المهجري الياس فرحات والأفعى الأميركية!

للولايات المتحدة، لجهة التاريخ، عوز وفقر مردَّه أنها مقارنةً بأمم الأرض كمن هي قد ولدت البارحة، ذلك من حيث وجودها كأمة. كما هو معروف، وضع لبناتها الأولى المستعمرون الأوروبيون فقط بعيد اكتشافهم للقارتين اللتين أطلقوا عليهما في حينه الأمريكيتين/ الشمالية والجنوبية.. بدأت بأول بيت في بؤرة استيطانية إنكليزية في العام 1607، أطلق عليها مستوطنة جيمس تاون، والتي باتت فيما بعد المدينة المعروفة الآن في ولاية فرجينيا. أما تأسيسها، أو قيامها كدولة باتحاد خمسين ولاية من ولاياتها آنذاك، فلم يتعد الرابع من تموز 1776.
بيد أنها، ورغم حداثة عمرها هذه، قد امتازت من بين سائر أمم كوننا الراهن بامتلاكها وحدها لسجّلٍ عدوانيٍ حافلٍ وقل نظيره، لجهة ما احتواه و طفحت به مضامينه من سمات دموِّيةٍ رافقت عملية ايجادها، وصاحبت تسيُّدها للمشهد العالمي بعيد الحربين الكونيتين، لتبلغ أوج عتوّها وفجاجتها في حقبة احتكارها لقرار العالم بعيد الانهيار السوفيتي، وصولاً إلى أواخر فصول هذه العدوانية المستفحلة التي يكابدها راهن عالمنا بنسختها الترامبوية، أو ما يتسم به فجورهاً من بدايات تخبّطٍ خطرٍ يشي بالتياثٍ مرده استشعارها أن سطوتها الامبراطورية الكونية قد بدأت شيئاً فشيئاً تذوي وفي سبيلها لأن تؤول إلى الأفول.
سجلِّها العدواني، وهي ابنة البارحة، يرجح بكل ما قد يوصم به كافة عدوانيي تاريخ البشرية قاطبةً من فظائع يندى له جبين الإنسانية.. بدأ بإبادة الأمم الأصلية التي على جماجم ملايينها المبادة بنت وأشادت هذه الولايات المتحدة ولاياتها، ومقابر قاع المحيط الأطلسي التي توزَّعت عظام ملايين المستعبدين الأفارقة الذين قضوا مكبلين في سفن النخاسة التي كانت تجلبهم بعد اصطيادهم من مواطنهم في القارة السوداء مكدَّسين في جوفها لاستعبادهم في مزارع ولاياتها الجنوبية، أو اعدموا لمحاولاتهم الفرار من ربقة عذابات عبوديتهم أيدي اسيادهم البيض.. ومروراً بإسهاماتها الرئيسة فيما حفلت به الحربين الكونيتين اللتين عرفهما العالم من مآسي، الأخيرة وحدها ازهقت أرواح ما قارب الخمسين مليوناً، ومنه، أنها الدولة الوحيدة في تاريخ البشرية التي استخدمت السلاح النووي عندما جرَّبته في إبادة مدينتين يابانيتين كاملتين هما هوريشيما ونجازاكي..
ثم الحرب على الفيتنام، وقبله حرب الكوريتين، إلى راهن حروب الحصارات والخنق الاقتصادي المتنقلة والمتواصلة والتي دفعتها نسختها الترامبوية إلى مدى قياسي وغير مسبوق..
كما وكيف لنا أن نغفل ما توالي من فعائل أياديها السوداء العابثة بلا توقُّف في أحشاء أميركا اللاتينية، التي تعتبرها حديقتها الخلفية، بمعنى وما ملكت أيمانكم، وأفضله نظرتها المعهودة لدول هذه القارة المنكودة بمجاورتها الجغرافية لها والتي لا تتعدى كونها يجب أن تظل مجرَّد جمهوريات موز..
ونشير هنا إلى القليل من الأمثلة التي تكفينا وتعفينا من كثيرها، ومنها، فعائلها في تشيلي الندي، فظائع مسلسلات حروب الكونترا، هذه الرامية لبسط هيمنتها وحماية احتكاراتها السارقة لثروات القارة عبر دعم عملائها وصنائعها ومحاولاتها المعروفة تخليد أحط صنوف الديكتاتوريات فيها.. مروراً بحصار كوبا الإجرامي المديد والمزمن، وصولاً إلى راهن يشهد فيه العالم كله تآمرها وتدخُّلها العدواني الفج، و”على المكشوف”، في فنزويلا البوليفارية ..
هذا فيما يخص كل العالم، أما ما يتعلق بسياساتها العدوانية المستدامة حيال أمتنا العربية وجوارها الإسلامي فحدّث ولا حرج.. وإن اكتفينا بالإشارة إلى بعض ممن هو في سجلّها العدواني إزاء الجوار بإيراد قليل من الأمثلة على غرار ما فعلناه في اشارتنا إليه في اميركا اللاتينية، نبدأ بإجهاض السي أي إيه لحركة مصدَّق وإعادة تابعها الشاة عنوةً إلى عرشه ثانيةً في طهران، ثم ما تلى اندلاع الثورة الإسلامية في إيران من حروب استخباراتية لم تتوقف يرفدها حصاراً اقتصادياً دائماً والهدف هو اسقاط نظام ما بعد والعودة بالبلاد للحظيرة الأميركية، والذي توّج بالانسحاب من اتفاقية الملف النووي الإيراني، وهنا يجب عدم اغفال العامل الصهيوني وهواجس أمن الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة، ومن ثم تجليات تداعيات هذا الانسحاب والتي تلخصها أزمة مضيق هرمز الراهنة.. ومثال آخر هذه الدموية العدوانية الأميركية التي تقطر دماً وتراكم دماراً في بلاد الأفغان التي بدأت مع بداية القرن ولا زالت تتواصل لعامها الثامن عشر، حيث لا توفّر حمم مقذوفات طائرات العم سام المسيَّرة اعراس الأفغان ولا مدارس الباكستانيين المجاورة.
بالنسبة للوطن العربي، أو العدوانية الأميركية التي استحقت عليها واشنطن بامتياز،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى