قصة نزوح بني إسرائيل إلى مصر فى عهد يوسف
كتب سامح سامي
التاريخ اليهودى يحمل فى طياته كثيرا من الجدل والتأويلات. يحتاج إلى مجلدات لشرحه وفهمه، وإلى علماء ومفكرين لفك شفراته وتتبع أحداثه، إذ يتداخل فى التاريخ اليهودى ما هو إنسانى، وما هو دينى، ومن ثم يبدو مربكا وشديد التعقيد فى نظر غير الدارسين. ولا شك أن تناول قضية اليهود بالدراسة يثير عدة إشكاليات من أهمها صعوبة الفصل بين المصطلحات، وتقديم تعريف علمى لكل منها. حيث إن الخلط بينها يؤدى إلى تشويه قد يجرفنا بعيدا عن التفكير العلمى الدقيق. فكيف يستقيم التفرقة بين اليهودى أو الإسرائيلى، وكيف نفصل الدين اليهودى عن السياسة؟!، وكيف نستطيع أن نفسر ما تقرره اليهودية أن عهد الله مع «إسرائيل» ــ المقصود اليهود، وليس الدولة الإسرائيلية الصهيونية ــ هو عهد دائم وحصرى ولن يبطل، بحسب ما جاء فى سفر التكوين 12: 1ــ 7؛ 15: 4ــ 7؛ 17: 1ــ 8، وسفر اللاويين 26: 44ــ 45، وسفر التثنية 7: 7ــ 8.
لذلك حاول الشيخ الكبير الراحل محمد سيد طنطاوى أن يدرس ذلك التاريخ فى دراسة بحثية، وليس مجرد كلام إنشائى دعائى، فخصص رسالته للدكتوراه عام 1969، لتتبع تاريخ بنى إسرائيل وأحوالهم منذ هجرتهم إلى مصر، وشرح منهاج القرآن فى دعوة أهل الكتاب، ووصف مسالك اليهود لكيد المسلمين، وقد ساق طنطاوى عشر وسائل من وسائلهم الخبيثة التى اتبعوها لكيد الإسلام والمسلمين، ثم ختمت هذا الفصل ببيان موقف الرسول (ص) منهم، وبحث فيما حدث فى الغزوات بين المسلمين واليهود، مع التعرض لنعم الله على بنى إسرائيل.
وقراءة رسالة الشيخ طنطاوى الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الصادرة عن دار «الشروق» تحت عنوان«بنو إسرائيل فى القرآن والسنة» فى طبعة حديثة، تؤكد أن التاريخ اليهودى تاريخ شاق، صعب إمساكه والاهتداء إلى حقيقته، ولكننا سنحاول هنا تقديم خلاصة ما كتبه الشيخ طنطاوى فى دراسته.
ولكن يجب الإشارة إلى ما جاء فى الغلاف الخلفى للكتاب، والتى تؤكد أنه «كتب الكاتبون مئات الكتب والبحوث والمقالات عن اليهود وعن فلسطين إلا أن معظم ما كتبوه ينصب على الجوانب السياسية والتاريخية والاقتصادية والعسكرية… أما الجانب الدينى فمازال فى حاجة إلى الكتابة العلمية الرصينة التى تستمد حديثها عن اليهود من كتاب الله تعالى، ومن ُسنة رسوله».
فى مبحثه الثانى الذى حمل عنوان: «نظرة مجملة فى تاريخ بنى إسرائيل»، تناول طنطاوى «تاريخهم منذ نزوحهم إلى مصر حتى خروجهم منها خلال القرن الثالث عشر ق.م»، قال فيه: «يرى بعض المؤرخين أن يعقوب عليه السلام هاجر بأهله من فلسطين إلى مصر نحو القرن التاسع عشر ق.م على أثر ما حاق بفلسطين من مجاعة. والسبب فى ذلك أن أبناء يعقوب كانوا يترددون على مصر بقصد التجارة فتعرفوا على أخيهم يوسف الذى كان فى ذلك الوقت أمينا على خزائن مصر فأكرمهم وطلب منهم أن يحضروا جميعا ومعهم أبيهم يعقوب ليعيشوا فى مصر وقد لبى يعقوب طلب يوسف وحضروا جميعا إلى مصر وكانوا ستا وستين نفسا سوى نسوة أولاده. وقد ذكرت سورة يوسف قصة يوسف مع إخوته».
ويكمل الشيخ: «عاش بنو إسرائيل فى مصر وطلبوا من ملك مصر أن يسكنهم فى أرض حاسان وهى الآن بلدة صفط الحنة بمحافظة الشرقية فاستجاب لهم ملك مصر وقال ليوسف أبوك وإخوتك جاءوا إليك أرض مصر ففى أفضل أرضها أسكن أباك وإخوتك. عاش بنو إسرائيل فى مصر ومكثوا فيها والذى دعاهم لذلك ما اكتسبوه من خير وما نالوه من أمن والذى كان يحكم مصر وقتها هم الهكسوس والذين كانوا فى بادئ الأمر جماعة من الرعاة فى آسيا ثم انحدروا إلى مصر على أثر المجاعات التى حلت ببلادهم وانتهزوا فرصة انحلال الأسرة الثالثة عشرة الفرعونية، وحكموا مصر لفترة.
ولما تمكن أحمس من الانتصار على الهكسوس وطردهم من مصر وأسس الأسرة الثامنة عشرة، فى القرن السادس عشر ق. م. بدأت المخاوف تراود بنى إسرائيل ولما قامت الأسرة التاسعة عشرة التى من بين ملوكها رمسيس الثانى بدأ المصريون يجاهرون بعداوتهم لبنى إسرائيل وأخذوا يسومونهم سوء العذاب لأنهم كانوا مغرورين وكانوا يسلبون أموال المصريين بطريقة خبيثة كما أنهم تواطئوا مع الهكسوس ضد أبناء الأمة».