يد دمشق هي العليا.. ابعاد وخلفيات تشكيل اللجنة الدستورية السورية

بعد مناقشات ومشاورات طويلة بين الأطراف المعنية بالنزاع السوري من خلال وساطة ودور الأمم المتحدة، أخيراً أعلن الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” يوم الاثنين عن تحديد ترکيبة أعضاء اللجنة الدستورية السورية، في سياق الحل السياسي للأزمة في هذا البلد وبموافقة الحكومة السورية.

بعد الإعلان عن هذا الخبر ومع مرور الوقت، وافقت الحكومة السورية وكذلك روسيا وإيران وتركيا باعتبارها الدول الثلاث الضامنة لمحادثات “أستانة” علی ذلك، وأعربوا عن ارتياحهم للتسريع في عملية تشكيل اللجنة الدستورية.

عملية وهيكل تشكيل اللجنة الدستورية

تستند مسألة تشكيل اللجنة الدستورية السورية أساسًا إلى نتائج محادثات جنيف، حيث دعت إلی تشکيلها الحكومات الغربية والعربية المعارضة لدمشق في الغالب في السنوات الأولى من الحرب السورية، مع التركيز على وضع الأسس لإسقاط النظام القانوني السوري، مع ذلك وبسبب معارضة دمشق وحلفائها الذين أكدوا على أولوية محاربة الجماعات الإرهابية وإحلال السلام والاستقرار في البلاد،لم تنجح هذه الخطة لفترة طويلة.

في أواخر عام 2015 وفي ديسمبر، اعتمد مجلس الأمن الدول وفي اتفاق جری التوصل إليه بين القوى المتصارعة في الحرب السورية، وخاصةً الولايات المتحدة وروسيا، القرار ۲۲۵۴ بالإجماع بعنوان “خارطة الطريق لعمليات الانتقال السياسي في سوريا”.

يدعم القرار صياغة دستور سوري جديد يتوافق مع المعايير الدولية لمدة ثمانية عشر شهراً تحت رعاية الأمم المتحدة. لكن منذ ذلك الحين، حالت الخلافات بين المعارضة وحكومة دمشق حول ترکيبة تشكيل اللجنة الدستورية وآليتها وتوزيع المسؤوليات بين أعضائها، دون تنفيذ القرار.

كانت محادثات أستانا وسوتشي بمبادرة إيران وروسيا وتركيا علامةً فارقةً في عملية تشكيل اللجنة الدستورية، والاقتراب من العملية السياسية لحل الأزمة في سوريا.

في يناير 2018، وفي اجتماع استضافته موسكو، تم التوصل إلى اتفاق لتشكيل لجنة مکونة من 150 عضواً لصياغة دستور سوري جديد. كما تم التوصل إلى اتفاقات أولية لتقديم قوائم من 50 شخصاً من الحكومة في دمشق ومعارضيها.

وزير الخارجية السوري “وليد المعلم” أكد علی هذه النقطة، وأعلن أنه بعد تشكيل لجنة من 150 شخصاً، سوف تتألف لجنة أصغر من 45 عضواً، 15 منهم من الحکومة، و15شخصاً ينتمون إلى المعارضة، و15 من المجتمع المدني.

وفي وصف الآلية وكيفية عمل هذه اللجان، قال المعلم: ستجتمع اللجنة الكبيرة مرةً واحدةً في جنيف، ثم في ضوء التقدم الذي تحرزه اللجنة الصغيرة، سيتم رفع طلب لعقد اجتماع، وکلما تقدمت اللجنة الصغيرة في نشاطها، فسيتم استدعاء اللجنة الكبيرة للموافقة على إنجازاتها.

وفي توضيح آخر، أعلن المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة “يحيى العريضي” في يوليو من هذا العام، أنه بناءً على الاتفاقات التي تم التوصل إليها، فإذا نشأت خلافات داخل اللجنة حول قرار ما، فإن حل هذه المشكلة يتطلب 75 في المئة من الأصوات، أي 113 صوتاً (بأغلبية ثلاثة أرباع).

يد دمشق العليا في المعادلات

كما قيل، إن الحكومة السورية وعلى مدى السنوات الماضية، من خلال الصمود أمام المطالب المغرضة للدول المعادية والداعمة للجماعات الإرهابية، قد أعطت الأولوية لهزيمة الإرهاب وإعادة الأراضي المحتلة لسيادة الدولة.

كما في نوفمبر من العام الماضي، اتهمت دمشق عن طريق إرسال رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا “ستيفن ديميستورا”، بممارسة الولاية على السوريين، من خلال السعي لتشكيل لجنة دستورية، ووضعت أربعة شروط لتشكيل هذه اللجنة، بما في ذلك فرض جدول زمني محدد لها.

في هذه الظروف، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما سبب مشاركة دمشق في تشكيل اللجنة الدستورية مع قبول تدخل الأمم المتحدة (التي لم تكن على الإطلاق طرفًا محايدًا في سنوات الأزمة السورية)، وذلك في حين أن لدمشق اليد العليا في المعادلات الميدانية بشکل کامل؟

للإجابة على هذا السؤال، يمکن النظر إلی عدة قضايا تشير إلى مساهمة دمشق في اللجنة الدستورية من موقع القوة.

أولاً، أعلنت سوريا أنها ستحتفظ بحقها في مواصلة مكافحة الإرهاب بنشاط، وتطهير جميع المناطق من الإرهابيين. في هذا الصدد، قال “وليد المعلم” وزير الخارجية السوري في مقابلة مع القناة التلفزيونية السورية: لا تزال الحرب مستمرةً في سوريا، وسنواصل عملياتنا العسكرية حتى تحرير كل أرضنا، وهذا لا يتعارض مع الدستور.

من ناحية أخرى، قللت دمشق قدر المستطاع من التدخل الخارجي في تشكيل اللجنة، بحيث لا يؤثر علی الإرادة العامة للشعب السوري، كما أن الأشخاص ال 50 المدرجين على قائمة الأمم المتحدة المقترحة أيضاً، سيتم تحديدهم بالاتفاق مع سوريا.

وفي هذا السياق، أضاف رئيس الدبلوماسية السورية: نحن لا نقبل بالأفكار والجداول الزمنية التي تملی علينا من الخارج حول نشاط اللجنة، ولن نسمح أبدًا لأي شخص بالتدخل في دستورنا.

من جهة أخرى، وعلى عكس ما حدث في الماضي عندما وضعت محادثات جنيف الأساس للجنة الدستورية، فإن تشكيل هذه اللجنة يتم الآن وفقاً لاتفاقيات أستانة وفي تنسيق تام مع دمشق، كما أعلن الرئيس السوري “بشار الأسد” بالأمس خلال لقائه “علي أصغر خاجي” كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية: لقد تشكلت اللجنة الدستورية السورية على الرغم من كل المشاكل التي سبَّبها مؤيدو الإرهاب، وكانت هذه علامة على تعاوننا الناجح.

الأكراد الخاسرون الرئيسيون للمعادلة

من المؤكد أن أحد أهم جوانب تشكيل اللجنة الدستورية السورية، هو مشاركة الأكراد القاطنين في المناطق الشمالية المتمتعة بالحكم الذاتي في سوريا، والذين ليس لديهم أي تمثيل في القوائم الثلاثية.

في هذا الصدد، أعلنت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أنها لا تهتم بنتائج تشكيل اللجنة الدستورية السورية، لأن الأكراد كانوا قد تعرضوا للتهميش ولم يكن ممثلوهم موجودين في تشكيل اللجنة.

يشار إلی أن الإدارة الذاتية للأكراد التي أعلنت عن وجودها في عام 2016، تسيطر على معظم مناطق الفرات الشرقية بعد زوال داعش، وتتلقى الدعم العسكري واللوجستي من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

في المحادثات السابقة في سوتشي وأستانا، كانت تركيا هي العامل الرئيسي المعارض لوجود ممثلين أكراد في اللجنة الدستورية.

مع ذلك، فإن الأكراد الذين يتطلعون إلى الولايات المتحدة للحصول على دعم عسكري وسياسي للحفاظ على المناطق التي يسيطرون عليها، قد فقدوا خلال الأشهر القليلة الماضية فرصاً ذهبيةً للاتفاق مع الحكومة المركزية واحدةً تلو الأخرى، حتى أن موسكو يبدو أنها قد أوقفت الآن جهودها لإشراك الأكراد في اللجنة الدستورية.

وفي هذه الحالة، بالطبع، سيکون الأكراد هم الخاسرون الأكثر أهميةً في اللجنة الدستورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى