بعد تعمق الازمة.. حكومة أردوغان المفلسة تسطو على احتياطي البنك المركزي

انزلقت تركيا بشكل متسارع إلى استخدام آخر احتياطياتها لترقيع الموازنة ومقاومة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، في ظل تأكيد التقارير الدولية هشاشة تلك الاحتياطيات، ولجوء البنك المركزي إلى أساليب ملتوية لتضخيمها من خلال عمليات احتيالية.

وقد شكك محللون بقدرة الحكومة التركية على مواصلة الدفاع اليائس عن الليرة المتهاوية، وتصحيح الاختلالات المالية العميقة، بعد تأكيد مسؤولين أن وزارة الخزانة التركية تعكف على مشروع قانون لتحويل 40 مليار ليرة (6.6 مليار دولار) من احتياطيات البنك المركزي القانونية إلى ميزانية الحكومة.

ونسبت وكالة رويترز إلى 3 مصادر حكومية، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنها غير مخولة بالحديث علنا، تأكيدها أن عجز الميزانية أكبر من المتوقع، في دليل جديد على لجوء حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى التلاعب بالبيانات لإخفاق عمق الأزمات.

ولم يتضح ما إذا كانت مسودة القانون سوف تُطرح على البرلمان أو توقيت ذلك، لكن أحد المصادر قال إن ذلك سوف يحدث “قريبا”.

وكانت صحيفة فايننشال تايمز قد كشفت عن عمليات احتيال منظمة لتجميل الاحتياطيات الضئيلة. وقالت إن ذلك يثير مخاوف المحللين والمستثمرين من أن أنقرة تبالغ في تقدير قدرتها على الدفاع عن نفسها مع تجدد انحدار سعر صرف الليرة.

وانزلق الاقتصاد في حالة من الركود العام الماضي بعد انحدار سعر الليرة. وتتعرض العملة لضغوط من جديد، فيما يرجع جزئيا إلى مخاوف من استنزاف احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي والتي قد تصبح ضرورية في التصدي لأزمة أخرى.

وتشير قواعد عمل المصارف المركزية إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي تختلف عن الاحتياطيات القانونية التي يجنيها البنك من الأرباح بموجب القانون، لكي تستخدم فقط في الظروف الاستثنائية.

وتؤكد بيانات موازنة البنك المركزي أن الاحتياطيات القانونية بلغت في نهاية العام الماضي نحو 27.6 مليار ليرة.  وقال أحد المصادر إن الاحتياطيات القانونية للعام الماضي بالإضافة إلى احتياطيات العام الحالي تصل إلى 40 مليار ليرة التي ذكرتها المصادر الثلاثة. ويعني ذلك أن ضغوط حكومة أردوغان ستجبر البنك المركزي على التخلي عنها جميعا.

وأضاف أن “لدى البنك المركزي التركي نحو 40 مليار ليرة من الاحتياطيات القانونية، وهو ما سيتم تحويله إلى ميزانية الحكومة المركزية لعام 2019 في خطوة تهدف لتحسين الميزانية وتعزيزها”.

ومن غير الواضح بعد حجم الاحتياطيات التي قد يجري تحويلها في نهاية المطاف ولا ما إذا كان البنك المركزي سيخضع لأي متطلبات جديدة. ولم يصدر أي توضيح من مسؤولي البنك المركزي أو وزارة الخزانة.

وسيكون التحويل هو الخطوة الثانية من نوعها التي تقوم بها أنقرة في الآونة الأخيرة لاستغلال أموال البنك المركزي من أجل تعزيز ميزانيتها. وكان البنك قد حول في يناير الماضي نحو 37 مليار ليرة من أرباحه إلى الخزانة قبل الموعد المقرر بثلاثة أشهر.

وقال أحد المصادر “لا أتذكر استخدام الاحتياطيات القانونية للبنك المركزي من قبل. هذه الطريقة توصلوا إليها للحيلولة دون المزيد من التدهور في الميزانية. يتطلب الأمر تشريعا لتحويل الاحتياطيات القانونية. من المقرر إحالة التشريع الجديد إلى البرلمان قريبا”.

وتشير بيانات وزارة الخزانة والمالية إلى تسجيل ميزانية تركيا عجزا بقيمة 36.2 مليار ليرة في الربع الأول من العام الحالي. وترجح أن يصل العجز إلى 80.6 مليار ليرة في مجمل العام.

وتنزلق الحكومة بوتيرة خطيرة في مستنقع التجميل اليائس لصورة الاقتصاد القاتمة وتدفع ثمنا باهظا لحقن الليرة بالمنشطات بشكل مؤقت لأغراض سياسية استعراضية، للتغطية على انهيار ثقة المستثمرين.

وقامت المصارف الحكومية في الأسبوع الماضي ببيع مليار دولار وأوقف البنك المركزي عمليات الاقتراض بين المصارف في إجراءات ملتوية لحقن الليرة بمنشطات مؤقتة. وتلوح في كل تلك الإجراءات إملاءات الرئيس التركي، الذي يتصاعد غضبه كلما تراجعت الليرة، والذي يتهم مؤامرة خارجية لتخريب الاقتصاد التركي.

ووجه أردوغان سهام غضبه إلى وسائل الإعلام الغربية، وأشار بالتحديد إلى صحيفة فايننشال تايمز، وذلك على خلفية التقارير التي تصدرها بشأن حالة الاقتصاد التركي.

ويمكن لتصاعد الشكوك باستقلالية البنك المركزي، أن يفاقم مخاوف المستثمرين بعد تصاعد الشكوك بسيادة القانون والقواعد الاقتصادية خاصة بعد قرار إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول.

ويقول محللون إن قبضة أردوغان على جميع مؤسسات الدولة بعد التحول إلى النظام الرئاسي في يونيو من العام الماضي فتحت الباب لقيام دكتاتورية الحاكم الأوحد.

ويرى محللون أن السياسات الارتجالية التي تتعارض مع القواعد الاقتصادية الراسخة والافتقار للإصلاحات الهيكلية تثير قلق المستثمرين، خاصة في ظل الشد والجذب في ملف الخلافات مع الولايات المتحدة.

وتقول صحيفة فايننشال تايمز إن المحللين والمستثمرين يشعرون بالقلق من أن حالة الدفاعات المالية الهشة تجعل البلاد غير مجهزة للتعامل مع أي أزمة سوق محتملة.

وأكدت أن المستثمرين يتخوفون بالفعل من ضخ أموال في الاقتصاد التركي في ضوء اتجاهات السياسة الاقتصادية الحالية، خاصة في ما يتعلق بتدخلات أردوغان في السياسات المالية والاقتصادية.

وكشفت مصادر مطلعة هذا الأسبوع أن مجموعة من المستثمرين الدوليين أجروا مباحثات مع مسؤولي البنوك التركية، لبحث شراء ديون متعثرة في إطار خطة حكومية تركية لتخليص البنوك من تلك الديون.

وأكدت أن مصرفي الاستثمار الأميركيين غولدمان ساكس وباين كابيتال، بدآ أمس اجتماعات في إسطنبول شارك فيها البنك الأوروبي للإعمار والتنمية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.

وتدرس تلك المؤسسات شراء جزء من الديون المتعثرة من البنوك التركية، لكن محللين يقولون إنها عملية تنظيف تجميلية قد تكون باهظة الثمن بسبب صعوبة تحصيل الديون التي يجري التفاوض بشأنها. وسبق للسلطات المالية التركية أن لجأت إلى إجراءات ملتوية لإخفاء الخراب الاقتصادي بوسائل دعائية خاصة قبل أيام من الانتخابات البلدية التي جرت نهاية مارس/اذار الماضي في محاولة للتأثير على أصوات الناخبين.

وجندت حكومة أردوغان كافة أسلحتها لتجميل الليرة من أجل عبور حاجز تلك الانتخابات في نهاية مارس الماضي، لكنها خسرت مدينتي إسطنبول وأنقرة. وتمكنت لاحقا من فرض إعادة الانتخابات في إسطنبول وهو ما أدى لانفجار مخاوف المستثمرين من انهيار سيادة القانون في البلاد.

ويمكن أن يندفع أردوغان بشكل أكبر لخداع الناخب التركي بالإجراءات المالية التجميلية لضمان الفوز في تلك الانتخابات المقررة في 23 يونيو/ حزيران المقبل، في وقت يقول فيه محللون إنه يغامر بدفع الاقتصاد التركي إلى حافة الانهيار الشامل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى