اليمين الاوروبي يحقد على المسلمين جراء تحويل كنائس الى مساجد
في رد عنيف على ظاهرة قيام الجاليات الإسلامية في ألمانيا بشراء كنائس وتحويلها مساجد، ومراكز دينية إسلامية، استفاقت أحياء مدن تقطنها مجتمعات عربية وإسلامية على منشورات وملصقات تحمل الصليب المعكوف وعبارة “غزوكم لبلادنا سوف يفشل”.
فقد انتشرت خلال السنوات الأخيرة في ألمانيا وأوروبا ككل، ظاهرة شراء الكنائس التي تغلق أبوابها من قبل جمعيات عربية وإسلامية وأثرياء عرب ومسلمين وتحويلها إلى مساجد، باعثين الروح في جدل قديم حول ما يسمى أسلمة أوروبا، ومثيرين سخط الجماعات الشعبوية والتيارات القومية المتشددة وغضبها وعنفها، إضافة إلى إثارة مشاعر وهواجس الخوف والقلق في نفوس المواطنين العاديين. حيث تشير بيانات رسمية إلى أنه في بريطانيا وحدها، تغلق 20 كنيسة أبوابها سنوياً، وأن 200 كنيسة في الدنمارك أغلقت أبوابها مع حلول منتصف عام 2015، بينما أقفلت 515 كنيسة أبوابها في ألمانيا خلال الأعوام العشرة الأخيرة.
ووفقاً لتوقعات زعماء الطائفة الكاثوليكية في هولندا، فإن 1600 كنيسة أي ثلثي الكنائس سيتم إغلاقها في الأعوام العشرة المقبلة، فيما أعلن زعماء الطائفة البروتستانتية عن توقعات بإغلاق نحو 700 كنيسة أبوابها خلال 10 أعوام.
لقد أفردت وسائل إعلام ألمانية رصينة مثل “دير شبيغل” و”تاغس شبيغل”، مساحات واسعة من صفحاتها لقضية شراء المسلمين كنائس وتحويلها مساجد، وبلغة حيادية معتمدة على المعطيات والأرقام، وهو عكس ما نشره رواد شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات ومواقع تابعة لأحزاب يمينية متشددة، واتخذت نهجاً تصعيدياً مستخدمة مفردات تحريضية. ونشر موقع Anonymous، الذي يربطه كثيرون بروسيا، مقالة تحت عنوان “الأسلمة في ألمانيا”، مشيراً إلى أن “هذه العملية تخطو خطوات سريعة: كنائس تصبح مساجد”. وقال إن “أجراس الكنائس في خمس مناطق في محيط مدينة آخن صمتت، لتخلي مكانها لأصوات مكبرات المساجد تؤذن للصلاة”.
وأظهرت نتائج أبحاث أجرتها جامعة “جورج تاون” الأميركية عام 2012 أن عدد مرتادي الكنائس في اوروبا يتضاءل، فيما يزداد عدد الملحدين، ما يؤدي إلى إغلاق الكنائس. وأوضحت دراسة أعدها معهد الرأي العام الفرنسي أن 4.5 في المئة فقط من الفرنسيين، يذهبون إلى الكنائس بانتظام، و71 في المئة منهم، لا يعتبرون الدين عنصراً مؤثراً في حياتهم.
انحسار في التدين وتزايد الإلحاد
تفيد بيانات وإحصاءات أعدها مركز الأبحاث الاجتماعية الأوروبية عام 2012، بأن 49 في المئة من الشعب الايرلندي يزورون الكنائس بشكل منتظم مرة في الأسبوع. في المقابل، يتردد 39 في المئة من الإيطاليين على الكنائس بشكل منتظم، فيما تصل نسبة زائري الكنائس في إسبانيا إلى 25 في المئة، وفي بريطانيا 21 في المئة، وفي ألمانيا 11 في المئة، وفي الدنمارك 6 في المئة. يتضح من دراسة أجراها مركز “بيو” الأميركي للأبحاث Pew Research Center، حول الإلحاد في العالم نُشرت نتائجه في 12 أيار/ مايو 2015، أنّ عدد البالغين من سكّان الولايات المتّحدة الأميركيّة من المتدينين المسيحيين تراجع على مدى الأعوام السبعة المنصرمة، وتحديداً بين 2007 و2014، من 78.4 إلى 70.6 في المئة، وهو ما نتج أساساً من الانخفاض في أعداد الكاثوليك والإنجيليّين (البروتستانت). في الوقت نفسه، زاد عدد الملحدين، في المدّة نفسها، نحو 6 في المئة، ليصل إلى 22.8 في المئة من السكّان، علماً أنّ عدد المسيحيّين في الولايات المتّحدة لا يزال أكبر من أيّ دولة أخرى، ما دامت النسبة تصل إلى 7 مسيحيّين من أصل 10 أميركيّين.
خريطة الأديان في العالم
وكشفت دراسة أخرى كان المركز أجراها عام 2013 حول خريطة الأديان في العالم، شملت 230 بلداً، أنّ 84 في المئة من سكّان العالم متديّنون، ما يشكّل نسبة 5.8 مليارات شخص من أصل 6.9 مليارات نسمة. وصنّف المركز العالم في 8 مجموعات دينيّة، فاحتلّت المسيحيّة المجموعة الدينيّة الأولى، ممثلة 31.5 في المئة من السكّان، بعدما كانت قبل سنوات 35 في المئة؛ واحتلّ الدين الإسلامي المرتبة الثانية، 1.6 مليار شخص، أي بنسبة 23.2 في المئة. في المقابل يُعتبر اليهود أقلّ المجموعات الدينيّة عدداً بنسبة لا تتعدّى 0.2 في المئة، فلا يتجاوزون 15 مليون شخص في أنحاء العالم. كما ذكرت الدراسة أنّ 6 في المئة من سكّان العالم، أي حوالى 400 مليون شخص، يعتنقون الديانات الشعبيّة المختلفة، منها الأديان الأفريقيّة والصينيّة التقليديّة والأديان المنتشرة في أميركا وأوستراليا وغيرهما.
ورد كذلك أنّ الملحدين يشكّلون ثالث أكبر المجموعات في العالم بعد المسيحيّة والإسلام، فكشفت الدراسة عدم انتساب 16.3 في المئة من سكّان العالم، أي نحو مليار و100 ألف شخص، إلى أيّ ديانة، كما أظهرت أنّ نحو 52 في المئة من الملحدين في العالم يعيشون في دولة واحدة، هي الصين.
أبرزت الدراسة أيضاً أنّ عدد الملحدين بلغ 76 في المئة من مجموع السكّان في تشيكيا، و71 في المئة في كوريا الشماليّة، و59 في المئة في إستونيا، و57 في اليابان.
دراسة ثالثة لمركز “بيو” تفيد بأنه بحلول عام 2070، سيصير عدد المسلمين حول العالم أكبر من عدد المسيحيين، ويرجع ذلك إلى التغيرات الديموغرافية في العالم. ونشرت الصحيفة الألمانية “دي فيلت” مؤشرات هذه الدراسة ومفادها أن “وراء معدلات المواليد المرتفعة لدى المسلمين حسابات سياسية وإستراتيجية، يسعون من خلالها إلى فرض سيطرتهم الكاملة وسيادتهم على العالم”.
يتضح من الدراسة أن “هذا الترتيب لن يستمر طويلاً، فقد قام باحثون سكانيون في المركز على مدار ستة أعوام بتجميع وتحليل الدراسات والإحصاءات السكانية لـ234 دولة وإقليم حول العالم، وأصدروا دراسة من 245 صفحة تتناول توقعات نمو أكبر خمس ديانات على مستوى العالم، وهي المسيحية والإسلام والبوذية والهندوسية واليهودية. وأشاروا إلى أن هناك أسباباً بيولوجية واجتماعية وسياسية تمنع المسيحية من النمو سريعاً على غرار الأمة الإسلامية”.
مدير بحوث ودراسات الأديان في معهد “بيو” الشهير في واشنطن آلان كوبرمان يرجع سبب نمو الإسلام إلى معدلات الإنجاب العالية في المجتمعات الإسلامية، إذ يصل متوسط المواليد للمرأة المسلمة إلى 3.1 طفل لكل امرأة، بينما المتوسط في ألمانيا مثلاً 1.3 طفل فقط لكل امرأة. وتوقع الباحثون المزيد من تحول المسيحيين إلى الاسلام وتزايد اتجاه المسيحيين للالحاد. ويتوقع الباحثون أن تفقد المسيحية حوالى 106 ملايين من معتنقيها بحلول عام 2050، مقابل دخول 40 مليون شخص في المسيحية من خلال تغيير دياناتهم الأصلية؛ وهو ما يعني وجود فارق سلبي يبلغ 66 مليوناً تخسرهم المسيحية حتى عام 2050.
أما في ما يتعلق بانتشار ظاهرة الإلحاد، فقد توقع الباحثون أن تنمو أعداد الملحدين في الدول الصناعية ذات معدلات المواليد المنخفضة في أوروبا وأميركا واليابان، بينما لا يتوقعون انتشار الإلحاد في الدول الإسلامية والتي تصل فيها عقوبة الإلحاد إلى الإعدام.
مجتمعات مسيحية غير متدينة
تراجع اهتمام المسيحيين في أوروبا بالتدين وتدنى تمسكهم بأداء شعائرهم الدينية في الكنائس، وبالتالي هناك انحسار مريع في زياراتهم أماكن العبادة، يقابله نمو سريع في تدين المسلمين في أوروبا وانتشار ملحوظ للتيارات والتوجهات الإسلامية المتشددة، كالسلفية الجهادية. وهذا بدوره ولد الحاجة إلى مزيد من المساجد. وبحسب ما أظهرته دراسة جديدة لمركز “بيو”، فإن عدد المسلمين سيشكل 8 في المئة من إجمالي سكان القارة الأوروبية عام 2030. وتتصدر ألمانيا قائمة الدول الأكثر بيعاً للكنائس وتعد كنيسة “دورتموند يوهانس”، أبرز الكنائس التي اشتراها الاتحاد الإسلامي التركي “ديتيب”، قبل أكثر من 10 أعوام. وتحول اسمها إلى جامع دورتموند، وتبلغ مساحة الكنيسة – الجامع 1700 متر مربع، وتتسع لحوالى 1500 مصلٍّ. واشترى مسلمون كنيسة “كابيرنايوم” في ولاية هامبورغ عام 2012، وحولوها إلى مسجد بدعم من دولة الكويت وتمويلها.
وفي هولندا، اشترت الجاليات الإسلامية والعربية الكثير من الكنائس وحولتها مساجدَ، وفي مقدمتها جامع الفاتح في العاصمة امستردام، وجامع السلطان ايوب في ولاية غرونينغن، وجامع عثمان غازي في ولاية وييرت، وتخضع هذه المساجد لإشراف وقف الديانة الهولندية.
وكشف مؤتمر الأساقفة في فرنسا قبل سنوات عن تحويل 4 كنائس في عموم البلاد إلى مساجد للمسلمين، أبرزها كنيسة دومينيكان في ولاية ليل الشمالية. وفي مدينة كليرمون فيران التابعة لإقليم بوي دي دوم، الواقع جنوب شرقي فرنسا، تم بيع كنيسة القديس يوسف، بسبب قلة المرتادين لأداء الصلوات، واطلق عليها “مسجد التوحيد”.
في نهاية العام الماضي 2018، جرت مراسم افتتاح مسجد النور في مدينة هامبورغ، بعدما اشترى مسلمون مبنى الكنيسة البروتستانية بعد عرضه للبيع على شبكة الانترنت. وكانت كنائس أخرى تحولت خلال السنوات الأخيرة إما إلى مراكز للطائفة العلوية، أو حسينيات ومراكز ثقافية للشيعة، وفي مقدمتها مؤسسة التراث في برلين التي تتبع المرجع العراقي علي السيستاني.
وبحسب تقرير أعدته الإذاعة الألمانية الوطنية ونشره موقع “دويتشه فيلله”، عام 2017 فإن “الكنيسة الكاثوليكية باعت عام 2016 أكثر من 84 كنيسة”، ويمثل الكاثوليك ثلث سكان ألمانيا، يليهم البروتستانت، والثلث المتبقي هم لا دينيون. أما المسلمون فيشكلون حوالى 6 في المئة من السكان، وغالبيتهم من الأتراك.