فرص العدوان الأمريكي على إيران.. والموقف المقاوم

 

لنتابع باهتمام ما يفعله الأمريكي “دونالد ترمب” ضد إيران من تصعيد وحشي في الحصار الاقتصادي، بالتزامن مع حشد للقوة العسكرية بالخليج العربي، وصل إلى إرسال منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع باتريوت وحاملة طائرات “إبراهام لينكولن”، بالإضافة إلى نقل قاذفات بي 52 الاستراتيجية إلى القواعد الأمريكية في قطر المحكومة من قبل الدُمى الأمريكية من آل ثاني، وذلك مع تهديد جاد وماثل باستخدام تلك القوة وغيرها، فلا ننسى أن الأسطول الخامس الأمريكي يتخذ من البحرين ومياهها قاعدة له، والغرض الأمريكي هو الضغط والابتزاز أو الإخضاع الكامل.. سنرى!.

بخصوص وقوع الحرب من عدمها، فهناك رأي يقلل من احتمالات حصولها، ويؤكد أن هناك وعي في الإدارة الأمريكية بأن مثل تلك الخطوة كافية لإشعال المنطقة ككل، وربما جرّ العالم الحليف لإيران للاشتباك رأسًا مع واشنطن، ونشوء شبه حرب عالمية ثالثة، ويشير إلى أن خطوة تحريك الآليات العسكرية هي بمثابة حرب نفسية بالأساس، وجزء من خطة لتخويف طهران (وهذا الرأي هو ذاته رأي رئيس قوات الحرس الثوري، المُعيّن بمنصبه حديثًا، الجنرال حسين سلامي، الذي قاله لبرلمانيين إيرانيين منذ أيام، مؤكدًا أيضًا أن واشنطن تفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة، ومتوعدًا بأن بلاده ستضرب الولايات المتحدة في رأسها)، هناك على الضفة الأخرى من يرى أن ثمة تيار أقرب للغشامة ويحكمه إحساس عميق بفائض القوة داخل الإدارة الأمريكية، ولديه اتفاق قوي مع مصالح الكيان الصهيوني ومدعوم من القواعد السياسة والشعبية التي تنتمي لتيار “المسيحية المتصهينة”، وهذا التيار يرغب في توجيه ضربة ما (كاملة أو محدودة) لإيران.

وأيًا ما كانت الملاحظات أو التحفظات على النظام الحاكم في إيران، فإن هذا ليس مجالها، لأن الموقف المبدئي وفي كل الأحوال هو بالضد من العدوان الأمريكي الذي يعتمد على مجموعة من الأنظمة الرجعية الخائنة الحاكمة للممالك الخليجية (وهي ذات الأنظمة التي تآمرت على العراق، ليبيا، وسورية.. وهي نفسها التي عادت عبد الناصر في الماضي، وسعت لإجهاض مشاريع التحرر الوطني في العالم العربي عامة). ومما لا شك فيه أن كل شخص معادي للإمبريالية في الوطن العربي ملتزم بأن يكون له موقف مقاوم ضد هذا العدوان أو التهديد به، كما يلزم ربط هذا الموقف بحالة المقاومة العامة لأي احتمال عدوان أمريكي على أي عاصمة مستقلة وباحثة عن الحرية من لاباز وكاراكاس إلى بيونج يانج.

ويأتي الرفض للعدوان انطلاقًا من الدفاع عن دولة جارة يجب صيانة استقلالها وسيادتها، وتأسيسًا على كون ضعف إيران في هذه اللحظة، سينعكس سلبًا على حلفائها بالصعيد العربي/المحور المقاوم في سورية واليمن وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ويتسبب أوتوماتيكيًا في فرح لدى الكيان الصهيوني، ووعيًا بأن نجاح واشنطن في “تأديب” طهران يعني أن كل ما ربحناه خلال الأعوام الماضية من عودة لفكرة تعدد الأقطاب، قد ذهبت هباءًا، لأن نجاح المهمة الأمريكية، يعني أن الصين وروسيا ضعيفتان في صدّ التمدد الأمريكي، وهذا ما لا نراه، بل نرى صعود روسي-صيني حقيقي ومؤثر.

المؤكد أيضًا أن المعركة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران -إن وقعت- فلن تكون سهلة، وطهران لن تكون لقمة سائغة، ولا نقول ذلك لأننا نحبها أو نكرهها، لكن لأنها قوية بالفعل بنفسها وبموقعها الجغرافي المحوري وبتحالفاتها في عالم جديد متعدد الأقطاب بالفعل ويختلف عمّا كان عليه الحال في 1999 عندما وقع العدوان على يوغوسلافيا أو في 2003 مع العدوان على العراق أو حتى في 2011 مع الحالة الليبية، كما أن النظام في طهران صلب وشديد ويُمسك البلد بقوة وإحكام، ولديه تشكيلات عسكرية مؤدلجة ولديها من العقيدة ما يدفعها للقيام بمهمات فدائية عن طيب خاطر، ومؤكد لديه ما يمكّنه من أن ينقل المعركة المسلحة ضد أمريكا خارج حدود إيران، ويُشعلها نارًا بالفعل.

أخيرًا، كان الكاتب “كون هالينان” على موقع “كاونتر بنش” دقيقًا للغاية حين ذكر أن تتبع السياسة الخارجية لإدارة ترامب أمر يشبه محاولة تتبع هرّ على الصفيح الساخن، فترمب فعلًا يقول الكلام وعكسه تقريبًا، مثلًا: “سننسحب من سوريا (لكن ليس على الفور)، سنغادر أفغانستان (ربما في وقت ما في المستقبل)، المكسيك ستدفع ثمن الجدار (لا، ليس بالضبط)”. أما السعودية وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين وكوريا الشمالية، فهم أصدقاء ترامب اليوم، وأعداء له غدًا.

وهذا يجعلنا بالفعل نتربص بخطوة ترمب التالية تجاه طهران، خاصة في ظل وجود مستشار الأمن القومي “جون بولتون”، الذي له مدة طويلة يحرض على الحرب ضد إيران ويدعمها، بالضبط كما يحرض على فنزويلا وكوريا الشمالية، ويكيد لهما، ويخطط للإطاحة بنظاميهما، كذلك في ظل إدراك الإدارة الأمريكية بأن محاولات إنتاج ثورة ملونة في الداخل، قد فشلت، وكذلك وعيها بأن العقوبات الاقتصادية لم تؤدي للمتوقع منها، وهو أمر منطقي، وقد صمد النظام الكوبي أمام خمسة عقود تقريبا من العقوبات ولم يتغير، كما أن واشنطن لا تتحكم بالعالم كله رغم قوتها، نقول هذا دون أن يجرنا التفاؤل لإنكار فداحة آثار تلك العقوبات، والتي سعى من خلالها الأمريكي لا لمنع شركاته فقط من ممارسة الأعمال التجارية مع إيران، بل امتد لتهديد جميع الشركات الأجنبية والمصارف الدولية التي تتاجر معها، وعمل على الحد بشدة من قدرة إيران على بيع نفطها، وهو مصدر إيراداتها الرئيسي، مما تسبب في إيذاء الطبقات الوسطى والفقيرة داخل إيران، من خلال إضعاف قيمة الريال وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وتراجع مستويات المعيشة، بالإضافة إلى آثار سلبية على القطاع الصحي، وتحديدًا الدواء المستورد، وقد برزت الآثار المخربة للعقوبات خلال الفيضانات التي تعرضت لها إيران، بوضوح.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى