رسالة لم تصل لأصحابها لتأجيل الاجتماع.. إلى القيادة والقوى المشاركة في الاجتماع المرتقب ومقاطعيه

ينعقد اجتماعكم والقضية الفلسطينية تمرّ بمنعطف خطير، ولكن بقدر ما تواجهه من تحديات جسيمة تهددها بالتصفية لديها فرص، بدليل المعارضة العالمية الواسعة لمخططات الاحتلال لضم أجزاء من الضفة الغربية، والجدل الحامي في معسكر الصهاينة، وحتى المتطرفين بينهم، حول الضم، وكيف أنه فرصة تاريخية لا بد من التقاطها، لا سيما في ظل وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، وبين من يقول إنها خطوة حمقاء ستعود بعواقب وخيمة على إسرائيل.
لا أخالني مخطئًا إذ أقول إن الشعب الفلسطيني في غالبيته لا يعير لاجتماعكم الاهتمام الذي من المفترض أن يستحقه:
أولًا: لأنكم مختلفون على الاجتماع نفسه وشروط عقده، ولأنكم اجتمعتم مثل هذا الاجتماع مرات عدة دون أثر يذكر.
ثانيًا: لأن اجتماعكم يعقد بينما الانقسام يتعمق حتى رغم وباء كورونا، وطرح رؤية ترامب، وتسارع تطبيق المخططات التوسعية الاستيطانية والعدوانية والعنصرية التي يمارسها الاحتلال بعد أن انتقل من مرحلة إدارة الصراع وخلق حقائق احتلالية جديدة باستمرار إلى مرحلة حسم الصراع وفق شروطه، على أساس إقامة “إسرائيل الكبرى” من خلال ضم الأرض وتجميع السكان في معازل آهلة منفصلة عن بعضها البعض، بحيث لا تقوم لها قائمة، وانتظارًا، إذا مرّ الضم، لحدوث فرصة ملائمة تمكنهم من تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى الأردن، وعبره إلى مختلف بقاع الأرض، وإلى قطاع غزة بعد توسيعه من سيناء.

الاحتلال والضم
من اللافت أنّ اجتماعكم يعقد كرد فعل على ما جاء في البرنامج الائتلافي بين “الليكود” و”أزرق أبيض” من منح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ضوءًا أخضر للشروع في ضم أكثر من 30% من مساحة الضفة وفق ما جاء في رؤية ترامب.
وفي ضوء عدم وضع الضم ضمن الخطوط العريضة لبرنامج الحكومة، يمكن أن يسارع البعض إلى إعلان الانتصار، والقول سنقوم بالرد إذا تم إقرار الضم في الحكومة، وأرد على ذلك بالقول: إن الضم خطوة نوعية خطيرة كونها تنقل الصراع إلى مستوى جديد، تقول فيه إسرائيل إن الأراضي المحتلة ليست محتلة، بل “حررتها” إسرائيل، وهي جزء من “أرض الميعاد”، ولم تعد محل تفاوض ولا متنازعًا عليها، ومن يؤيد من الصهاينة أو يعارض الضم فإنما يفعل ذلك لرؤيته أن في ذلك تحقيقًا للمصلحة الإسرائيلية.
ولكن ما سبق لا يعني أن الاحتلال أمر حميد، ولا يحتاج إلى رد فلسطيني بهدف إزالته، بل هو تجسيد لاستعمار استيطاني عنصري. والاحتلال عمليًا ضمّ جزءًا كبيرًا من الأراضي المحتلة من خلال زرعها بالمستوطنات والمستوطنين والمعسكرات والمناطق المصنفة “أمنية وعسكرية وحيوية وإستراتيجية”، وشرع في تطبيق قوانين إسرائيلية على المستوطنات، وهجّر معظم الفلسطينيين من المناطق المصنفة (ج)، التي تشمل أكثر من 60% من مساحة الضفة، وهي مضمومة لإسرائيل بالفعل، ولا ينقصها سوى الضم القانوني، وإعلان السيادة الإسرائيلية عليها.
نعم، هناك اختلاف بين الضم والاحتلال، ولكنهما تجسيدان مختلفان للاستعمار الاستيطاني الذي تجسّده إسرائيل. والاحتلال أسوأ من الأبارتهايد، والضم لا يقود تلقائيًا إلى دولة ثنائية القومية كونه ضمًا للأرض من دون سكانها، أو مع أقل عدد ممكن من السكان الذين لن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية حتى بعد ضمهم؛ خشية من انفجار القنبلة الديمغرافية في وجه إسرائيل، والقضاء عليها بوصفها دولة يهودية كما حاولت تكريس ذلك بإقرار قانون القومية العنصري. فالمطلوب خطة مواجهة إذا أقرّ الضم أو لم يقر، ولا تنسوا أن قرارات المجلس المركزي أخذت قبل أكثر من 5 سنين ولم تنفذ.

أيها المجتمعون والمقاطعون
لقد اجتمعتم سابقًا واتخذتم قرارات بالإجمال – رغم أنها ناقصة ويوجد ملاحظات عليها – كانت مناسبة، ولكنها لم تُطبق، ومن المتوقع تأكيدها، والإعلان المتكرر بأن الاتفاقيات والعلاقات بين فلسطين وكل من إسرائيل والولايات المتحدة لاغية.
إن اتخاذ هذا القرار بهذا النص يعني – إذا كانت النية متوفرة فعلًا للتطبيق هذه المرة – حل السلطة. وإلا فهو ضحك على الذقون. فالسلطة إحدى إفرازات اتفاق أوسلو، ولا يمكن إلغاؤه وبقاءها. فهل فعلًا النية متجهة لحلها أو لإقدام الاحتلال على حلها، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تهديد لفظي لا يجد طريقه للتنفيذ، بدليل الاتفاق على تقديم إسرائيل قرضًا للسلطة قيمته 800 مليون شيقل، من أموال السلطة المسروقة، يقدم خلال ستة أشهر على دفعات لضمان سير السلطة كما تريد إسرائيل. والسؤال: هل من يريد فك الارتباط بالاحتلال وإلغاء الاتفاقات والعلاقات يمهد لذلك بمثل هذه الخطوات؟ فمن يقترض من عدوه من أمواله المنهوبة لا ينوي محاربته، ولا إلغاء الاتفاقيات معه.

خطة متدرجة
هناك اقتراح أضعه على أجندة البحث الوطنية يقوم على الانطلاق من أن إسرائيل تجاوزت التزاماتها باتفاق أوسلو منذ زمن بعيد، ولكنها لم تعلن إلغاءها، لأنها تريد استمرار تطبيق الالتزامات الفلسطينية فيه، ولا تريد تحمل المسؤولية عن قتل أوسلو أمام العالم. أي يمكن أن نتصرف وكأن أوسلو غير موجود من دون إلغائه رسميًا، ونضع خطة متدرجة تنتهي بتجاوزه كليًا، وذلك من خلال السعي لتغيير طبيعة السلطة وشكلها ووظائفها والتزاماتها وموازنتها، بما يستجيب للمصالح والاحتياجات والأولويات الفلسطينية، بما فيها توفير شروط تجسيد الدولة الفلسطينية. وهذا الأمر يكون من خلال تحويل السلطة لخدمة البرنامج الوطني، وأداة من أدوات منظمة التحرير الموحدة، وتعمل على توفير مقومات الصمود، وخصوصًا للفئات والمناطق المهمشة، وتلك المعرضة للمصادرة والاستيطان والحصار والضم.
يجب أن تتضمن الخطة ما يأتي:
أولًا: برنامج تفصيلي متدرج لإنهاء الالتزامات السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية، بحيث يتم فيها سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، والحدّ من التبعية الاقتصادية إلى أبعد حد ممكن.
ثانيًا: نقل المهمات السياسية من السلطة إلى المنظمة، وإلغاء وزارة الخارجية وتحويل مهمتها إلى الدائرة السياسية للمنظمة، وتحويل السلطة إلى سلطة خدمية إدارية.
ثالثًا: إعلان نهاية المسيرة التفاوضية، وما يقتضيه ذلك من حل دائرة المفاوضات، مع إبقاء الباب مفتوحًا لمفاوضات مرجعيتها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والالتزام بالحقوق الوطنية الفلسطينية بحيث تكون المفاوضات لتحقيقها لا التفاوض عليها. مع الإدراك أن هذا غير متاح الآن، وبحاجة إلى نضال لتغيير موازين القوى بشكل جوهري.
رابعًا: إعادة النظر في العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية، والعمل على إصلاحها وتوحيدها وتقليلها، وإبعادها عن الحزبية، وخفض موازنة الأمن ضمن موازنة السلطة، وتحويلها إلى الصحة والتعليم ودعم الإنتاج الوطني ومقومات الصمود.
خامسًا: إنهاء السيطرة الانفرادية لحركة حماس على قطاع غزة بحيث يكون القطاع جزءًا من السلطة الواحدة، مع مراعاة الخصائص الناجمة عن شكل الاحتلال المختلف، حيث لا يوجد تواجد لقوات الاحتلال بشكل مباشر داخل القطاع، ما يعطي هامشًا كبيرًا للحركة داخله، ومنه إلى الخارج.
سادسًا: إقامة مرجعية واحدة للأجنحة العسكرية المقاومة لمختلف الفصائل، وجمعها في جيش وطني واحد خاضع للقيادة الموحدة والإستراتيجية الواحدة.
سابعًا: وضع إستراتيجية للمقاومة والتحرك السياسي تضمن التناغم بينهما، على أساس المقاومة تزرع والتحرك السياسي يحصد. وضمن هذا الإطار لا بد من العمل على تعزيز والتركيز على المقاومة الشعبية ومقاطعة إسرائيل ومعاقبتها على كل المستويات والمحافل الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وتقوية العلاقة مع القوى والجماعات والحركات المؤيدة لعدالة القضية الفلسطينية على امتداد العالم.
إن المدخل لتحقيق كل ما تقدم يكون من خلال الشروع في حوار وطني شامل يمثل فيه كل التجمعات والقطاعات الفلسطينية، يهدف خلال وقت قصير – يتفق عليه سلفًا – إلى بلورة رؤية شاملة جديدة، تستوعب دروس التجارب السابقة، وتبني على الجيد والمكاسب، وتتخلص من الأخطاء والتنازلات، وتنبثق عنها إستراتيجية بعيدة المدى تهدف لإنجاز الحل التاريخي الجذري الديمقراطي، وإستراتيجية مرحلية، يتم على أساسهما إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير والسلطة على أسس وطنية ومشاركة حقيقية وديمقراطية توافقية. فالخطوات الانتقائية والموسمية المتناقضة والسياسة الانتظارية والتهديدات اللفظية لم تعد تخيف أحدًا، وتفقد القيادة والقوى الفلسطينية ما تبقى لها من ثقة ومصداقية.
قد يقول قائل ما الفائدة من هذه الرسالة وقطبا الانقسام ماضيان في انقسامهما، والقوى الأخرى عاجزة حائرة. والرد على ذلك بأنه لا بد من تحميل القيادة والقوى القائمة المسؤولية، لأنها رغم أخطائها وخطاياها مستهدفة من الاحتلال الذي يستهدف الكل الفلسطيني، ولأن البديل عنها رغم الحاجة الماسة إليه لم يولد يعد، حتى لو كانت الفرصة لاستجابتها محدودة أو معدومة، فعدم استجابتها لبديل واقعي قابل للتحقيق إذا توفرت الإرادة تنزع عنها ما تبقى من شرعية، وتسرّع من بلورة وبناء البديل القادم حتمًا طالما الشعب الفلسطيني متمسك بقضيته وحقوقه، ومصمم على مواصلة الكفاح لتحقيقها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى