اين النظام العربي؟؟.. إيران هي الداعم الاول والوحيد للفصائل الفلسطينية المسلحة

حازت فلسطين مكانة مهمة في الخطاب السياسي الإيراني، وذلك نتيجة إدراك إيران للمكانة التي تحتلها فلسطين والقضية الفلسطينية في نفوس العرب والمسلمين، فأجاد الخميني توظيف هذه القضية في الإستراتيجية والسياسة الخارجية الإيرانية، وجعل منها السهم الموجه نحو “إسرائيل”، ومدخلًا يستثير به مشاعر الشعوب الأخرى، ولعل هو من أوجد مناسبة سنوية تحت مسمى يوم القدس العالمي، التي تخرج فيه مسيرة حاشدة مؤيدة وداعمة للقضية الفلسطينة.
رهان إستراتيجي
بعد عملية السلام في الشرق الأوسط وتحديدًا مؤتمر مدريد، وجدت إيران في الفصائل الفلسطينية المسلحة، الرهان الإستراتيجي الذي يمكن أن تستند عليه الإستراتيجية الإيرانية في المرحلة القادمة، وتأتي في مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وفي هذا الإطار وظفت إيران الكثير من المبادئ الإستراتيجية للمواجهة مع “إسرائيل”، وفي مقدمتها “إستراتيجية الدفاع غير المتماثل”، من خلال توظيف أكبر قدر ممكن من الجماعات والحركات المسلحة، وهو ما عرف بنموذج الحرب الهجينة التي تختلف عن الحرب التقليدية والنظامية من حيث أساليب التقرب وقواعد الاشتباك.
كما أن حجم النفقات والتكاليف والخسائر تكون غير متوقعة وصعبة الحصر، كونها لا تتقيد بأساليب عسكرية محددة ومعروفة السياقات والأطر، ولعل حالة التشظي الإستراتيجي للمليشيات والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط دليل على أهميتها في الإستراتيجية الإيرانية، بل لا يختلف أحد بأن إيران اليوم أصبحت أكثر دولة في الشرق الأوسط رعاية وتوظيفًا لهذه المليشيات.
بديات العمل المسلح في فلسطين
شكلت حركتا حماس والجهاد الإسلامي أهم المجموعات المقاتلة ضد “إسرائيل”، ولكن بينهما فروقات مهمة بعلاقاتهما مع إيران، بالإضافة لقوتهما، أيضًا كلتاهما يرجع أساسها الفكري لجماعات الإخوان المسلمين التي نشأت في نصف القرن الماضي، ولكن حركة الجهاد عملت على دمج الفكر الإخواني الإصلاحي مع الفكر الثوري الخميني، ولهذا تعد أقرب لإيران من حماس فكريًا، ولكن الدعم الإيراني لحماس أكبر نتيجة لنفوذ حماس الأقوى، وكلتاهما تعتبران فاعلتين في قطاع غزة أكثر من الضفة الغربية، نتيجة لسيطرة السلطة الفلسطينية على رأس قيادة حركة فتح التي لا تربطها علاقة مع إيران على شاكلة حماس والجهاد الإسلامي.
تشكلت حركة الجهاد الإسلامي عام 1981، ووجدت في محاربة “إسرائيل” وإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس، منهجًا إستراتيجيًا للتعامل داخليًا وخارجيًا، وفي سبيل ذلك قامت بالعديد من العمليات العسكرية ضد “إسرائيل” شملت أهدافًا مدنية وعسكرية، وقد كانت إيران الداعم الرئيس لأغلب هذه العمليات، ومع الوقت ونتيجة للدعم المتواصل التي تحصل من إيران، أخذت حركة الجهاد الإسلامي تفرض نفسها شيئًا فشيئًا على الساحة الفلسطينية، وفي غزة تحديدًا، وكان هذا على حساب نفوذ وشعبية حركة حماس.
لقد تبنت إيران الدعم الكامل لحركة الجهاد الإسلامي بالتمويل والدعم اللوجستي والعسكري، ولكن يبدو أن فرضيات الصراع في الشرق الأوسط، وضعت حركة الجهاد الإسلامي في مأزق سياسي، كان لا بد أن تحدد فيه موقفها وخاصة في الدور السعودي ضد الحركات التي تدعمها إيران، وسبق أن وقعت حماس في نفس المأزق في الصراع على أرض سوريا، عندما انحازت للإخوان مقابل النظام السوري الذي تدعمه إيران، كما كانت حماس تتلقى الدعم من إيران وعند حدوث التناقض، أحجبت إيران مساعداتها لحماس، ولكن هناك فرقًا بين حركة الجهاد الإسلامي التي تعتمد كليًا على التمويل الإيراني، وحماس التي لها مصادر تمويل أخرى من مشاريع وضرائب وتمويل من حركة الإخوان المسلمين الدولية.
وبعد أشهر من توقف الدعم الإيراني لحركة الجهاد الإسلامي، ومن خلال وساطة زعيم حزب الله حسن نصرالله عادت العلاقات بين الجانبين بصورة تدريجية، وتمثلت الانفراجة الأولى في زيارة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح إلى إيران في مايو 2016، ووفقًا للمصادر فإنه تم الإتفاق على عودة العلاقات كما كانت، وأضافت “الدعم الإيراني استؤنف منذ 3 أشهر بشكل جزئي، وتمكنت الحركة من دفع راتبين لعناصرها بعد شهور من الأزمة، وسيستأنف على نطاق أوسع في المرحلة المقبلة”.
في حين تأسست حركة حماس عام 1987، وهدفها تحرير فلسطين وطرد العدو الإسرئيلي، وكان أول مكتب سياسي لها في عمان، وعمل الأردن على دعمها بشكل قوي من أجل خلق كيان موازٍ لحركة فتح التي توترت العلاقات معها بشكل متزايد بعد مؤتمر الرباط الذي نتج عنه قرار فك الارتباط بين الضفتين عام 1988، ورغم أن العلاقة بين حركة حماس وإيران تعد أكثر حداثة من حركة الجهاد الإسلامي، وتعود في تاريخها إلى عقد التسعينيات من القرن العشرين، فإنها شهدت بصورة متسارعة توثيقًا لعُرى العلاقة بين الجانبين، وانعكس ذلك على دعم مالي ولوجستي كبير، قدَّمته إيران للحركة التي عانت من التضييق والمحاصرة عربيًا، وتعود حركة حماس في جذورها وأطرها المرجعية إلى حركة الإخوان المسلمين، لكن الحركة تمتلك قواسم مشتركة في علاقتها مع إيران، ففلسطين في فكر الحركة هي المرجعية التي تحكم علاقاتها مع الخارج، ومن ضمن ذلك إيران.
مصالح إستراتيجية مع إيران
لا تنكر الحركة وجود مصالح مشتركة مع إيران، ولم تُخفِ تلقيها الدعم المادي والمعنوي من الإيرانيين، وشكرت إيران على دعمها في أكثر من مناسبة، ومما لا شك فيه أن إيران استطاعت من خلال علاقتها مع حماس التأثيرَ والمشاركة في المعادلات السياسية في المنطقة، إذ تشترك حماس مع إيران في النظر إلى “إسرائيل” ككيان غاصب وغير قانوني قائم على الإحلالية، ورغم كل الطروحات المتعلقة بدخول حماس في عملية تفاوضية مع “إسرائيل”، فإن الموقف الرسمي للحركة إلى اليوم لا يزال يدور في إطار أن أي عملية تفاوض لن تعود بنتيجة إلا بإعطاء شرعية لهذا الكيان ومنح الأمن له.
سعت إيران لدعم حركة حماس كمرجعية بديلة وممثلة للشعب الفلسطيني تحل محل حركة فتح، وتُصنف العلاقة بين حركة حماس وإيران بأنها أكثر تعقيدًا من العلاقة بين حزب الله وإيران، خاصة أن حركة مثل حماس تُعد أحد أبرز فروع الإسلام السياسي السني في المنطقة، وامتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين السنية، لكن ذلك التعقيد لم يجعل حماس تسلم من الاتهام بـ”العمالة لإيران”.
شكلت أحداث الربيع العربي وما تخللها من أزمات وحروب، علامة فارقة في علاقات إيران بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، فمع بدء الأزمة السورية حاولت كل من سوريا وإيران جلب دعم حركة حماس للنظام السوري، فهو قدم خدمات كثيرة لها وفتح العاصمة دمشق لاحتضان مكاتبها السياسية بعد طردها من عمان، ولكن الأساس الفكري لحركة حماس هو الإخوان المسلمين، ففضلت اتباع أجندتها الإخوانية مقابل مصالحها مع ما سمي “محور الممانعة”، خاصة بعد الدعم القطري السخي وانتصار الإخوان المسلمين بفوزهم برئاسة مصر، مما خلق بدائل إضافية تسد محل إيران وسوريا.
وما لبث أن أسقط النظام الإخواني في مصر بانقلاب عسكري، مما شكل إعادة في تطور العلاقات، ولكن ليس بشكل يسمح لحماس بدعم النظام السوري، مع تأكيد حماس على شكر إيران في أكثر من مناسبة خاصة في كلمة أبو عبيدة المتحدث الرسمي لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الشهيرة بعد الحرب الأخيرة في قطاع غزة عام 2014، ولا تملك حركة الجهاد الإسلامي هامشًا ماليًا وسياسيًا للتحرك ومواجهة الأزمات، كالذي تملكه حركة حماس، وضغطت إيران على حركة الجهاد لدعم تحركات الحوثيين في اليمن، فرفضتها، مما عرضها لأزمة مالية كبيرة هددت نشاطاتها كما ذكر في أعلاه، ورغم هذا لا تملك إيران إلا دعمهما، فهم يمثلان خط الدفاع الأول ضد “إسرائيل”.
زيارة أثارت الكثير من علامات الإستفهام
أثارت زيارة وفد حركة حماس إلى إيران في يوم 21 يوليو 2019، الكثير من الجدل والتساؤلات حول علاقة الحركة بطهران سواء كانت إستراتيجية أم مصالح فقط، بعد وصول وفد رفيع المستوى من حركة حماس، برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، ويرافقة أعضاء المكتب الساسي من الحركة في غزة وقطر والخارج وهم موسى أبومرزوق وماهر صلاح وعزت الرشق وزاهر جبارين وحسام بدران وأسامة حمدان وإسماعيل رضوان وخالد القدومي، ويبدو أن حركة حماس تحاول جاهدة إعادة تعميق العلاقات مع النظام في طهران، بعد أن شهدت العلاقات فتوراً عقب القطيعة مع النظام السوري، واعتقال الحركة عناصر من حركة الصابرين الموالية لإيران في غزة.
وعن الأبعاد الإستراتيجية لهذه الزيارة، أشار الموقع الإخباري الإسرائيلي “ديبكا” في يوم 27 يوليو 2019، أن السبب الحقيقي وراء زيارة وفد حركة حماس بقيادة صالح العاروري إلى إيران، هو طلب الحركة تزويدهم بمنصات إطلاق الصواريخ من طراز BM-21 Grad، والتي يصل مداها إلى 450 كيلومتراً، وذكر الموقع الإلكتروني الإسرائيلي عن مصادر خاصة لم يسمها، أن حماس طلبت تزويدهم بهذه الصواريخ، متوسطة المدى، وهي الصواريخ التي يستخدمها الحوثيون في مهاجمتهم لأهداف في المملكة العربية السعودية.
ومهما كانت الأبعاد السياسية والإستراتيجية التي تقف خلف الزيارة الأخيرة لوفد حماس إلى إيران، إلا أنها تأتي في سياق إعادة ترتيب الأوراق الإستراتيجية في المنطقة، فحركة حماس تدرك أن إيران بحاجتها اليوم أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا وأن إيران تعاني من ضغوط أمريكية إسرائيلية، ومن ثم تبرز حركة حماس كإحدى أوراق الرهان الإيراني في المنطقة، انطلاقًا من المصالح المشتركة بين الطرفين الإيراني والحمساوي، فإيران تريد من هذه الزيارة أن ترسل رسالة للولايات المتحدة الأمريكية بأن فلسطين هي الأخرى مرشحة لأن تكون إحدى بوابات الصراع في المنطقة، بالإضافة إلى إرسال رسالة واضحة لـ”إسرائيل” بأن المواجهة لن تكون محصورة في سوريا وجنوب لبنان فقط، بل إن غزة هي الأخرى قد تكون إحدى مجالات الرد الإيراني على أي هجوم إسرائيلي على مصالح ونفوذ إيران في المنطقة.
أما حماس فهي الأخرى تدرك بأن الوضع الإقليمي اليوم يتطلب نوعًا من المرونة السياسية، وبالتالي تشكل إيران إحدى بوابات ترميم القدرة العسكرية والمالية للحركة، التي عانت من الاستنزاف في السنوات الماضية، خصوصًا وأن مصر هي الأخرى ساهمت بدور كبير بالتضييق على نشاطات الحركة بعد غلق معبر رفح، الشريان الاقتصادي والمالي والعسكري الوحيد لقطاع غزة.
بالمجمل يمكن القول إن هناك واقع إقليمي جديدة بدأ يتشكل شيئًا فشيئًا، ومستويات الصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية تتوسع يومًا تلوا الآخر، وهو ماقد يلقي بظلاله على مجمل الأوضاع السياسية والإستراتيجية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى