القيادة التركية والعداء التاريخي للامة العربية

تحتل تركيا مكانة هامة في المنطقة والعالم وذلك نظرا لموقعها الجغرافي حيث تربط بين القارتين الأوروبية والآسيوية من جهة ولكونها تمثل تقاطعا للعلاقات الدولية مع دول المنطقة من جهة أخرى. وما أن انهارت دولة الخلافة العثمانية وقيام الجمهورية التركية عام 1923م بقيادة مصطفى كمال اتاتورك حتى بدأت الجمهورية الجديدة بالبحث عن هوية ومسار فكان الاتجاه نحو الهوية الغربية بعامة والأوروبية بخاصة استنادا إلى قناعة القائد الجديد، اتاتورك، بالحضارة الغربية.

وقد اثر هذا النهج على علاقات تركيا مع دول المحيط الشرقية التي طالما ارتبطت بعلاقات تاريخية مع تركيا، وتحولت هذه العلاقات مع دول المحيط إلى توترات ووصلت في بعض الأحيان إلى حد العداءز

اما بالنسبة إلى العلاقات مع الغرب فقد حاولت تركيا الانضمام إلى دول الاتحاد الأوروبي، حيث تم مواجهة هذه الرغبة بجدل واسع في الأوساط السياسية والفكرية والثقافية أسفر عن وضع العديد من الشروط المعقدة حالت دون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي من أهمها الالتزام بالإجراءات التي نصت عليها اتفاقية كوبنهاجن للعام 1993م، وتأتي هذه العراقيل الأوروبية امام انضمام تركيا إلى الاتحاد رغم قبولها عضوا في حلف الناتو العسكري، ورغم فتح أراضيها للعديد من القواعد العسكرية للحلف بشكل عام وللولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، ورغم إقامة علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع الكيان الصهيوني حيث أن مثل هذه العلاقات تعتبر طريقا موصلا إلى رضى الغرب الداعم للكيان الصهيوني والحامي لوجوده بعد أن عمل على إقامة هذا الكيان وإمداده بكل أسباب الوجود والبقاء.

لكن اختيار اتاتورك ومن جاء بعده من حكومات سارت على نهجه لا يعني ابتعاد الشعب التركي المسلم بالكامل عن التوجه نحو الهوية الشرقية، وبقي هذا البحث عن الهوية التركية قائما حتى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2002م بقيادة الثلاثي رجب طيب اردوغان الرئيس الحالي، وعبد الله غول، واحمد داود اوغلو، حيث قامت هذه القيادة بالجمع بين الهويتين الشرقية والغربية.حيث أقدمت هذه القيادة على ترميم علاقات تركيا مع العديد من دول المحيط وبخاصة مع إيران وسورية في البدايات. وانتهج حزب العدالة والتنمية سياسة خارجية تصب في خدمة الحزب وقياداته في ذلك الوقت.

لكن الأعوام الأخيرة شهدت دخولا تركيا إلى قلب الأحداث والأزمات التي واجهت المنطقة بعامة وأقطار عربية بشكل خاص، واظهرت طرفا معنيا بشكل مباشر في هذه الأحداث في ليبيا وانظل موقفها حائرا لبعض الوقت قبل أن تم حسمه بالوقوف إلى جانب القوات الأطلسية الغازية لهذا القطر العربي، ومع سورية القطر الذي كان يقيم علاقات متميزة متطورة وصلت إلى حد إلغاء سمات الدخول بين البلدين وقد جاءت هذه العلاقات اثر مرحلة طويلة من التوتر وصلت ذروتها أثناء حشود عسكرية تركية على الحدود السورية بسبب القائد الكردي عبد الله اوجلان، وقد اعتبرت العلاقة المميزة بين البلدين نموذجا متقدما للعلاقة بين بلدين جارين تربطهما علاقات جغرافية وتاريخية ودينية.

ولكن ورغم هذه العلاقات، فقد اتخذت القيادة التركية موقفا عدائياً من الأحداث الجارية في سورية عبر فتح أراضيها للعصابات الإرهابية المجرمة ولما يسمى بالمعارضة السورية ودعمها لهذه المعارضة رغم انتهاجها الأسلوب المسلح وقيام العصابات الإرهابية بقتل مواطنين مدنيين وعسكريين وتدخلت في الشؤون الداخلية السورية وكأنما هي وصية على القيادة السورية وهي بذلك انما تقوم بتنفيذ سياسات معادية للشعب العربي السوري.

ويحق لنا ان نتساءل عن طبيعة التدخل العسكري التركي المتمثل في احتلال أراض سورية في شمال سورية ومحافظة حلب وادلب. وإذا كانت الحكومة التركية حريصة بالفعل على امن واستقرار سورية كما تدعي زوراً وبهاتناً. لماذا لا تمارس نفوذها على المعارضة السورية التي تمكنها من عقد مؤتمراتها في تركيا من اجل دفعها إلى الحوار الذي هو الطريق الوحيد الذي يضمن الأمن والاستقرار لهذا القطر بدلا من تحريضها ضد الدولة السورية؟ ثم لماذا لا يجوز للدولة السورية مواجهة العصابات التي تقتل وتدمر وتبث الرعب في العديد من المدن السورية في الوقت الذي قامت وتقوم القيادة التركية نفسها بالهجوم على الكرد بالدبابات والطائرات وتلاحقهم حتى داخل الأرض العراقية والسورية وتقوم بقصفهم وقتلهم؟

وإذا ما أرادت تركيا أن تدخل إلى المنطقة تحقيقا لمصالحها الذاتية فعليها أن توائم حركتها وفقا للساحة التي تتحرك فيها ولكل ساحة وقضية وحدث ابعاده وأسلوب التعاطي معه بما يحقق المصالح المشتركة للدولة التركية ودولة الساحة المعنية، وحتى تستطيع القيادة التركية ربط علاقات قائمة على المصالح المشتركة وعليها إتباع الطريق السليم وليس إتباع نهج العدوان والتدخل الدموي أو عبر القوة العسكرية أو التهديد بها مما يجعلها في هذه الحالة تضع نفسها في مصاف دول الاجرام الاستعمارية والكيان الصهيوني التي لها أهدافها ومشاريعها ومخططاتها في هذه المنطقة تتمثل في تحقيق مصالحها الاقتصادية والنفطية وتوفير الأمن والحماية للكيان الصهيوني عدو العرب والمسلمين.

نعود لنؤكد للرئيس اردوغان بأن سياسة العدوان والقتل والدمار والخراب ستعود عليه وعلى الشعب التركي باضرار فادحة.

الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى