بغياب حركة النهضة.. الرئيس التونسي يمارس حرية اختيار الأقدر لتشكيل الحكومة

يتطلع الطيف السياسي والشعبي في تونس إلى معرفة الشخصية التي سيختارها رئيس البلاد قيس سعيد لقيادة مشاورات الحكومة الجديدة استنادا لنص الدستور،عقب سقوط حكومة الحبيب الجملي، خاصة بعد الإعلان عن تأسيس جبهة برلمانية واسعة تطالب باختيار شخصية توافقية.
فمنذ امس الاثنين باشر الرئيس التونسي قيس سعيد سلسلة مشاورات هدفها إيجاد الشخصية الأقدر من أجل تأليف حكومة في أجل أقصاه 30يوما، وذلك بعد فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان.
وعرض رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، مرشح الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية حركة النهضة الإسلامية، حكومة كفاءات مستقلة إثر فشل مشاوراته مع الأحزاب السياسية، لكن الحكومة المقترحة فشلت في نيل ثقة البرلمان بعد أن صوتت الأغلبية ضدها.
وفي هذه الحالة ينص الدستور التونسي في الفصل 89 على أنه “عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب (البرلمان)، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر”.
وفي إطار جولة المفاوضات الحكومية الجديدة، من المتوقع أن يلتقي الرئيس التونسي بممثلين عن أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وقلب تونس وتحيا تونس، حسبما ذكرت صحف محلية.
ويتساءل المتابعون عن الشخصية التي سيختارها سعيد لهذه المهمة، إن كانت شخصية من خارج الأحزاب، أو إنه سيفوض تحالفا برلمانيا من أكبر الأحزاب تمثيلا، لاختيار شخصية تضمن نجاحه في نيل الثقة وتجنب سيناريو الانتخابات المبكرة.

ويجمع المتابعون على أن الرئيس التونسي سيكون أمام اختبار صعب وأمام تحدّ لاختيار الأقدر على هذه المهمة، حيث ستكون إدارته للمشاورات محل تقييم الشارع على غرار النخب السياسية أمام تزايد الضغوط لاختيار شخصية توافقية.
ويلاحظ هؤلاء أن سقوط تشكيلة الجملي الحكومية ينذر بالحاجة إلى عدة أسابيع من المفاوضات الإضافية غير مضمونة النتائج، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اجتماعية واقتصادية.
واعتبر حسونة الناصفي رئيس كتلة الإصلاح الوطني بالبرلمان في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “اختيار الشخصية الأقدر من قبل رئيس الجمهورية هو أصعب مرحلة في تشكيل الحكومة لأنه على أساسه ستبنى تركيبة الحكومة والتوافقات المقبلة”.
وتجنبا للخلافات الحزبية، أعلن الناصفي أنّ كتلة الإصلاح الوطني ستقوم بدور الوساطة وستتصل بكل الكتل والأحزاب الممثلة في البرلمان لتقريب وجهات النظر، معتبرا أنه “من المهم الاتّفاق على الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة في الشخصية الأقدر بين كل الأحزاب والكتل البرلمانية لتسهيل مهمة رئيس الجمهورية”.
وأضاف أن كتلة الإصلاح الوطني ترى أنه من الضروري أن يكون رئيس الحكومة الجديدة شخصية اقتصادية ومالية، ولديها إشعاع دولي وقادرة على البحث عن استثمارات جديدة، كما يجب أن تحظى هذه الشخصية باحترام الأحزاب السياسية وخاصة المنظمات الوطنية.
من جهته، اعتبر أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي إن مواصفات رئيس الحكومة القادم ترتكز بالأساس على كونه يجب أن يكون ذا توجه اجتماعي، وأن تكون أولوياته ضمان الحق في التعليم العمومي والحق في الصحة والنقل ويقطع مع المنوال التنموي القديم.
وحاولت الأحزاب الوازنة بالمشهد السياسي، الاستفادة من سقوط حكومة الجملي بإعلان تحالفات من شأنها قلب المعادلة السياسية والتوازنات البرلمانية لصالحها، ما يخول لها الضغط على الرئيس لاختيار شخصية بعينها.
وتجري مشاورات واسعة بين كتل وشخصيات مختلفة لتقديم شخصية تحوز على اتفاق واسع إلى الرئيس قيس سعيد ليتولى تكليفها بمشاورات جديدة لتشكيل الحكومة في فرصة أخيرة قبل المرور إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
ويعتقد مراقبون أن حزب قلب تونس الذي نجح في تكوين جبهة برلمانية واسعة، أكبر المستفيدين من فشل الجملي، سيضغط على سعيد لأجل فرض شخصية بعينها لقيادة الحكومة.
ومباشرة بعد إعلان رفض التصويت لحكومة الجملي، قدم رئيس حزب قلب تونس الثاني برلمانيا بـ38 مقعدا، نفسه كبديل، كاشفا “مبادرة وطنية” من شأنها جمع كتل برلمانية وتقديمها إلى رئيس البلاد.
وأشار في هذا السياق إلى كتلة حركة الشعب وإلى ليبراليي حزب تحيا تونس ومستقلين. ولكن حركة الشعب سارعت إلى النفي.
وأوضح نبيل القروي قائلا “سنجتمع لاحقا مع هذه الكتل التي تفوق 90 نائبا، لتقديم مبادرة وطنية لبقية الأحزاب والكتل وأيدينا ممدودة للجميع وسنتشاور مع باقي الأحزاب والكتل طبقا للدستور بشأن المرحلة القادمة من تشكيل الحكومة”.
ودعا القروي إلى “تشكيل حكومة إنقاذ وطني دون إقصاء”، مؤكدا انفتاحه على جميع الأطراف السياسية.
ويتوقع مراقبون أنه في حال اقتراح قلب تونس أو حزب تحيا تونس شخصية بعينها لقيادة الحكومة وقبلها الرئيس بهدف إنجاح المشاورات، فإنها ستصطدم بمواقف الأحزاب المحسوبة على الثورة التي تبدي تمسكها بمواقفها السابقة.
واشترط حزب ائتلاف الكرامة المحافظ تكوين حكومة سياسية قوية تتكون من أغلب الأحزاب السياسية باستثناء حزبي قلب تونس والدستوري الحرّ.
بدوره لم يستبعد حزب التيار الديمقراطي العودة إلى شروطه السابقة. وسيحدد التيار الديمقراطي، الثلاثاء، عقب اجتماع لقياداته التمشّي الذي سيلتزم به في مشاورات تشكيل الحكومة.
وبين غازي الشواشي القيادي بحزب التيار في تصريحات صحافية أن من بين هذه السيناريوهات، المحافظة على نفس الشروط التي أعلن عنها الحزب سابقا عند انطلاق المشاورات لتشكيل الحكومة برئاسة الحبيب الجملي أو دخول هذه المشاورات التي سيقودها رئيس الجمهوريّة، بشروط جديدة. مؤكّدا أن “حزب التيّار معني بالمشاورات وبدخول الحكومة”.
وفيما يعتقد المراقبون أن سعيد سيعمل على إنجاح المشاورات باختيار شخصية توافقية، يذهب آخرون بالقول إنه سيفرض شخصية على جميع الأحزاب تعزيزا لحضوره بالمشهد عبر سند سياسي قوي يدعمه، واستغلالا للفرصة التي منحها له الدستور.
ولا يملك الرئيس التونسي، الأكاديمي الذي انتخب رئيسا بغالبية واسعة في أكتوبر الماضي، حلفاء طبيعيين ضمن المشهد السياسي، وقد سعى إلى أخذ مسافة واحدة من مختلف الأحزاب.
غير أنّه يُعتبر الأقرب إلى المكوّنات المنادية بمبادئ ثورة 2011، على غرار حركة الشعب والتيار الديمقراطي بزعامة محمد عبو. وسعى إلى إطلاق مفاوضات جديدة بين هذه المكونات وتحيا تونس الذي يتزعمه رئيس الحكومة المنتهية ولايته يوسف الشاهد.
وفي حال أخفقت أيضا الشخصية التي سيختارها سعيّد لتشكيل حكومة، سيكون بمقدوره حل البرلمان، ما يعني تأخيرا جديدا في اتخاذ التدابير اللازمة لكبح التضخم وتقليص نسب البطالة اللذين يلقيان بثقلهما على معيشة التونسيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى