اعلام اردوغان يجهد لمسح تركيا العلمانية واستدعاء تركيا العثمانية

تغيب الدولة التركية عن الكثير من تقارير وسائل الإعلام الرسمية التابعة لحكومة العدالة والتنمية، وبشكل خاص الناطقة بالعربية، وتبرز مكانها العثمانية و”أمجادها” عبر استحضار الأحداث التاريخية ومنها ما لم يتم التأكد من صحته، وذلك لإسقاطها على سلطان العثمانيين الجديد.
فقد ركزت وسائل الإعلام التركية الرسمية والمقرّبة من الحكومة، على استعادة أمجاد الحقبة العثمانية، وإسقاط شخصية السلطان قائد الفتوحات وزعيم الأمة الإسلامية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشكل واضح وبارز في المحتوى المقدّم باللغة العربية خصوصا.
وتبرز عناوين من قبيل “السلطان العثماني أنقذ الأيرلنديين من مجاعة البطاطا”، “كرمٌ عثمانيٌّ قابلته أوروبا بالغدر، حينما عاش سفراء أوروبا على نفقة السلطان، و”مشهد متداول على مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة تلقّاها الرئيس التركي أردوغان لإمامة صلاة الجمعة في باكستان”، بصيغة تعبوية أقرب للدعاية منها إلى الخبر أو استعادة الأرشيف التاريخي.
وتزايدت المواقع الإخبارية الإلكترونية الناطقة بالعربية في السنوات الماضية، ومنها التابعة لصحف تركية كبيرة مثل يني شفق، ديلي صباح، زمان، ومواقع خاصة مثل ترك برس، تركيا بوست، تركيا الآن، وغيرها. إضافة إلى القناة الرسمية التركية الناطقة بالعربية “تي.آر.تي”. وتتربّع وكالة الأناضول على عرش وسائل الإعلام التركية المروّجة للخطاب العثماني بقسمها العربي، رغم أنها وكالة رسمية ومن المفترض أن تكون منبرا يتسم بالخطاب المتزن والمهنية لإيصال صورة تركيا إلى العالم العربي، لكن سيلا من التقارير التي تنشرها تدور حول تمجيد فكرة السلطان العثماني.
وقد باتت حكومة العدالة والتنمية تعتمد بشكل كبير على وسائل الإعلام التركي لإنقاذ المشروع السياسي التركي الذي يعاني من السياسيات المتهورة لأردوغان في المنطقة العربية، لذلك تتعمّد الخلط بين ما هو تركي وما هو عثماني، عبر استدعاء العثمانية بشكل كبير في المفردات والعناوين والأخبار والتقارير والتحقيقات، وأحيانا بشكل مُقحم دون الحاجة له.
وأضافوا أنّ هذا الأمر جعل لغة الإعلام التركي مرتبكة ومبتعدا أكثر فأكثر عن المعاصرة، وعن المحتوى الذي من الممكن أن يترك تأثيرا لدى الجمهور، خصوصا بعد التدخلات التركية في الدول العربية، إذ جنّدت الحكومة وسائل الإعلام التركية للدفاع عن هذا التدخل بإدعاءات تاريخية غير صحيحة.
وقامت وكالة أنباء الأناضول بنشر مقالات مطوّلة تتحدث فيها عن دور الدولة العثمانية وتأثيرها “الإيجابي” في التاريخ الليبي، وفي أحدها نشرت حوارا مع المفكر والمؤرخ الليبي الإخواني، علي الصلابي، قال فيه إن العثمانيين دخلوا ليبيا بطلب من أهلها، لتحرير بلدهم من الإسبان ثم فرسان مالطا، زاعما أن الإصلاحات العثمانية ساهمت في نهضة ليبيا لاحقًا.
وقال الصلابي “في عام 1510، هاجم الأسطول الإسباني مدينة طرابلس واحتلها، رغم المقاومة الشديدة التي أبداها الأهالي”.
وأردف “استنجد الأهالي المقاومون بالسلطنة العثمانية لإنقاذ بلادهم وتحريرها، ومن تلك اللحظة دخلت ليبيا طورا جديدا في تاريخها، حين بدأت العلاقة المباشرة بين الأتراك والليبيين”.
وادعى أن “العثمانيين ساهموا في تقويض النفوذ الصليبي في مرحلة مبكّرة في شمال أفريقيا، فخاضوا عدة معارك ألقوا الرعب من خلالها في قلوب الإسبان، ودمروا أسطولهم في أكثر من موقعة، كان أكثرها بقيادة خيرالدين باربروسا”.
في المقابل لا ينسى الليبيون مجزرة الجوازي أكبر مجزرة ارتكبها الغزاة العثمانيون ضد قبيلة الجوازي في مدينة بنغازي عام 1816، وقتل فيها أكثر من عشرة آلاف شخص.
ويقول متابعون إن غالبية التقارير التي تنشرها وكالة الأناضول ووسائل الإعلام التركية التابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أصبحت مجرّد إعادة لخُطب أردوغان السياسية التي يستخدم فيها مصطلح “نحن أحفاد العثمانيين” للتأكيد على توجهاته العثمانية ومحاولاته إحياء إرث الدولة العثمانية عن طريق التمدد السياسي والجغرافي.
وتلتزم وسائل الإعلام التركية بإعادة عبارات أردوغان التي يصف فيه المنطقة العربية كما لو أنها أحد الأقاليم التابعة لتركيا بحكم التبعية التاريخية للدولة العثمانية. وتردّد هذه المنابر تبريرات العثمانيين القدامى والجدد لعدوان الدولة العثمانية، واجتياحها الأراضي العربية بإدعاءات من قبيل، “ضاق رعايا المماليك بحكامهم، فاستغاثوا بالعثمانيين وتطلعوا للسلطان العثماني أن يتقدم فيخلّصهم مما هم فيه”، “رحب أهل دولة المماليك بالغازي العثماني واستقبلوه بالفرحة والابتهاج”.
كما يركّز الإعلام التركي على قيام أردوغان بتبنّي مشروع لتوثيق الأرشيف العثماني “الطابو”، والذي ذكرت تقارير أنه يحتوي على ما يتراوح بين 63 إلى 77 ألف وثيقة توثّق أملاك الأتراك في الموصل وكركوك وحلب السورية وفقًا للادعاءات التي تتردد في خطاب بعض السياسيين الأتراك. بالإضافة إلى الدعم والترويج بشكل مكثّف للمسلسلات التاريخية التي تستعرض أحداثا تعود لفترة العثمانيين، لاسيما بعد زيارة أردوغان لكواليس مسلسل “قيامة أرطغرل” الذي يتناول تاريخ مؤسسي الدولة العثمانية، في نوفمبر 2016.
وتعوّل وسائل الإعلام التركية على المنابر الإعلامية التابعة للإخوان، لترديد هذه المزاعم وإعادة نشر الإدعاءات التركية والترويج للسلطان العثماني ومشروعه في المنطقة، وهي بارزة وواضحة للجمهور العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى