مجموعة من الخبراء تضع خطّة إنقاذ اقتصاديّة طارئة في لبنان

 

اجتمعت مجموعة من الخبراء الاقتصاديّين والقانونيّين والعلماء السياسيّين اللبنانيّين في الأوّل من تشرين الثاني 2019 لمناقشة عدد من التوصيات بشأن الطرق الأنسب لمعالجة التحدّي الاقتصاديّ والماليّ الذي تواجهه البلاد في هذه الفترة. ورأت المجموعة أنّه يتعيّن على لبنان التصرّف بسرعة وحزم لتفادي الانهيار الماليّ والاقتصاديّ. فالتأخّر في معالجة الوضع قد يؤدّي إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية، وبالتالي إلى المزيد من التضخّم والبطالة والفقر والتدهور في الخدمات العامّة الأساسيّة.
استنتاجاتنا الرئيسية الموجزة أدناه تتعلق بالحاجة الملحة لتطوير حزمة إنقاذ اقتصادية شاملة، يتم تنفيذها بطريقة منسقة، وتشمل التالي:
• إدارة دقيقة للاحتياطيات الأجنبيّة المتناقصة بسرعة لحماية الليرة اللبنانيّة من خلال تدابير متعددة، من بينها اتخاذ إجراءات صارمة لضبط تهريب رؤوس الأموال
• إعادة هيكلة ماليّة مصحوبة بخطط موثوقة لمكافحة الفساد
• سياسات اجتماعيّة جديدة لحماية الشرائح الأكثر تأثّراً بالأزمة الحاليّة،
• خطّة متفاوض عليها لخفض الدين تشمل تقاسماً عادلاً لأعباء هذا الدين بين فئات المجتمع،
• آليّة مراقبة تتيح للمواطنين والمواطنات ممارسة الضغوط من أجل تطبيق الإصلاحات في ظلّ تعزيز آليات الرقابة الرسمية.
وإذا كانت الحاجة ماسة اليوم لتشكيل حكومة ذات مصداقية يمكنها أن توحي بالثقة، فإن بعض الإجراءات التي تمت مناقشتها أدناه لا يمكن أن تنتظر ويجب ألا تكون رهينة للأحداث السياسية. وعلى حكومة تصريف الأعمال تشكيل “خلية أزمات” للتعامل الفوري مع الأمور الأكثر إلحاحًا.
على المدى البعيد، ترى المجموعة أنّ الاقتصاد الوطنيّ عاجز عن الاستفادة من كامل إمكاناته وأنّه من الضروريّ اعتماد نظام حوكمة أكثر فعالية للسماح بتصدير السلع والخدمات بدلاً من هجرة المواطنين. وتعتبر المجموعة أنّ اعتماد نموذج نموّ شامل من شأنه أن يساهم ليس فقط في تنمية السياحة والخدمات الماليّة، لا بل أيضاً التصنيع والتكنولوجيا والزراعة المسؤولة والإنتاج الثقافيّ. وينبغي أن تكون العدالة الاجتماعيّة والمساواة بين الجنسين وحماية البيئة في صلب هذا النموذج، إلى جانب المنافسة العادلة والابتكار والانفتاح على العالم، خصوصاً على الجاليات اللبنانيّة الكبيرة في الخارج.

أزمة ليست بجديدة
يعود سبب الاختلال الماليّ المتصاعد اليوم إلى عاملين اثنين هما أوّلاً، تزايد عبء خدمة الدين العامّ وإعادة تمويله وثانياً، الانخفاض الحادّ في صافي تدفّقات رؤوس الأموال الواردة التي كانت تساهم في تمويل عجز الحساب الجاري وخدمة الدين المقوّم بالدولار. إنّ هذين العاملين مرتبطان أحدهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً ويتسبّبان بنضوب احتياطيات النقد الأجنبيّ بسرعة بما أنّ التخوّف من حصول انهيار ماليّ يؤدّي إلى انخفاض التدفّقات الواردة ويحفّز هروب رؤوس الأموال. ويؤدّي تراجع صافي التدفّقات الواردة إلى ارتفاع مخاطر الدين العامّ، ما يزيد من صعوبة إعادة تمويله بشروط مقبولة.
وتتجلّى الأزمة الماليّة المتفاقمة في الزيادة السريعة في أسعار الفائدة (15% وأكثر، مع أسعار أعلى للمبادلات الأخيرة التي يقوم بها مصرف لبنان، وهي عمليّات معقّدة تهدف إلى جذب ودائع بالعملات الأجنبيّة إلى البلاد) وانخفاض قيمة الليرة بسرعة في السوق غير النظاميّة (وصولاً إلى 1800 ليرة للدولار الواحد خلال الشهر الماضي) وتسارع التضخّم بنسبة 5% على الأقلّ خلال الشهر الماضي على صعيد السلع الاستهلاكيّة الأساسيّة (بناءً على التقديرات الأوليّة لمؤسسة البحوث والاستشارات). وفي حال عدم اتّخاذ تدابير تصحيحيّة، ستستمرّ قيمة الليرة اللبنانيّة في الانخفاض في المرحلة المقبلة وقد تخرج عن السيطرة إذا تواصل نضوب الاحتياطيات.
في الواقع، بدأ الوضع الماليّ يتأزّم قبل ثورة 17 تشرين الاول، ما دفع مصرف لبنان إلى البدء بتقنين الدولار في أوائل أيلول. وتفاقم الوضع لاحقاً عندما لم يعد الشعب راضياً عن النهج المعتمد لمعالجة الاختلال من خلال زيادة الضرائب غير المباشرة وتقليص الخدمات العامّة نظراً إلى تدهور الوضع الاجتماعيّ إلى حدّ كبير. فنسبة الفقر تقارب الـ 30% (بحسب تقديرات البنك الدوليّ) ونسبة البطالة مرتفعة وهجرة الشباب الماهرين تسجّل أرقاماً قياسيّة.
لكنّ المتظاهرين أيضاً لم يقتنعوا بحزمة الإصلاحات الأخيرة التي اعتمدتها الحكومة في 21 تشرين الأول. فمع أنّ الخطّة تتضمّن عناصر جيّدة، كالحدّ من خسائر شركة كهرباء لبنان، إلا أنّه ثمّة شكوك بشأن استعداد الحكومة لتنفيذ إصلاح مطروح منذ سنوات عدّة. ويُعتبر فرض الضرائب على المصارف خطوة في الاتّجاه الصحيح أيضاً، وإن كانت الضريبة المتوقّعة (600 مليار ليرة لبنانيّة) قابلة للتطبيق لمرّة واحدة وصغيرة نسبةً إلى الأرباح الطائلة التي حقّقها القطاع المصرفيّ في السنوات القليلة الماضية (2,6 مليارات دولار سنة 2018). لكنّ تمويل العجز في الخطّة الحكوميّة يعتمد في أغلبه على المصرف المركزيّ المكلّف بخفض خدمة الدين العامّ إلى النصف. في الواقع، إنّها دعوة من الحكومة إلى المصرف المركزيّ لطباعة الأموال، ما قد يؤدّي إلى التضخّم وإلى مزيد من الضغوط على الليرة اللبنانيّة. في هذا الإطار، ترى مجموعة الخبراء أنّ خطة الإصلاح الحكوميّة غير كافية وتعتمد على سعر الصرف إلى حدّ كبير، ما سيلحق الضرر في الدرجة الأولى بالأُسر ذات الدخل المنخفض والمتوسّط.

حماية الليرة اللبنانية على المدى القريب
ممّا لا شكّ فيه أنّ انخفاض قيمة الليرة بشكل كبير سيؤدّي إلى تخفيف عبء الدين من خلال تقليص القيمة الحقيقيّة للدين المقوّم بالليرة والذي يشكّل حوالي 60% من مجموع الدين العامّ. ومع أنّ هذه الوسيلة هي إحدى الوسائل الممكنة لمعالجة عبء الدين المفرط، بشكل متعمّد أو غير متعمّد، إلا أنّها تستتبع تداعيات اجتماعيّة كبيرة تتمثّل بالقضاء على صناديق التقاعد ومدّخرات الطبقة الوسطى وانخفاض الأجور بشكل ملحوظ. ومن شأن هذه الخطوة أيضاً أن تتسبّب بإفلاس شركات عدّة مديونة بالدولار، ما يؤدّي إلى ارتفاع معدّل البطالة وإضعاف القطاع المصرفيّ وإلحاق الضرر بآفاق النموّ المستقبليّة. وبالتالي، قد يحتاج لبنان إلى خفض قيمة الليرة بطريقة معتدلة ومنضبطة كجزء من أجندة تهدف إلى تحفيز النموّ من أجل تعزيز تنافسيّة الصادرات المحليّة، شرط ألا تكون هذه هي الوسيلة الرئيسيّة المعتمدة لمعالجة عبء الدين المفرط.
في هذا السياق، توصي مجموعة الخبراء بحماية الليرة على المدى القريب لكي يتسنّى للقوى السياسيّة والاجتماعيّة الوقت الكافي لصياغة خطط سياسيّة وماليّة واجتماعيّة واقتصاديّة قادرة على معالجة التحدّيات الهائلة التي تواجهها البلاد. وتقرّ المجموعة بأنّ الثمن الذي سيدفعه لبنان مقابل حماية الليرة قد يكون غالياً جداً قبل استعادة ثقة الأسواق، لكنّ السماح بانخفاض قيمة الليرة بطريقة غير منظّمة سيؤدّي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعيّة. لذلك، توصي المجموعة أيضاً بالاستفادة من الوقت القصير المكتسب لا لتفادي التغيير، بل لتحديد التدابير اللازمة الطارئة والطموحة بطريقة مسؤولة اجتماعيّاً (انظر أدناه). وترى المجموعة أنّ الوسيلة الفضلى لحماية قيمة الليرة هي بتعزيز مصداقيّة البلد بسرعة من خلال إطلاق الإصلاحات اللازمة في أقرب وقت ممكن. ففي حال التأخّر في اتّخاذ التدابير اللازمة وانخفاض الاحتياطيات الأجنبيّة إلى مستويات تهدّد قدرة لبنان على استيراد السلع الاساسيّة (كالغذاء والدواء والوقود)، قد يصبح من المستحيل الاستمرار في خدمة الدين الخارجيّ. وفي هذا الإطار، تدعو مدفوعات الدين المرتقبة في 28 تشرين الثاني 2019 وفي الربع الثاني من العام 2020 إلى القلق.

الإسراع في وضع خطّة تعديل ماليّ موثوق
تشمل السياسات الضروريّة على المدى القريب لاستقرار الوضع الماليّ الاتّفاق سريعاً على تخفيض كبير للنفقات غير المجدية والمرتبطة بالفساد والهدر وسوء الإدارة، بالترافق مع إصلاح عاجل لقطاع الكهرباء. وينبغي أن تتزامن هذه التدابير مع قرارات تقضي بتنفيذ الإصلاحات المؤسسيّة التي أرجئت لفترة طويلة. فمع أنّ هذه الإصلاحات لن تكون لها آثار إلا على المديين المتوسط والبعيد، إلا أنّها ضروريّة لتعزيز مصداقيّة الحكومة. وعلى صعيد النفقات، ينبغي إطلاق الجهود لاستعادة الأموال العامّة المنهوبة والبدء بإعادة هيكلة المؤسسات العامّة، بما في ذلك دمج المؤسّسات الفائضة أو إلغاؤها، وخفض أجور كبار الموظّفين الحكوميّين وامتيازاتهم. أمّا على صعيد الإيرادات الحكوميّة، فيتعيّن على الحكومة توحيد نظام ضريبة الدخل وجعله أكثر تصاعديّة، بالإضافة إلى معالجة التهرّب الضريبيّ وتوسيع القاعدة الضريبيّة في الوقت نفسه من خلال إزالة الإعفاءات الضريبيّة لقطاعات وشركات معيّنة.

إعادة جدولة الدين
مع أنّ الجهود المذكورة أعلاه ضروريّة لتحسين جودة النفقات وخفض العجز الماليّ، إلا أنّها غير كافية لتحقيق ثبات في تطوّر الدين العامّ. ووفقاً لحسابات صندوق النقد الدوليّ، يتطلّب خروج لبنان من أزمة الدين الحاليّة فائضاً ماليّاً أوّلياً بنسبة 5% في السنة لمدّة 20 سنة متتالية (المادة 4 لصندوق النقد الدوليّ، 2019)، علماً أنّ خطة التقشّف المفرط هذه لم تطبَّق في أيّ بلد في العالم وهي غير واقعيّة على الإطلاق.
وتلمّح بعض الجهات الاقتصاديّة الفاعلة إلى إمكانيّة الحدّ من الضغوط الماليّة الحاليّة من خلال تقليص خدمة الدين بدلاً من خفض الدين بحدّ ذاته – عن طريق خفض الفائدة على الدين العامّ. وتُعتبر هذه خطوةً في الاتجّاه الصحيح قد تخفّف الضغوط الحاليّة على الليرة. لكن بغية تحرير الاعتمادات من أجل استخدامها بطريقة مثمرة وبغية تمهيد الطريق لسياسة ماليّة أكثر شمولية، لا بدّ من أن يكون المستقبل أكثر وضوحاً بما أنّ الاستثمارات العامة والخاصّة تتطلّب فترة طويلة من التخطيط لجذبهاّ. لذلك، ترى مجموعة الخبراء أنّ الإجراءات المؤقتة الضرورية راهناً وفي المستقبل القريب لن تكون كافية على المدى البعيد.
وتعتبر المجموعة أنّه ينبغي النظر اليوم في خفض الدين. يتخطى الدين العامّ اللبنانيّ 150% من الناتج المحليّ الإجماليّ فيما يُعتبر الحدّ الآمن عالمياً 50% من هذا الناتج. وستكون هذه المرّة الأولى التي يلجأ فيها لبنان إلى خفض الدين وينبغي أن تكون المرّة الأخيرة، وأن تتبع العملية معايير واضحة على صلة بالظروف القائمة وتقرّ المجموعة بأنّ هذه الخطوة ستؤثّر على سمعة لبنان كوجهة لتدفّق رؤوس الأموال. لذلك، ينبغي بذل أقصى الجهود الممكنة للحدّ من التداعيات على “سمعة البلاد” هذه. في المقابل، ينبغي خفض الدين بشكل عميق للغاية للتأكّد من عدم الاضطرار إلى اتّخاذ هذه الخطوة مجدداً في المستقبل. ثانياً، يجب أن يراعي الحلّ المطروح لمعالجة عبء الدين توزيعَ عبء الخسائر بشكل عادل بين حاملي الديون الوطنية والدولية من الدين العام، عبر تحميل العبء الأكبر لأولئك الذين استفادوا أكثر من غيرهم من مدفوعات الفائدة الكبيرة في السنوات الماضية. نظراً لحجم الخسائر الكبير، يجب أن يشمل توزيعها على حاملي أسهم وديون البنوك، كما وبعض المودعين –مثاليًا، أصحاب الودائع التي تتخطّى عتبة معينة. ثالثاً، على القطاع المصرفي أن يخرج أقوى من المحنة، حيث إنه في صميم فرص النمو المستقبلية في لبنان. ستكون هناك حاجة لإعادة هيكلة تشغيلية ومالية للقطاع، مما سيشكل فرصة للحد من التركيز في ملكيته.

القيود على رؤوس الأموال
توصي مجموعة الخبراء بفرض شكل من أشكال القيود على رؤوس الأموال على نحو عاجل ومؤقّت – لا للسيطرة على رؤوس الأموال الفاسدة فحسب، كما ينصح الكثيرون، بل أيضاً لتخفيف الضغوط التي تتعرّض لها الليرة اللبنانيّة بسبب هروب الأموال. قد تكون الضوابط الليّنة الحاليّة أبطأت التدفّقات الصادرة، لكنّها تولّد أيضاً حوافز للريع والفساد، ما يسمح بهروب رؤوس أموال الأفراد النافذين فيما يتمّ الحجز على مدّخرات المودعين العاديّين. ويبدو أنّ حوالي 800 مليون دولار خرجت من البلاد في الفترة الممتدّة بين 15 تشرين الأول و7 تشرين الثاني والتي كانت فيها المصارف مقفلة رسميّاً في معظم الأحيان. وتُعتبر القيود الرأسماليّة ضروريّة أيضاً للحفاظ على قاعدة الودائع والسماح بخفض الدين بطريقة عادلة. وينبغي اتّخاذ تدابير موازية للحؤول دون ازدياد الضغوط على سوق الدولار الموازية بشكل مفرط.

لا للخصخصة في ظلّ الأوضاع الراهنة
لا تؤيّد المجموعة الخصخصة في ظلّ الأوضاع الحاليّة. فنظراً إلى تراجع مستويات الثقة والسيولة، ستتمّ الخصخصة بأسعار متدنّية. ومع أنّ بعض عمليّات الخصخصة قد تكون ضروريّة في مرحلة لاحقة، إلا أنّه ينبغي الانتظار ريثما تصبح الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة أكثر استقراراً وتتحسّن آليّات الرقابة والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، إذا جرت الخصخصة الآن ستؤدّي إلى نقل سلطة الاحتكار إلى قطاع خاصّ تحتكره أقلية مرتبطة ببعض الدوائر السياسية النافذة.

الحاجة إلى تدابير اجتماعيّة
توصي مجموعة الخبراء أيضاً بوضع تدابير اجتماعيّة على الفور من أجل مساعدة الفئات الأكثر عرضة لآثار الأزمات على التأقلم مع الأوضاع الحاليّة والمتغيّرة. فبحسب التقديرات، قد يؤدّي انخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة بنسبة 30% على ارتفاع نسبة الفقر لتطال أكثر من 50% من السكّان (تقديرات البنك الدوليّ الأخيرة). ويتطلّب هذا الخطر المحدق تدابير متعدّدة تشمل ما يأتي: إجراء تعديلات تلقائيّة على الأجور ومعاشات التقاعد عندما ترتفع أسعار الاستهلاك بنسبة تتخطى الـ 10%؛ واستبدال البرامج الصحيّة الحكوميّة وشبه الحكوميّة الكثيرة بنظام صحيّ موّحد؛ وتقوية وتوسيع شبكات الأمان التي تحمي الفقراء؛ واتّخاذ إجراءات عاجلة لتحسين التعليم الرسميّ والمهنيّ. فضلاً عن ذلك، قد يؤدّي خفض سعر الفائدة إلى إفقار الكثير من أفراد الطبقة الوسطى الذين خرجوا من سوق العمل وبات مدخولهم يعتمد على إيرادات الفوائد. وسيكون من اللازم مساعدة هؤلاء الأفراد على التكيّف مع الظروف الاقتصاديّة الجديدة من خلال إعداد برنامج لمساعدتهم على العودة إلى سوق العمل، بالإضافة إلى اتّخاذ التدابير الهادفة إلى زيادة النموّ.

وضع آليّات موثوقة للرقابة
من الضروريّ الإسراع في تحسين آليّات الرقابة الحكوميّة التي تعرّضت للفساد والضعف مع الوقت. لهذه الغاية، ينبغي التأكّد من استقلاليّة القضاء، وتقوية ديوان المحاسبة، ودعم صلاحيات ادارة المناقصات بهدف إجراء مناقصات شفّافة وتنافسيّة للعقود الحكوميّة كافةً، وتفعيل الهيئات الناظمة في قطاعي الكهرباء والاتّصالات. بالإضافة إلى هذه الإصلاحات التي ستساهم في مكافحة الفساد، من الضروري اليوم وضع آليّة واضحة لاستعادة الأموال العامّة المنهوبة وتقييم المشاريع المموّلة من القطاع العامّ والتدقيق فيها لكشف الانتهاكات.

لكنّ هذه التدابير ستستغرق وقتاً لتعطي ثمارها. وتوصي مجموعة الخبراء بإنشاء آليّة رقابة مشتركة لأداء الحكومة (تتضمن مصرف لبنان). فبغية استعادة ثقة المواطنين والمواطنات، يتعيّن على صنّاع السياسات تحسين طريقة تواصلهم مع الرأي العام وإتاحة الحصول على المعلومات، بما في ذلك من خلال تفعيل القانون الجديد المتعلّق بحق الوصول إلى المعلومات. في السياق نفسه، توصي المجموعة بالتشاور مع أصحاب المصلحة الرئيسيّين بهدف التوافق على حزمة الإنقاذ، بما في ذلك مع المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ وجمعيّات رجال الأعمال والنقابات والاتّحادات العماليّة المستقلّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ.
لبنان بحاجة ماسّة إلى الدعم الخارجيّ
يمكن للدعم الخارجي أن يشكل دعمًا قيّمًا لهذه الجهود. فالدعم الماليّ العاجل على المدى القصير يزيد من الاحتياطيّات الأجنبيّة ويساهم في استقرار الليرة اللبنانيّة ويحول دون انهيار سعر الصرف. ويؤدّي الدعم على المدى المتوسّط إلى تخفيف المعاناة الاجتماعيّة المرتبطة بالإصلاحات الضروريّة. ويمكن أن تؤدّي الالتزامات الدوليّة الحاليّة دوراً مفيداً في تحسين فرص النموّ. لكنّ هذه الالتزامات تحتاج إلى تعديل وتكييف مع الوضع الحاليّ، بما في ذلك توفير مزيد من الدعم للتدابير الضروريّة على المدى القصير، ومناقشة الرغبة في إنشاء برنامج لصندوق النقد الدوليّ داعمٍ للبنان ومصمّم خصيصاً له.

دعوة للتحرّك المسؤول الآن
ينبغي أن تتشكّل حكومة ذات مصداقية وأن تقوم على الفور بإجراءات عديدة لاكتساب الثقة والحدّ من المخاطر الكارثيّة التي تلوح في الأفق. على الحكومة الجديدة البدء في سد فجوة الثقة بين الدولة وشعبها، وكذلك مع المجتمع الدولي، واتخاذ القرارات المصيرية اللازمة للحفاظ على المصلحة العامة. سوف تتطلب الإصلاحات المطلوبة عملاً جريئا ومستدامًا، وقدرة على إجبار الجهات الفاعلة المحلية التي تتمتع بالقوة على الامتثال. فالاعتماد على مصرف لبنان وحده لاتّخاذ القرارات الحاسمة الضروريّة في الأيّام والأسابيع المقبلة لا سيّما في ما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية هو تصرّف غير مسؤول. لذلك، من الضروريّ أن تشكّل حكومة تصريف الأعمال مجموعة عمل لمعالجة الأزمة تضمّ خبراء ماليّين وقانونيّين بالإضافة الى القدرات المؤسساتية والوسائل القانونيّة للعمل على المسائل الأكثر إلحاحاً التي لا يمكن أن تنتظر.

نظم اللقاء كل من المركز اللبناني للدراسات (LCPS)، ومرصد الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط، ومبادرة الإصلاح العربي، وقد حضره الموقعون التالية أسماءهم: جوزيف باحوط، كمال حمدان، نديم حوري، إسحاق ديوان، سيبيل رزق، نسرين سلطي، جاد شعبان، نزار صاغية، كريم ضاهر، سامي عطاالله، جورج قرم، زياد ماجد، ومها يحيى
تهدف المبادرة التي تستند اليها الوثيقة إلى ان تكون شاملة وتشجع على التعليق وتقديم الملاحظات على الأفكار المقترحة.
يمكن إرسال الملاحظات والتعليقات إلى [email protected] أو [email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى