لماذا انتُخب “اخواني” رئيساً للبرلمان الجزائري؟.. سؤال واحد باجوبة متعددة

فاجأت التوازنات المتسارعة في أروقة البرلمان الجزائري، الرأي العام بتزكية نائب إسلامي ليكون على رأس الغرفة التشريعية الأولى، وسط حديث عن صفقة بين الإسلاميين والسلطة لاحتواء الحراك الاجتماعي.
ولأول مرة في تاريخ البرلمان تسند مهمة الرجل الثالث في الدولة إلى شخصية من خارج الأحزاب الموالية للسلطة، ومن خارج التيار الوطني المهيمن على المجالس المنتخبة.
وزكى نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) الجزائري، النائب البرلماني سليمان شنين، ليكون على رأس الهيئة التشريعية، وحظي بدعم الأغلبية التي يهيمن عليها ما يعرف بأحزاب الموالاة، التي سحبت مرشحيها في آخر لحظة للسماح للرئيس الجديد بالمرور المريح.
وخلف النائب سليمان شنين، الرئيس السابق للهيئة معاذ بوشارب، المستقيل مؤخرا والمنتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني، ليكون بذلك أول إسلامي ينصب على رأس مؤسسة وازنة في البلاد، وهي المهمة التي استحوذ عليها الحزب الحاكم خلال الأحادية الحزبية، ثم تداول عليها حزبا السلطة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
وينحدر رئيس البرلمان الجزائري الجديد من مدرسة الإسلام السياسي، حيث انخرط في بداية مساره السياسي في حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، قبل أن ينسحب منها في السنوات الأخيرة، ويلتحق بحركة البناء الوطني، التي انشقت عن حمس، وانفتحت على تيارات أخرى، بغية التنصل من العباءة الإخوانية.
ويعتبر شنين من الوجوه التي زرعها جهاز الاستخبارات السابق في صفوف الإخوان، من أجل إبقاء الحركة تحت المراقبة، حيث كان يمثل دور المعارضة التي تنفس عن غضب الشارع وتصنع الشرخ في صفوف الإسلاميين، لصناعة المشهد السياسي المتحكم فيه من طرف دوائر السلطة.
مناورة من السلطات الإنتقالية
وسبق وأن قال رئيس حركة البناء عبدالقادر بن قرينة، الذي كان مقربا من مؤسس وزعيم حركة حمس في بداية المشوار السياسي، إن “حركته لم تعد منتوجا إخوانيا وإن الخلفية السياسية والأيديولوجية لتركيبتها البشرية عموديا وأفقيا، تؤكد أن حركة البناء تنتهج خطا معتدلا يجمع بين ثوابت ومقومات الشعب الجزائري”.
لكن متابعين للشأن الجزائري يشيرون إلى أن شنين يظل خريجا لمدرسة الإخوان وإن اختلف مع أحزابها في بعض القضايا الجزئية، ولم تصدر عنه مراجعات نوعية لتجربة الجماعة.
وإذ يحاول الإسلاميون والكتل النيابية التي دعمت تزكية الرئيس الجديد للبرلمان، تسويقه على أنه انتصار للمعارضة السياسية، وجاء تماشيا مع مطالب الشارع الجزائري في التغيير السياسي، فإن السيناريو المفاجئ الذي تمت به العملية يطرح تساؤلات عديدة حول خلفية التقارب المريب بين أحزاب السلطة والإسلاميين.
وضحّت أحزاب السلطة بمرشحيها في آخر المطاف لفسح المجال أمام شنين، مما يطرح إمكانية دخول طرف خفي في اللعبة يعمل على إنتاج مشهد سياسي جديد بإعطاء الانطباع للرأي العام بأن الانتخابات آلت إلى مرشح إسلامي معارض، بينما المسألة تنطوي على تحالفات جديدة، لامتصاص غضب الشارع والتمهيد للمشهد السياسي القادم.
وكثيرا ما لجأت السلطة الجزائرية إلى توظيف جماعات الإسلام السياسي في العشرية السوداء، حيث تم الاستنجاد بالإخوان لمواجهة جبهة الإنقاذ المحظورة، وخاصة التأثير على المسلحين لينزلوا من الجبال.
ومنذ انتخابه في البرلمان خلال انتخابات العام 2017 عن حزب حركة البناء الوطني، احتفظ شنين بمسافة بينه وبين السلطة والموالاة في مختلف التصريحات والمواقف التي أدلى بها في وقت سابق، لكن لم يعرف عنه معارضة حقيقية أو حاسمة، وعلى العكس فقد عرف بالليونة التي كان يبديها تجاه سلطة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة والأذرع السياسية الموالية له.
ويوحي تنازل الأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم محمد جميعي، عن ترشحه إلى جانب مرشحين آخرين، بأن صفقة سياسية أبرمت في الخفاء بين الكتل النيابية المالكة للأغلبية في البرلمان، وتحت غطاء سلطة الأمر الواقع، ولم يكن بالإمكان مرور شخصية إسلامية إلى هذا المنصب لو لم تحظ بموافقة قيادة المؤسسة العسكرية، أو أنها لم تمانع في الأمر.

وفيما عارضت حركة “حمس” عملية التزكية إلى جانب أحزاب معارضة أخرى، كحزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة القوى الاشتراكية، فإن الرئيس الجديد حظي بدعم أحزاب التحالف (تجمع أمل الجزائر، الحركة الشعبية الجزائرية، التجمع الوطني الديمقراطي) فضلا عن جبهة المستقبل وبعض النواب المستقلين، قبل أن تلتحق بهم جبهة التحرير الوطني.
وصرح رئيس كتلة الحركة الشعبية الشيخ بربارة، بأن “الأحزاب الأربعة اجتمعت الأربعاء من أجل التنسيق لدعم مرشح حركة البناء الوطني، في خطوة لإبراز نوايانا في مواكبة مطالب الحراك الشعبي والاستجابة لمطالبه في التغيير السياسي”.
ويلمح صعود شنين الإسلامي والإعلامي المالك لصحيفة ومركز دراسات الرائد، إلى أن السلطة تتوجه إلى بعث ديناميكية جديدة في البرلمان، لتمرير أجندتها في المرحلة القادمة، وأن سيناريوهات حل المؤسسة غير واردة البتة رغم المطالب المرفوعة في هذا الشأن، بدعوى عدم شرعيتها بسبب التزوير والتلاعب الذي ساد الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2017.
كما يؤشر هذا الانتخاب إلى صفقات سياسية في الأفق بين السلطة وقطاع من الإسلاميين المحسوبين على المعارضة، بغية الالتفاف على الحراك الشعبي وامتصاص غضب الشارع، وحتى الاستقواء بين أحزاب السلطة والإسلاميين، على التيار الديمقراطي والحراك الشعبي المطالب برحيل السلطة والتغيير الشامل، خاصة في ظل تصعيد الرجل القوي في الجيش قايد صالح، لخطابه تجاه من أسماهم بـ”العملاء”، في إشارة إلى المطالبين بالدولة المدنية وأنصار الهوية الأمازيغية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى