مقاربة شاملة لكيفية معالجة الأزمات الناجمة عن الحرب على سورية ومعها وفيها
بقلم : د . بهجت سليمان

عناصر البحث :
١▪ الأزمات هي هدف الحرب ..
٢▪ وعلاجها هو مواجهة لنتائج الحرب !
٣▪ ما هي المعضلات التي تدخل في طبيعة ” المسألة ” ؟
٤▪ مع إطلالة على موضوع ” الإدارة المحلية ” ..
٥▪ ما هو السبيل الأفضل لاختراق المواطن ، لصيغة المعضلات ؟
- لا يحتاج العلاج الحيّ للمشاكل و الأزمات المهلكة ، أيّ ضرب من الألوهة و النّبوءات ، بقدر ما يحتاج إلى عمل جادّ ، يبدأ بـ :
○ اختيار رجال أهل لتحمل المسؤولية الوطنية والمهنية والأخلاقية ، في الميادين الحكومية والحزبية والإدارية ، وبما يقطع الطريق على المحاولات المسعورة لتحويل نتائج الحرب الكونية على سورية ، أمراً مشكوكاً بعدالته النّهائيّة الضّروريّة و الممكنة .
○ وتفعيل سيف المحاسبة ، بما يوقف مزاريب الهدر المجاني الذي يزيد الطين بلة .. وبما يمنع إمكانية وقوع بازارات هدر جديدة ، لم تعد الدولة ولا الشعب ، قادرين على تحملها .●
- • • • •
الحرب في النّتائج الاجتماعيّة و السّياسيّة و الاقتصاديّة ، الدّاخليّة ، هي مصيرٌ تاريخيّ لأجيال يجتاحها الزّمن الذي هو الحرب ، و يخترق الإنسان و الدّولة و المجتمع ، لينتشر كَوَبَاءٍ أو جائحة مزمنة تؤثّر في الّلحظة لتمتدّ تأثيراتها إلى أجيال و أجيال ، لا يختصر منها سوى منظومة من الرّصد و الملاحظة و التّحليل و المواجهة المصيريّة ، حيث يواجِهُ المصيرُ المصير ..
1▪ يعترف الجميع ، اليومَ ، طوعاً أو جبراً ، بقساوة و فجور ما كان مدبّراً لسورية من خلال هذه الحرب البذيئة التي اختارها “العالم” لنا ، لنكون حقلاً عالميّاً تجريبيّاً نموذجيّاً لتجربة الإمبرياليّة العالميّة ، المتقدّمة ، في خلق و صناعة أقدار الآخرين .
ليست أزمة ما نعيشها في سورية ، و إنّما فوج هائل من الأزمات التي أنتجتها الحرب . و من الواجب ، أوّلاً ، أن نعمل على رصد شجاع و جريء لتلك النّتائج ، و ما أنجزته من أزمات متداخلة و متشابكة موعودة ، بالإمكان تأطيرها نظريّاً بهدف الدّراسة و التّحليل ، و تمنّي و رغبة المتضرّرين منها – و هم الغالبيّة المجتمعيّة – بعلاجها بشجاعة و شرف و إقدام ، من قبل هيئات و مؤسّسات فاعلة و بديلة عن هذا الرّهط المتهدّل المسترخي من المؤسّسات الحكوميّة والإدارية ، الذي أصبح بحكم الواقع و التّاريخ جزءاً من الأزمات ، لا يمكنه و لا يستطيع و لايُريد أن يكون جزءاً من الحلّ أو أداة للحلّ .
2▪ واضحة و صارخة هي الأزمات التي تضجّ ، اليومَ ، بالمجتمع السّوريّ ، إذ تركّزت جملة من الأزمات الموصوفة ، المستقلّة و المتداخلة بتعقيد و تركيب كبيرين يوازيان المرارة التي تلقّاها و عاشها المجتمع ، بخاصّة ، فيما كانت تأثيراتها متفاوتة بحيث أنّ جزءا من المجتمع و الدّولة لم تمرَّ عليه هذه الحرب و لم يعش أيّاً من آثارها ، و هو بالطّبع جزء ضئيلٌ ، و لكنه ينفصلُ يوماً بعد يومٍ بوضوح علني و استفزاز شديد ، عن المجتمع ، ليهجع في قمراتها المعقّمة من أصوات و ضجيج آلام الآخرين .
3▪ لقد انجلى غبار الوطيس عن الأصوات التي تستغيث اليوم و التي تشكّل مجتمعاً كاملاً دخل في نفق العوز و المعاناة و القنوط بكلّ ثقل و أوجاع و آلام هذه الحرب العبثيّة التي باتت لا تُطاق .
و لكي يكون ممكناً الإسهام الفكريّ في معالجة هذا الواقع المتردّي لأوضاع البلد ، بوصفات مباشرة و غير ذلك ، فإنّه لابدّ أوّلاً من رسم الخطوط العريضة للأزمات المختلفة التي خلقتها الحرب ، لنتمكّن من إدراك مواقعنا ، و كلّ بحسب مسؤوليّته التّاريخيّة التي ستكون ، يوماً ، محلّ تفنيد و تقويم ؛ و هذا في الرّؤية المتفائلة الصّادرة عند واقع العدالة .
- أوّلاً – مقاربة للأزمات بوصفها نتائج للحرب :
4▪ تكون نتائج هذا النّوع من الحروب ، عادة ، أكثر ضراوة و فتكاً و هتكاً للبشر و استباحة للحدود و الموارد ، مطّردة مع الحصارات و العقوبات السّياسيّة و الاقتصاديّة التي سوّرت سورية بلهيبٍ من الجوع و البرد و الموت المادّيّ و الموت الرّوحيّ ، الذي يغذّيه الدّمار . و تظهر نتائج ذلك على هيئة انجرافات مأساويّة أمام مدحلة هذه الحرب التي لم يستطع أحد إيقافها ، إن صحّ و أراد ..
و هذا إن لم يكن قد تشارك في اندحالها الكثيرون في الدّاخل و الخارج ، لتبرئة السّوريين من وجودهم الرّوحيّ ، بعد كلّ أصناف الموت و القتل و السّبي المعاصر الممنهج ، غير المسبوقة في ذاكرة البشريّة حتّى اليوم .
5▪ ظهرت “الأزمة السّياسيّة” على شكل ثأر تاريخيّ و مزمن ، مارسته قوى الحرب الخارجيّة و الدّاخليّة ، وهي لا تزال تتفنّن في تطويره و تنظيمه لكي يشكّل هذا الثّأر نظاماً سياسيّاً ، في الظّلّ ، معادياً للمستقبل السّياسيّ للدّولة السّوريّة التي تأهّلت لذلك بفعل استهتاراتها المختلفة ، التي جعلت جزءاً من ذلك “النّظام” السّياسيّ العدو ، الذي تغوّل و يتغوّل في الظّل ، يتسرّب إلى داخل الدّولة و نظامها السّياسيّ ، الذي تسللت إليه تلك القوى بصفاقة مشهودة ، و مارست و تمارس فيه العداء المنظّم و المستفيد من كلّ تَقنيّات العصر ، للدّولة والمجتمع بواسطة بعض مؤسّسات الدّولة نفسها ، و من خلالها ، و هذا ما كنّا قد عرّجنا عليه كثيراً و في أكثر من مناسبة ، هنا ، في أحاديثنا المتوالية.
مزّقت هذه التّوليفة السّياسيّة الرّماديّة الظّليلة جسد الدّولة قبل جسد المجتمع ، فعانى الوطن تمزيقاً مادّيّاً ورمزيّاً ، و هو ما جعلت بها ، وبواسطتها ، الوطن و الدّولة ساحة للمفاهيم و المصطلحات و الاجتهادات الفاشلة ، بما فيها المقاصد الدّوليّة التي تبحث لها فيها عن استمراريّة لضمان العمل السّياسيّ للدّول و القوى العالميّة ، التي تخشى أن تدخلَ في طور الفراغ !
و لكن ، أليسَت الحروب و الكوارث و الأزمات صناعة بشريّة ماهرة باستِثناء و امتياز ؟!
لقد أخذت “الأزمة السّياسيّة” ، إذاً ، شكلاً متفاقماً منذ بدايات هذه الحرب ، بما فيها تلك الاستعدادات المبرمجة ، و التي ما كان للحرب من دونها أن تبدأ و تستمرّ ، حتّى شملت بذلك الأفراد و المؤسّسات ، لتتجاوز ذلك إلى مشاريع تعمل عليها قوى متعدّدة من سلطات اجتماعيّة و سياسيّة محلّيّة ، من الصّعب إحصاء علاقتها بأوساط خارجيّة و إقليميّة و دوليّة ، و لو أنّ ما يُشير إليها ، و إلى حقيقة وجودها ، أوضح من أن يُصنّفَ في التّردّد السّياسيّ و المراوحة المدوّخة لآفاق مختلف الحلول السّياسيّة ، التي انتظمت حوار الخطابات السّياسيّة ، التي تنتظر أن تُفضي إلى حالة من الانسجام الفكريّ السّياسيّ ، بين القوى و البؤر السّياسيّة المحلّيّة التي ليس من الواضح أنّها ستتفوّق على ذاتها ، في سبيل وطن واحد يستقطب الجميع .
6▪أمّا من النّاحية السّياسيّة السّياديّة ، فقد تظاهرت “الأزمة السّياسيّة” على نحو من التّداخل التّأثيريّ لجملة من العوامل الإقليميّة و الدّوليّة ، التي ليس من المرجّح أن تُفصحَ عن نفسها ، نهائيّاً ، في غضون السّنوات القليلة القادمة ، من جهة أنّ ما تعمل عليه دول الإقليم و دول العالم ، من أهداف لها في سورية ، إنّما هو أخفى وميضاً ، و لكنّ تمظهراته العمليّة المشهودة ، هي على درجة حرارة عالية و شديدة السّخونة ، و هو مايُظهره انزياح مؤشّر المقياس السّياسيّ الكاشف ، نحو “الّلون الأحمر” .. بجلاء و وضوح كافيين لاستبعاد كلّ شكّ في حقيقة واقع السّياسة المقبل بحنكة عالميّة عالية ، و حرفانيّة معاصرة ، تبزّ كلّ ما قد سطّره تاريخ الهدير السّياسيّ العمليّ منذ الحرب العالميّة الثّانية و حتّى اليوم .
ثمّة بعد من الأبعاد التي لا تُحصى في “الأزمة السّياسيّة” ، هو ما يشكّل منعطفاً تاريخيّاً “حداثيّاً” ، معاصراً و مشوّهاً ، لتطوّرات الظّواهر السّياسيّة التي أفرزتها “الحرب” ، مما يجعله ، بذاته ، محطة لا يمكن تجاوزها قبل الإضاءة المركّزة عليها ، و لو الحذرة ، و لكنْ الضّروريّة جدّاً ، كذلك ، فيما ستبدو أنّها ممّا يستوجب ذلك أو أكثر من ذلك ، على الأقلّ !
تأكّدت في غمار هول هذا “الحدث” السّياسيّ التّاريخيّ السّوريّ المتمثّل بالحرب ، ظهورات متعدّدة لأحلاف وولاءات و مشاريع استثماريّة خاصّة و شخصيّة ، في السّياق العامّ للحرب نفسها ، تمثّلت في ظهور “أمراء” للحرب ، إذ ، و في أقصى شدّة هذه الحرب ، ظهر أشخاص ” سياسيّون ” و ” عسكريّون ” وإداريون سوريّون ، جعلوا من الحرب نفسها ، و هم في غمارها في التّأثير ، مناسبة لبناء الأمجاد الشّخصيّة ، و بدعم “خارجيّ”(!) ..
بالإضافة إلى ما عملوا عليه من تحويل مناسبات الموت و الدّمار إلى مناسباتٍ من أجل فرص شخصيّة للثّراء والإثراء ، بحيث أنّ اجتماع أمجاد الشّهرة و التّفوّق و الإثراء غير المحدود ، بالنّسبة إلى هؤلاء الأشخاص ، و مارافقه من ارتباطات سرّيّة مع دول خارجيّة هي بحكم الصّديقة أو الشّريكة إلى جانبنا في هذه الحرب .. ، كان أن شكّل ظاهرة غير مألوفة في تاريخ الحروب ، و هو الأمر الذي تركَ أثره المشكوك في طبيعته و مراميه ، و الذي كانت آثاره المباشرة أن أدّت إلى تحوّل “الحرب” ، بكلّ مآسيها و ويلاتها بالنّسبة إلى الفقراء ، إلى لعبة سياسيّة و استثماريّة و ماليّة ، تناسبت حدّتها طرداً مع تخلّف هؤلاء الأمراء – المستثمرين ، عسكريّاً و ماليّاً ، وبدائيّتهم و محدوديّتهم و سهولة جعلهم مطيّة تخدم أهداف “الغرباء” في استثمار هذه الحرب ، في تناقض مباشر مع مصالح و أهداف السّوريين ، و بخاصّة منهم جماهير هذه الحرب من الفقراء و الشّهداء و المدمَّرين .
و يفهم القارئ المسؤول مسؤوليّة تاريخيّة تجعله مراقباً و ملاحظاً دقيقاً ، بوصفه مواطناً سياسيّاً معاصراً ، ما أرمي إليه ، هنا ، من دون الخوض في تفاهات و بذاءات و بدائيّات و عفونات التّفاصيل !
7▪ لم تنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر – كما يُقال – فكان الجانب المظلم من “القمَر” أكثر سوداويّة ، ممّا ظنّ و اعتقد و قرّر الاتّجاه السّياسيّ الوطنيّ في بنائه التّحالفات و الصّداقات في بعض المفاصل الهامّة من المحور المقاوم ، فظهر أنّ لروسيا حساباتها المنظومية الكونية التي لا تتناسب دائما مع الطّموحات و الضّرورات السّياسيّة ، بكافة مشتملاتها ، إذ اصطدمت حاجات السّوريين ، في الحدّ المتوسّط والأعلى و النّهائيّ ، بمصلحة روسيّة إقليميّة و دوليّة و عالميّة ، تجلّت في عدم إرادة روسيا المواجهة المباشرة للأطراف الإقليميين و الدّوليين ، فيما كانت سورية ، موضوعيّاً ، في قلب هذه المواجهة ، فإذا بالسّوريين يُفاجؤون ببعض “التّصوّرات الرّوسيّة” حول “النّهايات” و الخواتيم العسكريّة ، بخاصّة ، و هو ما انعكس سياسيّاً من جهة تفاعل الاقتصاد و السّياسة ، و بشكلّ تركَ أثره الأكبر عندما عملت القوّى العالميّة، الأميركيّة – الصّهيونيّة .. على تحييد إيران من فاعليّتها المباشرة و غير المباشرة ، العسكريّة والسّياسيّة و الاقتصاديّة ، في “محور المقاومة” ، و هذا ماشكّل تحدّياً موضوعيّاً إقليميّاً ، بخاصّة ، لسورية ..
و هو ما تظهر أيضاً تبعاته الاقتصاديّة في السّيطرة الجغرافيّة الأميركيّة – التّركيّة ( و ليس الكرديّة ) ، على القرار العسكريّ ، الموضوعيّ ؛ ما جعل إحراز النّهايات السّوريّة الضّروريّة ، عسكريّاً و سياسيّاً واقتصاديّاً ، قد لا يتناغم دائما مع المصالح الرّوسيّة المنظومة الكونية ، و هو الأمر الذي كان – ربّما – مفاجئاً للتّصوّرات السّوريّة حول طبيعة و حاضر و مستقبل التّحديات الجاثمة .
8▪ رافق ذلك ، كلّه ، “أزمة إعلاميّة” خانقة ، تظاهرت في انخفاض الحرفيّة الوطنيّة للسّياسات الإعلاميّة الدّاخليّة و الخارجيّة ، و هو ما تزامن ، مباشرة ، مع النّشاط الحرفانيّ المفرِط لوسائل و منهجيّات الإعلام العربيّ الرّجعيّ المتصهين ، و ما رافق ذلك ، أيضاً ، مباشرة ، من استغلال وظيفيّ مارسته مؤسّسات إعلاميّة “صديقة”(!) ، لبناء أمجاد إمبراطوريّة إعلاميّة لها ، و ذلك بالاستثمار المباشر في الواقع الدّاخليّ في الحرب الكونية السّورية ، ضاربة بعرض كلّ ضيّق و عريض .. المصلحة العليا السّوريّة ، و التي كان من المتوقّع أن تكون أحد أهداف “الإعلام الصّديق” ؛ فإذا بنا أمام تعميات و ضبابيّات إعلاميّة صادرة عن قصفٍ صديق ، و ربّما شريك سياسيّ ، جعل من المفاهيم الأكثر بساطة لواقع هذه الحرب ، مفاهيم أكثر إشكاليّة ممّا كان متوقّعاً لها ، بكثير .
و كان من أخطر نتائج هذه الحرب ، على صعيد “الأزمة الإعلاميّة” ، أن دفعت هذه “الأزمة” ، و على مسؤوليّتها الحصريّة ، الكثيرين من جماهير الحرب و مواطنيها المؤمنين بعدالة مواجهتها ، كحقّ من الحقوق التّاريخيّة الوطنيّة ، إلى ما يُشبه القنوط من جدّيّتها التّاريخيّة و عدالتها الوطنيّة و حسن ختامها ، على ما ينبغي له أن يكون من التفاف جماهير الشّعب حول القرار السّياسيّ الوطنيّ ، و هو ما جعل من الحرب نفسها أمراً مشكوكاً لدى البعض ، بعدالته النّهائيّة الضّروريّة و الممكنة .
9▪ من النّتائج المأساويّة الحقيقيّة لهذه الحرب ، ذلك الجانب المتمثّل ب “الأزمة الاقتصاديّة” التي نشبت متزامنة مع تفاقم زمن الحرب ، و التي تزامنت ، كما أوضحنا ، أعلاه ، مع الأزمة الجوهريّة ، العسكريّة والسّياسيّة ، و التي انسحب عليها “الشّرط الموضوعيّ” ، السّلبيّ في نتائجه السّوريّة ، للتّحالفات ..
عبّرت “الأزمة الاقتصاديّة” عن نفسها ، بخرابات شاملة للإنتاج ، و تراجع معدّلات النّموّ إلى الاتّجاهات السّلبيّة ، و وقوع “البلد” تحت عجز الأداء و عجز القيمة الشّرائيّة للنّقد السّوريّ ، بحيث تجاوز ذلك التّراجع ، في المتوسّط ، عشرة أمثال القيمة النّقديّة الماليّة المباشرة ، في حين أنّه قد تجاوز ذلك المعدّل السّلبيّ إلى أكثر من عشرة أضعاف على المستوى الاقتصاديّ الوطنيّ ، في مناخ “الخرابات” التّامّة لمعدّلات “القيم” الإنتاجيّة والتّبادليّة و الاستهلاكيّة ، في ظروف دمار البنى التّحتيّة المختلفة للإنتاج و التّمويل و الاستيراد و التّصدير ؛ مع ما رافق كلّ ذلك من أزمة “بطاليّة” مطلقة تجاوزت كلّ مفاهيم البطالة النّسبيّة و المقنّعة .
10▪ و في هذه الأجواء بالتّحديد ، نشط “تجّار الحروب” و سماسرة الدّماء و مصّاصو العروق ، ليشكّلوا طبقة منفصلة عن جسد الدّولة و المجتمع ، في عمليّات احتكار و إثراء ، مارست جشعها و وحشيّتها الأخلاقيّة من دون رادع أو وازع ذاتيّ ، و كذلك في ظلّ القصور ، الموضوعيّ و الضّروريّ ، للمحاسبة ، و لو كان من الممكن أن تتدخّل “المحاسبات” بوصفها عاملاً مخفّفاً لحدّة هذه “الأزمة” ، و ذلك بالحدّ من أدوات المستثمرين الاقتصاديين و السّياسيين ، الخاصّة ، التي طفت على سطح المصلحة الوطنيّة و استقلّت كجزيرة غريبة في بحر أمواج التّلاطمات الظّرفيّة المحلّيّة و الإقليميّة و الدّوليّة ، على نحو منظّم و “ذكيّ”(!) ..
في الوقت الذي انضمّ فيه إليهم طبقة وسيطة في المؤسّسة العامّة ، جنحت بصراحة و وقاحة و لؤم ، إلى إقامة الأحلاف المختلفة مع سماسرة الحروب ، فإذا بالمواطن ضحيّة نهائيّة للممارسات الاستثماريّة لطبقة أثرياء الحروب المدعومة مباشرة من قبل طبقة سياسيّة رسميّة ، شكّلت معها سندان المطرقة ، فيما كانت روح المواطن السوري تقع بين المطرقة والسّندان .
في حين أن المقاومة البشريّة ، تبدو مأثرة تاريخيّة في مواجهة الحرب بأزماتها المختلفة ، كان المواطن العادي وما يزال ، يشهد مواجهات ومعانيات قاسية في العمل لتأمين وسائل الحياة الأساسية ، في مواجهة من يفترض أن يكون ملاذه هرباً من هذه الرّحى التي تدور و تدور ، بينما هي تسحق الضّعيف و تتجنّب القويّ ، و على غير أيّ توقّع أو انتظار .
11▪ انضاف ، كما قلنا و نعيد ، إلى كلّ هذه الظّلمات الموجيّة المعقّدة و المركّبة ، مؤخّراً ، ذلك التّجفيف المتعمّد لموارد الدّخل الوطنيّ ( القوميّ ) ، و بخاصّة موارد الطّاقة التي شكّل جفافها شبه النّهائيّ ضربة اقتصاديّة وسياسيّة تكامليّة مع الأسباب و العوامل التي قطعت مع كلّ إمكانيّة للعلاج .
و من الطّبيعيّ أن تتكلّل جملة الأزمات السّابقة التي خلّفتها “الحرب” ، و غيرها ممّا لا يعتبر طرحه مناسباً .. بأزمة “اجتماعيّة ” و ” أخلاقيّة ” شاملة ، تعكس مدى التّدهور العامّ الذي أوصلتنا إليه الحرب ، فيما ساهمت بعض الجهات الحكومية والإدارية ، ببقيّته الأخرى من تكريس هذه النّتائج ، بواسطة ما تجاهلته عين الملاحظة و المسؤوليّة و الكفّ و الحدّ والكبت و القمع المباشر لمفاعلات هذا الخراب .
و هكذا فقد تجلّت “الأزمة الاجتماعيّة” و “الأخلاقيّة” ، كنتاج عن مجموع تداخل و تراكب مختلف الأزمات ، وكنتيجة لاجتماعها المنسّق ، ذاتيّاً و موضوعيّاً ، بحيث تُظهر النّتائج أوضاعاً كارثيّة حقيقيّة .
و في إطار “السّياسة” ، فإنّ الأزمة الاجتماعيّة و الأخلاقيّة ، إنّما هي أخطر ما في أهداف التّشخيص ، وذلك عندما سنتجاوز الآن ، للضّرورة و المسؤوليّة ، الموانع التّقليديّة للصّراحة و الوضوع ، في إهمال متعمّد لكلّ تحفّظ فكريّ من شأنّه أن يجعل النّقد فارغاً من أيّ مضمون .
12▪ إنّ أوّل جوانب الأزمة الاجتماعيّة الأخلاقيّة ، في إطارها السّياسيّ ، كنتيجة مباشرة للحرب ، هو ذلك الذي يتمثّل بعنوان عريض ، هو فقدان الثّقة ، المتبادل ، بين أطراف مجتمع الحرب ، في ما بين أعضائه الرّئيسيين ، أوّلاً ؛ ثمّ ما بين هذا “المجتمع” ، على ما وصفناه ، و بين “الإدارة الحكومية ” السّوريّة ، على ما يُفترض من أنّها موجودة لخدمته بشكل تلقائيّ .
كان وراء إحداث و إظهار هذه الفجوة من فقدان الثّقة بين المواطن و الدّولة ، تلك الممارسات الّلامسؤولة التي أبدتها الحكومات السّوريّة المتوالية في موقفها إزاء المؤسّسة الحكوميّة ، أوّلاً ؛ ثمّ في موقفها إزاء المجتمع والمواطن ، ثانياً . و حيث كان المواطن العاجز عن التماس حلول مشكلاته في إمكانيّاته المعدومة ، قد انتظر طويلاً وصمد مثل أيّ محارب على خطوط القتال ، لكي يجد لصبره و تضحياته احتراماً و تقديراً عمليّاً و مباشراً ، وصدى في برامج الحكومات و المؤسّسات ؛ كان ما جرى بالنّسبة إلى الحكومات أنها زادت من مظاهر انفصالها الأخلاقيّ عن الدّولة و المجتمع ..
و هكذا ، ليقع القرار السّياسيّ ، مرّة أخرى ، و أخرى ، ضحيّة للعجز الموضوعيّ الذي شكّلته جملة من “الذّاتيّات” و “الموضوعيّات” في محيط تلك الأزمات .
13▪ هكذا ، كان ذلك مقدّمة لانحلالات اجتماعيّة أخلاقيّة ، و طنيّة ، شاملة ؛ بدأت تتعرّف فيها الحرب ، على ذاتها ، من جديد ؛ بحيث أنّ ما لم تسحقه “الحرب المباشرة” ، تكفّلت به(!) هذه التّفرّديّة في الممارسات العامّة و الأخلاقيّة ، حتّى يُهيّأَ للمحلّل الدّقيق ، الحصيف ، أنّ سورية تكاد تفقد مجتمعها ، أيضاً ، و هو ما يتجاوز التجارب التاريخيّة في حروب الدّول و المجتمعات..
و كان ذلك تحصيلاً لأشياء حاصلة ، و لأشياء استحدثتها نتائج الحرب في مجتمع متخلّف روحيّاً ، أثبتت التّجربة أنّه مجتمع كان قيد التّشكّل ، فإذا بالحرب تقضي على معظم إنجازاته “الحضاريّة” المشكوك في نجاعتها ، تبعاً للأخلاقيّات القاصرة التي كانت تنتظم “الاجتماع” السّوريّ .
- ثانياً – تصوّرات عمليّة على المعالجات :
14▪ معروف القول المستهلك ، أنّه ليس أسهل من التّنظير . غير أنّ الأحداث في نتائجها قد أبدت أوّل ما أبدت ، ذلك النّقص الهائل في الوعي الوطنيّ ، و هو ما تُسألُ عليه ، أوّلاً ، الأبعاد التّكوينيّة النّظريّة من جانبها السّياسيّ التّاريخيّ ، تلك التي يدّعي حيازتها الكثيرون ، في إطار مشروع الدّولة ، الاجتماعيّ و السّياسيّ .
و حيث يبدو ، اليومَ ، أنّ هذا الأمر قد أصبح وراءنا ؛ بمعنى خاصّ ، هنا ، و هو أنّنا لا نستطيع إحياء الميت أو الأموات .. إلخ ؛ فإنّ من المفيد مقاربة سبل العلاج ، مقاربة ، لا بدّ منها ، و ذلك أوّلاً بفحص قدرات هؤلاء المفوّضين بوضع التّصوّرات العمليّة للمواجهة ، إن لم نقل للحلّ ، بما يضمن عدم انحدار البلد إلى كارثة كبرى ، ولكيلا تكون محطّة أخيرة لسورية الأرض و الجغرافيا السّياسيّة ، و التّاريخ المتكالب عليه ، و لسورية الدّولة والمجتمع ، و لسورية “المشروع” !
15▪ إنّ جملة هذه المخاوف تدفع بنا ، أوّلَ قبلَ كلّ شيء.. أن نوجّه النّقد النّظري المترافق بحلول عمليّة ، و لو جزئيّة و نسبيّة ، تتكامل في نتائجها البسيطة و المتواضعة ، بفارق كمونيّ لما تبقّى لنا من ممكنات مدّخرة في مكان ما .. ينبغي استنهاضها و ضمّها إلى “المشروع” العلاجيّ ، بل التّفويض فيه ، و الذي يجب أن لا يُغيّبنا عنه حجم الهدر التّاريخيّ للأمل ، و لا واقع اليأس الذي يحاول ، عاملاً بضراوة و تنظيم ، على أن يمنع كلّ المحاولات الخلّاقة القمينة بالتّجريب ، و لكن تلك التي لا تنطلق من “التّجريب” كمبدأ و فلسفة سياسيّة في العلاج ، بقدر ما تكون فيها “التّجربة” شيئاً جدّيّاً و فعليّاً له أهدافه السّابقة على محاولات ” التّجربة ” ، في إطار القطع مع كلّ مفهوم لإدارة الأزمات ، في سبيل دعم القرار السّياسيّ الأساسيّ ، الذي هو محلّ إيمان بالممكنات ، بعيداً عن أدوات الفساد و الإفساد المنظّمَين ..
و هذا أمر ممكن ، في رأينا ، بكلّ بساطة هذه الكلمات .
16▪ إنّ الحدّ من الهدر القيميّ الشّامل ( و لا نتحدّث ، هنا ، مثلاً ، على التّزوير و النّفاق و الجشع و الاستئثار ، و السّرقة المباشرة ، و المصالح الشّخصيّة المتعارضة مع مصلحة المؤسّسة و المجتمع ، .. إلخ ) ؛ بما هي “القيم” الماديّة منها و العمليّة ، و النّظريّة منها و النّفسيّة ، جسراً ثابتاً و راسخاً للرّؤية العلاجيّة التي طال انتظار المجتمع و الدّولة لها في فخ “التّجريب” القاتل ، و إدارة “الأزمات” التي مرت بفجائع حقيقيّة في نتائجها اليوميّة الكارثيّة .
17▪ كفانا دغدغة و أحلاماً فارغة عن “الجيوش” الإلكترونيّة و الإعلاميّة و الدّعائيّة التي تسخر من البشر والإنسان السّوريّ ، و تحقق مصالحها الخاصّة و الشّخصيّة على حساب عقل و فهم و حقوق العاقلين الرّاشدين ..
و لقد آن الأوان لجيش حكوميّ مؤسّسيّ تنفيذيّ ، يعمل بصمت ، و مراقب من قبل قادة حقيقيين ، و ليس من قبل إمّعات و هياكل فارغة ، و أطقم أنيقة و عيون زائغة و أدمغة تائهة ، هي اليومَ ، فقط ، تتعلّم دروس الوطنيّة الغائبة فيها، من أجل تسويق نفسها ببعض المحفوظات المقرفة .
وقد اثبت من ليس لهم تاريخ وخبرة في الوطنيّة و العمل الحكوميّ و العمل السّياسيّ و العمل الأمنيّ.. بأنهم لا يمكن أن يكونوا قادة فاعلين مبدعين في ساحات العمل اليوميّ ، التي صارت اليوم بديلاً عن ساحات القتال .
لقد تحوّلت المعركة – و يجب أن نفهم و نتفهّم ذلك – من ساحات النّار الحيّ ، إلى ساحات العلاج و البناء . إن الجرح الوطنيّ العميق النّازف ما زالت تمصّ دمه “زومبيّات” الدّولة و المجتمع و المؤسّسات ، التي استحدثت على عجل ، و كأنّها مستوردة من أبعد كوكب مظلم يقع على مسافته هذه من سورية و السّوريين .
18▪ يتساءل الخبراء و المجرّبون ، كيف كان للشّعوب الحيّة كلّها ، تلك التي مرّت في تجارب شبيهة و مقاربة ، أن تتجاوز ذاتها نحو ذات أوسع و أنضج ، تعلّم الخبرة أنّها من “الممكنات” ، هذا و لو كانت تلك الممكنات من “الاحتماليّات” ، و لكن على أن يكون العمل عليها صحيحاً و صادقاً و محفوفاً بالتّقويم المستمرّ و المراقبة والمحاسبة و الثّواب و الإثابة ، و المعاقبة و العقاب !
19▪ لا يحتاج العلاج الحيّ للمشاكل و الأزمات المهلكة ، أيّ ضرب من الألوهة و النّبوءات ، بقدر ما يحتاج إلى عمل جادّ ، يبدأ ب :
○ اختيار رجال أهل لتحمل المسؤولية الوطنية والمهنية والأخلاقية ، في الميادين الحكومية والحزبية والإدارية ، وبما يقطع الطريق على المحاولات المسعورة لتحويل نتائج الحرب الكونية على سورية ، أمراً مشكوكاً بعدالته النّهائيّة الضّروريّة و الممكنة .
○ وتفعيل سيف المحاسبة ، بما يوقف مزاريب الهدر المجاني الذي يزيد الطين بلة .. وبما يمنع إمكانية وقوع بازارات هدر جديدة ، لم تعد الدولة ولا الشعب ، قادرين على تحملها .
من النّتائج المأساويّة الحقيقيّة لهذه الحرب ، ذلك الجانب المتمثّل بـ “الأزمة الاقتصاديّة” التي نشبت متزامنة مع تفاقم زمن الحرب ، و التي تزامنت ، كما أوضحنا ، أعلاه ، مع الأزمة الجوهريّة ، العسكريّة والسّياسيّة ، و التي انسحب عليها “الشّرط الموضوعيّ” ، السّلبيّ في نتائجه السّوريّة ، للتّحالفات..
20▪ لا يظننّ أحدٌ أنّنا ، هنا ، نبالغ أو نغالي بما هو مخطّط للأرض . و هكذا فإنّ أقلّ الواجب يقضي بأن تُفضي تصوّراتنا ل علاج الأزمات الحالّة ، و التي ستحلّ ، أيضاً ، إلى طرق تختلف عمّا قد رسم لنا . .
إنّ من لا يرون بأنّ ما نقوله هو شيء عمليّ بقدر ما هو نظريّ ، و أنّه نظريّ بقدر ما هو عمليّ ، لن يستطيعوا المشاركة في وقف هذه الهجمة الغوليّة السّاحقة ، علينا ، اليوم ، نحن السّوريين ؛ و ذلك إمّا لأنّهم لايتقنون فهم الصّورة التي آلت إليها الحرب السّوريّة و آفاقها المحيطة و القريبة .. أو أنّهم لا يريدون أن يفهموا ، لأنّ مصالحهم قد ارتبطت ، بعيداً ، خارج هذا البلد الذي يراد له أن يراوح في احتمال الانطفاء و الموت !
هنالك صفاتٌ للمواطنين ، و هنالك صفاتٌ لأعداء الوطن المنخرطين في مشروع “الآخرين” !
و إذا كنّا لانستطيع أو لم نستطع ، حتّى هذه اللحظة ، التّفريق بين المواطن و الدّخيل .. فهذا يعني أنّنا لن نعرف الخطوة الأوليّ التي ميّزت الإنسان العاقل عن الزّواحف المنقرضة أو المتجمّدة في قدرها الطّبيعيّ .
- ثالثاً – في المعضلات التي تحيط بمسألة معالجة الأزمات :
21▪ لا يمكن لنا أن نتصوّر ، كما أنّنا لا نريد لأحد أن يتصوّر ، أنّنا نقترح وصفة طبيّة ، أو وصفات ، نعالج بها مرضاً واحداً أو جملة من الأمراض ؛ فالمشكلة التي نعانيها اليوم ، تجاوزت مفهوم المشكلة ، فعلاً ، إلى المعضلات.
و ليست معالجة الأزمات العديدة التي حلّت بالسّوريين ، قضيّة ناجزة في برهانها الحدّيّ ، الكمّيّ و النّوعيّ ؛ و إلا لَمَا كان من الضروري تجشّم العناء و المعاناة ، سواء في الحديث ، أو في الواقع – .. اليوم !
غير أنّ كلّ معالجة لأمر .. إنّما تبدأ من متطلّباتها المتمثّلة في المعضلات . و فيما نقترح ، هنا ، فهماً نظريّاً و عمليّاً للمعضلات ، و أعني بأنّها جذر الحاجة إلى العلاج ، و جذر خلق الأدوات و الظّروف المهيّئةللعلاج ، و على عكس ما قد جرى فهمه ، حتّى الآن ، لمصطلح “المعضلة” ؛ فإنّنا ، أيضاً ، لا نتجاهل مقدار ما قد تضمّنته “المعضلة” ، في المصطلح و في المفهوم ، من سلب يواجه القدرة على استثمار “المعطيات” ، و ذلك مهما تكن هذه “المعطيات” متواضعة أو في طور الزّوال ..
22▪- و التّسليم بواقع العجز عن القدرة على محاصرة النّتائج االنّاجمة عن الحرب بهيئة الأزمات ، هو ما يجعل “المعضلة” تأخذ مفهومها التّقليديّ الموحي بالعجز أمامها أو التّعجيز .
خلق الإنسان واحداً في هيئته هذه ، وفي طاقاته ، و في إمكانيّاته ، و لكنّه خلق على تعدّد في قيمه الأخلاقيّة و ممارساته و أداءاته في الأهداف ، وكذلك اختلافه في المقدّرات االتي يملكها بين يديه ، في سبيل تحقيق الأهداف ..
و من هذا ، فإنّ ما يعنينا ، في هذا الجزء السّياقيّ من الحديث ، إنّما هو الحضّ الذّاتيّ ، أوّلاً ، على رؤية الأهداف الصّحيحة ، ثمّ ، ثانياً ، باختيار المناسب لها ، و الضّروريّ ، و الحصريّ من المؤدّيات المادّيّة و الرّمزيّة ، تلك التي ترتبط ، فيها ، مباشرة ، بواسطة جملة من القناعات التي ليس أوّلها و لا آخرها ، أنّنا كشعب سوريّ ، لسنا ولن نكون من الشّعوب التي دخلت أقدارا الانقراض، و ذلك على رغم كلّ ما يوحى به إلينا ، في السّياسات ، من تلك الإيهامات المدجّنة بأصحابها الغادرين الذين يقودون اليوم ، طريق التّحوّلات.
و عندما نؤمن بهذا ، فإنّنا نؤكّد على ذاتنا الطّبيعيّة ، قبل و بعد كلّ شيء ، و التي مفادها العمليّ أنّه ليس هناك من هو أقدر من سورية ولا من قائدها التاريخي ( الأسد بشار ) ، و لو كان هناك من هو أقوى منّا ماديا وتسليحيا .
23▪ يدخل في هذه التّغريبة الشّعوريّة الضّروريّة التي تفصلنا عن مشاعر اليأس و الهوان ، ما هو أكثر من القيمة الوجوديّة المتمثّلة بأحد أمرين :
○ فإمّا أن نكون على بيّنة من وجودنا الفعليّ الحقيقيّ ، و هذا أوّلاً ، و هو الخيار الضّروريّ و الأفضل .
○ و إمّا ، ثانياً ، أن نضحّي بباقي مخاوفنا التي تداخلت مع عجزنا الوجوديّ ، التّاريخيّ و السّياسيّ ، بالوقوع في ما نخافه أو نخاف منه ، و هذا هو الحلّ الأكثر غيبيّة و شاعريّة ، لولا أنّه يبرز كضرورة أخيرة عند عجزنا عن أيّ القيام بعمل أيّ شيء آخر ، و هو ليس انتحاراً كما يفضّل البعض أن يراه ، و إنّما هو ضرب من الوجود المبالغ فيه ، عندما نعجز عن الوجود الواقعيّ .
و ما لها المغالاة ؟! أليس كلّ إيمان مغالاة ؟ و ذلك بدءاً من الإيمان بالذّات حتّى الإيمان بالإله !.. والمغالاة بالحق والصدق والإنسانية والوطنية والصواب والخير ، أمر محمود و مطلوب ، بعكس ما يعتقد الكثيرون.
24▪ نحن اليومَ ، حقيقة ، واقعون في “تَحَوصُلٍ” تاريخيّ سياسيّ ، داخليّ – وطنيّ – و إقليميّ ، و دوليّ – في مشاريع الدّول المنفزدة – و عالميّ في مشاريع تلك الدّول ، المشتركة(!) ؛ فيما هو كلّ ذلك يتفنّن بساديّة بشريّة بضربٍ تحتَ النّطاق نتلقاه و تتلقّاه سورية ، و لكن بصبر سلبيّ ليس له آفاق .
و في سبيل الخروج من هذه” الحَوصَلَة ” الهاضمة .. متعدّدة الأبعاد و الأذيّات المشهودة للجميع ، ينبغي لنا ، كما أنّه ينبغي علينا ، أن نواجه تلك الأذيّات مواجهة شجاعة ، و ذلك بالمواجهة متعدّدة الاتّجاهات و المنطلقات في الدّاخل و الخارج ، بعيداً عن “الخطب” الأيدولوجيّة التي أثبتت التّجربة الحيّة أنّها فارغة من مضمونها الذي يُنتج المفاعيل .
و لا مانع ، في هذا الصّدد ، من إعادة تحليل للواقع و للمواقف منه ، كما للتّحدّيات الصّريحة التي تنتظرنا في مستقبل هذه الحرب طويلة الذّيول .
هذا فيما علينا ، الآن ، أن نطوي الكشحَ عن الكثير ممّا نعرفه وممّا لا نعرفه ، ممّا ليس له ، في حديثنا ، هذا ، ما يمكن أن يشكّل أهمّيّة عمليّة ، في هذا الوقت على الحصر والتّحديد .
- رابعاً – مثال واحدٌ على إمكانيّة اختراق السّوريين للمعضلات :
25▪ إذا كان ، كما رأينا ، طريق الحرب و طريق أو طرق مباشرة علاجها ، و المعضلات التي تحول دون ذلك ، هو أمر نوعيّ بمحض الاختراق و ترتيب العجوزات المتوالية على القضيّة السّياسيّة الوطنيّة الأساسيّة ، و التي أدمت جزءاً من الإيمان بباب مفتوح على النّهايات ؛ فذلك ليس قبل أن تُنْجِزَ الأهدافُ العالميّة – العولميّة للحرب جميعَ ما يبدو أنّه من مفاجآت نتائج و أزمات الحرب ؛ و ذلك إن على الصّعيد الوطنيّ الإقليميّ أو على الصّعيد الوطنيّ الدّاخليّ .
و يدخل في هذا الأمر ذلك التّحوّل أو التّحوّلات النّوعيّة الكارثيّة المستهدفة بها المنطقة ، اليوم ، و المتمثّلة بإنجاز “صفقة القرن” ، بشكلٍ خاصّ .
و لكي نحيط فهماً عمليّاً كمّيّاً ، و آخرَ نظريّاً نوعيّاً ، بواقع مشكلات المنطقة و مشكلات العالم ، يجب ألّا تغيب عن أفق أفكارنا ، مشاريع الصّهيونيّة العالميّة ، الصّهيونيّة اليهوديّة – المسيحيّة – الإسلاميّة ، المتمثّلة عبر أكثر من قرن من الزّمان في تسوية المشاريع و إنقاذ “الحاجات” الصّهيونيّة(!) التي تعثرت في الخمسين سنة الأخيرة ، لوجود الدولة التي يشيطنونها و يسمّونها “النّظام السّياسيّ” في سورية ، و “نظام البعث” و ” نظام الأسد ” . و ليس لأيّ سبب آخر ..
و ذلك في إطار تطوير فهم نوعيّ للعالم اليوم ، يدخل في بنيته و برنامجه الأصليّ ، محو “القضيّة الفلسطينيّة” ، جوهر القضيّة القوميّة العربيّة ، و جوهر القضايا الإنسانيّة العالميّة في “حروب التّحرير” و “تقرير المصير” ، و جعل الإيمان بها ضرباً من المظانّ ، في سبيل تقويض ما يمكن أن يكون متّصلاً بذلك في المستقبل التّالي لإنهاء الماضي ، و الإطلالة على عصر جديد هو عصر “القرن الأميركيّ” – “الصّهيونيّ” .. إطلالة نوعيّة ، أوّلاً ، تستتبع جملة من ترجماتها الكمّيّة ، و لكنّها تبدأ باستمرار و تطوير هذه “الحرب السّوريّة” ، و ذلك ليكون ممكناً ، نوعيّاً و كمّيّاً ، اختراق مفهوم المعالجة بواسطة إدخاله مظاهر العجز الطّاغي الذي يلفّ إيمان الفرد السّوريّ و إيمان الشّعب السّوريّ ، بعد أن أدرك العالم ، شرقاً و غرباً ، دور السّوريين في تعويق “الموضوعيّة السّياسيّة” و التّاريخيّة التي قامت عليها و بموجبها (دولة “إسرائيل”) !
26▪ سوف يتناذر هذا الواقع القريب جدّاً – و ربّما أكثر – مقدّمات تنفيذ حقيقيّ و واقعيّ في غضون أشهر قليلة جدّاً هي أقلّ و أقصر ممّا تستغرقه ، عادة ، التّحوّلات المصيريّة ؛ حيث أنّ جزءاً كبيراً من ممهّدات و مقدّمات هذا التّحوّل النّوعيّ الخارق و المنتظر في صيغة “صفعة العمر” المسماة ” صفقة القرن ” و ما سيؤدّي إليه من تقعّرات و تحدّبات في فلسفة السّلوك السّياسيّ للدّولة في سورية ، و للشّعب السّوريّ ، كان أن فرض أو أنجز أو استكمل في غضون “الحرب السّوريّة” التي كانت تتويجاً لعزل المواطن العربيّ و المواطن العربيّ السّوريّ عن قضاياه المصيريّة ، و تحنيط باقي الأنظمة السّياسيّة للدّول العربيّة في مختبرات التّحليل الأركيولوجيّ ..
إذ سنرى – و ببساطة – تغيّرات مفاجئة في التّناول الدّوليّ لتطوّرات الحرب على سورية ، من الصّعب ، بعد ، التّكهّن ما إذا كانت تغيّرات و تطوّرات نحو “الأفضل” أو نحو “الأسوأ” .. و لكنّها تغيّرات سوف لن تجعل ما وصلنا إليه ، حتّى هذه السّاعة ، على رغم ما قد بدا و يبدو ، يوماً بعد يوم و ساعة بعد ساعة ، من أنّها لا توحي بالطمأنبنة ، قدراً نهائيّاً للواقع الاجتماعيّ و السّياسيّ السّوريين ..
هذا مع أنّنا ، نحن السّوريين ، لسنا أصحاب القرار على مستوى السّياسات الدّوليّة ، و ذلك لأسباب لا يجهلها إلّا البلهاء و المعتوهون ، مع أولئك المحرّضين للمواطن السّوريّ على فقدان الثّقة بنفسه فقداناً أخيراً .
27▪ إنّ الذي يوحي إلينا بما نقول ، إنّما هو ضرورات الموقف الحادّ الذي دخلت فيه سورية ، و حاجة السّوريين إلى تحمّل مسؤوليّاتهم مع الدّولة السّوريّة ، و الخروج من نفق تبادل الاتّهامات بين المواطن و مؤسسات الدّولة ، وصولاً إلى أضواء مشاركة الجميع بما تمرّ فيه سورية من تجلٍّ لأزمات هي ليست سوى تعبير عن دفع المنطقة و الدّولة و المجتمع إليها ، في سبيل متابعة نتائج الحرب على ما رأيناها أعلاه ..
كذلك ، لا يد من وضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم الجبريّة ، بما في ذلك إشراك المواطن في اجتراح المواجهات عن طريق دفعه إلى مستوى المسؤوليّة السّياسيّة المباشرة و اليوميّة ، إلى جانب “الدّولة” و “النّظام” السياسي ؛ و ذلك بدلاً من لفّ السّاق على السّاق و تبادل الشّكوك و الاتّهامات ، و هو ، بالضّبط ، ما يُراد لنا ، اليوم ، للإمعان في تحييد الهمّ و الاهتمام و حرف كلّ منهما عن شعاعه الطّبيعيّ .
28▪ إنّ أهمّ شكل من الأشكال الاختزاليّة السّياسيّة ، و وضع الجميع أمام تحدّيات هذه المرحلة الصّعبة ، إنّما يُعبّر عن نفسه في العودة السّريعة عن اطمئنان الدّولة للمجهول ، و ذلك عن طريق اختبار الجميع من المواطنين السّياسيين اختباراً مباشراً في العمليّة الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و السّياسيّة ، و تحميلهم مسؤوليّاتهم الواقعيّة و القادرين عليها ، بدلاً من أن تقوم الدّولة ، بدور مربيّة للجميع أو مرضعة للجماهير .
أحد تطبيقات هذه الأشكال الأكثر عمليّة و إمكانيّة هو ما أشرنا إليه ، سابقاً ، هنا ، من إعادة تفعيل دور مضمون “قانون الإدارة المحلّيّة” ، المعدّل الصّادر بالمرسوم التّشريعيّ رقم ( 107 ) لعام ( 2011 ) ، و تعديله الممكن في سبيل وضع المواطن السّوريّ أمام مسؤوليّاته مباشرة ، لاقتراح المزيد من التّصوّرات الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و السّياسيّة ، في عمليّة من عمليّات ممارسة المواطن لمزيد من المسؤوليّات المترتّبة عليه ، في صيغة حقوق و واجبات ، لن يكون بعدها المواطن قادراً على التّشفّي المستمرّ من ممارسات الدّولة و الحكومة ، و حسب ؛ و إنّما ليكون مسؤولاً ، أيضاً ، في حدود إمكانيّاته على ممارسته حقوقه الممكنة ، في إطار القانون و النّظام العامّ ؛ و ذلك في ظلّ المضمون التّاريخيّ الفقهيّ القانونيّ و السّياسيّ لقاعدة “الغُنم بالغُرم” .
29▪ تتيح لنا الأحكام الحاليّة لهذا القانون ؛ مع إمكانيّة تعديلها و بخاصّة لجهة تخليص رئاسة المجلس الأعلى للإدارة المحلّيّة ، من هيمنة رئيس مجلس الوزراء ، طالما أنّ قرارات “المجلس الأعلى” سيكون رسمها منوطاً بالقرار المركزيّ ، في إطار هذا الشّكل من أشكال الإدارات الّلامركزيّة ؛ بمشاركة ” الإدارات المحلّيّة” للسّوريين ، الحكومةَ و الدّولةَ ، في صناعة القرارات المختلفة ، باستثناء ما يتّصل منها بالسّيادة و النّظام العامّ ؛ عن طريق تفعيل ثقافيّ و سياسيّ لعمل الوحدات الإداريّة و مجالسها و مكاتبها التّنفيذيّة ، تلك المتمتّعة بالشّخصيّة الاعتباريّة ، و ما يعنيه هذاالأمر تنفيذيّاً من الاستقلال الماليّ و الإداريّ ، و هو ما يجعل المواطن نفسه يشارك ويساهم في صناعة القرار الوطنيّ الاقتصاديّ و السّياسيّ و الخدميّ و بكل ما يتّصل بذلك من قرارات أو مشاريع قرارات حيويّة على مستوى المجتمع السّوريّ الموزّع سياسيّاً – إداريّاً على مستويات تكوينيّة مباشرة معروفة للجميع ، و المتراوحة بين المحافظة و المدينة و البلدة و البلديّة ، و الممثّلة عمليّاً عن طريق مجالسها المحلّيّة و مكاتبها التّنفيذيّة .
30▪ تلهمنا هذه التّجربة المطوّرة و المفعّلة ، بإغراءات اجتماعيّة و سياسيّة مباشرة تشدّ المواطن إلى مسؤوليّاته في المشاركة السّياسيّة ، و بخاصّة حال الحضّ على ممارسة الدّيموقراطيّة المتّجرّدة سياسيّاً ، على مستوى المجتمع باستقلالاته الإداريّة المعبّر عليها بواسطة المكاتب التّنفيذيّة المنتخبة انتخاباً مباشراً ، بعيداً عن الممارسات السّياسيّة أو غيرها ، التي تعطّل من نتائج الدّيموقراطيّة الاجتماعيّة و الحرّيّة في ممارسة الّلامركزيّة ..
هذا بما في ذلك ممارسة الرّقابة الذّاتيّة على التّرشّح و الانتخاب و ممارسة الإدارة و الحكومة المحلّيّة التّسلسليّة التي تنتهي بصيغة قرارات لامركزيّة في المجلس الأعلى للإدارة المحلّيّة ، برئاسة ليست رئاسة رئيس مجلس الوزراء ، ليكون لتلك القرارات الّلامركزيّة حياتُها السّياسيّة الحقيقيّة بسيرة تنتهي في “المجلس الأعلى” ، تشارك عندها “رئاسة الوزراء” و “مجلس الوزراء” في تنقيّة تلك السّيرة السّياسيّة لممارسة الإدارة المركزيّة ، و كذلك لكي يطوّر من أداءات التّجربة الّلامركزيّة الفعليّة و التي تحتاج إلى الثّقافة و التّثقيف الوطنيّ ، عبر التّجربة العمليّة في معرفة و تقرير و تكريس الحاجات الاجتماعيّة الحقيقيّة ، كما في معرفة كيفيّات تناول الأهمّيّات ..
و الأهمّ من كلّ ذلك تعلّم و تعليم و تطوير هذه التّجربة في الحكومة الشّاملة و التي هي منزلة بين منزلتين ما بين الإدارات الّلامركزيّة التي عدّتها أجهزة الإدارة المحلّيّة ، و بين الحكومة المركزيّة الممثّلة برئاسة مجلس الوزراء و الوزراء .
31▪ من المؤكّد أنّ روح “قانون الإدارة المحلّيّة” يجب أن تُبتعثَ فيها الحياة الاجتماعيّة و السّياسيّة من جديد ، ليكون المواطن مشاركاً في صياغة حاجاته مشاركة فعليّة ، و ذلك عندما يكون قادراً على هذه المشاركة التي ستخضع إلى الكثير من التّعثّرات الأوّليّة ، حتّى تنضج إلى مستوى تمثيل أعضاء الإدارات المحلّيّة ( التي هي عمليا : حكومات محلّيّة ) لحاجات المواطن الحقيقيّ الّلصيق بمجال تمثيله تمثيلاً غير خاضع للتّدخّلات السّياسيّة أو القيود الأخرى مهما كان نوعها وادّعاؤها بمعرفة مصلحة المواطنين أكثر من المواطنين أنفسهم بالذّات.
32▪ لعلّ هذا العمل الذي سيمثّل مشروعاً اجتماعيّاً و إداريّاً و اقتصاديّاً و خدميّاً و سياسيّاً واسعاً و مغرياً للمواطنين ، يكون المفتاح الحقيقيّ لسورية المستقبل التي يحقّ لها أن تمارس حاجاتها مباشرة من دون أن تكون حاجات مدارة من قبل سلطات سياسيّة خفيّة ، لا يمكن تقدير كنهها عندما يُطلق لها العنانُ في تمثيل من لا تعرف حاجاتهم ، عن قرب .
و عندما يكون من الممكن تطبيق هذا الحل الشّامل تطبيقاً فعليّاً ، فإنّنا ، كمواطنين ، نرى أنّ ذلك ممّا يبعث بقوة و طاقة غير محدودتين للقرار السّياسيّ المركزيّ ، الذي يجب أن لا يُترك أمره للحكومة المركزيّة وحدها ، كما هو حاصل اليوم بصيغة اشتغال “الحكومة” بالسّياسة ممّا هو ليس من شأنها ، و إنّما هو حصراً من شأن القرار “السّياديّ” الذي يشارك في اتّخاذه من قمة الهرم السياسي ، وصولا لأبسط المواطنين ، في ما يخصّ الحاجة الاجتماعيّة البعيدة عن الاستئثار و التّسييس .. إلخ ..
و هو الأمر الذي سيضمن للمواطنين ، ثقافة جماهيريّة جديدة ، جوهرها المشاركة ، و نتيجتها الطّمأنينة ، و غايتها أن تمنح “القرار” السّياديّ ما يحتاجه من قواعد للبيانات ، بحيث يُغطّي طيفُ ذلك القرار جميع مشتملات الحاجة الاجتماعيّة إلى المشاركة الفعليّة بصناعات القرارات التي تخصّ البعد و العمق الاجتماعيّيَنِ ، الّلَذَينِ يخترقانِ تجاهل الحكومة المركزيّة للكثير من حقوق المواطن و وجوده ، في بعض قرارات الحكومة الممارسة على الملأ أمام سجلّ التّاريخ .