تركيا و الهيمنة الإقليمية على ليبيا

منذ أن وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية التي يرأسها فايز السراج ،مذكرتي التفاهم ،البحرية – الأمنية – العسكرية، في نهاية شهر نوفمبر 2019، أصبحت تركيا اللاعب المحوري في الأزمة الليبية الراهنة إلى درجة أنَّ طيفًا من المتابعين بات يتحدث عن وصاية تركية على ليبيا.
وتشهد التطورات الأخيرة للملف الليبي بشقيه العسكري والسياسي الناتجة عن سيطرة قوات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية الجوية،تأكيدًا على استراتيجية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتمثلة في تحقيق أطماعه وأحقية بلاده في غاز شرقي المتوسط وعدم التفريط في مصالح تركيا في ليبيا أكثر من ذلك، كما ذكر أردوغان بدعمه لحكومة الوفاق واستعداده لإرسال الأسلحة وحتى إرسال قوات عسكرية في حال طلبت طرابلس،والدخول عسكريا مباشرة في المعارك الجارية حول العاصمة طرابلس الغرب.
ومنذ عام 2014 ومع الانقسام السياسي الحاصل وإنشاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر لما يعرف بقوات الكرامة وبناء مؤسسة عسكرية منفصلة عن طرابلس،عملت تركيا و قطر على دعم جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة الداعمة لحكومة الوفاق بقيادة فايز السرج، وعملت على إغراق ليبيا بالأسلحة وبينها المتطورة.وتضاعف ذلك الدعم بعد إطلاق المشير حفتر لعملية طوفان الكرامة لتحرير طرابلس وغرب ليبيا من الميليشيات المسلحة وكشف أردوغان في آخر تصريح له عن عزمه إرسال دبابات وطائرات مسيرة لليبيا.
يرى الخبراء والمحللون العرب أنَّ نفوذ السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان على ليبيا مكن أنقرة من التحدث باسم حكومة الوفاق مع القوى الكبرى،الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا والصين بهدف إيجاد تسوية شاملة في ليبيا تسوية تضمن مصالح تركيا سواء على الجغرافيا الليبية أو في شرقي المتوسط يؤكد المراقبون بأنَّ الاتحاد الأوروبي الرافض لمثل هذا المنحى للأزمة الليبية لن يمنع أنقرة من تنفيذ مخططها الرامي لاحتكار التحكم في ملف بهذه الأهمية من كل الجوانب بعد أنْ كادت تخرج من الملف السوري بيد فارغة و أخرى لاشيء فيها .
تأثير سقوط قاعدة الوطية الجوية على معسكر حفتر
يشكل سقوط قاعدة الوطية الجوية في ليبيا بأيدي قوات حكومة الوفاق بزعامة فايز السراج هزيمة عسكرية حقيقية لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر،وكأحد أبرز المتغيرات في المعركة ضد قواته.إذ أعلنت عملية “بركان الغضب” تنفيذ سلاح الجو أربع ضربات جوية جديدة على طريق الرواغة الرابط بين الجفرة وسرت،استهدفت آليتين عسكريتين، وسيارة محمّلة بالذخائر، وسيارة وقود على طريق الرواغة، فجر يوم الثلاثاء 19مايو/ آيار 2020.
وتقع قاعدة الوطية الجوية في قلب تحصينات طبيعية توفر لها حماية من أي هجمات من جهة الساحل، لكنها ترتبط بمسارب جبلية في مناطق الجبل الغربي،لا تزال على ولائها لحفتر،وهو ما جعلها تشكل تهديداً مستمراً لقوات حكومة “الوفاق” ومناطق سيطرتها الجديدة في غرب العاصمة.ومنذ سنوات حكم نظام معمر القذافي،شكلت القاعدة هاجساً لأمن الدول المجاورة لليبيا غرباً، بسبب موقعها القريب من الحدود التونسية، ومجالها الجوي الذي يغطي أيضاً مساحة من الجزائر،ما جعلها غير ذات فعالية طوال نظام القذافي،الذي اتخذها في بعض السنوات مقراً لسرب من طائرات “ميراج” قبل نقله إلى قواعده الأخرى،وهو ما جعل القاعدة بعيدة عن تأثير الضربات المكثفة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال 2011.
وبحسب المتوافر من المعلومات،فإِنَّ القاعدة التي بُنيت قبل استقلال ليبيا،وتحديداً عام 1942، في فترة الوصاية الدولية على ليبيا،يمكنها أن تتسع لـ7 آلاف مقاتل،وتحوي ثلاثة مدارج لإقلاع الطائرات،وعدداً من الدشم،إضافة إلى ملجأ طائرات خرساني،وعدد من ورش الصيانة،وأماكن مبيت خاصة للعاملين والعسكريين.​
وخلافاً لما بينته فيديوهات متداولة على منصات التواصل الاجتماعي التي أظهرت سيطرة قوات “الوفاق” على كميات كبيرة من الذخيرة،إضافة إلى منصة منظومة دفاع جوي وسرب للمروحيات المقاتلة،برّر المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر،أحمد المسماري،سقوط قاعدة الوطية بيد قوات حكومة “الوفاق” بأنه “انسحاب تكتيكي أعددنا له منذ أشهر، مراعاة لظروف المواطنين بمناسبة عيد الفطر”،بناءً على أوامر حفتر.
قال المسماري،في مؤتمر صحافي،فجر يوم الثلاثاء الماضي،إنَّه “تم سحب ما يقارب ألف آلية من داخل القاعدة على مراحل،من بينها طائرات وآليات عسكرية أخرى”.
وعن أسباب أوامر حفتر بالانسحاب،قال المسماري إنها لـ”إعادة تمركز القوات وتوزيعها في مواقع ونقاط جديدة في محاور جنوب طرابلس”،وعلى الرغم من تأكيده مرات عدة خلال مؤتمره عدم “أهمية قاعدة الوطية عسكرياً واستراتيجياً”،إلا أنه عاد وقال إنَّ سلاح الجو التابع لحفتر استهدف القاعدة بغارات عدة،لمنع قوات الحكومة من الاستفادة منها،مشدداً على أنَّ “المعركة لم ولن تنتهي”،مطالباً أنصار حفتربـ”عدم تفسير ما تتخذه القيادة من تدابير على نحو خاطئ”.
من وجهة نظر قوات حكومة الوفاق،كانت استراتيجية السيطرة على قاعدة الوطية الجوية تقوم على ثلاث مراحل،الأولى،بدأت بهجوم بري كاسح في بداية انطلاق عملية “عاصفة السلام”، نهاية مارس/ آذار2020 ،إذ تمكنت قوات حكومة الوفاق من ضرب قدرات القاعدة وإخراجها عن الخدمة.أما المرحلة الثانية كانت السيطرة على ثماني مناطق بالساحل الغربي، قبل الانتقال إلى المرحلة الأخيرة التي بدأت بتكثيف الضربات الجوية على القاعدة ومحيطها، وانتهت باقتحامها مساءالإثنين18مايو/آيار 2020،والسيطرة عليها نهائياً.
ولاشك أنَّ قوات حكومة الوفاق المستفيدة من التدخل العسكري التركي والدعم اللوجستي القطري،والضوء الأخضرالأمريكي وبالتالي حلف “الناتو”،تريد أن تستثمر السيطرة على قاعدة الوطية ليس فحسب عند حدِّ نتائجها العسكرية وتداعياتها على طموح حفتر العسكري، بل يبدو أنَّ حكومة “الوفاق” ساعية لاستثمارها سياسياً أيضاً، فقد ذكر وزير الخارجية بحكومة “الوفاق” محمد سيالة،أنَّ الحكومة ستعمل على توثيق الأسلحة التي عُثر عليها داخل القاعدة، قبل إحالتها على مجلس الأمن،وفق بيان للوزارة مساء يوم الاثنين الماضي.
وبموازاة خسارته لقاعدة الوطية، التي اعتمد عليها بشكل كلي في السيطرة الجوية على سماء طرابلس وكامل المنطقة الغربية، أكد المحلل السياسي الليبي مروان ذويب تضاؤل الفرص أمام حفتر سياسياً،معتبراً أنَّ سقوط القاعدة دفع بقادة طرابلس إلى تجديد رفضهم للحوار السياسي مع اللواء خليفة حفتر،في إشارة لبيان المجلس الأعلى للدولة، مساء الاثنين الماضي.
وأكد ذويب، في حديثه لـ”العربي الجديد”بتاريخ يوم الثلاثاء 19مايو/آيار 2020،أنَّ ذهاب حفتر إلى الاعتماد على رموز النظام السابق الفارين خارج البلاد في إعداد “الدستور الموقت” لمواصلة الالتفاف على أوضاعه المتهاوية وإنقاذ نفسه، يؤكد انحسار رقعة مؤيديه بين أنصار النظام السابق حسب.
ويهدف حفتر،بلجوئه إلى الانتصار برموز النظام السابق، إلى أمرين، وفق ذويب، أولهما تعويض النقص الذي تعانيه جبهته الداخلية بعد بروز رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وظهيره القبلي كمعارض له، والثاني محاولة تمتين علاقته بروسيا التي تشهد تراجعاً لمعرفته بالميول التي تحملها موسكو لأنصار نظام القذافي.
ورجح ذويب أن تسرّع نتائج الميدان المقبلة، خصوصاً في محيط الجفرة، من سقوط مشروع حفتر السياسي والعسكري، مؤكداً أن غالبية حلفائه في طريقهم لنفض أيديهم منه، خصوصاً روسيا،التي تواجه ضغطاً من قبل أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو”،الذين صعّدوا في الآونة الأخيرة من لهجة استنكارهم لمشاركة موسكو في القتال في صفوف قوات حفتر.
ويحاول اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر،إنقاذ ما تبقّى من معسكره المتهاوي،إثر تلقّيه ضربات موجعة على يد قوات حكومة الوفاق ،آخرها سقوط قاعدة الوطية غرب البلاد،وذلك من خلال لجوئه مجددا إلى ما يصفه بـ”التفويض”،في سياق محاولاته المتواصلة للاستيلاء على السلطة عبر طرق أخرى بعد فشله العسكري.
وأعلن حفتر،في 27 من إبريل/نيسان 2020،عن توليه زمام قيادة البلاد بناء على ادعائه الحصول على “تفويض شعبي”،معلنًا أيضا إسقاط الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات بالمغرب الذي تم توقيعه في 15ديسمبر 2015،وما نتج عنه من هيئات سياسية، بما فيه مجلس النواب المنعقد في طبرق،الذي مثل له الواجهة السياسية لسنوات.
وفيما كشفت مصادر برلمانية من طبرق،وشخصيات من الدائرة الأولى لحفتر، النقاب عن استعداده لإطلاق “إعلان دستوري مؤقت”،بناء على “تفويض الشعب الليبي للقيادة العامة للقوات المسلحة”،خلال الأسبوع الجاري،قالت مصادر أخرى لصحيفة ” العربي الجديد” إلى أنَّ رئيس مجلس النواب،عقيلة صالح، يمكن أن يعرقل إعلان حفتربسبب رفضه “المطلق” للخطوة، رغم سماحه لمجلس النواب بالاستمرار في البقاء كواجهة سياسية لشكل الحكم الجديد الذي يسعى إليه حفتر.
وتشير هذه المصادر،التي فضلت عدم نشر هويتها،إلى أنَّ “الإعلان الدستوري المؤقت” المنتظر يتوفر على أكثر من 60 مادة،تبدأ بالمبادئ العامة عن اسم الدولة وشكل علمها،لكِنَّ أهم مواده هي المتعلقة بالمرحلة الانتقالية المقبلة التي سيتولاها حفتر تحت مسمى رئاسة “المجلس الوطني الليبي”، سيضم معه في قيادته قيادات عسكرية من الضباط الموالين له، مع احتفاظه بمسمى “القائد العام للجيش”.
وبحسب المصادر ذاتها،فإنَّ إعلان حفتر ينص على نقل كل اختصاصات وصلاحيات مجلس النواب إلى مجلسه،وحصر مهمة مجلس النواب في المصادقة على قرارات مجلسه الجديد، كإقرار الحكومة التي سيعلن عنها برئاسة عبد الرحمن العبار،رئيس المجلس البلدي الحالي لمدينة بنغازي،والذي يعد أحد رموز نظام العقيد الراحل معمر القذافي.كما سيناط بمجلس النواب برئاسة صالح، بحسب إعلان حفتر المنتظر، المصادقة على قرارات “المجلس الوطني الليبي” في زمن محدد لا يتجاوز الأسبوعين، قبل إعادة اختصاص المصادقة إلى مجلس حفتر في حال فشل مجلس النواب. ومن بين تلك القرارات المحتملة تعيين رؤساء المناصب القيادية والسيادية،وإنشاء هيئات جديدة، منها صناديق إعمار المدن،و”الهيئة الوطنية للتنمية”.
كما يخول إعلان حفتر الدستوري مجلسه مهمة تشكيل هيئة لتعديل “مقترح الدستور” الذي قدمته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في منتصف عام 2017، ويتولى مجلسه مهمة الإشراف على إجراء استفتاء على الدستور من قبل الشعب.وتفيد بعض مواد الإعلان، بحسب معلومات المصادر، بإشراف مجلس حفتر أيضا على انتخابات عامة لانتخاب مجلس للنواب وحكومة تنفيذية.
وإزاء الرفض الكلي من قبل صالح، الذي يقود منذ فترة معارضة قبلية داخلية في معسكر حفتر، قالت المصادر المسؤولة ذاتها إن حفتر يحاول قلب الأوضاع لصالحه من خلال إنشاء “المجلس الأعلى لقبائل ليبيا” الذي سيترأسه زعيم قبيلة الزاوية، السنوسي الحليق، وعدد من زعماء القبائل الموالية له، على رأسها القبائل الموالية للنظام السابق.
ويحاول حفتر بذلك استقطاب بعض القبائل في الشرق الليبي التي لا تعيش في وفاق مع قبيلة العبيدات التي يعتمد عليها صالح في معارضته لحفتر ومن خلالها يسعى لحشد الدعم القبلي لمبادرته السياسية، تزامنا مع حملة تجريها قوات حفتر تحت مسميات عمليات أمنية في شرق ليبيا، جردت من خلالها عددا من المعسكرات التابعة لقبيلة العبيدات وحلفاءها من أسلحتها واعتقلت قادتها، آخرها معسكري مرتوبة وأم الرزم.
وقالت بعض المصادر المقربة من الدائرة الأولى لحفتر إنَّ مشروع “الإعلان الدستوري” تم تمويله بالكامل من دولة الإمارات، التي عملت على إنقاذ حفتر من خلال أنصار النظام السابق، وهم آخر حلفائه في ليبيا، على أن تتولى الشخصيات السياسية والقبلية المنتمية للنظام السابق الترويج إعلاميا وقبليا لمشروع حفتر. ولا ترجح المصادر أن يلقى إعلان حفتر قبولا محليا أو دوليا، بعد موجة الرفض التي لاقى بها المجتمع المحلي والدولي إعلانه السابق بخصوص إسقاط الاتفاق السياسي وتوليه زمام قيادة البلاد بناء على ادعائه الحصول على “تفويض” شعبي.
موقف الناتو الداعم لمحور تركيا 
بعد سقوط قاعدة الوطية بأيدي قوات حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج،أكد محللون أتراك أنَّ قوة تركيا ساهمت في تغيير موقف الناتو في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الوطني.فبعد أن تكبدت قوات اللواء المتفاعد خليفة حفترخسائر فادحة، رغم الدعم الروسي والإماراتي الميداني له،تغير موقف حلف شمال الأطلسي (الناتو) تجاه طرفي الصراع،لا سيما في ضوء التدخل العسكري التركي المباشر في القتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق. فقد صرح أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ،يوم الثلاثاء 19مايو/ آيار 2020 :بأنه لا يمكن وضع حكومة السراج، المعترف بها دوليا،واللواء المتقاعد خليفة حفتر،في كفة واحدة،وأبدى في الوقت عينه تأييده لتركيا، وأكد على ضرورة الامتثال لقرارات الأمم المتحدة.
وأشارينس ستولتنبرغ إلى أنَّ الناتو يتفهم التزام تركيا التي تتطلع لدور نشط في ليبيا لمسألة أمنها القومي.وأكد أنه مع تزايد الدول الغربية المساندة لحفتر في الآونة الأخيرة، جاء إعلان الناتو استعداده لدعم حكومة الوفاق، كإحدى ثمار قوة مواقف تركيا في ليبيا، على الرغم من الدعم الفرنسي واليوناني لحفتر.
ويعود التبدل في موقف الناتو إلى تغير الموقف الأمريكي من مجرى الصراغ في ليبيا، فبعد أن كان الموقف الأمريكي لا مباليًا طيلة السنوات الماضية، قاد فشل اللواء خليفة حفتر في استغلال الدعم الفرنسي والروسي والإماراتي والمصري والسعودي،لدخول طرابلس،إلى إحداث تغير في الموقف الأمريكي.وكان لافتًاإلى أنَّه خلال لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب،بواشنطن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019،طرح عليه أردوغان رؤيته حول الوضع والاستقرار في ليبيا، ووجد هذا الكلام استجابة لدى الأجهزة الأمنية الأمريكية، خصوصًا أنهم يعتبرون أردوغان حليفًا مهمًا.
ومع ازدياد التواجد الروسي في ليبيا، بدأت الولايات المتحدة أصبحت ترى أن حفتر،الذي جاء بالروس، يهدد مصالحها الاستراتيجية.فالولايات المتحدة وبريطانيارحبتا باستقلال ليبيا في 1951،لأنه يقطع الطريق على تواجد عسكري سوفييتي فيها،فهذا تهديد لجنوب أوروبا،وبالأخص اليونان وإيطاليا وفرنسا، وهو أمر غير مقبول لدى الأمريكيين.
ويجمع الخبراء و المحللون المتابعون للوضع في ليبيا،بأن الأمريكيين أصبحوا يجدون في التدخل العسكري بليبيا تماهيًا مع رؤيتهم الاستراتيجية في المنطقة.وترجم هذا الموقف الأمريكي إلى تصريح للأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو”،ينس ستولتنبرغ، الذي أعرب فيه عن استعداد الحلف لدعم الحكومة الليبية الشرعية.
فعندما اخترقت طائرتان فرنسيتان المجال الجوي الليبي فوق مدينتي مصراتة (200 كلم شرقي طرابلس) والزاوية (50 كلم غربي طرابلس)، أواخر نيسان/ أبريل 2020،واستخدمتاإشارات وذبذبات الناتو من دون تكليف من الحلف، أبلغت تركيا الأمين العام لحلف الناتو، فاهتمت الولايات المتحدة بالأمر،التي تعتبر “الناتو” مؤسسة أنشأتها ومولتها الولايات المتحدة،والمساهمة التركية في الحلف رئيسية،ولا يمكن أن يكون لدولة عضو، كاليونان مثلًا، الوزن والتأثير نفسه داخل الحلف.وكان وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، قال إنَّ “تركيا هي الحليف الأهم داخل الناتو”.
ومن المعروف تاريخيا الموقف الأمريكي من مساعٍ فرنسية لإنشاء قوة أوروبية مستقلة عن “الناتو”، فالأمريكان هم من يحفظون أمن واستقرار أوروبا وفق قول وزير الدفاع الأمريكي,
لا سيما أنَّ “الناتو” من مهامه تطبيق استراتيجية محاصرة التوسع الروسي في ليبيا ، لذلك أبلغ أمين العام الحلف فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، بأنهم مستعدون لتطوير قواتهم العسكرية والشرطة”.
أهمية ليبيا في الإستراتيجية التركية
عادت القضية الليبية، إلى الأجندة التركية من جديد، فيما يواصل الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق التقدم في مناطق غرب البلاد.وقالت وكالة “سي أن أن” التركية، في تقريرنشرته صحيفة عربي 21، بتاريخ 21مايو/آيار2020:إن ليبيا تعتبر قريبة جدا بالنسبة لتركيا، وحتى لو كانت بعيدة جغرافيا.
وأضافت أن أول جندي تركي، وصل إلى ليبيا في عهد الإمبراطورية العثمانية كان خلال عهد السلطان سليمان القانوني في أوائل القرن السادس عشر، مشيرة إلى أن البلد الأفريقي اكتسب أهمية استراتيجية في أمن البحر الأبيض المتوسط منذ ذلك التاريخ.وأشارت إلى أن تركيا لا تنكر دعمها للحكومة الشرعية في ليبيا، كما أن الارتباط التاريخي بين البلدين هو أحد أهم الأسباب الرئيسية لهذا الدعم.
أما السبب الأخر، فيكمن بالمصالح الاسترايتيجية التركية في ليبيا، من حيث الأمن القومي لها.
وأوضحت أن ليبيا اكتسبت بعدا استراتيجيا في البحر الأبيض المتوسط، ليس فقط بالبعد الاجتماعي والتجاري وحسب، بل وأيضا بأمن الطاقة.
ولفتت الوكالة إلى أن اليونان وقبرص اليونانية، ومصر وإسرائيل خططت لحصر تركيا في خليج أنطاليا في البحر الأبيض المتوسط، ولكن الاتفاقية بين أنقرة وطرابلس بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما، أجهضت هذا المخطط، ومكنت من توسيع أنقرة ولايتها البحرية.
ونوهت إلى أن اليونان التي لم ترغب بأن يكون لتركيا أي مكان في شرق البحر الأبيض المتوسط، كانت تسعى لدمج الجرف القاري الرئيسي لها، مع الجرف القاري للجزر، ومن ثم دمجهما مع قبرص.
وأشارت إلى أن إعادة الجيش الليبي السيطرة على قاعدة الوطية، ذات الأهمية الاستراتيجية، يعني أن قوات حفتر لن تتمكن من البقاء في غرب ليبيا، وفقدانها الحدود مع تونس.وأكدت أنه إذا تمكنت تركيا وليبيا من الحفاظ على الاتفاقية بينهما، فإن الحدود البحرية ستكون جدارا حصينا للممر البحري من وإلى الشرق الأوسط والغرب، وسيكون المتحكم الوحيد هي القوات البحرية التركية والليبية.وأضافت أن اليونان ومصر وإسرائيل لن تكون قادرة على فعل ما يريدونه في شرق المتوسط كما يحلو لهم، لذلك فإن الحرب في ليبيا حاسمة بالنسبة لتركيا في الصراع على الطاقة.
بدوره قال الكاتب التركي بولنت إيرنداش، في مقال على صحيفة “تقويم”، وترجمته “عربي21” بتاريخ 21 مايو/آيار2020، إن تركيا تمكنت من إفشال كافة المخططات في ليبيا.وأضاف أن السيطرة على قاعدة الوطية الجوية، يعزز من عمليات حكومة الوفاق في الغرب الليبي.
وأشار إلى أن ليبيا تكتسب أهمية بالغة في الطرق التجارية في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، لافتا إلى أن عدم اكتراث تركيا بهذه المنطقة وخاصة شرق المتوسط، سيكون له أثر سلبي على موقف أنقرة الجيوسياسي والجيوستراتيجي.
وأكد أن وجود تركيا في ليبيا، يعني أن مشاريع الضغط في خليج الاسكندرون سوف تتلاشى.
وشدد على أن تركيا إذا لم تحافظ على وجودها في البحر الأبيض المتوسط، فإن سفنها وطائراتها لن تتمكن من أن تجوب شرق المتوسط دون إذن، وستكون معرضة للخطر.
من جهته قال الكاتب التركي، برجان توتار، في مقال على صحيفة “صباح”، وترجمته “عربي21” بتاريخ 21مايو/آيار2020: إن الأخبار المبشرة في ليبيا، تعد الخطوة الثانية بعد سوريا، لتركيا التي غيرت الموازين في شرق البحر الأبيض المتوسط.وأضاف أن “حفتر الدموي” الذي تستخدمه “عصابة النفط والغاز” المكونة من الإمارات والسعودية وفرنسا وقبرص واليونان ومصر وإسرائيل بقيادة الولايات المتحدة، يخسر يوما بعد يوم أمام قوات حكومة الوفاق.
وأكد أن الاتفاقية البحرية بين أنقرة وطرابلس، تمكنت من تقويض “خطط المافيا” للاستيلاء على الموارد الضخمة في شرق المتوسط، مشيرة إلى أن مشروع استبعاد تركيا وحصرها على شواطئ أنطاليا فقط، من خلال “مشروع حفتر ليبيا”، تكلل بالفشل.ولفت إلى أنه على الرغم من مساهمة الفرقاطات التركية في العمليات، فإن الطائرات المسيرة التركية التي تفوقت على مثيلتها الصينية، وأنظمة الدفاع الروسية “بانتسير”، كان لها الفضل في تغيير قواعد اللعبة.
وأشار إلى أن الجيش الليبي، سيواصل عملياته في المناطق الساحلية، للسيطرة على حقول النفط التي استولت عليها مليشيا حفتر.وختم بأنه مع إبعاد حفتر من مدينة ترهونة، الغنية بالحقول النفطية، ستمنح لليبيين للسيطرة عليها، وستجلب نهاية أحلام محاصرة تركيا من البحر الأبيض المتوسط.
موقف دول الجوار من الحرب الدائرة في ليبيا
لقد تحولت ليبيا الى ساحة حرب إقليمية لا تقف عند حدود البلاد، بل ستكون لها تداعيات عسكرية و سياسية وجيواستراتيجية خطيرة في كل منطقة الشمال الإفريقي، وشرق البحر الأبيض المتوسط ،بسبب تحول ليبيا على مدى السنوات الأخيرة الى مركز استقطاب للجماعات الإرهابية (21 تنظيما إرهابيا) وانتشار السلاح (42مليون قطعة سلاح)،ووجود حوالي مليون مهاجر غير شرعي وغياب السيطرة على الحدود الجنوبية مع دول الساحل الإفريقي، والغربية مع تونس و الجزائر،وهشاشة الوضع الأمني في أكثر من دولة مجاورة ، بالإضافة إلى الخلاف والانقسام بين دول الجوار من أزمة ليبيا وانقسام دول الاتحاد الأوروبي وثبوت التدخل الروسي.
وفضلاً عن ذلك،لا يمكن تبسيط الأزمة الليبية في ‬صراع ‬حكومة ‬طرابلس ‬المعترف ‬بها ‬من ‬المجتمع ‬الدولي، مع ‬حكومة ‬ثانية ‬في ‬شرق ‬ليبيا ‬يدعمها ‬مجلس ‬النواب ‬وقوات ‬الجيش ‬الوطني ‬بقيادة ‬حفتر،فذلك هو نصف الحقيقة، ‬لان ‬ليبيا ‬تحولت ‬و ‬منذ ‬نحو ‬عقد ‬من ‬الزمن ‬إلى ساحة حرب ‬مفتوحة ‬لكل ‬الاجهزة ‬الاستخبارية ‬ومعها ‬مافيا ‬السلاح ‬وعصابات ‬الدواعش ‬والإرهابيين ‬الذين ‬تسللوا ‬اليها ‬على ‬مدى ‬السنوات ‬من ‬سوريا ‬و ‬العراق ‬وأفغانستان ‬بعد ‬تضييق ‬الخناق ‬من ‬حولهم، والمحاور الإقليمية المتصارعة  إيديولوجيًا،وسياسيًا،وعسكريًا.
ففي هذه الحرب يتقابل محوران إقليميان:
الأول،و يتكون من الدول الإقليمية التالية(تركيا وقطر) الداعمة لحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج،المدعومة من جماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسي الراديكالي التي تستهدف زعزعة استقرار دول جوار ليبيا (خاصة الجزائر ،و تشكل تونس في ظل سيطرة حركة النهضة على البرلمان و الحكومة أكبر حليف استراتيجي لهذا المحور الإقليمي، لأنها استطاعت أن تحول الجنوب التونسي إلى قاعدة لوجستية لتمرير صفقات الأسلحة ،وتهريب الإرهابيين القادمين من سوريا للقتال في ليبيا عبر الطائرات التركية التي تستخدم مطار جربة).ويمتلك هذا المحور الإقليمي تصميمًا على عدم التفريط في مصالحه الاقتصادية في ليبيا سواء أكانت الطاقة أو عقود الأعمار والتسليح .
الثاني،ويتكون من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من قبل دولة الإمارات ومصر وروسيا، وهو يستهدف اقتحام طرابلس الذي يتطلب بالضرورة تدمير إمكانيات مليشيات مصراته والزاوية لقطع الإمداد لتلك القوات في طرابلس ،وإجبار المجلس الرئاسي على التخلي عن المجموعات الإرهابية والمطلوبين دوليا حتى يقبل حفتر التفاوض مع السراج وهذا الأمر عرضه القائد العام للجيش على الوفد الأمريكي الرفيع عند زيارته للرجمة مقر القيادة العامة، علما بان السراج لن يقدر على فك ارتباطه بالإخوان المسلمين،وتلك المجموعات الإرهابية من الإسلام السياسي الجهادي.
فمصر أكدت على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي الرئيس أنّ بلاده “لن تسمح لأحد” بالسيطرة على ليبيا،بعد أيام من تلويح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
وشدَّد الرئيس المصري حسب صحيفة “الشروق” الخاصة على أن بلاده “لن تتخلى عن الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده المشير خليفة حفتر الرجل القوي في الشرق الليبي الذي أطلق يوم الخميس ما أسماه “المعركة الحاسمة” للسيطرة على طرابلس معقل حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج ويعترف بها المجتمع الدولي. وبدأت قوات حفتر في أبريل/نيسان 2019هجوما للسيطرة على طرابلس.وتابع السيسي “لا يمكن أن نرضى بإقامة دولة في ليبيا للميليشيات والجماعات المسلحة والإرهابية والمتطرفة”.
وتُعَدُّ تونس الجارة لليبيا،أكبر دولة تتعرض للتداعيات الخطيرة لهذه الحرب الدائرة في ليبيا، بسبب غياب الحل السياسي الوطني والديمقراطي للأزمة الليبية، واستمرار الأفرقاء الليبيين في الاقتتال و الاحتراب فيما بينهم،‬لا سيما أنَ الأزمة ‬الليبية‬ استنزفت ‬كل ‬الجهود ‬الديبلوماسية ‬الاممية ‬بعد ‬مرور ‬نحو ‬ثمانية ‬مبعوثين ‬دوليين ‬وممثلين ‬للجامعة ‬العربية ‬دون أن يؤدي ذلك إلى أي ‬تقدم ‬في ‬الحوار ‬الليبي ‬الليبي ‬المحكوم ‬بعقد ‬كثيرة ‬تبدا ‬بالفرقاء ‬و ‬تنتهي بالأوصياء الإقليميين ‬الذين ‬يرفضون ‬رفع ‬ايديهم ‬عن ‬ليبيا.
وكان لا فتًا أن الموقف الرسمي التونسي مائع من التدخل العسكري التركي ،والتطورات الأخيرة ، التي شهدتها الساحة الليبية، فقد أصدرت رئاسة الجمهورية التونسية بيانًاغامضًا ‬ ‬بشان ‬الطائرة ‬التركية ‬التي ‬حلت ‬بمطار ‬جرجيس ‬ليلا ‬محملة ‬بمساعدات ‬الى ‬ليبيا ‬دون ‬تحديد ‬للطرف ‬المعني ‬بالمساعدات ‬في ‬غياب ‬الوسيط ‬المطلوب ‬ممثلا ‬في ‬هيئة ‬الصليب ‬الاحمر ‬في ‬مثل ‬هذه ‬الاحداث، بينما يؤيد الإسلام السياسي التونسي متمثلا بحزب النهضة ، ورئيس البرلمان التونسي الشيخ راشد الغنوشي ، حكومة الوفاق بزعامة فايز السراج، والمحور التركي القطري.
فقد هنأ رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، يوم الثلاثاء19مايو/آيار2020، رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، بسيطرة القوات التابعة له على قاعدة “الوطية” الجوية.وقال بيان صحفي صادر عن مكتب رئيس حكومة الوفاق إن الغنوشي اتصل هاتفيا بالسراج وقدم “تهانيه باستعادة قواته لقاعدة الوطية الاستراتيجية، و عبر له عن ارتياحه لعودة هذه القاعدة القريبة من حدود تونس إلى الشرعية”.
وتأتي تهنئة الغنوشي، الذي يرأس حركة النهضة الإسلامية الجناح السياسي لتنظيم الإخوان في تونس، تناغمًا مع الموقف التركي في ليبيا، وشقًا لصف الدبلوماسية التونسية، حيث تؤكد رئاسة الجمهورية على موقف الحياد من أزمة البلد الجار.وأحدث الموقف المتباين بين رئيس البرلمان المتهم بتغليب المصالح الحزبية والإيديولوجية على الموقف الوطني، شرخًا بين الغنوشي ورئيس الجمهورية قيس سعيَّد، الذي لا يخفي عدم ثقته في تركيا التي دخلت بقوة لتغليب كفة الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق.
وكانت ‬احزاب ‬المعارضة القومية و اليسارية :وهي ‬التيار ‬الشعبي، ‬وحزب ‬العمال، ‬والحزب ‬الاشتراكي ‬وحركة ‬البعث ‬وحركة ‬تونس ‬إلى ‬الأمام، ‬وحزب ‬القطب ، قد دعت في بيان مشترك صدر مؤخرًا،إلى ‬التحذير ‬من ‬مخاطر ‬”‬توريط”‬ ‬تونس ‬في ‬الصراع ‬الليبي، ..‬وقالت ‬،‬إنها ‬تُحذر ‬من ‬مغبة ‬”‬استمرار ‬نهج ‬الغموض ‬الذي ‬تنتهجه ‬السلطات ‬التونسية ‬في ‬كل ‬ما ‬يتعلق ‬بالأنشطة ‬التركية ‬في ‬المنطقة”‬.‬وطالبت ‬هذه ‬الأحزاب،برفض ‬التواجد ‬العسكري ‬الأجنبي ‬في ‬المنطقة”‬…‬
وأعربت ‬في ‬المقابل ‬عن ‬إدانتها ‬لكل ‬”‬محاولة ‬للزج ‬بتونس ‬في ‬لعبة ‬المحاور ‬الاقليمية ‬مهما ‬كانت ‬على ‬حساب ‬أمنها ‬القومي ‬وعلى ‬حساب ‬أمن ‬واستقرار ‬الشعب ‬الليبي ‬ودماء ‬أبنائه”‬.‬
أما الموقف الجزائري من الأزمة الليبية،فهو يقوم على الثوابت التالية:
• الحفاظ على السيادة والوحدة الترابية لليبيا.
• رفض التدخل العسكري الأجنبي المباشر وغير المباشر، ومن أي طرف كان.
• رفض القيام بأي عمل أو دور عسكري خارجي، وأن يكون مجال سيادتها منطَلَقًا أو مَعْبَرًا لعمليات عسكرية أجنبية موجهة ضد ليبيا والشعب الليبي.
• الدعوة إلى اعتماد الأساليب السلمية والحوار بين الليبيين لبحث الحلول الممكنة لحلحلة الأزمة، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في تحقيق السلم والأمن بليبيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى