العنصرية البيضاء تخنق “فلويد” في منيابوليس، ومثيلتها اليهودية تجندل “الحلاق” في القدس

قضية جورج فلويد تعيد للواجهة في إسرائيل ظروف مقتل شاب فلسطيني مصاب بالتوحّد، ومقارنات بين أداء الشرطة الإسرائيلية وتظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية.

في كل صباح تقريبا كان إياد الحلاق يتوجه على رجليه إلى المدينة القديمة في القدس الشرقية. وطريقه كان يقوده عبر أزقة ضيقة إلى مؤسسة الوين، لرعاية الأشخاص ذوي إعاقة. كان الفلسطيني الشاب يتمم تكوينه ليصبح مساعد طباخ. إياد البالغ من العمر 32 عاما كان يعاني من مرض التوحد والطريق اليومي على الأرجل كان تحديا وقسطا في الاستقلالية في آن واحد. لكن في الأيام الأخيرة من مايو/ أيار وجد هذا كله نهاية مؤلمة. وإعلان الشرطة الإسرائيلية في صباح السبت يمكن قراءته بواقعية: مشتبه به بالقرب من باب السبع في المدينة القديمة للقدس تم “تحييده” ـ وهو تعبير في لغة الشرطة الإسرائيلية يعني في الغالب موت الشخص المقصود.
طلبت عناصر شرطة الحدود من إياد الحلاق التوقف، كما يفيد بيان للشرطة. وبدؤوا ملاحقته وأطلقوا النار عليه. وكان على ما يبدو يحمل شيئا مشبوها، ربما مسدسا، كما ذكر البيان. ومات الرجل الشاب خلف حاويات قمامة اختبئ وراءها، بعيدا ببعض الأمتار عن وسط المدينة. واعترفت الشرطة لاحقا بأنها لم تجد سلاحا لديه.
وما يزال في مركز الوين لذوي الاحتياجات الخاصة صدمة رغم مرور أيام على المطاردة القاتلة. “لقد كسر ذلك قلوبنا”، يقول ضياء سيدر، وهو أخصائي إجتماعي وأحد المشرفين عليه. “كشخص مصاب بالتوحد كان صعبا على إياد التعامل مع الغرباء والمواقف الجديدة. ومخاطبة شاب مصاب بالتوحد مثله في الشارع يكاد يكون مستحيلًا”.
وحتى عماد مونا، الذي يأتي في هذا الصباح بابنته البالغة من العمر 21 عاما مصدوم ويقول: “من السهل على هؤلاء الناس قتل أي أحد، لاسيما عندما يتعلق الأمر بفلسطيني”. ويعبر عماد بذلك عما يفكر فيه الكثير من الفلسطينيين. وفي القدس الشرقية تعود الناس للأسف على هذا النوع من الحوادث، ولكن إطلاق النار على شاب معوق وأعزل وقتله جعل العديد من السكان قلقين بشكل خاص.

أوجه شبه مع عنف الشرطة الأمريكية
ومنذ الحادثة المميتة تسود حالة من الغليان في مواقع التواصل الاجتماعي، ويجري نشطاء فلسطينيون وبعض الإسرائيليين مقارنات مع عنف الشرطة العنصرية في الولايات المتحدة والاحتجاجات التي أثارها موت الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد.
وعلى هذا النحو حصلت مثلا في بيت لحم بالضفة الغربية والقدس ويافا وحيفا مظاهرات طالبت بالعدالة لإياد الحلاق. وبعض المشاركين في المظاهرات رفعوا صورا للحلاق وفلويد ولافتات بعبارة “حياة الفلسطينيين مهمة”. وفي إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة تنتقد مجموعات حقوقية منذ مدة طويلة العنف غير المتناسب أحيانا من قبل قوات الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وغياب تطبيق القانون على أفراد الجيش والشرطة.
وفي حالة إياد الحلاق تولت وزارة العدل التحقيقات الداخلية، كما يقول متحدث باسم الشرطة. وتم حاليا إيقاف عناصر الشرطة عن العمل.
وفاة الحلاق أثارت بشكل غير معتاد الكثير من تعليقات السياسيين الإسرائيليين واعتذارات رسمية. “نحن نأسف للحادثة”، كما قال وزير الدفاع بيني غانتس خلال جلسة حكومية وعبر عن عزائه للعائلة. أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان يجلس بقربه فلم يتحدث. لكن نتنياهو عاد وقدم التعازي لأسرة الحلاق بعد أسبوع من مقتله، ووصف يوم الأحد عملية القتل بأنها مأساة. وقال نتنياهو في تصريحات علنية لمجلس وزرائه “أعلم أن (الشرطة) تجري تحقيقات. كلنا نشاطر الأسرة أحزانها”.
ويحقق قسم الشئون الداخلية بالشرطة في واقعة إطلاق النار، وكان وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، من حزب الليكود المحافظ، قد وعد بإجراء تحقيقات شاملة وإصدار تعليمات جديدة في التعامل مع “المشتبه بهم بإعاقة”. وفي الوقت نفسه أكد أن رجال الشرطة أثناء الخدمة يكونون “مجبرين على اتخاذ قرارات سريعة تفصل بين الموت والحياة. وقال بأنه في السنوات الماضية قام جناة فلسطينيون بالهجوم على مارة وقوات أمن إسرائيلية في القدس وقتلوهم في الغالب.

لا ثقة في حماية الدولة
الأب خيري الحلاق لا يكاد يصدق للآن موت ابنه. وتلقت العائلة طوال الأسبوع زيارات التعازي في سرادق العزاء. “لقد كان يحب الذهاب إلى المركز”، يقول خيري، الذي يحكي عن أهمية ذهاب إياد لوحده إلى العمل. وحول باب السبع ينتشر عدد من قوى الأمن الإسرائيلي، لأنه أحد الطرق المؤدية إلى الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى. وفي البداية كانت هناك مرافقة تمشي مع إياد وتشرح له نقاط التفتيش وتواجد عناصر الشرطة. “على الرغم من أنه كان شابا في الـ 32 من عمره، إلا أنه بقى في كيانه طفلا في الثامنة. ومن الصعب فهم لماذا تم قتله بلا سبب من قبل الشرطة”، يقول الأب.
وفي مركز الوين يعمل المشرفون والمتدربون والآباء على تفادي وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل، وهم لا يعولون على الحماية من طرف الشرطة. “في الآونة الأخيرة كنت في كثير من الأحيان أترك ابنتي تذهب بمفردها وأراقبها من بعيد إلى أن تصل إلى الباب بأمان كي تعيش قسطا من الاستقلالية”، يقول عماد مونا. “لكن الآن من الأفضل أن أرافقها إلى المركز كل يوم”، يضيف الرجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى