رغم انتشار وباء كورونا.. عودة ظاهرة التحرش الجنسي الى الشارع المصري

من جديد يحتدم النقاش في مصر حاليا حول موضوع التحرش، على خلفية قضية طالب مصري تتهمه فتيات بالتحرش بهن. النقاش تجاوز هذه القضية إلى الظاهرة ككل وتدخلت عدة جهات، فهل يتغير شيء هذه المرة؟
فقد جددت قضية تحرش جديدة في مصر النقاش حول ظاهرة قديمة لطالما شكلت موضوع جدال داخل المجتمع. يتعلق الأمر هذه المرة بطالب في الجامعة الأمريكية في القاهرة انتشرت في العالم الافتراضي شكاوى ضده تتهمه بالتحرش والاغتصاب. حيث نشرت فتيات شكاوى بحق طالب يفترض أنه تحرش بهن وابتزهن جنسيا وهددهن بنشر صور مفبركة لهن. القضية تحولت إلى ترند على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا تويتر بعد انتشار الحديث عن 100 ضحية مفترضة للطالب المصري، وتجاوز النقاش هذه الحادثة ليشمل الظاهرة ككل. فما الجديد هذه المرة؟ وهل تنجح مواقع التواصل الاجتماعي في خلق فرق في التعامل مع ظاهرة التحرش بالنساء في مصر؟
“بوليس الاعتداءات الجنسية”
حسب مصادر إعلامية مصرية فإن القصة بدأت مع صفحة فيسبوك تدعى “بوليس الاعتداءات الجنسية” أسستها مجموعة فتيات مصريات، في غضون ساعات بلغ عدد متابعيها 45 ألف. الصفحة اتهمت شابا بالاسم بأنه تحرش بعدد كبير من الفتيات. ونُشرت على الصفحة دعوة إلى كل فتاة تعرضت للتحرش من طرف هذا الشاب أن تكتب ذلك في الصفحة، وقد وصل العدد إلى 100 شهادة!
لكن رغم ذلك لم تتلق النيابة العامة المصرية سوى شكوى واحدة من فتاة تتهم الشاب بأنه قام قبل أربع سنوات “بتهديدها لممارسة الجنس معه”. وهي الشكوى التي ألقت على أساسها المباحث الجنائية في القاهرة القبض على الشاب للتحقيق معه.
من جانبها أكدت الجامعة الأمريكية في القاهرة أن الشاب ليس طالبا ولا أحد خريجها أصلا، وقالت إنه كان قد درس فيها سنة 2018 وغادرها في نفس السنة مؤكدة على أنها تتعامل بحزم مع مسألة التحرش الجنسي داخل أسوارها. وبعد أن أخذ الموضوع حيزا كبيرا من النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي وتحول أيضا إلى وسائل الإعلام، أكد المجلس القومي للمرأة أنه يتابع هذه القضية عن كثب ويدعو الفتيات المتضررات إلى تقديم شكاوى ضد هذا الشاب “حتى ينال العقاب الذي يستحقه طبقا للقانون ويكون عبرة لكل من تسول له نفسه المساس بالفتيات والتحرش بهن”.
وقد دخلت شخصيات إعلامية وفنانون وفنانات على الخط أيضا وأدلوا بدلوهم في هذا الموضوع. المذيعة الشهيرة في مصر، رضوى الشربيني، كتبت في تغريدة على تويتر “أكتر من بنت طلعت وقالت إنه متحرش أو مغتصب ولسه عايزين دليل! لا أهله بيرفعوا قضيه على كل واحده بتتكلم!…..البجاحة ليها ناسها صحيح”.
من جانبها طالبت الممثلة المصرية رانيا يوسف بسن قانون يردع التحرش بكافة أنواعه وحتى عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها تعرضت للتحرش من خلال حساباتها في مواقع التواصل. وكانت يوسف قد تعرضت لهجوم واسع ومضايقات ورفعت بحقها دعاوى قضائية بعد ارتدائها فستانا في أحد المهرجانات السينمائية وصف بالجريء، ما اضطرها إلى الاعتذار عن ذلك في وقت لاحق.
دار الإفتاء تدخل على الخط
لالة فضة فنانة مصرية شابة أكدت في مقابلة تلفزيونية أنها اكتشفت، وهي تبحث في صفحة الشاب بعدما سمعت بقصته، أنه حاول في السابق التواصل معها من خلال محاولة اتخاذ مجال عملها في الغناء والتمثيل مدخلا للحديث معها والتقرب منها. وبعدها غردت الفنانة تحذر الفتيات من الوقوع ضحايا لمثل هذا الشاب، وأكدت في المقابلة التلفزيونية أن أشخاصا كهذا الشاب كثر “وقريبون منا ويمكن لأي فتاة بسهولة أن تقع ضحية لهم”.
وعن الجديد في هذه القضية والسبب الذي جعلها تأخذ هذه الأبعاد تقول الدكتورة هدى صلاح، الباحثة في حقوق المرأة بجامعة فرانكفورت الألمانية في تصريحات لـ DW عربية، إن الأمر ليس فقط قضية تحرش بل قضية تكسر الطبقية، “فقد كانت هناك فكرة سائدة عن أن التحرش ينتشر في أوساط الطبقة الفقيرة، بينما الطبقات الميسورة المتعلمة لا يوجد فيها متحرشون، وهي فكرة خاطئة طبعا. لكن ما حدث مع هذا الشاب وبهذا الشكل أثبت هذا الأمر أكثر. فقد أظهر أنه حتى من ينتمون لطبقات مرموقة ويدرسون في الجامعة الأمريكية في القاهرة يمكن أن يتورطوا في جرائم كهذه”.
هذا الرأي يشاطره أحمد حجاب أيضا، الباحث والمدرب في العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يصف ما يحدث بأنه “لحظة من لحظات مي تو في مصر”. ويضيف حجاب في تصريحات لـDW عربية عنصرا آخرا أدى لتأجيج الرأي العام بهذا الشكل، وهو قصة اغتصاب منسوبة لفتاة تزعم أنها ضحية هذا الشاب نشرت تفاصيلها على الإنترنت وتابعها كثيرون.
الإعلامي المعروف عمرو أديب تواصل مع والد الشاب المتهم ونقل عنه أن الشاب الذي يدرس حاليا بجامعة في برشلونة تعرض للفصل من جامعته بسبب الحملة التي تشن ضده على خلفية الاتهامات بالتحرش. وعن رد الإبن عن الاتهامات قال إنه “قد يكون ارتكب أخطاء كشاب، لكنه لم يرتكب هذه الأمور”. وعن الأعداد الكبيرة للمشتكيات منه قال والد الشاب، إن السبب هو الزخم الذي أخذته القضية بعدما تدخل مؤثرون وأصبح الجميع يتحدث عنها.
وكان لافتا للانتباه أيضا البيان الذي نشرته دار الإفتاء المصرية على خلفية الجدل الذي خلفته قضية التحرش هذه. ففي بيانها الذي نشرته على حساباتها الافتراضية جاء أن”إلصاق جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمورٌ بغضِّ البصر عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف..” بيان تراه الدكتورة هدى صلاح الباحثة في حقوق المرأة “فعلا ثوريا” وتقول إن وسائل التواصل الاجتماعي تحقق الكثير فيما لم تنجح فيه القوانين. وتشرح ذلك بالقول: “في مصر يوجد منذ عام 2014 واحد من أفضل دساتيرها في التاريخ بما في ذلك الجانب المتعلق بحقوق النساء، لكن المشكلة هي الفرق بين القوانين والواقع نتيجة غياب ثقافة حقوق الإنسان. ما يجعل تنفيذ القوانين ليس مضمونا، ناهيك عن العقليات المتأثرة بسيطرة الجماعات المتطرفة والسلفية على المشهد”.
جيل أقوى من الحركة النسائية
وتشير صلاح إلى مسؤولية السلطات في استمرار ظاهرة التحرش بالقول إن هناك “إرادة متناقضة من الدولة، فمن جهة تسن قوانين جيدة وتعطى إشارات على رفض الدولة لاستمرار التحرش كما فعل السيسي عندما اعتذر شخصيا لفتاة كانت تعرضت للتحرش، ومن جهة أخرى نجدهم يتنافسون مع الإسلاميين المتشددين حول من يفرض سلطته أكثر على المرأة، ومن أمثلة ذلك اعتقال فتيات بسبب فيديوهات نشرنها على موقع تيك توك اعتُبرت مخلة بالآداب. كل هذه الأمور تدخل في إطار فرض الوصاية على المرأة وجسدها”.
وعما غيرته مواقع التواصل الاجتماعي في هذا السياق تقول الخبيرة المصرية “اللجوء إلى هذه المواقع يفجر قصصا يتفاعل معها المجتمع. مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت تغييرا جذريا، ففي السابق لم نكن نسمع عبارات من قبيل جسد المرأة ملكها، بل فقط عبارات من قبيل قال الله وقال الرسول. وحتى عندما ينشر بعض الناس أفكارا متخلفة يجدون من يرد عليهم والمجتمع يستفيد من هذا النقاش”. وتشير صلاح إلى مسألة أخرى مهمة يمكن أن تلعب دورا في تغيير التعامل مع مسألة التحرش بالنساء، وهو أن الحركة النسائية الحالية أكثر جرأة من سابقتها. وتشرح ذلك بالقول: “في الجيل السابق كان هناك نوع من التغاضي مثلا عندما يكون المتحرش زميلا من الحركة اليسارية، أما الآن فالفتيات يكسرن جميع التابوهات، وهناك من واجهن زملاء لهن في أحزاب يسارية بسبب التحرش. ومنصات التواصل الاجتماعي تساعدهن على فضح هذه الممارسات”.
ويرى أحمد حجاب أيضا هناك تطورا في اتجاه مواجهة قضايا الاعتداءات الجنسية قانونيا ولكن “نحتاج تطورا وتدريبا أكثر لكل الساهرين على مكافحة هذه الجرائم مع مراعاة الجانب النفسي”. لأنه رغم كل هذا التقدم “النساء لا يشتكين خوفا من لوم الجميع، في البيت والمستشفى ومخفر الشرطة إلخ… وهذه المخاوف ليست كلها حقيقية. لهذا يجب التحرك بشكل كبير وبشكل رسمي من خلال تنظيم مبادرات وحملات ضخمة لإظهار أن التحرش مرفوض رفضا تاما وتشجيع النساء على الحديث وتخصيص ملاجئ لمن تحتاج منهن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى