المسلسلات التركية.. بهرجة في المناظر والازياء والنجوم، وفقر في المستوى والمضمون
انتهز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأجواء الرمضانية وانتشار المسلسلات التركية، ليقطف ثمار نجاحها لصالحه ولصالح حزبه، رغم هجومه الشرس على الكثير من نجوم هذه الأعمال الذين انتقدوا سياساته والقيود التي يفرضها على حرية الرأي والتعبير.
وشهدت الدراما التركية في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا لعدة أسباب تتعلق بجهود شركات ومنتجين وفنانين أتراك، اعتمدوا وصفة جذابة لاستقطاب المشاهدين، من المناظر الطبيعية والديكورات والأزياء والنجوم الشباب والقصة الكلاسيكية الملائمة لأي جمهور في أي مكان، وبلغ حجم تصدير المسلسلات قرابة 350 مليون دولار.
ووجد الرئيس التركي هذه الفرصة مواتية للاستغلال، وقال في تصريحات نقلتها عنه وكالة الأناضول إن المسلسلات التركية باتت تحظى بمشاهدة 500 مليون شخص في 156 دولة.
وجاء ذلك خلال حضوره فعالية ثقافية بمدينة إسطنبول، وسط مشاركة بارزة من الفنانين الأتراك. وأشار أردوغان إلى أن هذا الإنجاز تحقق بفضل الدعم الذي قدّمه حزب العدالة والتنمية لهذا القطاع منذ مجيئه إلى السلطة. وأعرب الرئيس التركي عن شكره للفنانين حيال المساهمات التي يقومون بها من أجل رفع شأن تركيا. وأكّد على أهمية الثقافة والفن والرياضة باعتبارها قيما مشتركة بالنسبة إلى جميع الأمم.
ولفت إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية زادت الدعم للأنشطة الثقافية في البلاد 50 ضعفًا مقارنة بالوضع عام 2002. وأضاف أن تركيا تحولت إلى ماركة عالمية في مجال المسلسلات، التي تحظى حاليًا بمشاهدة 500 مليون شخص في 156 دولة. وأوضح أن تركيا صارت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في قطاع إنتاج المسلسلات.
ولا يخفى أنها مصادرة علنية لجهود الفنانين الأتراك الذين يعدون في نظر أردوغان فئة مارقة ولا يطمئن لها بسبب النظرة السائدة عن عدم تدين الفنانين أو عدم انخراطهم في تيار الإسلام السياسي الذي يدير دفته أردوغان ويدافع عنه.
ويثير انتشار المسلسلات التركية على الشاشات العربية خلال العقدين الأخيرين الكثير من التساؤلات حول مستواها الفني والفكري والدرامي وحول ما قدمته للجمهور العريض الذي يشاهدها. ومما لا شك فيه أن المؤسسات الإنتاجية التركية وجدت في هذه المسلسلات سوقا رائجة في العالم العربي بالنظر إلى كثرة المشترين ووجود جمهور عربي واسع يستمتع بمشاهدتها.
لكن واقعيا قدمت هذه المسلسلات تسلية مجانية ونوعا من الدراما طويلة النفس وذلك بسبب طول تلك المسلسلات والسخاء الواضح في الإنفاق على الديكورات والأزياء. وذكرت دراسة أجرتها وزارة الثقافة التركية أنّ أعمال المسلسلات التلفزيونية التركية انتشرت بشكل متزايد في الآونة الأخيرة لتصل إلى أكثر من 100 بلد، وأنها أثّرت فعليا على شريحة واسعة من النساء.
وقالت الدراسة إن عدّة نساء أظهرن رغبة في أن يكن قويات وشجاعات مثل شخصيات المسلسلات التركية وأن يتبنّين الأفكار نفسها. وتركز هذه المسلسلات على المبالغة في الرومانسية وفيض المشاعر العاطفية الجياشة بين المحبين مما يدفع النساء عموما -وخاصة اللاتي يعشن حياة التصحر والجفاف العاطفي- إلى التعلق بهذا النوع من المسلسلات، كما تكثر فيها المقاربات الجذّابة.
كل ذلك يدفع المشاهد بطبيعته الإنسانية إلى أن يميل إلى أبطال هذه الأعمال وما يقومون به. ولكن من جهة أخرى، تمرر هذه المسلسلات مجموعة من القيم الهدامة والمسيئة إلى الأسرة والمرأة من أهمها الإفراط في العنف والمؤامرات والدسائس والخيانات التي تشكل علامة فارقة لهذه المسلسلات. وأما على صعيد العلاقات الاجتماعية فيلاحظ تفشي ظاهرة التفكك الأسري والعنف ضد المرأة والابتزاز العاطفي والجنسي، وهي سلوكيات صارت متغلغلة في الحياة التركية لذلك تنعكس في المسلسلات التركية.
ومن الأمثلة “نساء حائرات”، النسخة التركية من المسلسل الأميركي الشهير، وهو مسلسل في ستة أجزاء، يسرد يوميات مجموعة من النساء العازبات المتزوجات والمطلقات، يعشن في حارة تسمى حارة الوردة، وبعد مشاهدة حلقات متفرقة من هذه الأجزاء يظهر أن هذه الحارة أبعد ما تكون عن الحارات الشعبية، فالمسلسل يظهر أنهن يعشن في الحارات غير أن بيوتهن فارهة وتتضمن أثاثا فخما وكل شيء مؤمّن حتى الكماليات، وهو أمر لا يخلو من المبالغة وخداع المشاهد.
وتقدم المسلسلات التركية قصصا طويلة وحكايات يجري استنزافها إلى أوسع مساحة زمنية ممكنة، لأن ذلك يساعد على ارتفاع ثمن البيع كلما زاد عدد الساعات، كما تقدم صورة عن مجتمع له تركيبته الخاصة التي لا تشبه طبيعة المجتمع العربي.
وإذا كانت المسلسلات التركية قد وفرت تسلية للمشاهدين في العالم العربي وخارجه فإنها من جانب آخر فضحت قضايا اجتماعية يعيشها المجتمع التركي، ولعل آخر ما تم عرضه مسلسل “الحفرة” الذي يتناول واقع مدينة إسطنبول تحديدا بشكل صادم حيث تنتشر مافيات الجريمة المنظمة ويسود الخطف والاغتصاب وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر والدعارة.