اصدار جديد.. “تاريخ الماسونية في العالم العربي”
عندما يُذكر اسم الماسونية يتبادر إلى الذهن العديد من النظريات والآراء والأسئلة، ما هي الماسونية؟ ما أصلها؟ وما هي الأطراف التي تستغلها وتلعب من خلف ستار. ورغم أن عشرات الكتابات حاولت تقديم إجابات، إلا أننا لن نجد شخصا يتفق مع آخر على أي شيء يخصها. وقبل أعوام قليلة أدرك قادتها أنه لا يكون في صالحهم تماما أن يلف ذلك الغموض طقوسها ورموزها، ودعوا الإعلام إلى الإطلاع على بعض أمورها، لكن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع ولن يسمحوا به أبداً، هو ما يحدث في داخل اجتماعاتهم السرية.
وفي إصدار يتسم بالجرأة نشرت الهيئة المصرية العامة للكتاب بحث الدكتور وائل إبراهيم الدسوقي عن تاريخ الماسونية في العالم العربي، في سلسلة تاريخ المصريين خلال شهر مارس الماضي، والذي يعد خطوة جريئة من الهيئة في طريق مناقشة مثل تلك الموضوعات الحساسة.
يذكر الدسوقي في كتابه أن التنظيمات الماسونية تعد من أعرق التنظيمات التي كانت وما يزال لها أثر بالغ الأهمية والفعالية في المجتمعات الإنسانية. وقد تتفق مع غيرها من التنظيمات السرية الأخرى في الأهداف التي تصبو إليها وتسعى لتحقيقها، ولكنها تختلف عن البقية في الأسلوب الذي تنتهجه لتحقيق أهدافها. وتحاول الماسونية دائماً إضفاء صورة اجتماعية خدمية على نشاطاتها. ولكن ما هو مفهوم الفلسفة الاجتماعية لديها؟ وهل تؤمن بالإنسان في نطاق المجتمع فعلا؟ وأن خير الناس عندها هو أكثرهم نفعا لمجتمعه؟ أم لمحفله الماسوني؟ وما هي مقاييس الفضيلة والرذيلة لديهم؟ وهل تتفق أفعالهم ودستورهم؟
ومن وجهة نظره أنه بالرغم من التزام الماسونية جانب الحيطة والكتمان واصطناع السرية في طقوسها وبرامجها لتبدو محافلها منظمات اجتماعية محايدة وبعيدة عن كل التيارات السياسية والدينية، فإن كثير من أصول تلك المحافل وشاراتها وشعائرها وطقوسها، بل وأن في سلوك المنتسبين إليها من رجال السياسة والدين ما يثير الريبة.
ولقد كتب العديد من الكتاب عن علاقاتها المشبوهة مع الصهيونية، ودعا البعض إلى صهينة التنظيمات الماسونية وقدموا الدلائل على ذلك. أما البعض الآخر فقد نفى ذلك واحتمل دون تأكيدات أن الصهيونية استغلت الماسونية كأماكن لعقد الاجتماعات وحبك المؤامرات التي أدت في النهاية إلى نشأة دولة إسرائيل. واتخذ البعض جانب الحيطة والحذر بين ذلك وهؤلاء نظرا لخطورة الخوض في تلك الموضوعات.
ولقد اتخذ الدسوقي من جانبه موقفا علمياً محايداً يعرض لجميع الآراء، وحاول تحليلها تحليلا علميا مناسبا، دون اتخاذ موقفا محددا تجاه أي طرف من الأطراف. ومن الممكن أن يجعله هذا – أحيانا – في موضع الاتهام، نتيجة الرؤية العلمية الوثائقية التي من الواجب أن تتخذ بدورها موقف الحيدة والموضوعية في معالجة تلك الموضوعات الحساسة.
تلك الدراسة هي دراسته الثانية عن الماسونية، وكانت الأولى هي رسالته للماجستير، والتي كانت بعنوان (الماسونية في مصر ونشاطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي 1798 – 1964)، ونشرت فيما بعد بعنوان (الماسونية والماسون في مصر 1798 – 1964) في سلسلة مصر النهضة بدار الكتب والوثائق القومية عام 2008، وهي دراسة نقدية اعتمدت على وثائق ماسونية أصلية، فضلا عن الوثائق الرسمية المصرية وكتابات المعاصرين وصحفهم.
يرى الكاتب أن الماسونية ليست بالغموض الذي يصعب دراسته، فقد كتب عنها العديد من الكتاب الماسون وغير الماسون، وفضح أسرارها العديد ممن انشقوا عنها. وأنها ليست تلك الجماعة المتضامنة المتوافقة فهي في أغلب الأحيان متصارعة. فالخلافات بين محافلها عديدة ولا تنتهي، ومن الصعب أن تتضامن لتحقيق هدف واحد إلا فيما ندر، وعلى سبيل المثال كانت المحافل الفرنسية قبيل الثورة الفرنسية في أغلب الأحيان تتصارع، وأثناء الثورة وفي خضم أحداثها لم تكن بذلك التضامن والتآخي الذي يمكن أن نتصوره. وهناك محافل لا تقبل اليهود وسط صفوفها، ومنهم من يقبلونهم ويتضامنون معهم في قضاياهم. ودعمت الماسونية الحكومات في العديد من المسائل الوطنية، وفي أحيان أخرى يختفي دورها بشكل يوحي بأنها لا تمثل جزءا من المجتمع.
حاول المؤلف في أثناء كتابه إلقاء الضوء على تاريخ الماسونية العام من خلال وثائقها وكتابات الماسون الغربيين ودساتيرهم. أيضا ناقش المصطلح والمبادىء الأساسية والجذور التاريخية للماسونية في العالم، والهيئة التنظيمية للمحافل الماسونية. كذلك مؤامرات السلطات الاستعمارية ضد الأمة العربية ودور الماسونية فيها، ومؤامراتها ضد الخلافة الإسلامية، ونجاحها في إسقاطها، ثم العمل على ضمان عدم قيامها مرة أخرى. كما تناول مسألة استغلال الصهيونية للمحافل الماسونية، وما كتب في بروتوكولات حكماء صهيون، وما مدي صدق تلك البروتوكولات. وما هي أصول الماسونية. وعلى ضوء المكتشفات الحديثة كمخطوطات قمران وما كتب عن جماعة سيون السرية، أو فرسان الهيكل، وضع أيدي القراء على العديد من الحقائق الجديدة عن تاريخ الماسونية ومدى قدمها في التاريخ الإنساني.
ويعد الجزء الأهم في الكتاب هو تتبع الكاتب للنشاط الماسوني في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج. وقد حاول وائل الدسوقي جاهدا الحصول على معلومات دقيقة بها الشأن، ومناقشة تواريخ تأسيس المحافل والشروق الماسونية بكل دقة، حتى يتلافى كل الأخطاء التي وقع فيها غيره من الباحثين الذين اهتموا بتاريخها في البلاد العربية.
والدكتور وائل إبراهيم الدسوقي كاتب وباحث في التاريخ والتراث الثقافي، حاصل على درجته العلمية من كلية الآداب جامعة عين شمس في موضوع عن تاريخ المؤسسات العلمية والثقافية المصرية فى القرن التاسع عشر، نشر في دار الكتب والوثائق القومية عام 2011، وله العديد من المؤلفات المهمة، نذكر منها على سبيل المثال، كتابه عن تاريخ علم المصريات الذي نال عنه جائزة الدولة التشجيعية عام 2016، والماسونية والماسون في مصر 1798 – 1964، والصومال من الثورة إلى المحاكم الإسلامية، بالإضافة إلى تقديم وتحرير وإعداد بعض المؤلفات في التاريخ والسياسة، ونشرت له مقالات ودراسات في العديد من المجلات والصحف العربية.