لهذه الاسباب سيطرت دول الشرق على الكورونا بافضل من دول الغرب
ظهر فيروس “كورونا” لأول مرة إلى مدينة “ووهان” الصينية قبل عدة أشهر وخلال الفترة الماضية كانت الصين هي البؤرة الرئيسة لانتشار هذا الفيروس ولكن الحكومة الصينية بذلت الكثير من الجهود خلال الفترة الماضية وتمكنت من السيطرة تقريباً على هذا الفيروس، ولكن خلال الاسابيع القليلة الماضية انتشر هذا الفيروس بشكل مخيف في كل الاراضي والمدن الأمريكية، بحيث إن أمريكا أصبحت في أيامنا هذه هي البؤرة الرئيسة لفيروس “كورونا” في العالم.
ووفقًا لأحدث الإحصائيات، فإن أمريكا لديها أكبر عدد من المصابين بفيروس “كورونا”، حيث وصل عدد المصابين إلى حوالي 277 ألف حالة، وبعد أمريكا، جاءت إيطاليا في المرتبة الثانية كبؤرة محورية لفيروس “كورونا” في العالم، حيث وصل عدد المصابين بهذا المرض في هذه الدولة الاوروبية إلى حوالي 119 ألف مصاب وتأتي دول غربية أخرى بعد إيطاليا، كإسبانيا وألمانيا وفرنسا، وتأتي الصين في المرتبة السادسة في العالم.
وهنا تذكر العديد من التقارير الاخبارية بأن فيروس “كورونا” تسبب في وفاة الآلاف من الاشخاص حول العالم، الامر الذي أجبر العديد من بلدان العالم على اتباع الكثير من الإرشادات الصحية للقضاء على هذا الفيروس الخطير وبالفعل قامت العديد من البلدان بالكثير من التدابير الصحية، بل إنها أيضا فرضت حجراً صحياً على شعوبها والغريب في الامر أن فيروس “كورونا” والأزمات التي خلقها في عدد من الدول الاوروبية، كشف أن قضايا الأمن المشترك، والاقتصاد المشترك، والمصير المشترك، والاتحاد المالي، والاتحاد النقدي، التي كانت تتغنى بها دول الاتحاد الأوروبي، ما هي إلا شعارات زائفة لا تظهر إلا في أوقات السلم والاستقرار، وأن هذا العالم الذي يبدو حضاريًا ليس متحضرًا في أوقات الأزمات، بل يمكن أن يكون أكثر وحشية من جميع المجتمعات التي كانت تسمى شعوب غير متحضرة.
كما لفتت تلك التقارير إلى أنه على عكس الدول الاوروبية وأمريكا، تمكنت الحكومة الصينية وعدد من دول شرق آسيا خلال الفترة الماضية من السيطرة على هذا الفيروس الخطير على الرغم من عدد السكان الكبير الذي تتمتع به هذه الدول الآسيوية. واكدت تلك التقارير إلى أن ثقافة التعاون واحترام القوانين واتباعها كانت من أبرز العوامل التي ساعدت تلك الدول الآسيوية على السيطرة على انتشار هذا الفيروس.
اختلاف الهيكل الثقافي والاجتماعي للصين
إن الهيكل الثقافي والاجتماعي لدول شرق آسيا، بما في ذلك الصين ، يختلف تمامًا عن الهيكل الثقافي والاجتماعي للدول الغربية، وخاصة أمريكا ولا يرجع هذا الاختلاف إلى حد كبير إلى الأنظمة السياسية المختلفة في هذه البلدان، ولكن إلى ثقافة دول شرق آسيا الذي يعتمد على الاحترام والتعاون الامر الذي لا نجده في دول أوروبا الغربية وأمريكا. وعلى سبيل المثال، على الرغم من أن النظام السياسي لكوريا الجنوبية يشبه إلى حد كبير نظام الديمقراطيات الليبرالية الغربية من الناحية الثقافية، إلا أن الكوريين الجنوبيين هم جزء من نفس النظام الثقافي السائد في دول شرق آسيا، بما في ذلك الصين. لهذا السبب، تمكنت كوريا الجنوبية والصين من إدارة أزمة تفشي فيروس “كورونا” بشكل جيد للغاية على الرغم من أن هذين البلدين يتمتعان بنظامين سياسيين مختلفين، ولكن بسبب تشابه الأنظمة الثقافية بين البلدين، فقد تمكن هذان البلدان بسهولة أكبر ونجاح أكثر من السيطرة على هذه الازمة أفضل من الدول الغربية ويعكس العدد المتزايد للأشخاص الذين يعانون من هذا الفيروس في الدول الغربية، وخاصة أمريكا هذا الاختلاف.
يتجلى الفرق بين شعوب دول شرق آسيا ومواطني أوروبا الغربية وأمريكا في نوع الامتثال للأوامر واحترام القوانين الحكومية وفي الواقع، هناك ثقة عامة بالحكومات في دول شرق آسيا أكبر من ما هي عليه في الدول الغربية، وهذه الثقة بالحكومة هي التي تدفع المواطنين إلى اتباع أوامر وأنظمة الحكومة في دول شرق آسيا ولهذا فلقد أظهرت اللوائح التي تم سنها في نفس وقت تفشي فيروس “كورونا” في الصين وكوريا الجنوبية، القدر الكبير لقبول هذه المجتمعات الاسيوية لتلك اللوائح، وبالفعل كان لهذا الامتثال والطاعة الكثير من الآثار الإيجابية على السيطرة على تفشي هذا الفيروس الخطير في تلك المجتمعات. وبعبارة أخرى، يمكن القول أن النظام الثقافي والاجتماعي في الدول الغربية، وخاصة أمريكا، غير مستعد لقبول وضع السلطة الكاملة في يد الحكومة. لذلك، كانت القوانين واللوائح التي سنتها الحكومات الغربية في وقت انتشار فيروس “كورونا” أقل اتباعًا وقبولًا في هذه المجتمعات الغربية، على عكس ما حدث في مجتمعات شرق آسيا.
الاختلافات في النظام السياسي بين الصين والغرب
إن الاختلافات في النظام السياسي هي أيضًا تُعد من المؤشرات المهمة لإدارة أزمة إنتشار فيروس “كورونا”، فعلى الرغم من أن الاختلافات الثقافية تبدو مؤثرة ومهمة للغاية، إلا أن الاختلافات في النظام السياسي في هذين الجزأين من العالم يُعتبر من أهم العوامل المساعدة للسيطرة على أزمة تفشي فيروس “كورونا”. كان نوع النظام السياسي في الصين، إلى جانب تأثيره الكبير في المجتمع، قادرًا على السيطرة على أزمة “كورونا” من خلال تطبيق لوائح خاصة على المجتمع الصيني، ولكن في الغرب، بسبب وجود النظام الرأسمالي الليبرالي والإيمان بالدور الأدنى للحكومة، وعدم تمكن الحكومات الغربية من التدّخل بشكل مباشر في العديد من المجالات الاجتماعية والثقافية لشعوبها، فلقد أدت هذه الظروف إلى عدم تمكن الحكومات الغربية على إدارة أزمة تفشي فيروس “كورونا” والسيطرة عليها.
في الواقع، الحكومات الغربية، بسبب هيكلها السياسي الليبرالي، لم تكن قادرة على تطبيق القوانين في جميع مجالات المواطنة والشخصية، واقتصرت حدود سلطتها على إغلاق بعض المراكز العامة والخاصة، بينما كانت هذه الظروف مختلفة في الصين وعند قراءة وضع دول جنوب شرق آسيا السياسية يلاحظ المرء عدم تأثر هذه الدول ببعضها بعضاً من الناحية السياسية، فبرغم أن رابطة هذه الدول الآسيوية تجمع فيما بينها كمنظمة إقليمية، إلا أن تأثرها ببعضها سياسياً ليس مدركاً وتأثرها بما يحدث في مناطق العالم الأخرى طفيف، وبالتأكيد أن الخصوصية السياسية لكل دولة من هذه الدول لها أصولها العميقة المعقدة، ويبدو أن هذا النهج في التغير السياسي ظاهرة آسيوية خاصة مرتبطة بالقيم الآسيوية القائمة على التقاليد المرتبطة بوجود حكومة الرجل القوي وتفضيل التناغم الاجتماعي في مقابل الصراع، وبأن يكون التقدم الاقتصادي سابقاً للتغير السياسي.