في ذكرى ثورة 23 يوليو ال 67 .. “دعاء الكروان”

ما بين انسحاب دجى الليل وولوج الأصباح يُبسط ضواع الكروان تغريدته لتنساب بين ثنايا الكون الى السماء ,فى عزف منفرد لا يجاريه عزف أي من آلات أعظم الفرق السيمفونية في عالمنا الآن … ولقد أضناني البحث فى الحروف والكلمات لتصوير تلك الزقزقات أو التغريدات أو الألحان فعجز القلم واللسان عن الوصف , فلك عزيزى القارىء أن تسترق السمع فى كل الأوقات علك تصادف تغريدة وصوت (الممزوجتين بعبير الخزامى) هذا الطائر المسمى “كروان ” هنا أو هناك لتدرك الفرق بين الطبيعة بسحرها وجاذبيتها التى تنقى السمع والنفس وسريرة الأنسان .. وبين صوت الآلات التى تحاول تقليد الأصوات والأنات , فتصير نشاز .

“أمنه “تنادى وين “هنادى” يا أماى ؟؟ فلا تجد من صدى لتساؤلها ولا أجابات , فتحيل التساؤل الى خالها , وين هنادى ياخال ؟ فى غلظة ونشوة وأنتقام يرد القاتل الغدار .. هنادى راحت بالوبى …….. فتنهار…!
فيَسرى الصوت ” الملك لك لك لك , من جوف الكروان الى أفاق السماء يُرثى هنادى المغدورة بعد أن راحت بالوبى فى أعماق التراب .
لم تكن “هنادى” اِلا ضحية ذئب بشرى هو أبن الذوات والطبقة الأرستقراطية فى المجتمع ممن لا يروا فيمن عداهم سوا جوارى مستباحه تستجيب لنذواتهم بكل راحة – وهى أيضا ضحية الجهل والفقر والمرض وغلظة القلب المتجسدة فى الخال الذى غدر بها ودفنها فى جوف الأرض ليغسل العار على حد فهمه الغدار.
كان حال “هنادى” هو حال شعبنا العربى قبل ثورة يوليو التى قادها الزعيم جمال عبد الناصر فى 23 يوليو من العام 1952 – قبلها كان الشعب العربى يئن تحت نير الأحتلال الأنجليزى والفرنسى , ويعانى من الطبقة الرأسماليه والإقطاعيه المواليه للأستعمار والمتحكمه فى أرزاق الناس والسارقه لقوته اليومى , وكانت الصبايا والنساء سبايا لأصحاب رؤوس الأموال , حين يضطرون للعمل فى بيوتهم تحت ضغط الحاجة للقمة العيش, وكانت قمة العار انتهاك عذرية البنات ونهش لحم النساء – وكان الفلاحون أقنان عند السيد الإقطاعي يسقى بدمائهم وعرقهم ضيعاتة من الأراضى الشاسعه طوال النهار , وصارت نسائهم من الفلاحات خدام وجوارى فى بيوت الأقطاع , تُنتهك آدميتهم , ويتعدى على حرماتهم وتفض عذريتهم من أولاد الذوات الأقطاعيين .
كان الجهل والفقر والمرض والحفاء – هو السندان- الذى يطبق على شعبنا العربى فى عمومه وعلى الطبقات الدُنيا من فقرائه على وجه الخصوص , حيث لابديل عن الانصياع لقهر الرأسماليه والأقطاع, فكم من فقير أنضوت كرامتة وأنسانيتة تحت أجنحة الذل الرأسمالى والإقطاعي من أجل لقمة العيش , وكم منهم جعل التراب مثوى لمن فُضت عذريتها واستبحيت حرماتها من جانب أولاد الذوات , بديلا عن التصدى للمعتدى والذئاب البشريه من هؤلاء الرأسماليين والأقطاعيين الغير آدميين , وكان الجهل والفقر والمرض هو الباعث لهذا التدنى فى الشجاعه والأقدام , وكان الخوف مركوز فى القلوب وطبائع النفوس , وكان الظلام .

فى ليلة 23 يوليو من العام 1952 سرى صوت الكروان – الملك لك لك لك – يسرى فى الكون ويعزف أعذب الألحان ,وبدى زئير” جمال عبد الناصر” يرتفع الى عنان السماء “أرفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الأستعباد”مغردا أيضا ” الشعب هو القائد وهو المعلم وهو الخالد أبداً” .
وقتلت “آمنه ” شقيقة “هنادى” , مهندس الرى أبن الذوات الذى فض عذرية هنادى –فأنتقمت لكل هنادى فى البلاد .
وصدرت قرارات جمال عبد الناصر بتحديد الملكية الزراعيه للأقطاعين وتوزيع الأراضى التى استولى عليها الأقطاع على صغار الفلاحين – وأممت المشاريع التى دمرت أقتصاد البلاد ومصت دماء العمال , وأحتكرت الثروه والثراء ,وأقيمت آلاف المصانع وصار العمال شركاء فى الأنتاج واعضاء فى مجالس أدارتها, وغدت شرعية المجالس النيابية والمحلية تستمد من وجود 50% من أعضائها من العمال والفلاحين على أقل تقدير , وغدى الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل , وصارت المرأه وزيره وشاركت الرجل فى كل المهام , وبدت الجامعات والمؤسسات التعليمية نورا للعلم فى كل مكان لتقضى على الجهل بعد القضاء على الفقر , من خلال مجانية التعليم لأبناء الفقراء, وصار العلاج والدواء بالمجان بعد أقامت صروح من المستشفيات والمراكز الطبيه لعلاج الفقراء , فقضى على المرض خاصة الأمراض المتوطنه التى عانى منها الشعب فى عصور سابقة .
وغرد الكروان فى ربوع أمتنا العربيه ينشر الضياء ويقضى على البوم والغربان ” عملاء الإمبريالية والصهيونيه”, وصارت القوميه العربية صوت “جمال عبد الناصر” ونداء الكروان – وعلى النقيض لم يكن صوت الكروان اِلا نشاز عند عملاء الصهاينة والأمريكان فتصدوا للمقاومة الفلسطينية ” أمل جمال عبد الناصر لتحرير فلسطين ”, فأنهك القلب فى ليلة الإسراء وصعدت روح الكروان الى عنان السماء ليلاقى “جمال عبد الناصر” ربه فى 28 سبتمبر (أيلول) 1970 .
وتحل علينا الذكرى ال67 لثورة “ناصر” , وسماء الأمه العربيه مليئه بالبوم والغربان , تنشر الشؤم والعار والدمار , متجلية فى جنرالات كامب ديفيد ووادى عربه وأسلو وعملاء الصهيونيه والامبريالية الأمريكية ( حكام الخليج)الذين يمولون الأرهاب فى سوريا الأقليم الشمالى للجمعوريه العربيه المتحدة ورئيسها “ناصر” بعد أن دمروا ليبيا وحولوا العراق الى دمار ومازالوا يدمرون اليمن بطائرات وصواريخ الصهاينه والأمريكان ويقيمون اوثق علاقات الخزى والعار مع اسرائيل – وينكرون على الشعب الفلسطينى الحق فى الحياه
فهل ل “آمنه ” أن تثأر لروح ” هنادى” ,فتنظف سماء الأمه العربية من كل البوم والغربان ؟
خاصة حكومات مافيا رجال الأعمال فى مصر التى سرقت أموال الشعب ومصانعه وقطاعه العام – تلك الثروة الأقتصادية التى اقامها جمال عبد الناصر لشعبه – أو باعتها بأبخس الأثمان ليعود الجهل والفقر والمرض من جديد.
ويا ” دعاء الكروان ” موعدنا معك الفضاء الرحيب كلما أوغلت بنا الذكرى في أغوار ينقطع ما بينها وبين الفضاء الرحيب.
وتغريدة منك الى روح “الزعيم ” جمال عبد الناصر فى ذكرى صورته الخالدة ال 67.

كاتب ومحامى – مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى