الأنظمة الإقليميّة العربيّة المتهاوية ومستوى وعي الشعب

لم يتمكّن أي قطر عربي حتى الآن من إقامة دولة مؤسّسات ديموقراطيّة ناجحة مستقرّة تفصل السلطات الثلاثة: التنفيذيّة، والتشريعيّة، والقضائيّة، وتعطي الشعب حقّه في اختيار ممثّليه وقياداته بحريّة وتضمن التبادل السلمي للسلطة؛ بل إن كل قطر يحاول الاستمرار في السيطرة على الأوضاع الخطيرة التي يعاني منها بممارسة المزيد من الاستبداد والضغط على الشعب وتضليله بتغيير الوزارات، وصرف مئات الملايين من الدولارات على وسائل إعلامه العديمة المصداقية، وبمشاركته في مؤتمرات الجامعة العربية الفاشلة وفي قمم الكذب والخداع وحبك المؤامرات التي يعقدها الحكام.

فشل الأنظمة العربية معروف محليا ودوليا؛ فعشرات مؤتمرات القمّة العربيّة والخليجيّة، ومئات اجتماعات جامعة الدول العربية لم تحقّق شيئا يذكر للأمة العربية، بل إنها ساهمت في زيادة تفكّكها وتعقيد مشاكلها السياسية والاقتصادية؛ وأحدث الدلائل على فشل الاجتماعات العربية كانت نتائج مؤتمري القمة العربي والخليجي الأخيرين التي تجاهلت قضايا الأمة الرئيسية وركزت على دعم العدوان الأمريكي الإسرائيلي على إيران.

الأنظمة العربية أخفقت في التعلّم من تجاربها الفاشلة، وأمعنت في تجاهل إرادة الشعب وآماله وطموحاته القطريّة والقوميّة، وفشلت في حل مشاكله المعيشية وأرهقته بالضرائب، وضحت بمصالحه القومية الكبرى بتنازلها عن فلسطين والقدس والجولان وبتخلّيها عن الفكر القومي الوحدوي من أجل مصالح شخصيّة ومحليّة مؤقّتة، واستعانت بجهات أجنبيّة لها نواياها الخبيثة وأطماعها في وطننا، واستخدمت المال العربي المسروق من الشعب لتقديم الرشاوى وشراء الذمم واسكات المواطنين، وغذّت القبليّة والطائفيّة وأثارت الفتن والانقسامات بين أبناء الوطن العربي الواحد، ووظّفت قوى إرهابية متخلّفة رافعة رايات التعصب الديني في سبيل اسقاط هذا النظام أو هذا الحاكم أو ذاك.

الهوة بين هذه الأنظمة وبين الشعب العربي في كل قطر تزداد عمقا واتساعا وستقود لسقوطها عاجلا أم آجلا، لأن وجودها يتعارض مع أبسط قواعد العدالة والديموقراطية، ولأنها لا تدرك أن مستوى وعي الشعب العربي قد تغير، وان عشرات ملايين الشباب العرب الذين يختلفون علما وثقافة ووعيا عن الأجيال السابقة يعانون من استبدادها ومن الفقر والحرمان، ويحمّلونها مسؤولية الأوضاع الكارثية التي يعاني منها وطننا العربي، ويعتقدون أنّه لا أمل في إصلاحها، ولا حل لمشاكل الأمة إلا بزوالها واستبدالها بأنظمة ديموقراطية تحمي الوطن، وتزيل الحواجز الجغرافيّة والاقتصاديّة والثقافيّة التي تمزّقه وتشتّت أبناءه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى