الجذور التاريخية للصهيونية الانجيلية في الولايات المتحدة

 

 

بدأ التواجد اليهودي في الولايات المتحدة منذ مطالع أيلول عام 1594 بوصول 23 يهودياً هولندياً إلى نيويورك.
وقد تصاعدت موجات الهجرة على أثر الاضطهاد الذي عاناه يهودالخزر في روسيا القيصرية. وتدفقت موجات هجرة اليهود الاشكناز المشبَّعين بالتعصب وكراهية غير اليهود على الولايات المتحدة. وتأسست أول حركة صهيونية منظمة وهو اتحاد الصهيونيين الأمريكيين في نهاية القرن التاسع عشر. وساد في الاتحاد الصهيوني رأيان:
الأول: يريد التأقلم والاندماج في المجتمع الأمريكي. والثاني: اعتقد بإقامة وطن يهودي خاص إما في فلسطين أو في أي بلد آخر. وطرح اليهود فيما بعد البرازيل والارجنتين ومدغشقر والعريش والجبل الاخضرفي ليبيا.
نمت الحركة الصهيونية وترعرعت في بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى. وتأسست في الفترة الواقعة ما بين 1920 و1940 في أمريكا حوالي 27 منظمة ومؤسسة ذات برامج صهيونية. وانعقد عام 1942 مؤتمر بلتمور الصهيوني في نيويورك والذي يعتبر ثاني أهم مؤتمر صهيوني في تاريخ الحركة الصهيونية، لما كان له من تأثير على الحركة ومستقبلها وعلى قضية فلسطين ومشروع الشرق الاوسط الجديد. وطالب بإقامة كومنولث يهودي في فلسطين تطبيقاً لوعد بلفور المشؤوم ونظام الانتداب البريطاني على فلسطين.
وعندما رأت الحركة الصهيونية أن بريطانيا ستخرج ضعيفة من الحرب العالمية الثانية وأن أمريكا هي الدولة القوية والصاعدة نقلت مركزها من لندن إلى واشنطن. وسيطرت على أغلبية اليهود الأمريكيين. وتلاشت المعارضة اليهودية للصهيونية. وأصبحت الأيديولوجية والحركة الصهيونية هما المسيطرتان على الأغلبية الساحقة من اليهود في العالم.
وعممت الصهيونية مقولات عديدة على أتباعها وحلفائها والمتعاطفين معها منها:
ـــ الصهيونية حركة بناءة قامت من أجل حل المسألة اليهودية، وعلى اليهود أن يعتمدوا على أنفسهم وليس على ضمير العالم ورحمته.
ـــ الصهيونية تخليد لليهودية، وأن فلسطين ستصبح مركزاً حضارياً يغني حياة اليهود في أمريكا.
ـــ طرح الحل الصهيوني «الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين وإقامة دولة اليهود كحل للاضطهاد الذي تعرّض له اليهود في أوروبا وعلى حساب الشعب الفلسطيني والأمة العربية».
ـــ اليهود في العالم شعب عالمي واحد ويجب هجرتهم إلى فلسطين. وتعني الصهيونية الكفاح ضد أعداء اليهود.
ـــ ستساعد الصهيونية على إنهاء أعداء للسامية عن طريق إقامة وطن لليهود في فلسطين. ويمكن القضاء على العداء للصهيونية عن طريق الانتماء الصهيوني والتربية الصهيونية.
وروّج بعض اللاهوتيين البروتستانت مقولات دينية ترى أن المعاناة التي واجهتها بريطانيا في الحرب الأهلية تعود إلى غضبة الله بسبب سوء معاملة اليهود. واستفادت اليهودية من تلك المقولات والأفكار وزرعتها فيما بعد في المجتمع الأمريكي. وادعت أن الله ينعم على أمريكا بالثروة بسبب تأييدها لهجرة اليهود إلى فلسطين ودعمها تأسيس إسرائيل وتقويتها والدفاع عنها وتبني مخططاتها.
وأدى اختراق اليهودية للفكر البروتستانتي وهيمنة البيوريتانيين على المجتمع الأمريكي وتحالف اليهود مع الكنائس الإنجيلية ومع اليمين السياسي ممثلاً بالحزب الجمهوري إلى تحويل الولايات المتحدة إلى يهودية العقيدة والفكر السياسي الى أنْ جاءت إدارة ترمب اليهودية.
أخذ الأمريكيون يتعاملون مع التوراة على أنها المقدس الوحيد في العالم. وبرز التحالف الاستراتيجي بين اليهودية العالمية والمسيحية الغربية وبين أمريكا وإسرائيل. وتطرح المسيحية الصهيونية تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه. وتداخل البعد الديني مع المصالح الاستعمارية الأمريكية واليهودية. ونتج عن هذا التداخل التحالف العضوي بين أمريكا والصهيونية العالمية والكيان الصهيوني. وأصبحت الايباك ـــ اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة التي تأسست عام 1951 قوة أساسية في صناعة السياسة والقرارات الأمريكية في فلسطين وبقية بلدان الشرق الأوسط.
نجحت اليهودية الامريكية في السيطرة على الكونغرس والبيت الأبيض ووزارات الدفاع والخارجية والمالية ووكالة الاستخبارات الأمريكية ومجلس الأمن القومي الأمريكي والرأي العام الامريكي.
تُجمع المصادر الأمريكية على أن المسيحية الصهيونية لعبت دوراً أساسياً في صياغة الأيديولوجية والمخططات لقوى اليمين المحافظ كالمحافظين الجدد والحزب الجمهوري ودعمتهم بتنظيماتها ومؤسساتها المنتشرة في معظم الولايات الأمريكية، وزودتهم بكفاءات بشرية هامة. وأصبح أبرز مفكري اليمين المحافظ، يجسِّدون المنطلقات الفكرية للمسيحية الصهيونية في صياغة الفكر الاستراتيجي للأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة.
وظهر ذلك بجلاء في مرحلتي الرئيس رونالد ريغان وجورج بوش الابن.
ويتصاعد التأثير السياسي لهذا التيار الديني المتصهين في صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وبشكل خاص في التنكر للحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وتجاه الصراع العربي ـــ الصهيوني ومصالح الشعوب العربية والإسلامية.
وأصبحت الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية تتجسّد في صهيونيتين:
الأولى والهامة والمتصاعدة هي المسيحية الصهيونية المتحالفة مع اليمين السياسي الأمريكي واللوبيات اليهودية وإسرائيل.
والثانية: الصهيونية اليهودية والمتمثلة بالمنظمات اليهودية والايباك وإسرائيل.
وأصبحت اللا سامية أربعة أنواع: الأولى: اللا سامية القديمة المعادية لليهود. والثانية: اللا سامية في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين. ووصلت ذروتها بتعاون ألمانيا النازية مع الحركة الصهيونية في منع اندماج اليهود في المجتمع الألماني وتهجيرهم إلى فلسطين لإقامة إسرائيل فيها واضطهادها لليهود الاندماجيين، والثالثة: لا سامية دينية مسيحية صهيونية لتهجير اليهود إلى فلسطين وإقامة إسرائيل وتقويتها وظهور المسيح وحكم العالم من القدس، وأكدت على ثلاثة أهداف: 1) تجميع اليهود في فلسطين 2) ترحيل الفلسطينيين منها وتهويدها بما فيها مدينة القدس بشطريها المحتلين 3) بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
والرابعة: اللا سامية الأوروبية والصهيونية الموجه ضد العرب والمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة بدعم من اليمين الغربي المحافظ واليهودية العالمية وإسرائيل.
مارست المسيحية الصهيونية أشد أنواع الضغوط السياسية على الإدارات الأمريكية لفتح أبواب فلسطين على مصراعيها للهجرة اليهودية وخاصة إبان الحكم النازي وبعده والتي بدورها ضغطت على بريطانيا لإدخال مئة ألف يهودي دفعة واحدة.
واستغل التيارالمسيحي الصهيوني اضطهاد النازية لليهود الاندماجيين في ألمانيا لحمل حكومة الانتداب البريطاني على تسهيل الهجرة اليهودية الى فلسطين العربية.
وأغلقت جميع بلدان العالم أبوابها لهجرة اليهود إليها تنفيذاً للمؤتمر العالمي الذي انعقد في إيفيان لإنقاذ يهود ألمانيا من الوحش النازي عام 1938 وذلك بناءً على طلب غولدامائير ممثلة الحركة الصهيونية في مؤتمر إيفيان.
تلاقى هدف المسيحية الصهيونية واللا سامية مع الهدفين النازي والصهيوني بهجرة اليهود إلى فلسطين لحل المسألة اليهودية على حساب الشعب والامة العربية..
واستخدموا جميع وسائل العمل السياسي والإعلامي والكنائس والمنابر الدينية الأخرى. وقدموا العرائض وأصدروا البيانات ونشروا الكتب من أجل تجميع اليهود في فلسطين العربية واستعمارها وفرض هيمنة إسرائيل على البلدان العربية والإسلامية.
وساهموا ولا يزالون يساهمون في إقامة المستعمرات اليهودية وتهويد القدس ودعم حروب وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بذريعة الدفاع عن النفس وهي أحقر وأخطر دولة ظهرت في التاريخ على كوكب الأرض.
وقدموا المساعدات المالية والدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي للمهاجرين اليهود من ألمانيا وأوروبا الشرقية ومن جميع أنحاء العالم لاستيعابهم في فلسطين العربية.
وبرزت اللجنة الفلسطينية ـــ الأمريكية التي تأسست في عام 1932 وقادها وزراء وأعضاء كونغرس وأكاديميون وقادة عمال ورجال أعمال، والمجلس المسيحي لفلسطين الذي تأسس عام 1942 ومنظمات أخرى عديدة.
تصاعد نشاط منظمات التيار المسيحي ـــ الصهيوني بعد تأسيس إسرائيل في الخمسينات والستينات من القرن العشرين. وأسس المسيحيون الصهاينة محطات تلفزيونية وإذاعية وكنائس ومعاهد إنجيلية. وأنتجوا أفلاماً سينمائية ونشروا العديد من الكتب. وأنشأوا معاهد ومدارس وجامعات ومراكز بحوث ودراسات. وكان جوهر نشاطاتها دعم إسرائيل وتأييدها والوقوف معها باعتبار أن الوقوف ضد إسرائيل هو معارضة وإغضاب للرب.
وشكلت المسيحية الصهيونية العديد من مجموعات اللوبي (جماعات الضغط) للتأثير على صناع القرار في الإدارات الأمريكية.
وتعقد التحالفات مع جماعات اليمين المحافظ السياسية المؤمنة بما رسخّه كتبة التوراة والتلمود والزعماء الصهاينة.
وتعتبر منظمة المائدة المستديرة الدينية التي تأسست عام 1979 واحدة من منظمات ممارسة الضغط السياسي على أعضاء الكونغرس والبيت الأبيض. وتعقد هذه المنظمة الندوات وتقيم حفلات إفطار للصلاة من أجل إسرائيل ودعم مخططاتها وممارساتها المخالفة لمبادئ القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني والمعادية لأبسط الحقوق الإنسانية والمدنية والقانونية للإنسان الفلسطيني والعربي. وتصدر البيانات التي تبارك فيها إسرائيل وتدعمها باسم ما يزيد عن سبعين مليون مسيحي أمريكي يؤمنون بالتوراة أي العهد القديم. وتنظَّم حملات الرسائل إلى مراكز القرار السياسي لمصلحة إسرائيل وتشجيع الرحلات السياحية لزيارتها.
وتمارس مؤسسة الهيكل الأمريكية أساليب الضغط والابتزاز السياسي تماماً كاللوبي الإسرائيلي (أيباك)، وأقامت مؤسسات رديفة لها داخل إسرائيل. وتركز على بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. وتجمع الأموال الطائلة المعفاة من الضرائب وترسلها إلى إسرائيل. وتضم شبكة هائلة من القساوسة ورجال الأعمال، ولها العديد من الفروع في المدن الأمريكية.
وتوفِّر الدعم المالي للدفاع عن الإرهابيين اليهود الذين يؤمنون بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وتقوم مؤسسة جبل الهيكل بشراء الأراضي لإقامة الأحياء والمستعمرات الاستيطانية عليها وبشكل خاص في القدس وأكنافها.
وفتحت هذه الحركة مقراً للسفارة المسيحية العالمية في القدس المحتلة وقد تأسست الحركة عام 1980 بمشاركة أكثر من ألف رجل دين مسيحي يمثلون 23 دولة. وافتتحت لها أكثر من (20) مكتباً في الولايات المتحدة وفروعاً لها في عدد من عواصم العالم.
وتشكل المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة تياراً سياسياً هاماً بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحزب الجمهوري.
وتحشد التأييد الشعبي والسياسي والمالي والعسكري لإسرائيل، وتعتبرها الأوساط اليهودية أحد أهم أعمدة إسرائيل في أمريكا. وعندما عقدت السفارة المسيحية العالمية المؤتمر المسيحي الصهيوني الأول عام 1985 وافق المؤتمرون على ضم الضفة الغربية وقطاع غزة على الرغم من معارضة أحد الحضور الإسرائيليين لمشروع القرار. ورد عليه المتحدث باسم المؤتمر قائلاً: «لا يهمنا تصويت الإسرائيليين ما يهمنا هو ما يقوله الله، والله أعطى هذه الأرض لليهود».
ويشكِّل هذا التيار المسيحي المتصهين حالياً قوة عددية ومادية وتأثيراً ونفوذاً كبيراً في المجتمع الأمريكي، مما دفع إسرائيل والمنظمات اليهودية إلى التعاون والتنسيق معه، والسماح له بالحركة والعمل داخل المجتمع الإسرائيلي، واستخدامه لدعم مخططاتها وممارساتها الاستعمارية والعنصرية والإرهابية لتهويد كل فلسطين وتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وتغض اليهودية العالمية وإسرائيل النظر عن مسألة اعتناق اليهود للمسيحية عند مجيء المسيح في المستقبل وتعتبرها مسألة دينية مؤجلة لا تتطلب الخوض في غمارها حالياً حتى لا تتعكر علاقات التعاون والتحالف بين إسرائيل وهذا التيار الخطير على الوطن والمواطن العربي وعلى العروبة والمسيحية الشرقية والإسلام وعلى قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني والصراع العربي الصهيوني.
إن الصهيونية وإسرائيل لا تترددان لتحقيق أهدافهما الشيطانية في التعاون وأخذ المساعدة والدعم من أي مصدر كان، حيث تعاونت الصهيونية مع روسيا وألمانيا القيصريتين ومع الحركات اللا سامية وألمانيا النازية.
وتحالفت إسرائيل مع نظام الأبارتايد وتتعاون مع الإمبريالية الأمريكية وبعض الإمارات والممالك العربية التي أقامتها بريطانيا وتحميها أمريكا وترضى عنها الصهيونية العالمية لتهويد القدس وكل فلسطين ومحاولة تخليد وجود إسرائيل مئة سنة في قلب الوطن العربي والبلدان الإسلامية.
أصبح دعم إسرائيل وحروبها العدوانية وتقويتها عسكرياً واقتصادياً ووضعها فوق القانون الدولي ودعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة التزاماً دينياً وسياسياً لإرضاء يهوه واليهودية الامريكية وخدمة مصالح الدول الغربية والصهيونية العالمية والكيان الصهيوني.

ويتجلى القاسم المشترك بين الحركتين القويتين والخطيرتين على حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني وبقية شعوب العالم وعلى السلام العالمي باعتمادهما على استخدام القوة لتحقيق الخرافات والأكاذيب والأطماع التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود والمسيحيون الصهاينة واليمين السياسي الأمريكي وإشعال نيران الحرب العالمية الثالثة تحقيقاً لخرافة هيرمجدون لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم وممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لسكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين. وبالتالي استخدام الدين لتبرير ودعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي واقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من وطنه وتحقيق المزاعم التوراتية والصهيونية والإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى