النكبة العربية الكبرى والصمود الأسطوري لشعبنا العربي الفلسطيني
بقلم: عبد الهادي الراجح

في الخامس عشر من أيار مايو عام 1948 م، أعلن ما نسميه في أدبنا السياسي بالنكبة العربية الكبرى في فلسطين، والحقيقية أن ذلك اليوم المشئوم شهد رسميا ميلاد لقيط جديد يدعى زورا إسرائيل أضيف لخانة الأرقام في أسماء الدول التي عرفت بالمجتمع الدولي .
وهذا الكيان المصطنع لم يكن إلا ابنا لقيطا لعلاقة مصالح وبزنس امبريالي لبريطانيا العظمى سابقا ، ودخلت معها بقوة الخيانة العربية من بعض الأنظمة التي رهنت ذاتها لبريطانيا ثم للوريث الأمريكي لاحقا .
والبعض الأخر من الأنظمة أجبر بالأمر الواقع بحكم الوجود الاستعماري البريطاني وحليفه الفرنسي وتقاسمهما النفوذ في وطننا العربي بعد اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة، وبالتالي جرى العمل على إنشاء كيان عازل ليكون رأس بحربة لمنع أي وحدة أو تقارب بين البلاد العربية وموقعها الجيوسياسي البالغ الاهمية .
لقد جرى تقسيم هذه البلاد التي عرفت بالوطن العربي الممتد من المحيط للخليج والواقعة في قارتي آسيا وإفريقيا، وذلك من خلال معاهدة فرساي التي شرعنتها عصبة الأمم التي بكل أسف أعطت الشرعية للاستعمار البريطاني الفرنسي على بلادنا العربية بحجة الانتداب ، وبموجب ذلك تم تعديل وعد بلفور المشئوم ليشمل بالإضافة لفلسطين كاملة أجزاء أخرى من سوريا الكبرى تشمل شرق الأردن وبعض مناطق الشام كوطن قومي لليهود بحالة مؤقتة حتى يحققوا حلم التوراة المزعوم من الفرات إلى النيل، كما جاء في سفر التكوين الإصحاح رقم 15-18 .
ورغم كل ما فعلته بريطانيا للصهاينة وأجرمت بحق العرب الا ان الغدر الصهيوني قد طالها عبر تفجير فندق الملك داوود وقتل الكثير من القادة والجنود البريطانيين في فلسطين .
وهذا نيتنياهو رئيس مجمع وزراء قطعان العدو يقول في كتابه ( مكان تحت الشمس ) الذي صدر في منتصف تسعينات القرن الماضي ( أن بريطانيا خانت الشعب اليهودي وأعطت 80% من أرضه للملك عبد الله ابن الحسين ليقيم عليها إمارته وهي ما يعرف اليوم بالمملكة الأردنية الهاشمية ، ذلك الكيان الذي لا يزال يعاني من ولادته الاصطناعية ) .
وللأسف لم يجرؤ مسئول أردني واحد أو حتى نائب بالرد على أكاذيب هذا المجرم ، بل ويستقبل كلما جاء إلى الأردن بكل حفاوة ، ولا غرابة في ذلك بعد جريمة وادي عربه .
إذا كانت عصبة الأمم المتحدة قد أعطت ال شرعية للانتداب البريطاني الفرنسي الذي مكن الصهاينة من الاستيطان في بلادنا فلسطين ، فان ما جاء على أنقاضها وما يعرف اليوم بالأمم المتحدة قد واصلت بدورها المؤامرة الامبريالية الصهيونية على أمتنا وقسمت فلسطين في قرارها رقم (181) لعام 1947م ، ، والقاضي بوجود دولتين عربية وصهيونية ، حيث نفذ الشق الثاني من القرار بقيام دولة للصهاينة على تراب 78 % من فلسطين التاريخية، ولم ينفذ الشق الأول من القرار في قيام الدولة الفلسطينية حتى على 22% من فلسطين التاريخية ، وكأن الشرعية الدولية لدى عصبة الأمم وثم الأمم المتحدة وجدت لتكون خنجرا امبرياليا صهيونيا بخاصرة العرب .
وللأسف دفعنا ثمن جرائم ما يسمى بالعالم المتحضر بدون أن يكون لنا ناقة أو جمل في تلك الحروب، بل كانت بلادنا بكل أسف ميدان رماية للآخرين وفي كثير من الاحيان كنا نحن العرب وقودا لتلك المعارك لحساب الآخرين الأعداء من خلال أنظمة أغلبها تابع وعميل ، وجاء للحكم بموافقة الاستعمار ذاته .
اليوم وفي ظل فراغ عربي كامل، وبوتز الحقبة النفطية السوداء كأصحابها الذين أصبح دورهم تسويق وتلميع الكيان الصهيوني والتأكيد على وجوده عبر الإعلام والشاشات والساقطين والساقطات، بعدما باعوا أنفسهم للشيطان ، وسوقوا كل جرائم العدو كأنها دفاعا عن النفس .
وفي ظل هذه الظروف تأتينا الذكرى الــ72 لأكبر جريمة في التاريخ النكبة العربية الكبرى في فلسطين وتشريد شعبنا الفلسطيني لكل بقاع العالم وقيام الكيان الصهيوني اللقيط ، ولعل الصمود والمقاومة الأسطورية لشعبنا بوجه ذلك السرطان أفشل كل مخططاته الأخرى بالتوسع والعدوان ، فقد ضرب شعبنا العربي الفلسطيني المثل والقدوة بالتمسك بأرضه والدفاع عنها ودحض ما خطط له الصهاينة وعملاءهم وما سمي بإستراتيجية ديفيد بن غوريون عندما قال ( الآباء والأجداد يموتون والأحفاد سوف ينسون ) ولكن خاب أمله فقد أورث الآباء والأجداد راية الصمود والمقاومة جيل وراء جيل وجعلوا فلسطين قضية الأجيال ، ولولا هذا الصمود الأسطوري لوجدت الكثير من بلاد العرب لها لغة غير لغة الضاد حتى الأنظمة التي تعادي شعبنا اليوم بجهل وتخلف أو عمالة ليس مهما المسميات لمصلحة الكيان الصهيوني ، وأغلب هذه الأنظمة تدعي عدم وجود أي علاقة لها في السابق مع العدو وفجأة وإذا بالعلاقات التجارية والثقافية من خلال أفلام ساقطة وإعلاميين أكثر سقوط للتطبيع وهذا دليل أن هذه العلاقات ليست وليدة الساعة والظروف .
وفي ذكرى النكبة العربية الكبرى التي بدأت بوجود الانتداب البريطاني الفرنسي وإعطاءه شرعية من عصبة الأمم لا تملك الحق بها ووصلت لذروتها بإعلان قيام السرطان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية كدولة .
في هذه المناسبة نحي مقاومة وصمود شعبنا العربي الفلسطيني الأسطوري الذي حقا إنهم شعب الجبابرة من أشقاءهم العرب ، وبفضل هذا الصمود يقيم العرب في أوطانهم أمنيين وبعضهم يسبحون بحمد بعض الأنظمة التي كانت من أسباب دمار الأمة وفرقتها بحجة توفير الأمن الذي صنعه الصمود الفلسطيني بوجه المخطط الامبريالي الصهيوني وبقي هذا الصمود عصي على التطويع بل وكان شعبنا متقدم على قياداته السياسية المتعاقبة عبر التاريخ .
وفي هذه الذكرى المؤلمة نعاهد الله ثم شعبنا أن تبقى رايتنا عربية ناصرية مقاومة، وبوصلتنا ستبقى اتجاه فلسطين لا غير، ولعل أبلغ من عبر عن مأساة شعبنا العربي الفلسطيني الزعيم جمال عبد الناصر في رسالته التاريخية للرئيس الأميركي جون كيندي الذي سأل الزعيم عن القضية الفلسطينية وأجابه الزعيم جمال عبد الناصر ( لقد أعطى من لا يملك لمن لا يستحق) .
إنها رسالة واضحة ومعنى أوضح من الشمس مقدمة للأجيال التي جرى للأسف غسيل أدمة بعضها بعد جريمة كامب ديفيد وملاحقاتها الذليلة في أوسلو ووادي عربه، مفادها ان فلسطين رقم (1) لا يقبل بالقسمة على اثنين.
عاشت مقاومة شعبنا وصموده الأسطوري، وستبقى فلسطين عربية من نهرها إلى بحرها لا تقبل القسمة ، ولا عزاء للصامتين .