ما بين “أبو كامل” و “زاهي أفندي” أمة عربية مهددة بوجودها

بقلم: عبد الهادي الراجح

 

الفن، كما هو معروف، المرآة الحقيقية للأمم والشعوب ، والقوة الناعمة التي تدل على مدى تقدم الأمم والشعوب عبر تاريخها وحضارتها .
وأمتنا العربية ليست استثناء من ذلك، ولكن عندما نتحدث عن الفن ورسالته الخالدة فليس هناك إلا الفن في الجمهورية العربية المتحدة ( مصر وسوريا الكبرى )والعراق، مع احترامي لكل الأقطار العربية الأخرى التي يبقى الفن بها متواضعا مقارنة بالجمهورية العربية المتحدة والعراق الذي وصل لكل بيت في العالم العربي، .
بينما في الأقطار الأخرى لم يتجاوز حدود سايكس بيكو، أي أنه محض ترفيه داخلي.. ولعل من أبرز الأعمال الفنية التي صورت لنا الواقع العربي كما هو اليوم، مسلسل سوري لا أذكر اسمه عرض مطلع تسعينيات القرن الماضي ، ولكن أذكر الرموز والرسائل التي أراد أبطال المسلسل إيصالها لنا والتي تبين أي مدى وصل الاختراق الاستعماري بأوساط امتنا .
صحيح أن المسلسل يتحدث عن حقبة الاستعمار الفرنسي لسوريا ولبنان بعد الوصاية البريطانية على ألأردن وفلسطين بموجب اتفاقية سايكس بيكو ، والذي أسمته عصبة الأمم المتحدة انتدابا كاسم مؤدب بدلا من الاحتلال أو الاستعمار الذي أوجد لنا حالات من الاستحمار السياسي لا زلنا نعاني منها حتى اليوم ، حيث تعلقت الأنظار كما جاء في المسلسل ببطل ترك أثرا مؤثرا في الكثير من المناضلين اسمه أبو كامل، وهو عميل للاستعمار لبس لباس الوطنية وجرى تلميعه من مشغليه ونجح في خداع الكثيرين من المناضلين الذين رأوا فيه رمزا لهم.. وهذا العميل حاله حال الكثير من صنائع الاستعمار في وطننا العربي الكبير اليوم، حيث خلق لهم تاريخا نضاليا مزورا وثورات أشبه بالثورات البرتقالية التي أجرتها أمريكا في دول ما كان يعرف بحلف وارسو .
في الوقت نفسه هناك زاهي أفندي العميل المكشوف الذي يعرفه كل أهل البلد، بل ويتباهى بأنه ابن داخلية الاستعمار.. ولا زلنا نذكر الفنانة السورية مها الصالح من أبطال ذلك المسلسل وهي تصرخ بزاهي أفندي مشبهة خطواته وهو يمشي منفوشا (بديك المزابل ) ويسمع كلامها ولا يكترث ، وكل ما يهمه إرضاء مشغليه وعمله على المكشوف، ويمكن حرقه بأي لحظة حال الكثيرين من أمثاله في بلادنا العربية، خاصة بعد مأساة ما يسمى بالربيع العربي.. فهو (زاهي أفندي) صورة عن حالة الكثير من المتاجرين بجراحنا الوطنية والقومية ممن ارتدوا كل الأقنعة، بهدف الوصول الانتهازي والطموحات الشخصية باسم النضال، من الاقنعة الدينية والقومية واليسارية والوطنية، فالمهم إرضاء المشغلين من الوكلاء وليس الأصلاء مقابل الفتات .
تذكرت ذلك المسلسل الرائع وأنا أرى حال أمتنا العربية.. مصر كامب ديفيد مشغولة بذاتها كما خطط لها مشغلو المقبور أنور السادات، وهي البلد الوحيد في العالم التي لا تستطيع العزلة بذاتها كون حياتها وشرايين الحياة لها مرتبط بخارج حدودها .
والعراق المحتل والذي يجري تقسيمه اليوم، وسوريا التي تكالبت عليها كل حثالات الشعوب ومرتزقتها بدعم من كل شياطين الأرض وتمويل خونة الأمة.
وليبيا التي أحتلت وأسقطت قيادتها الوطنية، ويجري اليوم تقسيمها ما بين عميل تركي اسمه سراج وعميل أمريكي اسمه حفتر، وكلاهما في الخندق الصهيوني المعادي لأمتنا ، وأصبح القتل في ذلك البلد على الاسم والمنطقة.
والسودان الذي سبق تقسمه شمالا وجنوبا، ها هي حتى أثيوبيا تحشد عليه.. بينما امتنا موزعة ما بين العميل المقنع بالوطنية والقومية والاسلامية “أبو كامل”، وبين العميل السطحي والمكشوف “زاهي أفندي”.. ولا عزاء للصامتين .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى