أبوللو غزة..

فيلم وثائقي عرضته الملكية للأفلام بحضور المخرج السويسري

*يبدو المخرج السويسري هنا وكأنه متأثر بفيلم “اف فور فيك” لاورسون ويلز الذي يناقش مفهوم “الواقع والخيال ضمن لعبة الحقيقة والخداع”، حيث يبدأ المخرج ” “نيكولاس واديموف” قصته المتداخلة المعقدة والغامضة على شاطىء البحر بغزة، حيث التقى بصياد بائس بالعام 2013 وأخبره بأنه وجد ما بدا له تمثالا مغمورا لأبولو (اله الفنون والشعر اليوناني)، فخشي في البداية ما توقع انه رأى رجلا غارقا، ثم كافح لاخراج التمثال من الماء على عربة يجرها حصان الى منزله.
*ابتهج الرجل ذي ال29 عاما الذي يعمل صيادا بجد من اجل لقمة العيش اليومية، واكتشف بعد قطع احد الأصابع أنه مصنوع من البرونز وليس الذهب كما كان يعتقد، وأدرك ان قيمته تكمن بقدمه السحيق الذي يتجاوز ربما ال2500 عام، ثم سلم التمثال مستسلما ويائسا لرجال حماس العساكر، معتقدا بسذاجة بأنه قد حفظ الأمانة بنزاهة وبأنهم سيكافئونه بدورهم، ولكن بدلا من ذلك اختفى التمثال وذاب ولم يراه احد او يعرف مصيره بعد ذلك الحين!
*ثم نراه يتحدث بحرج ويتجنب الحديث عن التمثال ومعاناته الشخصية تجنبا لجذب انتباه المسؤولين او للحكومة الاسرائيلية المتغولة، التي كانت كعادتها تطارد وتفتش شبابا فلسطينيين يصطفون امام جدار، بعد هدنة قسرية جديدة أوقعت اشتباكات سقط فيها شهداء جدد من غزة …
*تم تصوير هذا الشريط بشكل هش متقطع مليء بالصور البراقة الهادئة بدلا من الصور الوحشية لحالة احتقان في ظل حصار واحتلال صهيوني غاشم وكاتم، وعبرت الموسيقى التصويرية عن اجواء الترقب والاحتقان، وأتحفنا المخرج المتمرس بلقاءآت متقطعة ذات دلالة مع كل من رجال الدين المطلعين والمثقفين الوطنيين والخبراء والحرفيين المتخصصين والمسؤولين البيروقراطيين.
*ثم نرى امراة فلسطينية محجبة مثقفة تشعر بالغبطة والسعادة وهي تصف مرأى ابولو وعظمة شكله وعضلاته الرجولية المشدودة وكأنها تتغزل بالاله اليوناني القديم…ولكن المخرج يشير من طرف خفي لامكانية تخبئة التمثال في نفق ما كرهينة وربما تم تدميره بقصد من قبل الاصوليين، او ربما اعيد بيعه من قبل تجار الآثار الجشعين وهرب للخارج لجامعي التحف الأثرية الشغوفين!
*تكثر الاشاعات فربما وجد البدو التمثال في الداخل والقوه بالبحر للتخلص منه، وربما سعى شخص ما لتهريبه عبر أحد الأنفاق من مصر، وربما يحتجزه نشطاء حماس كرهينة ذات قيمة كبيرة، بينما تسعى مديرة المتحف الاسرائيلي للحصول عليه وعرضه ضمن الآثار، فيما نرى مكانا يشبه ما تبقى من متحف تجميع فلسطيني تكوم فيه الاثار، ونسمع شخصا وطنيا حريصا على ضم التمثال للمجموعة بالمقابل، ونستلهم الأمل من الوعي الحضاري الوطني للفلسطينيين الصابرين في ظل حصار واحتلال صهيوني غاشم ومتغول وكاسح.
*بدا وكان العروض المالية المجزية تنهال على غزة وخاصة من فرنسا وكندا لاستعادة التمثال المفقود، وبدت غزة وكأنها قد تحولت لصخور “مالطية متوسطية”، وكاد الصياد المسكين يفقد الأمل بجائزة تغير له نمط حياته البائس ومستوى معيشته المضني…في الخلاصة فأبوللو القابع بمكان ما سري هو ملك لغزة فلسطين الأبية، ولا يمكن تسعيره او بيعه فهو قطعة أثرية مقدسة، كما يقول مثقف غزاوي شجاع، فيما وضح المخرج المتحمس أثناء النقاش (بعد العرض) بأن تمثال أبوللو هذا يساوي ما يتراوح من 50 ال 100 مليون دولار
*في نهاية المطاف فان “أبوللو غزة” يدور حول الحقيقة والشائعات كما تقول احدى الشخصيات، وكلاهما يقود لنفس الاتجاه والدوار، ولكن حقيقة وجود التمثال واختفائه تكشف لنا الحالة الاسطورية لأشخاص يشعرون بالضياع والاضطهاد والمعاناة نتيجة حصارهم في سجن اسرائيلي كبير، وسواء كانت الرواية حقيقية او مجرد مبالغة واوهام، وسواء كان التمثال محتجزا بغزة او في مكان خفي ما بفرنسا، فقصة ايجاده تعتبر هنا رمزا وطني قويا للتطلعات والأمل ببزوغ فجر الحرية والاستقلال لشعب أبي محاصر ومحتل ومنسي ومناضل…ا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى