الدول العربية تخذل باكستان وتتعامى عن المشروع الهندي لضم كشمير

 

مر أكثر من أسبوعين على إصدار الهند قرارًا بتجريد كشمير من الحكم شبه الذاتي الذي تتمتع به وما زالت المنطقة تحت الحصار، فخدمات الهاتف والإنترنت مستمرة في الانقطاع وهناك تقييد للحركة مع اعتقال النشطاء والسياسيين وحتى الأطفال، كما تسير عشرات آلاف القوات الهندية في دوريات بشوارع المدن والقرى.
يعد القرار الهندي بإلغاء المادة 370 – هذا البند الدستوري الذي يمنح كشمير الحكم شبه الذاتي الذي تتمتع به – استفزازًا واضحًا قد يتسبب في إشعال الأجواء جنوب آسيا، ورغم غضب الجمهور الإسلامي حول العالم من هذا القرار وتنديد المراقبين الدوليين به واعتباره دليلاً على اتجاه الهند نحو الاستبداد وتجاهل حقوق الأقليات، فإن ردة فعل قادة العالم العربي كان ضئيلاً للغاية.
استجابة صامتة
بعد 24 ساعة تقريبًا من إعلان الحكومة الهندية بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا للقرار، قال سفير الإمارات العربية المتحدة في نيودلهي إن القرار شأن داخلي، وأضاف أن القرار سيحسن من العدالة الاجتماعية والأمن وثقة الناس في الحكم المحلي ويشجع على الاستقرار والسلام.
ورغم أن استجابة وزارة الخارجية الإماراتية كانت أكثر رصانة، فإن التعليق الأولي للسفير يعد أكثر تمثيلًا لموقف الحكومة حسب رأي المراقبين، أما المملكة العربية السعودية فقد دعت الأطراف المعنية في جامو وكشمير إلى الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة ومراعاة مصالح الناس.
وبينما أصدرت وزارة الخارجية القطرية خطابًا موجزًا تطالب فيه مواطنيها بمغادرة كشمير في ضوء التطورات الأخيرة، إلا أنها لم تتحدث عن القمع في كشمير ولم تعبر عن قلقها بشأن الشعب الكشميري.
بعد محادثة مع رئيس وزراء باكستان عمران خان، قال ملك البحرين -حسب البيان الصادر من مكتب خان – إن بلاده تراقب التطورات في كشمير بقلق بالغ وتأمل أن تُحل جميع القضايا من خلال الحوار، هذا القلق البالغ كان واضحًا عندما أعلنت وزارة الداخلية البحرينية اتخاذها إجراءات قانونية ضد مجموعة من المصلين الذين تظاهروا لدعم كشمير بعد صلاة عيد الأضحى، وبين عشية وضحاها كانت حسابات السوشيال ميديا التي تحدثت عن القضية أو نشرت مقاطع فيديو للاحتجاجات قد اختفت تمامًا.
في الوقت نفسه، أدانت منظمة التعاون الإسلامي – التي تضم 57 دولة إسلامية – فرض الهند قيودًا دينية على المسلمين في كشمير، وهو الموقف الذي قال عنه أكاديمي كشميري بأنه “نفاق” نظرًا لصمت المنظمة المستمر إزاء الإهانات الواسعة التي يواجهها الناس في الوادي.
الآثار الاقتصادية
ليس مفاجئًا غياب القادة العرب عن تلك القضية نظرًا للوضع الاجتماعي المشحون في العالم العربي نفسه، إضافة إلى فشل المنطقة في معالجة اضطهاد مسلمي الروهينجا في ميانمار واستهداف الصين للإيغور والحملة ضد الأقلية المسلمة في جمهورية إفريقيا الوسطى، ثم أزمة اليمن التي تعد موطنًا لأسوأ أزمة إنسانية صنعها البشر بموافقة النخبة الإسلامية في المنطقة.
وبينما تعد “إسرائيل” مهمة للمحور السعودي الإماراتي المصري في قمع الطموح الديمقراطي للمواطنين العرب، فإن الهند والصين أساس اقتصادات الشرق الأوسط، وهناك سياسة تبادلية لتجنب تحدي الشؤون الداخلية لبعضهم البعض، فعندما فرض التحالف السعودي الحصار على قطر عام 2017 قالت الهند إنه شأن داخلي لمجلس التعاون الخليجي، لكنها في الوقت نفسه استمرت في تنظيم الرحلات الجوية بينها وبين قطر.
رغم أن كشمير قضية دولية، فإن الهند تعمل على إقناع شركائها بوضع القضية في إطار “شأن داخلي”، وتعد قوة الهند واضحة للغاية فهي ليست فقط ثالث أكبر مستهلك للطاقة على كوكب الأرض حيث تستورد أكثر من 60% من نفطها من الشرق الأوسط، بل إنها ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات.
هناك إعادة تنظيم للمصالح الجيوسياسية في العلاقة الهندية الخليجية وهي أكثر من مجرد إستراتيجية، فهي تقترب من المحور الإسرائيلي السعودي الإماراتي دون إبعاد إيران، لكن الهند توقفت عن استيراد النفط الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية، وبينما كان لإيران صوت واضح في قضية كشمير إلا أنها أقل اهتمامًا تلك المرة.
تخاذل العرب
في البداية كانت الإجراءات والبيانات العربية تعد ضعفًا ومراوغة، لكنها أصبحت الآن موافقة هادئة للنخبة العربية، ففي الأسبوع الماضي تعمقت العلاقات بين السعودية والهند بعد أن أعلنت “أرامكو” المملوكة للدولة نيتها شراء 20% من أسهم العمليات البترولية لشركة “Reliance Industries” إحدى أكبر شركات الهند.
ستشهد الصفقة تعاونًا بين الرياض والشركة المملوكة لموكيش أمباني أغنى رجل في آسيا، ويُعرف أمباني بعلاقته الوطيدة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ومن المتوقع أن يلعب دورًا مؤثرًا في الغزو الاقتصادي الهندي لكشمير، فبعد مكالمة مع مودي الأسبوع الماضي أعلن أمباني إرساله قوة مهمات خاصة لمعالجة الاحتياجات التنموية في كشمير.
وفي السياق نفسه أعلنت الهند هذا الأسبوع أن الإمارات والبحرين ستستضيفان مودي في زيارات رسمية، وقالت أيضًا إن الإمارات ستمنح مودي وسام زايد – أعلى جائزة مدنية في البلاد -، ورحلته للبحرين هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء هندي.
إن مطالبة السعودية جميع الأطراف بأن يضعوا في الاعتبار مصالح الشعب في المنطقة ثم تذهب بعدها للعمل مع شركة تسعى للاستفادة من هذا الشعب المحاصر، وتقليد الإمارات وسامًا لمودي، واستضافة البحرين له بلا خجل بينما لا يزال مصير مواطني كشمير غير معروف، كل ذلك يوضح إلى أي مدى تتجه السلطات الاستبدادية العربية في تشويه المظالم المشروعة للناس خوفًا من أن يصيبها الأمر ذاته ويتسبب في نهايتهم.
وكما فعلت “إسرائيل” مع فلسطين، تحاول الهند أن تؤطر الصراع في إطار ديني وهي النقطة التي تحدث عنها ترامب وقال إن قمعها ضروري تمامًا مثل الحرب ضد الإرهاب، وقد سهل من انتشار ذلك زيادة المساجد المدعومة من السعودية في الوادي ونشرها الوهابية هناك.
تسبب ذلك في قيام الهند بالجمع بين قادة الحرية والمتطرفين في سلة واحدة ولوم باكستان على تصدير المعارضة، رغم أن الأمم المتحدة وعدت كشمير بحق تقرير المصير، كما أن المعارضة كانت دائمًا من داخل البلاد.
هذه التعليقات الهزيلة اليائسة للنخبة العربية في قضية كشمير، تكشف عدم معارضتهم للمشروع الاستيطاني الاستعماري، بل مشاركتهم كذلك في تطوير الأمر.

المصدر: ميدل إيست آي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى