وزير تركي سابق: بلادنا في ايدٍ غير امينة حولت كل جيراننا الى اعداء

صرح وزير الدولة التركي للتجارة الخارجية السابق، كورشات توزمان، إن الحكومات المتعاقبة في الآونة الأخيرة قد قضت على سمعة الدبلوماسية التركية التي بنتها أنقرة على مدى سنوات، وإن حكومة الرئاسة التنفيذية الجديدة وضعت علاقات البلاد الخارجية وتجارتها واقتصادها في أيد غير أمينة.

وأضاف أن سوء الإدارة وانعدام الديمقراطية في ظل الغياب التام للشفافية، عوامل جعلت الاقتصاد في حالة يرثى لها قد تستلزم تدخلا من جانب صندوق النقد الدولي.

وأشار إلى أن “تركيا أصبحت بلدا من المستحيل التنبؤ بسياساته الخارجية والاقتصادية، بينما صارت سمعتها في مهب الريح. وفي ظل الوضع الحالي للإعلام والقضاء والسياسة، من المستحيل إقناع أي شخص بأننا بلد ديمقراطي”.

تدهور الموقف الدبلوماسي بشدة منذ أن كان توزمان يتولى ملف التجارة الخارجية في تركيا كوزير دولة خلال الفترة من عام 2002 إلى عام 2009، حيث تحولت البلاد من عصر العلاقات الطيبة مع الجيران، وفق سياسة صفر مشاكل، إلى الدخول في مشاكل مع كافة الأطراف تقريبا.

وبينما أسهمت الفوضى التي نتجت عن الصراع في سوريا بلا شك في هذا الانحدار، يعتقد توزمان أن هذا الانحدار تفاقم بفعل عدم كفاءة الجيل الجديد من الدبلوماسيين. وقال “عندما وصلنا إلى السلطة (في عام 2002)، كان هناك دبلوماسيون من أصحاب الخبرة الكبيرة في وزارة الخارجية. وحققنا قفزات عظيمة معهم. لكن حل محل هؤلاء أشخاص يعطون أولوية للمستوى الجزئي. لا يمكنني حتى أن أصفهم بأنهم دبلوماسيون”.

وأشار الوزير السابق إلى انعدام الخبرة الضرورية للتحول نحو تبني سياسة خارجية تقوم على الأيديولوجيا بدلا من السياسات القائمة على التجارة، والتي كانت تُوجّه العمل الدبلوماسي خلال عمله، أولا كوكيل وزارة للتجارة الخارجية ثم كوزير دولة.

وعلق على ذلك قائلا إن “تركيا كانت تحظى باحترام شديد في ذلك الوقت. عندما كنت أسافر إلى الخارج كوكيل وزارة، كان الوزراء، بل وحتى رؤساء الحكومات، يستقبلونني. هذه السمعة تلاشت تماما الآن”، مضيفا أن قرارات السياسة الخارجية المتناقضة تسببت في خسارة أسواق مهمة.

وأردف قائلا “سياستنا الخارجية وضعتنا في محور، وقد ارتُكبت أخطاء فادحة، وهكذا صار وضعنا. فبدلا من التجارة مع جيراننا، باتت لدينا الآن مشاكل مع جميع الجيران”.

الاقتصاد التركي في حالة يرثى لها

مثلما كان الاقتصاد الطريق الذي قاد حزب العدالة والتنمية إلى تصدّر المشهد السياسي في تركيا لسنوات، منذ سنة 2002، تحول اليوم إلى “نقمة” على الحزب وعلى الرئيس أردوغان، صاحب الصلاحيات المطلقة.

ويعاني الاقتصاد التركي أيضا منذ فترة طويلة من ارتفاع معدل البطالة، وتضخم في خانة العشرات بلغ ذروته في أكتوبر عندما تجاوز 25 بالمئة، فضلا عن تراجع قيمة الليرة بشكل مطرد. وهبطت قيمة الليرة بنحو 30 بالمئة مقابل الدولار في عام 2018.

ويتوقع خبراء الاقتصاد والأسواق المالية تكرر أزمة انهيار الليرة وتصاعد التضخم دون مؤشرات على خروج قريب من المأزق الاقتصادي، بل على العكس من ذلك، فهي تنذر بدخول تركيا إلى نفق أزمة اقتصادية من العيار الثقيل لم تشهدها منذ سنوات.

وبالنسبة لتوزمان، فإن انعدام الكفاءة في الأداء الدبلوماسي انعكس في الإدارة الاقتصادية للبلاد، والتي وضعت تركيا في بداية ركود خلال الربع الأخير من العام الماضي.

ودافع وزير المالية والخزانة بيرات البيرق عن سجله بأن أشار إلى بيانات الحساب الجاري، التي تحسنت كثيرا خلال عام 2018 لتسجل فائضا في شهر أكتوبر، وحامت حول مستوى عجز منخفض منذ ذلك الحين. لكن توزمان لا يرى أن هذه الأرقام تُعطي صورة كاملة عن الواقع.

غير أن توزمان انتقد البيرق والإصلاحات الاقتصادية التي اقترحها. وردّ بقوله إن “وجود زيادة نسبية في الصادرات مع تراجع العجز في ميزان المعاملات الجارية نتيجة لانخفاض حجم الواردات ليس بالأمر الإيجابي… ما ينبغي أن يحدث هو أن تكون هناك زيادة في الواردات يصاحبها ارتفاع أكبر في الصادرات. تركيا لديها اقتصاد يسمح بالتصدير من خلال الاستيراد. خفض الواردات وتقليص العجز في ميزان المعاملات الجارية من خلال إحداث انكماش اقتصادي وإعاقة قطاع الصناعات التحويلية لا يعدان حلاً ولا يشكلان نجاحا”. وأمضى وزير المالية والخزانة الأسابيع الأخيرة يحاول تهدئة مخاوف المستثمرين بشأن تركيا، وذلك خلال سلسلة اجتماعات على مستوى دولي، حيث كشف النقاب عن إصلاحات مزمعة، بما في ذلك في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ولم يلق أداؤه خلال تلك الاجتماعات ترحيبا.

في إشارة إلى ذلك، قال توزمان إن “حزمة الإصلاحات التي طرحها جوفاء. المستثمرون الأجانب ينظرون إلى محتوى هذه الحُزم والشخص الذي يطرحها. كانت هذه الحزم بلا مضمون، وقدمها شخص لا خبرة مهنية له ولا تاريخ في المجال، فضلا عن كونه لا يتمتع بالمصداقية”.

وأضاف “يمكنك أن تخدع نفسك، لكنك لا تستطيع أن تخدع من يعرفون بواطن الأمور، ولن يأخذ أحد كلامك على محمل الجد. على أي حال لا أحد يعرف (البيرق)، وهو رجل بلا تاريخ ولا إنجازات… لا يمكنك أن تفرض النجاح في هذا المجال من خلال اللجوء إلى العروض التقديمية والمباحثات التي لا يأخذها أحد على محمل الجد”.

وبالنسبة لتوزمان، فإن ضعف قيادة البيرق لوزارة الخزانة والمالية هو أحد أعراض تراجع تأثير الطبقة البيروقراطية التي جاءت مع التحول إلى نظام الرئاسة التنفيذية في يونيو الماضي.

وبموجب النظام الجديد، صار هناك ارتباط مباشر بين الكثير من مؤسسات الدولة الأكثر أهمية في تركيا والرئاسة. وقال توزمان إن الوزراء غير الأكفاء قاموا أيضا بإقصاء موظفي العموم المؤهلين من أصحاب الخبرة، والذين ظلت الدولة متماسكة بفضل إدارتهم للأمور في السابق.

وأضاف أن كل هذا أسهم في خسارة تركيا لمكانتها وعرّضها لمشاكل اقتصادية، لكن ما عزز هذه الصورة السيئة هو المشهد السياسي في الداخل؛ فقد أثار المشهد الداخلي مخاوف دولية كبيرة بشأن الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا.

دولة غير حرة

منذ فشل محاولة الانقلاب التي حدثت عام 2016، تشن الحكومة التركية حملة تطهير لمؤسسات الدولة، وتواجه اتهامات باستخدام نفوذها وسلطتها للتخلص من المعارضين السياسيين وعزلهم أو الزج بهم في السجن.

وأثّر ذلك على صورة تركيا التي تتصدر اليوم قائمة أكثر الدول قمعا. وتراجع تصنيفها، من “دولة شبه حرة” إلى “دولة غير حرة” على مؤشر منظمة الشفافية الدولية. وقال توزمان “نحن بحاجة إلى التخلص من الصورة التي تضع تركيا في المرتبة الثانية بين البلدان التي بها أكبر قدر من المخاطر والهشاشة (بالنسبة للمستثمرين) بعد الأرجنتين”، مضيفا أنه “من أجل هذا، فإن الخطوة الأولى هي العودة سريعا إلى الديمقراطية وضمان استقلال القضاء. كما أننا بحاجة إلى استثمارات في البنية التحتية الصناعية”.

ومن غير المرجح أن تؤدي حالة المحاسبة الإبداعية التي جرت في البنك المركزي في الآونة الأخيرة إلى تحسن سمعة تركيا في ما يتعلق بالشفافية. وتحدثت صحيفة فايننشال تايمز عن إشارات إلى أن البنك حصل على قروض قصيرة الأجل لتعويض البعض من مليارات الدولارات التي باعها لدعم الليرة.

وفي هذا الشأن قال توزمان “لا يمكنك حتى أن تكون شفافا بشأن احتياطي البنك المركزي، ومن ثم فإنك تُجَمّل الأرقام وتتلاعب بها… هل تعتقد أن الناس حول العالم لا يرون هذا؟ ألا تعتقد أن العالم يتحدث عن هذا؟”.

إلى جانب تراجع ثقة المستثمرين في الطريقة التي يُدار بها الاقتصاد في الوقت الحالي، قال توزمان إن التحركات التي جرت في الآونة الأخيرة خلقت عجزا في السيولة لدى البنك المركزي وجعلته في حاجة ماسة إلى استثمارات أجنبية تصل قيمتها إلى ستة مليارات دولار لتعزيز احتياطياته.

وأضاف “بعد ذلك، هناك حاجة مُلحة إلى توفير ما يتراوح بين 115-120 مليار دولار للإنفاق. لا أعرف إذا كانوا سيحصلون على هذا المبلغ من صندوق النقد الدولي أم ماذا، لكن يجب أن يحصلوا على هذا المبلغ”.

وشدّد على أن انعدام الشفافية متفش في الحكومة، مشيرا إلى أن هذا تسبب في هروب عدد كبير من الشركات الأجنبية المهمة التي عمل معها كمستشار مالي. وأردف قائلا إن “السبب الذي جعلها تغادر هو نظام العطاءات، فهو لا يتمتع بالشفافية ولا يتسم بالصبغة القانونية، وغير قابل لوضع توقعات. إنها لا تعرف ما الذي ستواجهه في اليوم التالي. كما أن القرارات تتغير من ساعة إلى أخرى”.

وتعرّض الحزب الحاكم في تركيا لانتقادات لاذعة من دوائر المعارضة، التي عرضت سجلات من البلديات قالت إنها تُظهر كيف كانت العطاءات والمناقصات العامة تُستخدم لتحقيق الثراء للمقربين من الحكومة. وانكشفت هذه العمليات على ضوء استماتة حزب العدالة والتنمية في إعادة انتخابات بلدية إسطنبول بأي ثمن، وعدم اعترافه بخسارتها في الانتخابات.

وكان واضحا أن وراء إصرار أردوغان والعدالة والتنمية سبابا يتجاوز أهمية إسطنبول التاريخية عند العثمانيين الجدد وأهميتها كمهد الانطلاقة السياسية لأردوغان. تبين أن صفقات بالمليارات في بلدية إسطنبول استفاد منها موالون لأردوغان.

وصلت ميزانية البلدية في عام 2019 إلى 23.8 مليار ليرة (4.06 مليار دولار)، في حين بلغت ميزانية مؤسسات المياه والصرف الصحي والنقل لديها مجتمعة 34.8 مليار ليرة (5.95 مليار دولار). بالإضافة إلى ذلك، يبلغ إجمالي مبيعات الشركات الفرعية التابعة للبلدية البالغ عددها 28 شركة 24 مليار ليرة (4.1 مليار دولار).

من هذه المصادر، تم تخصيص ما يربو على 16 مليار ليرة (2.74 مليار دولار) للاستثمار، وهذا يمثل مصدرا كبيرا للدخل بالنسبة إلى الشركات المرتبطة بالحكومة. ويملك الكثير من هذه المؤسسات شركات بناء خاصة ووسائل إعلام على حد سواء.

ويستخدم نظام العطاءات في تركيا لضخ أموال طائلة في قطاع البناء، الذي ظل يُعبّأ من أجل تطوير مشروعات بنية تحتية عامة وضخمة، أو يحصل على تصاريح لتطوير مشروعات إسكان وأخرى تجارية في المدن.

لكن توزمان حذر من أن هذا التركيز على البناء والبنية التحتية جعل تركيا تتخلف عن منافسيها. وقال “عندما غادرت الوزارة كانت قيمة صادراتنا تصل إلى 136 مليار دولار، وكانت صادرات إيطاليا أعلى قليلا… صادرات إيطاليا وصلت الآن إلى 750 مليار دولار”. وأضاف أن صادرات تركيا ارتفعت إلى ما لا يزيد عن 150 مليار دولار فقط.

وأشار إلى أن هذا يرجع إلى تركيز إيطاليا على الصناعات التحويلية والتكنولوجيا، وهما مجالان تركتهما تركيا لكي تركز على تطوير البنية التحتية، بحسب قوله.

ووفقا لرؤية توزمان، فإن تركيا قد تقبع في حالة ركود اقتصادي لفترة طويلة إذا لم تنتهج سياسات مماثلة. وأنهى محذرا من أن أمام تركيا مهمة شاقة عليها أن تُنجزها أولا، وهي إعادة الانضباط إلى سياستها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى