جوهر الأديان واحد، ولا تفرّق بين أبناء آدم وحواء!

وفقا لما ذكرته الموسوعة المسيحية فإن عدد الأديان في العالم عبر التاريخ بلغ حوالي 10000، منها 150 بلغ عدد المؤمنين بكل منها مليون فرد أو أكثر، أما بقيّة الأديان فعدد التابعين لكل منها لم يتجاوز المليون عبر التاريخ واندثرت الأغلبية الساحقة منها، وإن 22 دينا ما زالت تعتبر الأديان الرئيسية في عالمنا المعاصر، ونحو 82 في المئة من سكان العالم ينتمون إلى دين محدّد أو فلسفة روحانية، فيما 18 في المئة هم لا دينيين، أو لا أدريين، أو ملحدين.

معظم الأديان تعتقد بوجود خالق واحد، أو عدّة خالقين للكون والعالم قادرين على التحكّم بهما وبالكائنات الحيّة التي تعيش على كوكبنا، ولكل دين كتابه، أو كتبه، أو صحائفه وطقوسها المتوارثة المميّزة التي تبجّل المقدّس من ذات إلهية وغيرها من الأشياء التي تتّصف بالقدسيّة، وتحتوي على قانون أخلاقي يشمل الأحكام التي يجب اتّباعها، ونظام عبادة مفصّل يصل العابد بخالقه، ورؤية كونيّة تشرح كيفيّة خلق العالم وتركيب السماوات والأرض، وشريعة أو مبادئ شرعية تنظّيم حياة المؤمن وفقا للرواية الكونية التي يقدمها كلّ منها.

نحن جميعا، حوالي سبعة بلايين ونصف من البشر نعيش على كرتنا الأرضية التي تتشابه تضاريسها، ويتشابه سكانها، وتختلف وتتكامل مواردها، وتتنوّع منافعها. وعلى الرغم من اختلافاتنا وخلافاتنا الدينيّة، فإن معظم الأديان تخبرنا ان الله خلق الجميع، وهو الذي يرزقهم، ويحبّهم، ويسعدهم ويتعسهم، ويحييهم ويميتهم ويحاسبهم على أفعالهم، ويريد لهم الخير مها اختلفت دياناتهم وطرقهم في طاعته وعبادته والتقرب منه؛ وإنه سبحانه وتعالى فضّل الانسان على باقي مخلوقاته بإعطائه مزايا العقل والتفكير والتدبير وحرية الإرادة والاختيار ليكون مسؤولا عن أعماله أمام الله وأمام الآخرين. يقول تعالى في القرآن الكريم ” وكرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا “، ويقول الانجيل المقدّس إن الحب والتآلف والسلام والعيش المشترك والمساواة بين الناس وليس البغضاء والاقتتال هو ما يريده الله لنا جميعا ” الله محبّة، ومن يثبت في المحبّة يثبت في الله والله فيه. ”

الديانات جميعا تقوم على جوهر واحد تلتقي حوله ولا تختلف عليه يتكون من حقيقتين: الحقيقة الأولى هي أن الديانات السماوية ومعظم الديانات غير السماوية تؤمن بوجود إله خلق هذا الكون وما فيه، وبوجود حياة بعد الموت، وبالحساب والعقاب، وبوجود الجنة أو الحياة السعيدة الأبدية للطيبين وجهنم أو أماكن يعذّب فيها الأشرار العاصين. أما الحقيقة الثانية فهي: أن كل الديانات السماوية وغير السماوية الموحّدة، والديانات التي تؤمن بالتعددية الالهية، أو حتى التي لا تؤمن بوجود إله، تقول إن هدفها ألأساسي هو خدمة الانسان وإسعاده من خلال مساعدته في تنظيم حياته الاجتماعية وفهم نفسه وعالمه.

لكن هذا التشابه بين الأديان لا ينفي وجود اختلافات وخلافات عقائديّة جوهرية بينها من الصعب جدا تغيير مفهوم الناس لها وحلّها، ومن أهمها فهمنا للوجود الالهي، وللكون وابعاده ومكوناته، والعلاقة بين الله والإنسان، والرسل، والكتب السماوية، والعبادات، والتحليل والتحريم، ومفهوم الثواب والعقاب والغفران، وتفسير القيامة والجنة والنار. هذه الاختلافات الأساسية ستظل قائمة ولن تنتهي إلا في ثلاث حالات: الحالة الأولى هي انتهاء الايمان من الكرة الأرضية حيث يكفر العالم بأسره في الدين وهذا غير ممكن الحدوث. والحالة الثانية: هي إنتصار دين واحد على الأديان الأخرى والغائها وهذا أيضا لا يمكن حدوثه في هذا العالم الحديث بعلومه وفلسفاته المتعددة والمتناقضة، ورغبته في البحث والشك والتساؤل. والحالة الثالثة: هي نهاية الوجود الإنساني على هذا الكوكب!

إذا ابتعد أتباع الديانات عن التركيز على الاختلافات والخلافات العقائدية التي تفرّقهم وكانت السبب في حدوث حروب وحمامات من الدماء في الماضي والحاضر، وقد تقود إلى المزيد من الحروب والدمار في المستقبل، واستبدلوا الشك العقائدي بالثقة والتعاون والعمل من أجل السلام، وحوّلوا فلسفة التزمت الديني وإقصاء الآخر إلى فهم الآخر واحترامه والتعامل معه بأدب من أجل الخير العام، فإنهم سيساهمون في بناء عالم إنساني مسالم قائم على الوئام والحب والتسامح، ويتركون خلافاتهم لربهم ليفصل فيها.

الله يريد لنا جميعا الخير والسعادة والسلام كما يقول الانجيل ” سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل إعطوا مكانا للغضب لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب.” فلسفة التعايش المشترك أيضا مهمة جدا في الثقافات الدينية والفلسفية الآسيوية كالبوذية التي يقول مؤسّسها بوذا، واسمه الحقيقي ” سدهارتا غوتاما “،” إن الكراهية لا توقفها الكراهية، فقط الحب يوقفها، هذه قاعدة عالمية”؛ والطاوية التي أسّسها ” لاو تسو” تعارض الحروب واستخدام العنف بشدة وتركّز على إبراز فطرة البشر السلمية البريئة؛ يقول تسو ” الحكمة هي معرفة الآخر، والتنوير هو معرفة النفس، والتحكم بالآخرين يتطلب القوة، والتحكم بالنفس يحتاج إلى عزيمة.”

الله أعطى الانسان حرية الاختيار إكراما له وإجلالا لقدراته العقلية، وليكون مسؤولا عن تصرفاته أمامه وليس أمام أحد غيره. وقد أوضح القرآن الكريم هذا بقوله تعالى ” إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ” ويقول المسيح في الانجيل في نفس السياق ” لقد سمعتم ما قد قيل لكم: إن العين بالعين والسن بالسن، ولكني أقول لكم: أحبوا أعداءكم، واستغفروا لمن يسبكم، وافعلوا الخير لمن يكرهكم، وادعوا لأولئك الذين يسيئون لكم ويضطهدونكم.” المسيح هنا يدعو الناس وبصراحة لا لبس في مضمونها إلى التفكير، وإعمال العقل ومعاملة الآخرين على أساس أخوي تسامحي بعيد عن الغلو والتعصب الديني.

قد يقول قائل كل دين يجزم أنه هو الأصحّ ويرفض الأديان الأخرى؛ وبعض الأديان تدعوا إلى إكراه الآخر على اعتناقها وتبيح محاربة أتباع الديانات الأخرى؛ هذه حقائق لا يمكن إنكارها؛ أضف إلى ذلك أن كل دين فيه شرائح من المتعصبين من رجال الفكر والدين والسياسة والدجالين الذين يستخدمون الدين لتحقيق اهداف سياسيّة ووجاهة اجتماعية ومكاسب مادية. لكن ألمثقف الملتزم بالبحث عن الحقيقة والدفاع عنها لا يمكن أن يكون متعصّبا دينيّا؛ بل إنه يحارب التعصّب بكل صنوفه، ويرفض استخدام الدين والتديّن لتحقيق أهداف سياسية أو منافع شخصية؛ ويؤمن بحق أتباع الأديان المختلفة في الاحترام والتقدير، ويرفض إصدار الأحكام على من يختلفون معه في الدين، ويحاول ان يبني جسورا من التعاون معهم لتعزيز السلام والوئام بين شعوب العالم.

في هذا العالم الصغير المتغيّر الخطير المتشابك المصالح يجب علينا جميعا أن نحترم الاختلاف الديني ونقبله ونتعايش معه، كما قبله واحترمه الأنبياء والرسل وفلاسفة وحكماء ومصلحي العالم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى