«واشنطن بوست»: هل تشتعل حرب أهلية جديدة في أمريكا جراء تعصب الانجيليين؟

حذرت وسائل الإعلام اليمينية من احتمالية نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، ودعت الإنجيليين إلى تخزين الأسلحة.

وحول هذا التحذير، كتب بول دجوبي، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة دينيسون في جرانفيل بأوهايو والباحث بمعهد أبحاث الديانة العامة (PRRI)، تحليلًا في صحيفة «واشنطن بوست»، استعرض مخاوف اليمين المتطرف في أمريكا، ولاسيما الإنجيليين والمؤمنين بتفوق البيض، الذين يرون أن الديمقراطيين والملحدين سوف يجردونهم من حقوقهم، ويرون أن عزل ترامب قد يفقدهم هذه الحقوق.

مساءلة ترامب هي أول طلقة في الحرب الأهلية
في حين يمضي مجلس النواب في إجراءات عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحذر أصوات يمينية متطرفة من أن مساءلة الرئيس هي أول طلقة في «الحرب الأهلية القادمة». وحول هذا الأمر يقول ريك ويليس، وهو من الإنجيليين المحافظين الذي يروجون لنظريات المؤامرة: «يجبرني الديمقراطيون على تخزين الذخيرة والغذاء والمياه والإمدادات الطبية؛ للدفاع عن أسرتي ومنزلي وكنيستي».

وفي خطاب ألقاه أمام «قمة ناخبي القيم – Values Voter Summit»، أشار ترامب إلى مثل هذا المعنى، وقال إن الديمقراطيين يعملون على الحد من حقوق المسيحيين، معلنًا مقاومة هذا النهج إذا بقي في السلطة.

وتعليقًا على مساءلة ترامب، يدّعي فرانكلين جراهام أن «القوى الشيطانية» تضغط من أجل مساءلة شخص تعتقد نسبة كبيرة من الإنجيليين أنه الرئيس المبارك من الرب.

لكن هل يعتقد البروتستانت الإنجيليون البيض أن الديمقراطيين سوف يجردونهم من حقوقهم فعلًا؟ وهل صحيح أن الديمقراطيين والملحدين يريدون تجريد الإنجيليين من حقوقهم؟ للإجابة عن هذين السؤالين، استعرض التحليل ما خلُصَت إليه دراسة جديدة تسلط بعض الضوء على هذا الجدل:

يقول الكاتب: «وجد بحثنا أن البروتستانت الإنجيليين البيض يعتقدون أن الملحدين والديمقراطيين سوف يسلبونهم حقوقهم. أجريت أنا والعالم السياسي ريان بيرج دراسة استقصائية على عينة غير عشوائية (غير احتمالية – Non–Probability) في الفترة من 17 إلى 18 مايو (آيار)، مكونة من 1010 بروتستانتي أمريكي عبر الإنترنت، بالتعاون مع شركة «كوالتريكس» المتخصصة في برمجيات حلول إدارة البيانات والاستطلاعات والتسويق، وراعينا التوازن فيها، بحيث تعكس تنوع البروتستانت في البلاد. وشكّل البروتستانت الإنجيليون البيض 60% من العينة التي أجري عليها الاستطلاع».

60 % من البروتستانت الإنجيليين يتخوفون من الملحدين
من بين هؤلاء البروتستانت الإنجيليين البيض، وجدنا أن 60% يعتقدون أن الملحدين لن يسمحوا لهم بالتمتع بحقوق وحريات التعديل الأول في الدستور الأمريكي. وبشكل أكثر تحديدًا، سألناهم عما إذا كانوا يعتقدون أن الملحدين سيمنعونهم من «تنظيم المسيرات والتعليم والتحدث بحرية، والترشح للوظائف العامة» فجاءت هذه النسبة المشار إليها.

وبالمثل، اعتقد 58% أن «الديمقراطيين في الكونجرس» لن يسمحوا لهم بممارسة هذه الحريات إذا ما وصلوا إلى السلطة. في المقابل، يعتقد 23% أن «الجمهوريين في الكونجرس» لن يحترموا حقوقهم؛ وكانت هذه في المقام الأول هي آراء مجموعة صغيرة من الديمقراطيين الإنجيليين البيض في تلك العينة.

ويعلق الكاتب على هذه النتيجة قائلًا إن «هذه نسب غير عادية للإجابة عن سؤال أساسي في المجتمعات الديمقراطية: هل المواطنون على استعداد لتوسيع نطاق الحقوق ليشمل الجماعات التي لا تروق لهم؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلن تعود العملية السياسية قادرة على حل النزاعات بعدالة، وربما تتحول البلاد إلى العنف؛ مثلما يتنبأ المعلقون اليمينيون المتطرفون والمسؤولون الحكوميون».

ويضيف الكاتب: لكن هذا ليس حقيقيًّا، ويتساءل مجددًا: «هل سيجرد الديمقراطيون والملحدون المسيحيين المحافظين من حقوقهم وحرياتهم إذا أمكنهم ذلك؟ لمعرفة ذلك، عاد الكاتب إلى مراجعة البيانات التي جمعها مع عالمي السياسة أماندا فريسين وأناند سوخي في الفترة من 20 إلى 26 سبتمبر (أيلول) 2016، والتي أجريت على عينة كبيرة في أنحاء البلاد مكونة من 2517 أمريكيًّا عبر الإنترنت من خلال «كوالتريكس»، وروعي فيها التوازن لتعكس تعداد السكان البالغين. وسأل هذا الاستطلاع المجيبين عن مشاعرهم تجاه مختلف الجماعات، وعما إذا كانوا سيتيحون لتلك الجماعات التمتع بالحريات المدنية».

الملحدون والإنجيليون البيض.. على طرفي نقيض
يقول دجوبي: «ليس سرًّا أن هذه الجماعات بصفة عامة لا تحب بعضها بعضًا. على «مقياس دفء المشاعر» الذي يتراوح من صفر (بارد، سلبي) إلى 100 (دافئ، إيجابي)، وضع الإنجيليون البيض في المتوسط الملحدين عند درجة 25، وهو مستوى من الكراهية تنعكس في الوقت ذاته على تصنيف الملحدين واللاأدريين للأصوليين المسيحيين عند درجة 24. ويلاحَظ أن هذه الكراهية المتبادلة لا تنطبق على الأحزاب السياسية؛ إذ صنف الديمقراطيون الأصوليين المسيحيين عند درجة 45، في المتوسط، بينما صنّفهم الجمهوريون عند درجة 53».

طُلب من المشاركين في الاستطلاع ذاته أن يختاروا الجماعة التي «يكنون لها أقل قدر من المحبة» من قائمة تضم الملحدين والأصوليين المسيحيين والمهاجرين والمؤمنين بتفوق البيض والمسلمين وأنصار ترامب وأنصار هيلاري كلينتون والمثليين جنسيًّا.

واختارت أغلبية العينة تقريبًا (49%) المؤمنين بتفوق البيض بوصفها الجماعة التي يكنون لها أقل قدر من الحب. واختار 5% فقط الأصوليين المسيحيين، ولم يضم ال5% فيما بينهم أكثر من 5% من الديمقراطيين و10% من الملحدين.

ثم سئل المشاركون في الاستطلاع عما إذا كان ينبغي السماح للمجموعة التي لا يحبونها بإلقاء الخطب في المجتمع، والتدريس في المدارس العامة، والترشح للمناصب العامة والتمتع بالحريات الأخرى؛ فأظهرت النتيجة أن الأمريكيين ليسوا متسامحين بشكل خاص مع المجموعات التي لا يحبونها، و30% فقط هم الذين لديهم استعداد للسماح للمجموعة التي لا يحبونها بممارسة ثلاثة أو أكثر من هذه الأنشطة.

لكن 65% من الملحدين و53% من الديمقراطيين الذين أدرجوا الأصوليين المسيحيين بوصفهم المجموعة التي يكنون لها أقل درجة من المحبة كانوا على استعداد للسماح لهم بالمشاركة في ثلاثة أو أكثر من هذه الأنشطة؛ وهذه نسبة من التسامح تفوق كثيرًا مقدار التسامح الذي أظهرته العينة الكلية.

ويعلق الكاتب: «ربما يجادل شخص ما بأن الملحدين الأكثر نشاطًا سياسيًّا هم وحدهم الذين سيكونون غير متسامحين؛ بيد أن النسبة التي كانت متسامحة لم تختلف سواء قال الملحدون إنهم يشاركون في الأنشطة السياسية أم لا».

المسيحيون الإنجيليون أقل تسامحًا تجاه الملحدين
ويشير دجوبي إلى أن نسبة أقل من الإنجيليين البيض سوف تتصرف بتسامح تجاه الملحدين، مقارنة بنسبة الملحدين الذين سيتصرفون بتسامح تجاه الإنجيليين البيض، بحسب الدراسة.

واختار 13% من البروتستانت الإنجيليين البيض الملحدين بوصفها المجموعة التي يكنون لها أقل قدر من المحبة. ومن بين هؤلاء، هناك 32% على استعداد لتوسيع ثلاثة أو أكثر من هذه الحقوق لتشمل الملحدين.

ويعلق: «في الواقع، عندما نظرنا إلى كل الجماعات الدينية، كان الملحدون واللاأدريون هم الأكثر احتمالًا في توسيع مظلة الحقوق لتشمل الجماعات التي لا يكنون لها سوى أقل قدر من الحب».

بقاء ترامب في السلطة ضمانة لحقوق المحافظين
بحسب دجوبي، يعتقد المسيحيون المحافظون أن حقوقهم معرضة للخطر جزئيًّا؛ لأن هذا هو ما يسمعونه، بصراحةٍ سافرة، من وسائل الإعلام المحافظة، والنخب الدينية، والمعلقين الحزبيين وبعض السياسيين، بمن فيهم الرئيس الأمريكي.

وتشير أدلة الدراسة إلى سبب آخر أيضًا. ذلك أن خوفهم يأتي من قاعدة ذهبية معكوسة، هي: توقَّع من الآخرين ما ستفعله بهم. وبما أن البروتستانت الإنجيليين البيض يعبرون عن مستويات منخفضة من التسامح تجاه الملحدين، فهذا يقودهم إلى توقع عدم تسامح الملحدين معهم في المقابل.

ويختم الكاتب تحليله معلقًا: «هذا الإدراك يعزز بالتأكيد دعمهم لترامب؛ لأنهم يعتقدون أن حريتهم تعتمد على إبقائه وحزبه في السلطة».

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى