ترامب يوجه سهامه لمنظمة الصحة العالمية

بقلم : د. كاظم ناصر

تأسست منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في السابع من شهر ابريل 1948 ومقرها في جنيف سويسرا، تضم في عضويتها 194 دولة، لها مكاتب في ما يزيد عن 150 دولة، تمول بمزيج من رسوم الدول الأعضاء على أساس الثروة وعدد السكان والمساهمات الطوعية، تهدف إلى تعزيز العناية والثقافة الصحية التي تخدم مواطني العالم من خلال مشاركتها في حملات التطعيم ضد الأوبئة كالسل والكوليرا والملاريا والايدز وغيرها من الأمراض، وتقدم أدوية ومساعدات فنية وخبرات صحية وبحثية للكثير من الدول، خاصة تلك التي تعاني من الفقر والتخلف والحروب والنزاعات المختلفة.
وعلى الرغم من أن المنظمة لا علاقة لها بالسياسة وتخدم شعوب العالم صحيا، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن يوم الثلاثاء 14/ 4/ 2020، أنه أمر بتعليق المساهمة المالية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية للمنظمة والتي بلغت 450 مليون دولار، أي ما يعادل 15% من ميزانيتها لعام 1918- 1919، وحاول تبرير قراره باتهامها بسوء الإدارة، وادعى بأنها فشلت في إعطاء وباء كورونا الاهتمام الكافي، وتأخرت في الإعلان عنه كوباء عالمي عندما انتشر في مدينة ووهان الصينية، ولم تقدم معلومات كافية عنه للولايات المتحدة والدول الأخرى، مما أدى إلى انتشاره عالميا وإصابة 2 مليون شخص ووفاة ما يزيد عن 150 الف في العالم حتى الآن .
المنظمة لم تتوان عن القيام بواجبها منذ البداية؛ فقد سارعت في بداية كانون الثاني/ يناير الماضي للتنبيه إلى وجود بؤرة لالتهاب رئوي في مدينة ووهان الصينية، وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 16/ 4/ 2020 ما يناقض ادعاءات ترامب، وقالت ان رئيس المنظمة تيدروس أدهانوم عقد أول مؤتمر صحفي بتاريخ 22/ 1/ 2020، أي بعد يوم واحد من إعلان الصين عن خطورة وسرعة انتشار الوباء واتخاذها إجراءات لتطويقه، حذر فيه دول العالم من خطورة الفيروس، وان المنظمة ما زالت تعقد مؤتمرا صحفيا يوميا تطلع الناس من خلاله على آخر التطورات المتعلقة بالوباء وسبل الوقاية منه، وتقدم المساعدات التي تستطيع تقديمها للدول المتضررة؛ وكان خطؤها كما يقول البعض هو أنها ظنت أن هذا الالتهاب من ضمن حالات الالتهاب الرئوي الكثيرة التي تحدث كل عام في العالم من دون أن تتحول إلى أزمة صحية عالمية، ولهذا فإن اللوم يجب ألا يقع على عاتق المنظمة، بل على عاتق الحكومة الصينية التي يتهما البعض بإخفاء المعلومات وعدم الكشف عن خطورة الفيروس ومدى انتشاره على أراضيها.
الرئيس الأمريكي فقد مصداقيته والحقت سياساته العنصرية الأنانية الحمقاء ضررا بالغا بسمعة ومكانة بلاده على الصعيد الدولي؛ ولهذا فإن تعليقه للمساعدات التي تقدمها بلاده للمنظمة في هذا الظرف العالمي الصعب قوبل بغضب دولي؛ فقد انتقدته دول الاتحاد الأوروبي والصين والهند وروسيا وغيرها من دول العالم وأعربت عن أسفها العميق واستنكارها لتعليق المساعدات، ورد الأمين العالم للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على القرار بالقول ان هذا ليس هو الوقت لاتخاذ إجراء كهذا، وقال مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم إنه يشعر بالأسف لحدوث ذلك، ووصفت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بلوسي القرار بأنه أحمق وخطير ووعدت بالتصدي له، وانتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل القرار وأعربت عن دعم بلادها الكامل للمنظمة.
أمريكا تواجه ظروفا صحية واقتصادية عصيبة؛ فعلى الصعيد الصحي فشلت سياسات ترامب في تطويق الوباء الذي انتشر في جميع الولايات، ووصل عدد ضحاياه الأمريكيين حتى تاريخ هذا اليوم 17/ 4/ 2020 إلى 700 ألف إصابة وعدد الوفيات إلى 36 ألفا، واضطرت إلى قبول مساعدات طبية من الصين؛ وعلى الصعيد الاقتصادي توقفت عجلة الإنتاج، ووصل عدد العاطلين عن العمل الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانات نقدية حكومية إلى 22 مليون خلال أربعة أسابيع، وعلى الرغم من ذلك كله، فإن ترامب يوجه سهامه لمنظمة الصحة العالمية، ويتجاهل حقيقة مرة وهي ان تعليق المساعدات لها سيؤثر سلبا على عملياتها في دول كثيرة، خاصة الدول الافريقية والآسيوية الفقيرة، ويؤدي إلى المزيد من الإصابات والوفيات والمعاناة،
الرئيس الأمريكي يحاول أن يخرج وباء كورونا عن إطاره الصحي ويسيسه خدمة لأهدافه الانتخابية؛ إنه في مأزق، ويشعر أن فشله في مواجهة الوباء ستكون له استحقاقات سلبية على إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في نهاية هذا العام؛ ولهذا فإنه متأزم جدا ويرفض تحمل المسؤولية عن انتشاره، ويبحث عن طوق نجاة، ولا يجد سوى الانقضاض على منظمة الصحة العالمية وإلقاء اللوم على الصين والآخرين في محاولة لإبعاد النظر عن إخفاقاته، وتشتيت الرأي العام الأمريكي وإشغاله بقضايا جانبية.
العالم لا يستهجن موقف الرئيس الأمريكي اللاأخلاقي من منظمة الصحة العالمية التي رفضت أن توجه الاتهام للصين وتعتبرها مسؤولة عن انتشار كورونا كما أرادها أن تفعل؛ فالرجل عنصري فاشل أدت إدارته لهذه الآزمة الصحية العالمية إلى تعزيز مكانة الصين الأخلاقية والعلمية والثقافية، ومهدت لها الطريق لتصبح الدولة الأعظم في العالم !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى