ايران والعرب

 

منذ إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين الطاهرة و الشعوب العربيه تعتبر القضيه الفلسطينية قضيتها الأولى. ولذلك أصبحت مواقف الشعوب العربيه تجاه مختلف الدول والحكام تعتمد تلقائياً على مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية. وهكذا تأصل في نفوس العرب ليس فقط بغض إسرائيل، بل بغض من ساندها من عرب أو عجم.

كان شاه إيران محمد رضا بهلوي من أكثر الحكام طغياناً و ميولاً للغرب ومساندةً لإسرائيل. وكان مكروهاً من شعبه خاصةً أنه جيء به عن طريق إنقلاب عسكري قامت به المخابرات الأمركية والبريطانية سنة ١٩٥٣ للإطاحة بحكومة محمد مصدق الديمقراطيه. إعترف شاه إيران بإسرائيل وأقام معها علاقات دبلوماسية على أعلى مستوى. والأنكى من ذلك أنه كان يقدم لها كل إحتياتجاتها من النفط وبأسعار بخسة. وغني عن القول أن الشاه كان مكروهاً جداً من الشعوب العربيه وكان عدواً لدوداً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسياسته التحرريه. ورغم صداقته ومساندته الفاضحة للكيان الصهيوني إلا أن ذلك لم يمنع بعض الحكومات العربية المناصرة للسياسة الأميركية، مثل السعوديه، من إقامة علاقات ممتازة مع إيران. بل أن ملوك السعودية، سعود ثم فيصل، وجدوا في شاه إيران صديقاً وشريكاً في إقامة حلف بغداد ثم الحلف الإسلامي لتكريس التبعية لأميريكا والوقوف في وجه مشروع جمال عبد الناصر التحرري والوحدوي.

وكان أمراً طبيعياً أن يجد الشاه نفسه موضع إنتقاد صريح من الإعلام الوطني المصري بسبب سياسته وتبعيته غير المشروطة لأميريكا وإسرائيل. ومع ذلك لم يُذكر عن الإعلام المصري أنه إستعمل مرة واحدة أية كلمة نابية ضد الشعب ألإيراني، بل على العكس من ذلك تماماً فقد كان يعتبر شعباً طيباً ومغلوب على أمره. أوصاف مثل شيعي أورافضي أو مجوسي كانت غير معروفة، بل مستهجنة، ليس فقط في أدبيات الإعلام العربي بل أيضاً في لغة الشارع العربي.

نعم، كنا نعرف أن إيران دوله ذات أكثرية شيعية ولكن لم يكن ذلك الأمر يثير لدينا أية مشاعر سيئة إطلاقاً، فقد كنا نعرف أن الشيعة جزء لا يتجزأ من نسيج شعوبنا في أمصار عديدة مثل العراق ولبنان والخليج. أما الإعلام السعودي أيام الشاه فلم يكن فيه إلا الإشاده بإيران و“صداقتهم“ للعرب! نعم، السعودية لم يكن لديها أي حرج في المذهب الشيعي عندما كانت إيران مصادقة لإسرائيل!

لكن الأمور تغيرت، بل إنعكست تماماً، بعد قيام الثورة الإسلامية ونجاحها في ١١ شباط ١٩٧٩. وقد تفائلنا كعرب بإنتصار الثورة، وكيف لا وقد أعلن الخميني أن إيران الإسلامية لن تعترف بإسرائيل ولن تصدر لها النفط وأنه أصدر تعليماته لتحويل سفارة إسرائيل في طهران إلى سفارة لفلسطين. وهكذا تحولت أكبر قوة إسلامية من مساندة إسرائيل إلى معاداتها، مما أحدث تغييراً إيجابياً في ميزان الصراع العربي الإسرائيلي، خاصةً بعد أن خسر العرب مصر التي أخرجها السادات من خط المواجهة.

ولكن كم كانت خيبة أملي كبيرة عندما قامت العراق بمهاجمة إيران مستغلة حالة الفوضى والتفكك التي عصفت بالبلاد. كان الغزو العراقي غير مبرر وجاء بمثابة طعنة في الظهر وعمل لا يقوم به إلا الجبناء. وتبين فيما بعد أن دول الخليج وأميركا كانت تحرض وتساعد العراق بالمال والسلاح. وبدأنا نسمع ونقرأ في الإعلام العربي، وقد أصبح إعلاماً مسيراً من السعودية، أن الإيرانيين مجوس و روافض ولا يريدون إلا الشر للأمة العربية!! ومنذ ذلك الحين سيطر ذلك النمط من الخطاب الطائفي على الإعلام العربي المرئي والمسموع والمقروء.

أنا رجل يؤمن بقوميته وعروبته، لكني أتقزز مما ألمسه مراراً من طائفية مقيته في الإعلام العربي حتى أنني أتمنى أحياناً لو أنني لم أخلق عربياً. هل يعقل أن نتهاون مع إسرائيل، التي إغتصبت أراضينا وشردت شعبنا، ونتهافت من أجل التطبيع معها وفي نفس الوقت نستغفل عقولنا ونصدق أن عدونا في الواقع هو إيران؟ هل وصل بنا الجهل وسوء التقدير إلى هذا المستوى؟ إيران دولة مسلمة ومسالمة منذ قرون ولم تعتدي على أي بلد خارج حدودها، بل إن العرب هم الذين أعتدوا عليها وحاربوها لمدة ثمانية سنين عجاف. والشيعه لا يهتمون بنشر مذهبهم بين المسلمين السنّة بدليل أن السنّة يعيشون في إيران منذ قرون ولم يعتنقوا المذهب الشيعي. وكذلك الفاطميون الشيعة حكموآ مصر لفترة طويلة لكنهم لم يحولوها إلى بلد شيعي.

بعد كل ماعمله العرب ضد إيران من حرب ضروس إستعمل فيها العرب كل ما آتاهم الغرب بة من قوة، وبعد تلك الحملة الإعلامية الظالمة الشرسة والمقاطعة الإقتصادية التي لم يمارسوها حتى على إسرائيل، يخرج علينا من يقول أن إيران دولة تريد شراً بالعرب!! لعمري فإن هذا المستوى من الوقاحة لم أسمع به من قبل!

الحقيقة هي أن إيران دولة مستقلة ومتطورة صناعياً ومعادية لإسرائيل وتقض مضجع ذلك الكيان الصهيوني. ورغم أنني لست إسلامياً إلا أنني أجد نفسي مذهولاً وفخوراً بالإنجازات التي حققتها إيران منذ إنتصار الثورة الإسلامية، خاصة مقارنة بالعرب. عندما إعتدت العراق على إيران لم يكن لدى الثورة الإسلامية جيش بالمعنى الحقيقي ولا سلاح طيران وكانت البلاد لا تزال تعاني من الفوضى، ومع ذلك لم تستسلم ودافعت عن حدودها وأجبرت العراق على الإنسحاب من خرمشهر إلى حدودها الدولية. قارن ذلك بالفوضى التي أحاقت بالجيوش العربية بعد تدمير أسلحتها الجوية سنة ١٩٦٧. كان منطقنا: كيف نحارب من غير غطاء جوي؟ وهو منطق لا يعرفه الإيرانيون.

عندما إستدار الغرب ضد صدام حسين ودمر الجيش العراقي وفرض حصاراً إقتصادياً على البلاد، بدأنا فوراً نسمع عن الجوع والتجويع ووفاة الملايين من الأطفال والشيوخ والنساء. بالمقارنة، فإن إيران تعاني من الحصار الإقتصادي الخانق منذ قامت الثورة الإسلامية وإلى الآن لكننا لم نسمع منهم إستغاثات أو تقارير عن وفاة الملايين من الأطفال بل على العكس من ذلك تماماً. في ظل المقاطعة الإقتصادية قامت إيران بتطوير نفسها وإنتاج ما تحتاجه من غير أية مساعدة خارجية. أصبحت إيران تنتج كل الأدوية والمعدات الطبية اللازمة لمستشفياتها. أصبحت تنتج كل ما تحتاجه من الأجهزه ووسائل النقل من سفن وقطارات وناقلات وهي الآن تاسع أكبر منتج للسيارات في العالم. إيران منذ سنين تنتج كل إحتاجاتها العسكرية من أسلحة خفيفه ومقاتلات وغواصات وأنظمة رادارات متنوعة ومتقدمة وأقمار صناعيه ناهيك عن انظمة الصواريخ المعقده. بل أن إيران تنتج كل المكونات اللازمة لتلك الصناعات. في ظل الحصار الإقتصادي، قامت إيران ببناء حوالي ٥٠٠ من السدود بمعدات وخبرات إيرانيه.

وأهم من ذلك كله أن إيران، ومنذ سنين، تحتل المركز الأول في العالم في نسبة تزايد الإنتاج العلمي (١). الأبحاث العلمية التي تخرج من إيران لها نوعية عالية توازي ما تنتجه الدول الغربية المتقدمة، وهذا في تزايد مستمر. وقد إضطر ألإسرائيليون أكثر من مرة أن يعترفوا بحيرتهم تجاه إنجازات إيران مثل ما قاله رئيس أركان جيشهم بأنهم الآن يواجهون عدواً من مستوى لم يعرفوه من قبل ومختلف تماماً عن العرب. وفي العام الماضي وصلت إيران إلي مستوى من الإنتاج العلمي يتفوق على سويسرا وإسرائيل (٢).

كان الأحرى بنا كعرب ومسلمين أن نفخر بإيران ونصادقها ونقف معها، أما أن نصفهم بأنهم مجوس وعبدة النار فهذا يدل على خلل في منظومتنا الأخلاقية، ألم يكن العرب قبل الإسلام كفرة وعبدة الأصنام؟ هل نقبل بأن يقال عنا ذلك الآن؟

بحكم عملي ومعيشتي في الغرب، أختلط مع إيرانيين على مستوى عالي من الأخلاق والثقافة، وأيضاً أختلط طبعاً مع عرب لا يستطيعون أن يتحرروا من كراهيتهم للإيرانيين ووصفهم بأسوأ ألأوصاف، وللأسف أجد نفسي مضطراً لأن أقول شتان بين الثرى والثريا.

(1)
http://en.iscanews.ir/news/625788

(2)
https://www.newscientist.com/article/dn20291-iran-is-top-of-the-world-in-science-growth/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى