الإجراءات التقشفيّة السعودية…محاولات بائسة لإصلاح ما أتلفته سياسة ابن سلمان الكارثية

أعلن وزير المال السعودي محمد الجدعان يوم الإثنين 11/ 5/ 2020 أن بلاده قررت زيادة الضريبة المضافة إلى ثلاثة أمثالها، أي من 5% إلى 15% بدءا من يوليو/ تموز 2020، وإيقاف بدل غلاء المعيشة لموظفي الدولة بدءا من يونيو/ حزيران من نفس العام، وبرر هذه الإجراءات بقوله ان أزمة وباء كورونا أدت إلى انخفاض إيرادات الدولة، والضغط على المالية العامة إلى مستويات يصعب التعامل معها ألزمت الدولة على اتخاذ هذه الإجراءات.
الضريبة المضافة التي رفعتها الحكومة السعودية هي نوع من أنواع ضريبة الاستهلاك غير المباشرة التي تفرض على السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها، بحيث تحصّل الشركات ونقاط البيع هذه الضرائب من المستهلكين لصالح الحكومة من خلال إضافتها إلى الأسعار التي تبيعها أو تقدمها كخدمات لهم؛ أما منحة بدل غلاء المعيشة التي تم إيقافها فكانت تعطى للسعوديين كما يلي: 1000 ريال شهريا للمواطنين من الموظفين المدنيين والعسكريين، 500 ريال تضاف إلى رواتب التقاعد، 500 ريال للمستفيدين من الضمان الاجتماعي، و 10% تضاف إلى مكافآت الطلاب والطالبات الذين يدرسون في الجامعات والكليات.
هذه الخطوة ستوفر 26.6 مليار دولار لخزانة الدولة السعودية في العام، وجاءت كإجراء لتكثيف خطط المملكة الطارئة لخفض الإنفاق واعتماد استراتيجية تقوم على التقشف، مما يعني ان الدولة لجأت لفرض المزيد من الضغوط الاقتصادية على كاهل المواطن السعودي الذي يعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة؛ فهل ستساهم هذه القرارات في حل المشاكل الاقتصادية السعودية؟ وكيف ستتعامل الحكومة السعودية مع مشاريعها الضخمة وفي مقدمتها مشروع ” نيوم” الاستثماري الصناعي الذي بدأت بإقامته على الساحل الغربي من البحر الأحمر؟ وهل ستؤدي هذه القرارات إلى مزيد من الانتقادات لاستراتيجية الحكومة التي قامت على استثمار مليارات الدولارات لاستضافة فعاليات فنية ورياضية وسياحية وترفيهية؟ وهل ستثير استياء الشعب السعودي وتقود إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي؟
لا شك بأن وباء كورونا شكل ضربة كارثية غير متوقعة لاقتصاديات العالم، ومن ضمنها اقتصاد السعودية التي تعتبر من أغنى دوله؛ لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي ان الاقتصاد السعودي كان في مأزق حتى قبل أزمة كورونا بسبب سياسات محمد بن سلمان التي كانت تهدف إلى تعزيز دور المملكة في قيادة العالمين العربي والإسلامي، وتنويع مصادرها المالية بعيدا عن الاعتماد الكلي على النفط. ولهذا بدأ بالتخطيط لإقامة مشاريع ضخمة لتحويل الاقتصاد المحلي إلى اقتصاد متنوع في سياق مشاريع ” رؤية 2030″، ومن أكبرها وأهمها ” نيوم” بكلفة 500 مليار دولار، وقام بإصلاحات .. تجميلية .. كالسماح للمرأة بقيادة السيارة والسفر بدوم محرم، والسماح بإقامة دور للسينما ومراكز ووسائل للترفيه لقيت ترحيبا وارتياحا ودعما، خاصة من الشباب والمثقفون والليبراليون، واعترض عليها رجال الدين والفئات المحافظة التي ترفض التغيير.
لكنه لم يقم بأي إصلاحات سياسية حقيقية تتعلق بإجراء انتخابات نيابية تمكن الشعب من المشاركة في السلطة باختيار ممثليه، أو السماح بحرية التعبير والتنظيم والتظاهر، وأوجد شرخا كبيرا داخل الأسرة الحاكمة بإبعاده ولي العهد السابق محمد بن نايف، وإيقاف عمه أحمد بن عبد العزيز الذي يحظى بتأييد واحترام معظم أفراد الأسرة المالكة، وسجن بعض كبار الأمراء ورجال الاعمال ورجال الدين والمثقفين الذين يطالبون بإصلاحات سياسية حقيقية، وورط بلاده في حرب اليمن التي كلفت الخزينة السعودية مبالغ طائلة، ودعم الإرهابيين في سوريا، وحاصر قطر، وسكت عن ضم القدس والجولان، وبادر في التطبيع مع إسرائيل، واتهم بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، وباع جزأ من شركة أرامكو، واستسلم لابتزاز ترامب الذي أرغمه على دفع 450 مليار دولار وما زال يطالب بالمزيد مقابل ” حماية ” المملكة، وتبرّع ب 100 مليون دولار لجمعية إيفانكا ترامب الخيرية، واشترى سموه يختا فاخرا ب 550 مليون دولار، ولوحة زيتية ب 450 مليون، وقصرا في فرنسا ب 300 مليون، أي بكلفة إجمالية مقدارها مليار وثلاثمائة مليون دولار! ” يا بلاش؟ ”
ولأن الاقتصاد السعودي يعتمد على النفط الذي يشكل 90% من إيرادات خزينة المملكة، وعلى الحج والعمرة، وان ميزانيتها لعام 2020 بنيت على أساس سعر برميل البترول 55 دولار، وبعجز 187 مليار ريال (49.86) مليار دولار، فإن انخفاض أسعار النفط وتخيض الإنتاج، وتوقف العمرة واحتمال إلغاء الحج لهذا العام سيفاقم العجز في الميزانية ويلحق ضررا بالغا بالاقتصاد السعودي، ويزيد من نسب البطالة والفقر والضرائب، ويجبر الحكومة على تأجيل إتمام، أو حتى إلغاء بعض المشاريع المكلفة كمشروع ” نيوم” وغيره.
محمد بن سلمان ارتكب أخطاء سياسية واقتصادية فادحة أفقدته مصداقيته، وألحقت ضررا بالغا بسمعة ومكانة ودور المملكة العربية السعودية عربيا وإسلاميا ودوليا، وأثرت سلبا على علاقاته مع كبار أمراء العائلة المالكة الآخرين، ومن الممكن أن تؤدي سياساته إلى توحيدهم ضدّه وتشجعهم على محاولة عزله، أو تقود إلى اضطرابات داخلية لا تحمد عقباها؛ المملكة مجتمع قبلي، وإذا بدأت فيها القلاقل والاضطرابات فإنها لن تنتهي بسهولة، وقد تؤدي إلى نزاعات دموية، وإلى تفكيكها لدويلات، وهذا ما لا نتمناه لها ولشعبها العربي الطيب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى