تنامي سوق الكتب الصوتية بعد تراجع القراءة والكتاب الورقي

بفعل سيطرة هواتفنا الذكية على جُل أوقات فراغنا، قلما يجد أحدنا بعض الوقت لتصفح وقراءة الكتب الورقية، بل حتى صارت تلك الأوقات والطقوس الجميلة التي نقضيها في قراءة رواية أو مطالعةً كتاب ما، قصصًا تروى.

فكرة الكتب المسموعة أو الكتب الصوتية التي يطلق عليها “Audiobook” تعود لثلاثينيات القرن الماضي، وكثيرًا ما كانت تستخدم كوسيلة تعليمية في المدارس والمكتبات، وكانت تباع على إسطوانات أو أشرطة “كاسيت”، وفي العقد الأخير من القرن الماضي بدأت الحياة تدُبُ من جديد في الكتب الصوتية التي لاقت استخدامًا كبيرًا في أوساط شريحة واسعة بعد ظهور أقراص DVD ومشغلات MP3. والآن بعد انتشار الهواتف الذكية صار الناس يستمعون إليها في أثناء التنقل أو ممارسة الرياضة أو إنجازهم مهمة أخرى.

يعد وجود الكتب الصوتية نعمةً كبيرةً لأولئك الذين يعانون من ضعف أو فقدان البصر، وهي مفيدة أيضًا لأي شخص آخر يعشق القراءة ولكنه لا يستطيع العثور على الوقت المناسب. وفي قطاع التعليم انتشرت الكتب الصوتية بشكل كبير، فوفقًا لرويترز، يتمتع قطاع تعلم اللغة بإيرادات ضخمة، حيث من المتوقع أن يصل حجم السوق العالمية لتعلم اللغة الإنجليزية إلى 22000 مليون دولار بحلول عام 2024.

كتاب مسموع وآخر مقروء
رغم انتشار الكتب الصوتية بشكل كبير في الفترة الأخيرة، قد يتساءل البعض: هل الاستماع إلى كتابٍ ما يشبه قراءته ويعود للمستمع بنفس الفائدة؟ للإجابة عن هذا السؤال قامت بيث روغوفسكي، أستاذة بجامعة بلومبرج في بنسلفانيا، بتجربة لمعرفة تأثير الكتب الصوتية.

حيث قسمت بعض الطلاب إلى ثلاث مجموعات، وطلبت منهم قراءة جزء من كتاب عن الحرب العالمية الثانية، المجموعة الأولى قرأت الكتاب على قارئ إلكتروني، والمجموعة الثانية استمعت إلى الكتاب، والمجموعة الثالثة استمعت وقرأت الكتاب بنفس الوقت، بعد ذلك خضع الجميع لاختبار لمعرفة مدى امتصاصهم للمادة، وكانت النتائج جميعها شبه متقاربة ولا يوجد اختلاف بيّن.

الكتب الصوتية

أما الفرق بين الكتاب المطبوع والمسموع، فأثبت دانييل ويلينغهام، أستاذ علم النفس بجامعة فيرجينيا، أن الكتب المطبوعة تكون أفضل من المسموعة، فمن السهل جدًا العودة والعثور على النقطة التي حددها القارئ، خاصة إذا كان القارئ يحاول فهم نص معقد، فالقدرة على التراجع السريع وإعادة النظر في المواد قد تساعد في التعلم، ومن المحتمل أن يكون ذلك أسهل في أثناء القراءة مقارنة بالاستماع، يقول ويلينغهام: “طي صفحة كتاب يمنحك أيضًا استراحة بسيطة، قد يؤدي هذا التوقف المؤقت إلى توفير مساحة لعقلك لتخزين المعلومات التي تستوعبها”.

شارك دانييل في تأليف دراسة أجريت عام 2010 ووجد أن الطلاب الذين استمعوا إلى درس كان أداؤهم أسوأ في اختبار الفهم من الطلاب الذين قرأوا الدرس نفسه على الورق.

كذلك قد يكون هناك بعض “العقبات” التي تعيق التعلم من المواد الصوتية، كما يبين ويلينغهام في دراسته أنه لا يمكن للمستمع تسليط الضوء على شيء ما، ولا تتضح الكثير من الإشارات الموجودة في الكتب كالتي تظهر في الكتب المدرسية مثل اختلاف لون الخط.

لكن الكتب الصوتية لديها أيضًا بعض نقاط القوة، يقول ويلينغهام: “البشر يتقاسمون المعلومات شفهيًا لعشرات الآلاف من السنين، في حين أن الكلمة المطبوعة اختراع متأخر جدًا عن السماع”.

 

الذكاء الاصطناعي يطوّر الكتب الصوتية
كأي تقنية حديثة، يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنية الكتاب الصوتي بشكل كبير وفي مجالات مختلفة منها:

أتمتة السرد السمعي

رغم أن الذكاء الاصطناعي بعيد عن تقليد الأداء البشري حتى الآن، فإنه قادر بالفعل على تقليد الكلام البشري، كما يساعد الذكاء الاصطناعي على تطوير تقنيات تحويل النص إلى كلام مثل التسجيلات الصوتية الطبيعية.

يعتبر برنامج NaturalReader الذي يحول النص إلى كلام مجاني عبر الإنترنت، أحد تلك الأدوات الرائعة المستخدمة في توليد تسجيلات صوتية شبه طبيعية، ويسمح برنامج Animaker للمستخدمين بتخصيص تسجيل الكلام الذي أنشأه الذكاء الاصطناعي من خلال إدخال توقف مؤقت وأنفاس قصيرة لجعله يبدو وكأنه شخص حقيقي يتحدث.

لقد تمت معالجة عملية تحويل النص إلى كلام كأنه إنسان بواسطة عمالقة التكنولوجيا لفترة من الوقت الآن، حيث عملت كل من Apple وGoogle وMicrosoft وAmazon على جعل أصوات مساعديهم الصوتيين أكثر إنسانية.

إنشاء ملخصات قصيرة للكتاب الصوتي

مع الذكاء الاصطناعي، يمكن لمنصات مثل Amazon وAudible استخدام الذكاء لإنشاء ملخصات قصيرة من الكتب للأشخاص الذين لا يرغبون في قضاء ساعات طوال يقرأون كتابًا، يدل على ذلك وجود منصات مثل Blinkist التي جمعت مؤخرًا 18.8 مليون دولار من التمويل، بسبب توافر الطلب على إصدارات قصيرة من الكتب، ويمكن أن تكون فرصة ممتازة للكتاب المسموع.

AISummarizer هي أداة مجانية على الإنترنت يمكنك لصق النص فيها والحصول على نسخة ملخصة، يتيح للمستخدم اختيار مقدار النص الذي ينبغي تخفيضه على أساس النسبة المئوية.

اختيار لهجة الراوي والتكيف الصوتي

ماذا لو كنت تريد صوتًا مألوفًا يقرأ الكتاب لك؟ هناك طريقة لذلك من خلال الذكاء الاصطناعي، حيث أجرت بلومبرج حديثًا مقابلة مع فريق Lyrebird، وهي شركة ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي لاستنساخ الأصوات البشرية، ولتحقيق ذلك، يستخدمون تقنية التعلم العميق لتحليل تسجيل صوتي مدته دقيقة واحدة وإنشاء نسخة من الذكاء الاصطناعي يمكن معالجتها للتحدث بأي نوع من النصوص التي تُغذى بها.

مساهمة الناشرين في تطوير الكتب الصوتية
لم يكن للكتب الصوتية أن ترى النور لولا مساهمة الناشرين ودعمهم لذلك، حيث تشير الإحصاءات إلى توجه الخمسة الكبار – دور النشر العالمية الكبيرة – إلى الكتب الصوتية لما توفره من مجال عمل جديد، وفرصة جديدة للدخول للعالم الرقمي.

إحصاءات
تعد صناعة المحتوى الصوتي صناعة مزدهرة وتنمو بصورة سريعة، حيث بينت الإحصاءات أنها نمت بنسبة 21.5% في الفترة بين 2016-2018، وبلغت مبيعات الكتب الصوتية في الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة 2.5 مليار دولار، وباع الناشرون الأمريكيون عام 2018 وحدها ما قيمته 940 مليون دولار، أما المستمعون فكانوا من فئة الشباب، حيث بلغت نسبتهم 50% من إجمالي المستمعين، وأن أكثر الكتب مبيعًا كانت كتب الخيال العلمي والألغاز والإثارة.

 

وعليه،فسوق الكتب المسموعة آخذة في الارتفاع، وسرعان ما يريد المنافسون أن يبرزوا بميزات فريدة، سواء كانوا يقدمون طرقًا جديدة للاستمتاع بالكتاب الصوتي أم لمجرد تعزيز عملية الإنتاج، لذا فإن خوارزميات الذكاء الاصطناعي لديها الكثير لتقدمه لهذه الصناعة، ومن المرجح أن تلعب تقنية المنزل الذكي دورها في نشر الكتب الصوتية، حيث يمكن للناس الآن الاستماع إلى الكتب المسموعة في جميع أنحاء المنزل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى