الجهود الروسية تدفع آليات الازمة السورية نحو الحل القريب

تحركات سريعة تشهدها الساحة السورية على جميع المستويات لاسيما “التحركات الدبلوماسية واللقاءات السياسية” والتي بدأها مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف بزيارة خاطفة إلى العاصمة السعودية “الرياض” التقى خلالها مع ولي العهد محمد بن سلمان وجرى الحديث بحسب بيان الخارجية الروسية عن تسوية سياسية مستدامة في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وتقديم ما يلزم من الدعم لجهود إعادة إعمار البلاد.

لافرينتييف سارع بالعودة إلى سوريا لنقل تفاصيل لقائه مع ابن سلمان إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وجرى الحديث أيضاً حول تطبيع العلاقات السورية مع الدول العربية، وما تفعله روسيا اليوم كانت قد مهدت له الإمارات ودول عربية أخرى من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وإعادة فتح السفارات ليكون هذا الأمر مقدمة لعودة العلاقات، ولكن لطالما كانت السعودية العائق في إعادة سوريا إلى المحيط العربي الذي أُخرجت منه قسراً، وبعد أن وجدت السعودية أنه لا مناص من التعاطي مع سوريا وحكومتها كان لابدّ من إيجاد منقذ لإعادة العلاقات مع دمشق بعد أن فشل حلفاء الرياض في إسقاط النظام السوري أو إحداث أي تحوّل في المنظومة السياسية للبلاد.

صمود دمشق أجبر الرياض على تغيير سياستها وإجراء تعديلات وزارية والتراجع عن المطالبة بإسقاط “الأسد” واليوم يبدو أن الأمور تجري نحو إجراء محادثات عبر قنوات مباشرة مع دمشق، كانت قد مهدت لها أبو ظبي وتكملها موسكو الآن، ويمكن إرجاء تحركات روسيا الدبلوماسية بهذا النشاط إلى مجموعة الأسباب التالية:

أولاً: أمريكا في الوقت الراهن وضمن سياستها الحالية عاجزة عن التواصل مع الأطراف المتنازعة في سوريا، خاصة وأنها لا تملك قنوات مباشرة ولا غير مباشرة مع الحكومة السورية وإيران، وبالتالي فإن تأثيرها الحالي في الوصول إلى حل سياسي في سوريا لم يعد يجدي نفعاً، ناهيك عن أن واشنطن ليس لديها قدرة على الحلول السياسية فكل ما قامت به في المنطقة يدل على أن أمريكا تهوى “الفوضى والحروب”.

من هنا وجدت روسيا نفسه هي الأجدر في التعاطي مع جميع الأطراف المتنازعة وإيجاد قنوات تواصل فيما بينها، وإعادة مدّ الجسور للوصول إلى حلول جذرية في الأزمة السورية بالتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.

ثانياً: خلال الأسبوع المقبل وبالتحديد في يومي 25 و26 من نيسان الحالي ستنطلق الجولة الثانية عشرة من محادثات أستانة بين الحكومة السورية والمعارضة السورية في العاصمة الكازاخية “آستانا”.

روسيا تدرك جيداً أنه لا يمكن الوصول إلى حلّ في الأزمة السورية إلا عبر التسوية السياسية وبالتالي فإن تحركها باتجاه السعودية يأتي في هذا الإطار، فضلاً عن كونها تريد أن تحدث تطوراً جديداً في محادثات “استانا” من خلال تخفيف الاحتقان بين الأطراف السورية المتنازعة وضمان عدم عرقلة الرياض لهذه المحادثات والدفع بها نحو الأمام، وفي حال تم هذا الأمر ستكون نقطة مضيئة لمصلحة روسيا وإيران وتركيا، الثلاثي الذي بذل جهوداً كبيرة لإنجاح هذه المحادثات وإرساء قواعد الاستقرار في سوريا عبر المحادثات السياسية.

ثالثا: روسيا تبحث عن حماية مصالحها في الشرق الأوسط، وهي تدرك جيداً أن أي محاولة لنزع الاستقرار في سوريا ستؤدي بكل تأكيد إلى ضرب مصالحها، وما يجعل الروس يسارعون لإنهاء الفوضى في سوريا وإعادة ترتيب الأوراق هناك يتعلق بشكل مباشر بالصفقة الأخيرة التي قامت بها روسيا مع سوريا والتي وافقت من خلالها الحكومة السورية على تأجير مرفأ طرطوس البحري للروس لمدة 49 عاماً ونقلت وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية عن بوريسوف قوله للصحفيين عقب لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، إنه سيجري استخدام الميناء لأغراض اقتصادية ولوجستية.

روسيا تبحث بكل تأكيد عن ضمان مصالحها في حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة وأن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس هي منطقة الوجود الروسي الوحيدة في البحر المتوسط، وكانت روسيا وسوريا قد وقعتا عام 2017 اتفاقية حول إقامة مركز لوجستي للمعدات الفنية للأسطول الروسي في طرطوس لمدة 49 عاماً.

سوريا تريد نفض غبار الحرب

تسعى سوريا إلى إنهاء الحرب التي دمّرت بنيتها الاقتصادية عبر جميع القنوات الدبلوماسية التي تأتي في هذا الإطار، وعندما وجدت “دمشق” أن محادثات “آستانا” هي الأكثر نفعاً لمصلحة السوريين لم تتوانَ عن المشاركة فيها، وكما تلعب روسيا دوراً إيجابياً في تحسين العلاقة بين سوريا والسعودية تفعل الأمر ذاته إيران بين سوريا وتركيا لتضييق فجوة الخلاف والوصول إلى قواسم مشتركة لا سيما في ملف “إدلب” وتفعيل هذه الحركات الدبلوماسية في “استانا” والوصول إلى صيغ عمل مشتركة بين المعارضة والحكومة حول تشكيلة اللجنة الدستورية التي يتم العمل على إعدادها.

سوريا لا تبحث عن الحلول الرخيصة ولا تريد التخلي عن حلفائها مقابل أي عرض مهما كان “سخياً”، لذلك وجدنا الحكومة السورية ترفض أي حلّ يتعارض مع علاقتها الدبلوماسية مع طهران، حيث تجد سوريا أن انتصارها على الإرهاب جاء بمساعدة إيران، وحول الانتصارات الأخيرة للجيش السوري على الإرهاب، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في الحقيقة هو انتصار مشترك لشعبنا والشعب الإيراني الشقيق ونحن نتطلع دائماً إلى مزيد من الانتصارات.

تركيا

ليس هناك حلّ أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سوى التمسك بالحل السياسي والمساهمة في هذا الاتجاه، خاصة وأن المنافسين الإقليميين لتركيا في المنطقة كثر وفي حال استمرت تركيا على موقفها في بعض المسائل ستصبح خارج دائرة التأثير في الشرق الأوسط، فالرئيس أردوغان الذي استفاق على هزيمة في الانتخابات البلدية وخاصة في اسطنبول لمصلحة المعارضة ، يجد نفسه أمام تحدي الثلاثي ” مصر والسعودية والإمارات ” في لبيبا والسودان ، والأدهى هو الصفعات المتكررة من قبل الإدارة الأمريكية ، فالرئيس دونالد ترامب دعم توجه الثلاثي العربي في ليبيا و تحدث هاتفيا مع المشير حفتر وأثنى على جهوده في محاربة الإرهاب، والجهة التي يشير إليها ساكن البيت الأبيض بالإرهاب هي القوات المدعومة من تركيا وقطر . ويبدو أن الإدارة الأمريكية تدعم بنفس القدر السعودية ومن معها في ملف السودان ما قد يؤدي إلى طرد تركيا من جزيرة سواكن على البحر الأحمر، ليس هذا فحسب فقد انضمت فرنسا إلى واشنطن في الدعم العلني للكرد السوريين في شرق الفرات أعداء تركيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى