جراء ازمة الغاز.. غزة تعيد عقارب الساعة الى زمن الطوابين/ افران الطين

 

 

بيديها المرتعشتين تعمل الحاجة لطيفة على بناء جدران أفران الطين “الطوابين”، وبصوتها الهرم الأجش تغني أهازيج التراث الفلسطيني، وعلى تلك الحالة تمضي حوالى ثماني ساعات يومياً، لتصنع خلالها أربعة أفرانٍ من الطين، كحلٍ بديلٍ لطهي الطعام وخَبز الرغيف.
تستيقظ الحاجة لطيفة من الساعة السابعة صباحاً، وتضع على قارعة الطريق وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزّة، معداتها البسيطة، المؤلفة من وعاءٍ صغيرٍ، وبعض الطينة الحمراء، ومطرة ماء، وألواح حديدٍ متوسطة (بحجم 50×70 سم)، لتبدأ بعدها عملها اليومي.

طريقة صناعة الموقد

تجاوز عمر لطيفة السبعين سنة، وعلى الرغم من ذلك، وبصعوبة وجهدٍ كبيرَين، تخلط في البداية بيديها المرتعشتين الطينة الحمراء مع مزيجٍ من القش وبعض الإسمنت يُضاف إليها قليل من الماء، لتصبح العجينة التي يصنع بواسطتها الفرن جاهزة لبناء هيكله، ثمّ تشرع بعد ذلك في بناء القواعد الأولى لفرن الطينة.
بعد ذلك، تبني مخزن الحطب، وهو المكان المخصص لوضع الأخشاب المشتعلة، حتى ينتج حرارةً عالية تعمل على طهي الطعام أو خبز الخبز، ثمّ تضع لوح الحديد، وبعدها تكمل بناء جسم الفرن.
لا تستخدم لطيفة في بناء الأفران سوى الطينة الحمراء، وتقول “تعتمد أفران الطين على الأخشاب والحطب كوقودٍ لها، ولا تحتاج إلى الغاز أو أيّ من مشتقات البترول لتشتعل، وهذا الحل البديل في ظلّ انقطاع الغاز”.

تراث فلسطيني قديم

وعن اختيارها الشارع العام مكاناً لعملها، تشير لطيفة إلى أنه يقع على مرمى أعين الناس ليشتروه، وفضلاً عن ذلك فإنه مكان مكشوف للشمس التي تحتاجها أفران الطين لتجف وتصبح صلبة وجاهزة للاستخدام. وتُعد صناعة أفران الطين جزءاً من التراث الفلسطيني الشعبي القديم، الذي توارثه الناس في ما بينهم، كلّ أبٍ يعلمه لابنه، وكانت الأفران/ الطوابين جزءاً أساسياً من البيوت، تُستخدم في طهي مختلف أنواع الطعام والحلويات. إلا أن هذه المهنة المتوارثة اختفت، بسبب ظهور أفران الغاز والكهرباء الحديثة، وبدأت بالظهور مجدداً بين سكان غزّة، بسبب وقف توريد الغاز إلى القطاع، الذي يعيش أزمة خانقة في مسألة توفير غاز الطهي.
وتعمل لطيفة في صناعة أفران الطين منذ حوالى 30 سنة، وكانت تعلمت هذه الحرفة من جدها الذي هاجر من بلدته الأصلية عقب احتلالها من قبل إسرائيل عام 1948، وتعتمد عليها كمصدر رزقٍ لها وعائلتها.

العمل مش عيب

تبيع لطيفة موقد الطهي الذي يعمل على الحطب بقيمة 70 دولاراً فقط، مشيرةً إلى أن الربح من فرن الطين الواحد لا يتجاوز 10 دولارات، وتبيع في اليوم الواحد موقدين أو ثلاثة. وتقول بلهجتها العامية “العمل مش عيب، بدلاً من التسول لطلب الاحسان”. وتسجل غزّة أعلى نسبة بطالة في العالم، وتشير الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن نسبة البطالة فاقت حاجز 65 في المئة بين الخريجين والعمال.
وفي الاخير، لم يعد سكان غزّة إلى أفران الطينة بمجض ارادتهم وطيب خاطرهم، بل هم مجبرون بسبب وقف توريد الغاز إلى القطاع، ونفاذ المخزون الاحتياطي وفقدانه في محطات التعبئة، منذ حوالى أسبوعين.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى