكس ، فإنّ الكثير الكثير من الخيانات السّياسيّة الوطنيّة ، وبخاصّة منها العربيّة و الإسلامّية ، قد سُوِّقتْ تحتَ ذريعة ” الموضوعيّة ” العالميّة ، لتسويغ استقرار السّلطات العامّة ، الاجتماعّية و الاقتصادّية و السّياسيّة ، و لو على جثث المجتمعات و الأفراد و الأفكار التي من شأنها أن تخدم التّقدّم و التّنميّة ، و هو ما يُساعد ، نسبيّاً ، على الأقلّ ، في تخديم الحاجات الإنسانّية في هذه الدّول و المجتمعات .
7▪︎ بالمقابل ، لقد كان الملاحظ أنّه في كثير من الحالات أو الظاّهرات السّياسيّة الرّاديكاليّة ، إنّما كانت تخفي وراءها خنوعاً حقيقيّاً للطّبقات الحاكمة و الفئات المثقّفة التي كانت تخدّم السّلطات ، و تشرح ما لا يُمكن شرحه ، و ما لا يُمكن تصديقه ، من تعليلات متواليّة بشأن ما يُسمّى بالأمر الواقع و متطلبات الموضوعّية السّياسيّة العالميّة التي تقضي بتسخير كلّ أسباب الانتقال الحضاريّ ، في أمكنة ليست أمكنتها ، أو باحتكارها من قبل الحاكمين .
و ينطبق هذا الأمر على أكثر الظّواهر السّياسيّة ” ثوريّة ” و جذريّة ، على نحو يتناسب طرداً ما بين النّفاق السّياسيّ و طرح الشّعارات المدويّة ، كما نلاحظ – على سبيل المثال ، و بالنّسبة إلى ماهو أكثر ما يهمّنا و يخصّنا – واقع ما سمّي بمنظمة التّحرير الفلسطينيّة ، و التّناقضات الأيديولوجّية في مابين أطرافها و مكوّناتها المختلفين ؛ و هذا بالإضافة إلى مواقف الدّول العربيّة و الإسلامّية الأخرى التي كانت هي من أفرز منظّمة التّحرير الفلسطينيّة ، في تاريخها الطّويل منذ ( 1964 – 1965 م ) ، و حتّى اليوم ، حيث اندثرت ، عمليّاً ، مع “اتّفاق” ( أوسلو ) – ( 1993 م) ، على رغم ما أفرز الواقع العربيّ ، و من جديد ، من حركات جهاديّة إسلامّية فلسطينيّة ، ليست على تناقض كبير مع نهج ( أوسلو) ، و هذا حتّى لو بدا عليها غير ذلك!
8▪︎ كان لمفهوم القرار الوطنيّ المستقلّ أثره الفظيع في الواقع السّياسيّ العربيّ ، فكان ذلك ممّا ثبّت واقع الحدود القطريّة العربيّة ، في ظروف الإمبريالّية المعاصرة ، مع أنّ أحداً ما ، في رأسه دماغ ، لا يمكن له أن يتجاوز واقع الإمبريالّية المعاصر ، و لكن على غير طريقتيّ التّسويغ اللتين ذكرناهما أعلاه ، و هما الخنوع أو الانتحار .
في هذه الصّورة ، تتكشّف التّناقضات العميقة و العقيمة أيضاً ، والتي تتراوح ما بين التّواطؤات المباشرة للشّعارات الفارغة من مضمونها العمليّ ، مع الإمبريالّية المعاصرة ، و بين محاولات تسويغ ”الواقع” المتكرّر والذي بدأ يتّخذ له شكلاً مزمناً أو يكاد ، إلى الدّرجة التي ظهرت على أطراف هذا ” الواقع ” المزيّف بإتقان ، قوى جديدة تكاد تكونُ المعادل الانتحاريّ للذّات الوطنيّة ، و المُعامل الظّرفيّ للمصالح الأكثر محدودّية وطنيّة و سياسيّة ، في أشكال من الأفكار و الممارسات الأكثر ارتهاناً للإمبريالّية العالميّة ، على نحو واضح و صريح و وقح أكثر فأكثر ، و قد تمثّل في ما ادّعى صفات المعارضات الفكريّة السّياسيّة التي تطمح إلى الحلول كنموذج مكافئ و مشابه ، و ربّمامطابق أو أكثر تطابقيّة مع الأهداف الهزيلة التي ادّعى فيها هذا النّموذج السّياسيّ الجديد معارضته و افتراقاته المزوّرة عن البيئة السّياسيّة التي أفرزته ، و منحته حقّ “ الشّرعيّة ” الظّاهريّة أمام الأفراد و المجتمع ، في مؤامرة تقع على اليمين الرّجعيّ للأنظمة العميلة نفسها التي ادّعى عنها البديل .
9▪︎ لقد تمكّن الغرب الرأسماليّ من إعادة تخطيط العالم و تنظيمه في بوتقة تناسب عصر الإمبريالّية ، اليوم ، بحيث استطاع تشويه الثّقافات المحلّيّة الوطنيّة ، في كلّ مكان في العالم تقريباً ؛ ” إذ لا يستطيع شعب ، له قضّية مع الألمان ، أن ينطلق من عقيدة معيّنة في تعامله معهم ، ثمّ من عقيدة أخرى في تعامله مع العَرَبِ أو الرّوس . و إلّا قد يكون بوسع أيّ “ عدوّ ” ، أو حتّى من“ يعترض الطّريق ” أن يستدعي ردّ فعل كهذا ، و لكن في صيغة أقلّ حدّة”. [ المصدر السّابق – ص )٢٩٤) ] .
و إذ يجري تحوّل في شكل و مفهوم الحروب المعاصرة ، فإنّ المستهدف في جميع حالاتها هو “ القرار ” السّياسيّ و الاقتصاديّ للدّول الصّاعدة ، حيث ماتزال إمكانيّة الرّهان على هذا الأمر ، إمكانّية “ واقعيّة ” ، على عكس الدّول القويّة التي دخلت في منافسات و تحدّيات للسّطوة الأميركّية في إطار الجيوبوليتيكا السّياسيّة العالميّة ، و هو ما لم تتمكّن منه الدّول الصّغيرة والضّعيفة ، حتّى اليوم .
ففي التّحدّي العالميّ ، غالباً ما تنتصر الإرادات التي يتبنّاها الكثيرون من الدّول و الأفراد و الجماعات و الأحزاب و الحركات السّياسيّة ، بمواجهة السّطوة التي تبعث الجبن في أوصال الذين لم يدخل الأيمان بالذّات و الهويّة قلوبهم ، و تناقلوا و تداولوا ، و ما يزالون ، شعارات الهويّة و القوّة والمواجهة ، و لكن بأقلّ الأثمان كما يؤمنون .
10▪︎ لقد قدّمنا كلّ ما تقدّم ، في حديثنا هذا ، لنقول لقد أنجزت الحرب السّوريّة ، الحرب علي سورية ، الكثير من أهدافها العاتية الباطلة الغاشمة الظّالمة ، غير أنّ ذلك ليسَ كلّ شيء .
ينظرُ الغربُ إلى منطقتنا ، بالعموم ، على أنّها ساحة تاريخيّة للصّراع ، وبخاصّة إذا أخذنا ” رواية حرب ( هرمجدون ) ” الّلاهوتّية التي تشكّل حقيقة وشيكة الوقوع ، بالنّسبةِ إلى المسيحيّة الصّهيونيّة و الصّهيونيّة العالميّة في أميركا و “إسرائيل” و “العالم” ، بعين الاعتبار .
تبدو التّحوّلات التي اخترقت “ المكان” تحوّلات نهائّية أو شبه نهائيّة في زعم الكثيرين من المراقبين التّاريخيين ، بحيثُ ربّما أنّه قد تخطّى ”المكان” ملامح خطوط العودةِ إلى تقاليد القرن العشرين ، أو إلى ما قبله ، سواءٌ في الحرب أو في السّلام .
و أمام التّفوّق الأميركيّ في هذا العالم ، تصبح أهداف التّحوّلات الواقعيّة موضوعاً مستقلّاً من أجل أخذ العبر و الدّروس .
11▪︎ تحيلنا بعض التّجارب الشّهيرة في العالم ، إبّان الحروب و “الثّورات” و“التّحوّلات” التّاريخيّة العميقة و الواسعة ، إلى خبرات لا يمكن تجاوز مضموناتها المعبّرة.
لقد كانت دوماً من أحد أهمّ أسباب الحروب و غاياتها الأبعد ، هو أن تؤدّي الحرب إلى تنازع إرادات سياسيّة و تاريخيّة بشأنّ مفهوم ”القرار” السّياسيّ الذي يعكس قوّة الشّعب و الدّولة في بلد ما ، و المساومة عليه و استلابه إن أمكن .
و تجلّت مثل تلك المحاولات كما نعرفها في التّاريخ المعاصر ، بشكل أساسيّ ، في معاهدة ( فرساي ) عام ( 1919 – 1920 م ) التي أعادت هندسة العالم بعد الحرب العالميّة الأولى ، و رسم الجغرافيا السّياسيّة العالميّة و وضع أسس خاصة اقتصاديّة و عسكريّة ، حرمت البعض من القرار التّاريخيّ السّياديّ ، و منحت البعض حرّيات واسعة في استلاب القرار السّياسيّ السّياديّ للدّول المهزومة في الحرب .
12▪︎و الأمر نفسه كان في معاهدة ( يالطا ) عام ( 1945 م ) ، حيث انفردت الدّول المنتصرة في شكل القرار العالمي ، و ما تزال .
ونحن ننظر إلى الظّواهر بشكل تكامليّ تاريخيّاً ، بمعنى أنّ الأقوى هو من كان يفرض شكل العالم الجديد بعد الحروب الكبيرة الشّاملة .
و لا تختلف الحرب العالمّية السّوريّة ، عن أيّ حرب عالميّة من الحربين السّابقتين ، و إن كان مدى التّوحّش العالميّ في الحرب السّوريّة يتجاوز الأطر التّقليديّة للحروب الكلاسّية ، في أنّه أكثر وقاحة و صراحة وحِقداً على الحضارات العريقة .
من هنا يبدو أنّ على حديثنا أن يبدأ في الحديث عن القرار السّوريّ السّياديّ المستقلّ ، الذي هو المستهدف في الأصل و الذي كان وراء جميع أهداف و غايات هذه الحرب ، إذا أخذنا بالاعتبار الدّور اليهوديّ – الإسرائيليّ في هذه الحرب ، و الذي يتكرّر في المنعطفات التّاريخيّة الحادّة كلّها و في معظم حروب العالم كدور خلفيّ يوجّه الأحداث ، حيث لم يغبِ اليهود عن مسرح الحدث السّياسيّ في مختلف الظّواهر العنفيّة العالميّة في الزّمن الحديث و المعاصر .. !
13▪︎ لقد تحدّى اليهود العالميّون أكبر السّلطات العالميّة ، في نزعة أبديّة للتّفوق و السّطوة و السّيطرة .
يقول المصدر المذكور أعلاه ، بموضوعّية و عدالة مستهدفتين بذاتهما في السّرد التّاريخيّ :
ففي العام ( 1941 م ) تشكّلت الّلجنة اليهوديّة ضدّ الفاشيّة التي انضمّت إليها شخصيّات ثقافيّة يهوديّة معروفة آنذاك في الاتّحاد السّوفييتي (… ). و في ما بعد بقليل تبيّن هنا أنّ ” الّلجنة اليهوديّة ضدّ الفاشيّة ” تلعب دوراً مستقلّاً يختلف عن الدّور الذي خططته لها السّلطة الشّيوعيّة. ” [ المصدر – ص. ص ( 320 – 322 ) ] ؛ فيما كان ”اليهود” يعملون على الاستيلاء ، حتّى ، على قرار الاتّحاد السّوفييتي الشّاسع .
لقد سقنا هذا المثال الذي يبدو نافراً في سياق هذا الحديث ، لسببين : الأوّل هو الإشارة إلى طبيعة تنازع الإرادات حتّى بين الحلفاء ؛ و الثّاني هو إبراز خطر المراهنة على الاستيلاء على قرار الدّول الكبيرة . و لسنا نشير ،هنا ، إلى السّبب إشارة تطابقيّة ، و لكنّنا قصدناها من جهة أنّ القوى التّاريخيّة المعادية للإنسان و الحضارات ، هي متشابهة ، في كلّ الأزمنة التّاريخيّة ، و ربّما من آلاف السّنين ، و هي تُغيّر عبر ”التّطوّر” مناهجها وتحالفاتها و أغراضها و أساليبها ، غير أنّ شيئاً واحداً ، أو شيئين ، في التّاريخ السّياسيّ لا يُمكن له أن يتغيّر في سياسة العنف العالميّ و أعني” الموقع ” و “ الغايات ” .
14▪︎ تنضمّ إلى هذه القوى و السّلطات التّاريخيّة العلنيّة و الخفيّة ، جميع أشكال الممارسات غير الوطنيّة ، بأصحابها ؛ و نحن لا يُمكننا – في الحقيقة – معرفة مدى ارتباط هذه و تلك من القوى المحلّيّة و العالميّة و مدى اندماج مصالحهما المشتركة في كلّ زمان و مكان ، على اعتبار أنّنا نتحدّث عن ظاهرة تاريخيّة مستقرّة و فاعلة في التّاريخ السّياسيّ ، بوضوح ، وذلك بارتباطاتها العمليّة و العميلة على مستوى العالم و التّاريخ ، و لسنا نتحدّث عن واقعة طارئة أنجبتها طفرة و توفّرت على سبيل المثال العابر المنسيّ في التّاريخ السّياسيّ .
في كلّ أمّة و كلّ دولة و كلّ شعب ، ثمّة قوى خفيّة تتشاسع ارتباطاتها خارج إطار الوطن ، و هي قوى تكون مكلّفة بدور ما و وظيفة معيّنة و أغراض محدّدة ، يكفي أن تنجز منها أقلّها لتكون في خدمة إعداء الوطن من القوى والسّلطات المحلّيّة و العالميّة .وفي هذا المناخ تكبر مخاطر استقلال “ القرار” السّياسيّ الوطنيّ ، ليكون نسخة عن “ القرار المستقلّ” على الطّريقة “ العرفاتية ” التي أبدعها بخراقة تاريخيّة ( ياسر عرفات) .
15▪︎ يدفعنا القلق الوطنيّ إلى الحذر الفكريّ و الشّكّ السّياسيّ والأخلاقيّ ، بجملة من الظّاهرات و الواقعات السّياسيّة المستحدثة مع هذه الحرب .
لد أبدت السّلطات المجتمعيّة الخطرة و الخارقة و العابرة للمؤسّسات والإدارات و الحكومات و النّظام العام ، و البنية الشّعبيّة ، ممانعات جادّة ، و لاتزال ، و ذلك حتّى في إطار الدّولة – الحكومة ، بأهداف اقتناص القرار السّياسيّ الاجتماعيّ ، في ظروف انشغال الدّولة بالحرب الواسعة ، حيث يتّضح أنّ مفهوم “ القرار السّياسيّ” الوطنيّ للدّول ، بمرجعيّاته المختلفة ، قد أصبح هو الآخر “ قراراً ” عابراً للمجتمعات و الدّول و الشّعوب في زمن الإمبريالّية المعاصرة ، الجريحة !
عرضنا حتّى الآن ، بعد و قبل تمهيدات مختلفة للظاهرة التّاريخيّة المعاصرة ، إقليميّاً و محلّيّاً ، نموذجين من استقلال القرار السّياسيّ الوطني . واحدٌ مزيّف ، و واحد حقيقيّ .
و لكنّ الحديث الأهمّ ليس بهذه الإوالّية السّاذجة ، و إن كان متصلاً بمضمون ما قدمناه ، و هو الحديث الذي نُريده ، على التّحديد ، و هو ذلك المتعلّق بكيفيّات و صراعات صناعة القرار الوطنيّ السّوريّ ، المستقلّ ، بوصفه قراراً وطنيّاً بحقّ .
16▪︎دخلت سورية للتّو مخاطر من نوعٍ جديد و لو أنّها لمّا تفرَغْ من خطر الإرهاب الدّاهم دوماً ، و خطر التّدخّلات الإقليمّية و الدّوليّة العدائيّة للشّعب السّوريّ .
يكتشف المُدقِّق بالحدث السّوريّ ، من داخله ، أنّ المعركة الدّاخليّة المحلّيّة على القرار الوطني المستقلّ ، أنّ ثمّة صراعات متعدّدة الأنواع و الأبعاد على كيفّية حسم أو اختزال هذه القضيّة المهمّة و الحاسمة ، بشكلٍ سياسيّ ، يبدو للكثيرين أنّه غير مفهوم و ربّما مُلغَز .
و عليه ، فإنّ التّعقّد الطّارئ في “المشهد” السّوريّ ، ربّما يعكس لنا جميع التّحفّظات التي يُبديها التّفكير المدنيّ المعاصر نحو المخاطر المحتملة التي يمكن أن نكون قد دخلنا بها ، مجتمعيّاً ، على نحو من الأنحاء .
يبدو على “ القرار ” الوطنيّ السّوريّ المستقلّ ، أنّه أصبح عُرضَةً لكثير من التّجاذبات و الاستقطابات الصّريحة . لقد اختفت سلطاتٌ إلى الأبد . و لقد خلعتْ سلطاتٌ أخرى ، مختلفة و لها من التّأييد التّلقائيّ ، الكثير .و في غضون ذلك تطمح هذه السّلطات ، الأخيرة ، إلى السّطوة التّاريخيّة في مجالات عديدة ظهرت لها أنّ الدّولة قد توارتْ فيها أو تكاد .من المتعذّر تعداد هذه السّلطات الظّرفيّة الزّمنيّة ، لكثرتها المُحبِطة..
و لكنّ ما يُمكن العمل عليه ، هنا ، إنّما هو الإشارة إلى طبيعتها ، و إن أمكن فعلى التّصريح البعيد عن التّورية ، على أنّنا لا يمكننا تجاوز “ التّورية ” دائماً ، لما في ذلك من انسحاب من الموقف الواضح و الصّريح . لقد أكسبنا الواقع الاجتماعيّ للحرب كثيراً من خيارات التّعبير و الّلغة ، و هما ما يحتاجه العقل في رصد المستجدّات التي تتناهى إليها الحرب .
يمكن فرز القُوى التي تعمل على استراق القرار الوطنيّ المستقلّ ، على مستوى الدّاخل ، في مصفوفات و منظومات عامّة هي خاصّة بتلك الظّواهر دون غيرها ، و من دون أن يُشكل الحديث على العقول .
17▪︎ و ما يُهدّد القرار الوطنيّ السّوريّ المستقلّ ، بوجهه الحضاريّ و المعاصر ، اليوم ، إنّما هي قوى و سلطات كانت متاحة تاريخيّا و لكنّها تتقوّى تبعاً للظّروف العامّة للدّولة من حيث حضورها أو قوة حضورها في المؤسّسات العامّة ، و الرّأي العام الوطنيّ .
نحن نقف أمام نزعات ثقافيّة قروسطيّة ، و نماذج دينيّة و عصبويّة ، وحرّيّات مجتمعيّة تفاقمت و اتّسعت أمام أواليّات ( ميكانيزمات ) الحركة التي تنفضّ فيها الحرب بسلوكات بعضها ملتوٍ و بعضها الآخر خائر و جبان!
تظهر في هذه الغضون و التّغضّنات التّاريخيّة الوطنيّة مُيولٌ صريحة نحو صناعة الرّأي العام الّلاهوتيّ ، بوصفه أخطر ما يمكن أن يُشكّل الجدران المانعة الكتيمة في وجه الدّولة للتّغيير في هذه الظّروف المناسبة جدّاً للتّغيير .
إنّ ما يطبع الفكر السّياسيّ في هذا المجال ، هو واقع المسايرة و المجاملة ، الذي يتصف به القرار السّياسيّ العامّ و يجعل منه قراراً مساوماً و ملتويّاً وموارباً أمام تحدّيات فساد بعض القوى ، التي احتلّت في أثناء هذه الحرب ، منطقة أمامّية في الممارسة المباشرة و في ممارسة التأثيرات غير المباشرة على قرار الدّولة الطّبيعيّ ، و ذلك ليس فقط بواسطة سطوة تلك القوى المناوئة للقرار الوطنيّ ، المباشرة ، و لكن أيضاً بفضل إمكانيّة تغلغلها في المفاصل الأكثر حيوّية و تأثيراً تاريخيّاً في صناعة الوعي و ترتيب القناعات ، و أعني – على الأقلّ – في مجال التّربية و التّعليم و التّعليم العالي و الإعلام والثقافة ، واتّجاهات رأس المال غير الوطنيّ ( الخاصّ جدّاً ) نحو مجالات استثمارّية غير اقتصاديّة ، اجتماعيّاً ، و أقصد في أكثر الصّناعات النّوعيّة التّحويليّة والخِدْميّة والرّيعيّة سريعة الاحتكار و المردود ، و لكنّها احتكاريّة و ريعيّة على مستوى الدّاخل من دون أن يكون لها أيّ طموح إلى المنافسات الاقتصادّية الإقليمّية أو العالميّة.
18▪︎ و الأخطر هو ظهور نزعات ” دينّية قوميّة” ، تعتمد القوّة والعنف القانوني و القانون الوضعيّ ، على غرار نشأة “ القوميّة الدّينيّة اليهوديّة ” التي كانت أن شكّلت قوّة ساطعة في جميع المجتمعات والدّول الأوربّية ، منذ الحروب النّابليونيّة و حتّى نهاية الحرب العالميّة الثّانيّة وزرع دولة (”إسرائيل”) .
و إذا أهملنا الدّور “الخارجيّ” في محاولات استلاب صناعة القرار الوطنيّ ، و هو دور عمليّ و واقعيّ و مباشر و ظاهر للعيان ، فإنّنا نعتبر أنّ محاولات الهيمنة على القرار الوطنيّ السّوريّ المستقلّ ، هي المحاولات الأكثر إيلاما من جهة أنّها قادمة أو آتية من مواقع “صديقة” تضع مصلحتها القومية فوق المصلحة الوطنية السورية ، وتكمن في آليّات و مفاصل آليات المؤسّسات العامّة .. القادرة و المتخصّصة بإنتاج الكثير من القرارات .
و يعمل البعض على الإحالة إلى مناطق قفراء في التّأمّل و التّفكير السّياسيين ، و يعمل البعض الآخر على الإيحاء ببساطة تلك المحاولات التي تهدف إلى الهيمنة و التّسلّط و السّطوة و القرار . و فيما هي الحقيقة أوضح من أن يجري إثباتها بالبرهان المنهجيّ أو المنطقيّ .. و بالنّسبة إلى الجميع ..
إنّ الخطر الحقيقيّ يكمن في تواشج قوى تلك السّلطات و المرجعيّات التّاريخيّة الرّجعيّة ، و ما هي عليه و فيه من تواصل و اتّصال و شراكات خفيّة و علنيّة مع قوى خارجيّة عدوّة للوطن ، يجري في ما بين هذه و تلك تنسيقات واتّساقات هارمونيّة في المصالح و هرميّة و ”هيراركيّة” في الإخضاع والخضوع .
19▪︎ نحن ، هنا ، لا نُخفي أنّنا نوجّه اتّهامات مباشرة لبعض المتغلغلين في السلطة بوصفها النّظام العام للبشر و الأشياء و النّشاط ، و في أنّها تُكثِرُ من اعتمادها على قوّتها المادية ، بحيث أنّها تُصابُ بالوهن النّاجم عن ثقةٍ مخترقةٍ في صميمها في أدواتها و منظوماتها و موظّفيها و أزلامها المندمجين سرّاً بالنّظام العام المتواشج العميق بعلاقات تربطها ، مع مصالحها – مباشرة بالمشروع التّاريخيّ العدوّ الذي يطمح إلى اختلاس القرار الوطنيّ – السّياسيّ البعيد و المستقلّ ، بحيث يكون فُجأةً و بكلّ تلقائيّة ، مصدراً أساسيّاً من مصادر تشكّل الثّقافة المجتمعيّة الانتقامّية و الثّأريّة لشيء يُدّعَى بأنّه حقٌّ ، وهو ، أبداً و دوماً ، ليس كذلك ، و لكم يكن كذلك يوماً !
و في سبيل الوقاية المتأخّرة ، و ربّما العلاج ، فإّنه يتحتّم على النّظريّة السّياسيّة النّقديّة أن تعمل على اختراقٍ مُوازٍ و إيجابيّ ، من جديد ، للدّولة لذاتها بذاتها و أعني بواسطة ذاتها “ الكلّيّة ” من أجل ذاتها كجوهر – و ليس كَعَرَضٍ – عن طريق أدوات مُستحدَثة و مُوازية ، أو كذلك سبّاقة ، للقوى القوميّة الدّينيّة السّريّة التي تخترق الدّولة و المجتمع و الإدارة و التّنظيم.. والنّظام .
20▪︎ واضح جيّداً أنّنا لا نعمل على إثارة فكرة مُصاَدَرَةِ هذه ”الفكرة” مصادرة سياسيّة بسلوك أو فعل أو قرار ، و هذا ممّا يُسهّلُ مهمّة الدّولة أمام نفسها ، كنظام سياسيّ متكامل ، في اجتيازها مرحلة المسايرة و الحياء والمجاملة ، إلى مرحلة مواجهة الواقع الذي من المفترض بالدّولة أن تكون مُحيطة به .
إنّ مفهوم “القرار المستقل” هو مفهوم سهل و بسيط و واضح و بديهيّ ، وذلك بالقدر نفسه الذي هو عليه بالفعل من تعقيدات و خضوع للمهارات والتّخابث السّياسيّ الّلاأخلاقيّ ، و هذا شأنٌ طبيعيّ من شؤون السّياسة البديهيّة جدّاً ؛
مع أنّ من واجبات السّياسة المعاصرة أن تكون قد تجاوزت هذا الأمر الذي أبديناه بوصفه “ حضور ” الدّولة في حضورها الكامل و الجزئيّ و الافتراضيّ و الضّروريّ و الطّبيعيّ ، هذا حتّى في أوقات انشغال الدّولة عن المنظومة البشريّة الاجتماعّية غياباً قسريّاً و واسعاً و يصل أحياناً ، أمام النّظر الكلي والواسع الانتشار ، مرحلة ”الغياب! .. ؟