من فتوى الشطاف إلى دعم الإرهاب.. العقلية ذاتها
بقلم : السيد شبل
خلال الفترة الماضية، فوجيء الوسط الثقافي والإعلامي العربي، بأحد المشايخ المتخرجين من جامعة الأزهر، ويدعى أنس السلطان، وهو يقدّم فتوى تحذر من استخدام “الشطاف” عند التطهر بعد قضاء الحاجة، باعتباره أنه قد يتسبب في إفطار الصائم، كيف؟ عبر اندفاع الماء بقوة، حيث تصل المياه لجوف الإنسان، ناصحًا بالانتباه لهذا الأمر، وتوخي الحذر (!!).
وقد أثارت الفتوى، وكما هو متوقع، حالة واسعة من الجدل والسخرية والتهكم، وبقيت مستمرة لعدة أيام، واستدعت القصة تعليقات من مشايخ ودعاة آخرين.
لكن هذه العينة من الفتاوى لا تصير مستغربة لو نظرنا إلى طبيعة منهج هذا النوع من الدعاة الذي يبحث عن تلك التفصيلات الفارغة والتي لا لزوم لها، وكأنه يُظهر بذلك مدى “تقواه” و”حرصه الديني”!، وكذلك لا يصير الأمر بمجمله محل دهشة إن عرفنا أيضًا أن صاحب تلك الفتوى هو ذاته “أنس السلطان” أحد الدعاة المحرضين على اشتعال الحرب في سورية، والصديق المقرب من “محمد محرز”، وهو: سلفي متأخون، وشقيق “ياسر محرز” المتحدث باسم جماعة الإخوان، والذي كان قد خضع لتأثير الإعلام المضلل والفتاوى المتطرفة، واختار أن يكون جنديًا في الهجمة الغربية على سورية، وبالتالي دخل إلى أراضيها عبر تركيا في عام 2013، وقاتل هناك دعمًا للعصابات الإرهابية في حلب، وتم قتله على يد الجيش العربي السوري، بحسب ما أعلن حينها في مصر.
وقد كان “أنس”، بحسب تصريحاته، هو الشخص الذي أوصل الإرهابي “محمد محرز” إلى أحد مشايحه الكبار الذين يقومون بالإفتاء ليدعمه في نيته الذهاب للقتال في سورية، ثم كان ممن تولّوا الدفاع عن “محرز” بعد مقتله، كما قام بمهمة “التأصيل الشرعي” لقتاله مع العصابات المخربة في تصريحات إعلامية مختلفة، وفي مقال نشره مخصوص لهذا الهدف على صحيفة الوطن المصرية تحت عنوان “محمد محرز شهيد الإسلام فى سوريا” بتاريخ 17 فبراير 2013، والمقال لا يزال موجود حتى الساعة.
ولا تزال صفحة “مفتي الشطاف” زاخرة حتى اليوم بمنشورات من هذا النوع الداعم لدعشنة وتخريب سورية العروبة، وتعود إلى أعوام 2011 و2012 و2013.
وكان “أنس” قد تم القبض عليه في مصر خلال عام 2015، مع شقيقيه بسبب انتسابهم لجماعة إرهابية، وعقدهم لقاءات سرية مع شباب الإخوان في أحد مساجد منطقة مدينة نصر شرق القاهرة، ويدعى مسجد “نور الرحمن”، وقد تم اتهامه رسميًا بالتحريض على مؤسسات الدولة وقوات الجيش والشرطة، والسعي للإضرار بالوحدة الوطنية، والدعوة لقطع الطرق والاعتداء على الأملاك العامة.. إلخ، لكن حصلت حملة إعلامية قوية من الإخوان وغيرهم من الذين انطلت عليهم دعايات الإخوان للإفراج عنه، وهو ما تمّ بعد مدة.
أما شهرة هذا “المفتي” في الأوساط المصرية، فكانت بالأساس عندما ركب موجة الأحداث ما بعد يناير 2011، واحتضنته فضائية الجزيرة بدرجة ما، ثم أسس مع آخرين ما أسماه “شيخ العمود”، وهي حالة دعوية زعمت التجديد والوسطية و”تعليم العلوم الإسلامية لغير المتخصصين”، لكنها كانت مرتبطة بجماعة الإخوان ومنهجها وأفكارها، ولم تكن تجديدية في شيء، سوى خلط السلفية ببعض الأفكار الصوفية، والحديث بشكل أوسع في الرقائق، وعبر تجنب الاقتصار على المنهج الوهابي، وتوسيع الكلام في فقه المذاهب الأربعة (طبعًا مع إهمال أي منحى تقدمي برز في تركة الفقهاء من أمثال أبو حنيفة، ومع التشديد على عدم مفارقة دائرة المذاهب الأربعة اتفاقًا مع نزعات مذهبية متعصبة).
وهذا النوع من السلفية الذي تبنته تلك المؤسسة، ربما يكون أخطر من السلفية التقليدية، بسبب مكرها، وبسبب قدرتها على اختراق الشرائح المتعلمة والمستريحة ماديًا بدرجة أكبر، كما تم النظر إلى نشاط تلك المؤسسة العنكبوتية باعتباره طريق لغسل سمعة الحالة الإسلاموية، ولتمرير التسلّف والجمود والشلل العقلي بـ”لُطف ونعومة وابتسامات صفراء لزجة”… ولربما كانت “فتوى الشطاف” مناسبة جيدة لنذكّر بكل تلك الأشياء الضارة وغير المألوفة التي تنتجها تلك العقول العليلة.