التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، امس الأربعاء، مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأحد كبار مستشاريه، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، في مكتب رئيس الوزراء في مدينة القدس.
وحضر اللقاء المبعوث الأمريكي للشأن الإيراني بريان هوك، والسفير الأمريكي في اسرائيل ديفيد فريدمان، والسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر.
وجاء اجتماع كوشنر مع نتنياهو بعد أن التقى مع الملك عبد الله الثاني، الأربعاء في عمان، لبحث “الجهود المبذولة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”. على ما أفاد الديوان الملكي في بيان.
وكان كوشنر قد عاد مجددا للمنطقة وفي حوزته مقترح جديد يتمثل في عقد قمة عربية إسرائيلية في كامب ديفيد، ذلك المنتجع الذي ارتبط في الذهنية العربية باتفاق السلام الذي وقعته مصر مع إسرائيل.
فقد قام كوشنر امس الأربعاء بزيارة لإسرائيل والأردن في إطار جولة جديدة بالمنطقة تشمل مصر والسعودية والإمارات وقطر، في سياق الترويج وحشد الدعم لخطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن.
وذكرت تسريبات إسرائيلية أن الجولة الجديدة لكوشنر ليست تفاوضية بالمعنى الحرفي للكلمة، بل الغاية منها طرح جملة من المقترحات على الدول العربية أهمها عقد مؤتمر قمة في منتجع كامب ديفيد برعاية الرئيس دونالد ترامب.
ولهذا المنتجع رمزية خاصة حيث احتضن محادثات مباشرة للمرة الأولى بين إسرائيل ودولة عربية وهي مصر في العام 1987 انتهت بتوقيع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن أول معاهدة سلام، وذلك في 17 سبتمبر من العام ذاته برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر.
وجدد الملك عبد الله، خلال استقباله كوشنر والوفد المرافق له الذي يتضمن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات والمبعوث الخاص لإيران برايان هوك، التأكيد على موقف بلاده الثابت لجهة “قيام دولة فلسطينية تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل”.
وينظر الأردن بارتياب شديد لخطة السلام الأميركية والتي تنسف مشروع حل الدولتين وتسقط حق عودة الملايين من اللاجئين المنتشرين في دول الجوار بينها المملكة، وتخشى عمان على ضوء ذلك من أن تحيي الخطة الموعودة فكرة “الوطن البديل”.
وكان الملك عبدالله قد استبق جولة كوشنر الجديدة بزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة ومصر، وقبلها استقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتوحيد الموقف بشأن القضية الفلسطينية وأسس السلام المعروفة.
وتسعى الإدارة الأميركية إلى قلب تلك الأسس رأسا على عقب، وبدل المعادلة القائمة على أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المدخل الرئيسي لتطبيع إسرائيل علاقاتها مع الدول العربية، ترى إدارة ترامب أن العكس هو المطلوب وهي تراهن على إقناع حلفائها العرب غير المتحمسين لذلك.
وذكرت صحيفة “يدعوت أحرنوت” الإسرائيلية أن كوشنر يحمل معه للمنطقة مقترحا لعقد مؤتمر قمة يجمع بين نتنياهو وعدد من زعماء الدول العربية تحت رعاية الرئيس الأميركي في كامب ديفيد بواشنطن.
ديفيد فريدمان: نحن نؤمن بالحكم الذاتي ولكن ليس الدولة الفلسطينية
وأوضحت الصحيفة أن القمة المذكورة مقترح عقدها قبل الانتخابات العامة المقررة في إسرائيل التي تنطلق في سبتمبر المقبل. وأضافت أن ترامب سيقوم خلال القمة باستعراض الخطوط العامة لرؤيته لعملية السلام التي تم إعدادها سويا مع نتنياهو والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة رون ديرمر. كما ستأتي القمة المنتظرة كجزء من حملتي نتنياهو وترامب الانتخابية وتخدم مصالحهما الانتخابية.
ويواجه نتنياهو استحقاقا انتخابيا صعبا في ظل وجود منافسين أشداء وسبق أن قدم له ترامب خلال الحملة الانتخابية السابقة دعما مهما باعترافه بالجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية.
وقد يكون التوجه لتسريع إعلان الشق السياسي من صفقة القرن في قمة كامب ديفيد مرتبطا برغبة ترامب في تقديم جرعة دعم قوية لنتنياهو أو “بيبي” كما يحلو للإسرائيليين مناداته.
وكانت المؤشرات في الفترة الماضية تميل إلى إرجاء الإدارة الأميركية طرح رؤيتها السياسية لحل الصراع، على خلفية الرفض الفلسطيني وعدم حماسة العرب وهو ما ترجم في المقاطعة الفلسطينية والحضور العربي الباهت لورشة البحرين التي خصصت لعرض الجزء الاقتصادي من الصفقة.
وهذه المؤشرات عبر عنها العاهل الأردني في أحد تصريحاته عقب ورشة المنامة، حين قال إنه من غير المرجح أن يكون هناك جديد إضافي خلال الصائفة الحالية، ولكن يبدو أن لإدارة ترامب رأيا آخر.
ولفتت صحيفة يدعوت أحرنوت إلى أنه من المتوقع أن يعرض ترامب خطة السلام في كامب ديفيد دون الخوض في التفاصيل، وسيوافق على إقامة “كيان فلسطيني” ولكن ليس بالضرورة “دولة فلسطينية”، وسيوافق على “وجود فلسطيني في القدس” ولكن ليس بالضرورة كعاصمة.
وفي تأكيد لما جاءت به الصحيفة قال السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان إن الإدارة الأميركية تؤمن بالحكم الذاتي والمدني الفلسطيني، وليس الدولة الفلسطينية. وأوضح فريدمان في مقابلة مع شبكة الأخبار الأميركية (سي.أن.أن) “نحن نؤمن بالحكم الذاتي والمدني الفلسطيني، نعتقد أن الحكم الذاتي يجب أن يمتد حتى النقطة التي يتداخل فيها مع الأمن الإسرائيلي، إنه وضع معقد جدا”.
وفريدمان، هو أحد أعضاء الفريق الأميركي الذي يترأسه كوشنر، المُكلف بصياغة الخطة الأميركية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ويُعتبر فريدمان من المقربين جدا من الرئيس دونالد ترامب.
ورفض فريدمان، في المقابلة التي بثت مساء امس الاول الثلاثاء، المخاوف من أن الأمور تنزلق باتجاه حل الدولة الواحدة، وقال “لا أعتقد أن أي شخص مسؤول في إسرائيل، يسعى من أجل حل الدولة الواحدة”.
وأضاف “لا أعتقد أن هناك بالفعل حركة سياسية جادة في إسرائيل، تسعى إلى حل الدولة الواحدة، ولا أعتقد أن أيا من الأعمال التي قامت بها إسرائيل أو نحن خلال العامين الماضيين تقودنا إلى هذه النقطة”.
وردا على سؤال إن كانت خطة كوشنر تؤيد فكرة حل الدولتين، قال “لم نستخدم هذه العبارة، لكن هذا ليس لأننا نحاول الدفع باتجاه حل الدولة الواحدة، إن المشكلة التي نواجهها هي الموافقة المسبقة على الدولة، لأن كلمة (الدولة) تتشابك مع العديد من القضايا المحتملة التي نعتقد أنها تلحق الضرر بنا لاستخدام هذه العبارة”.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قبيل وصول كوشنر وفريقه إلى إسرائيل عن خطوة نادرة وهي بناء 700 منزل لفلسطينيين في جزء من الضفة الغربية المحتلة يخضع لسيطرتها الكاملة ووافقت في الوقت ذاته على بناء ستة آلاف وحدة سكنية استيطانية.
وتتعلق الموافقة على البناء في جزء من الضفة الغربية المحتلة معروف بالمنطقة “ج”، أي المنطقة التي تخضع للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية وحيث توجد المستوطنات.
وتشكل المنطقة “ج” أكثر من 60 بالمئة من أراضي الضفة الغربية المحتلة التي يفترض نظريا أن تشكل في إطار حل الدولتين، جزءا من الدولة الفلسطينية المستقبلية. ومن النادر أن تمنح إسرائيل موافقات على قيام الفلسطينيين بالبناء في المنطقة “ج”.
واعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أن خطوة نتنياهو “لم تكن من باب حسن النية تجاه الطرف الفلسطيني، بل هدفها التسهيل على مهمة كوشنر ومساعيه لإقناع الزعماء العرب بحضور قمة كامب ديفيد المقترحة”.
ويرى مراقبون أن الدول العربية قد تقبل بالدعوة، ولكنها ليست مخولة عمليا لاتخاذ قرار بشأن الخطة الموعودة، ذلك أن الفلسطينيين هم الوحيدون المخولون باتخاذه. وتقاطع السلطة الفلسطينية الإدارة الأميركية منذ نهاية العام 2017 إثر إعلان الرئيس دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشكل عدم مشاركتها في ورشة البحرين فشلا ذريعا لكوشنر وفريقه، وغير مستبعد أن يتكرر ذلك في قمة كامب ديفيد الموعودة.