تاريخ طويل من الجمع بين الفن والسياسة في مصر
لم ينفصل الفن على مدار التاريخ عن أحداث المجتمع وقضاياه الوطنية التى طالما عبر عنها فى الأعمال الفنية، بل وكثيرا ما شارك أهل الفن وتفاعلوا مع هذه القضايا، ففى الأحداث الكبرى مثل الحروب والأزمات شارك الفنانون فى جمع التبرعات للمجهود الحربى وهو ما حدث فى حربى الاستنزاف وأكتوبر المجيد، وقدمت كوكب الشرق أم كلثوم عددا من الحفلات فى الخارج لتوجيه عائدها إلى المجهود الحربى، وساند الفنانون جنود مصر على الجبهة.
ولا يقتصر مشاركة الفنانين وتفاعلهم مع الأحداث السياسية والوطنية على أوقات الأزمات والحروب ولكن كان لعديد منهم مشاركات سياسية بصور مختلفة، من خلال عضوية البرلمان والمجالس النيابية فى مراحل مختلفة وفى السطور التالية نعرض نماذج لعدد من نجوم الفن الذين حصلوا على عضوية البرلمان وما قدموه خلال فترة العضوية من أفكار ومشروعات.
حسين صدقى
كان الفنان حسين صدقى حريصا خلال أعماله الفنية وأفلامه التى وصل عددها إلى 32 فيلما على تقديم قضايا هادفة ومفيدة للمجتمع وعالج خلال أعماله عددا من المشكلات الاجتماعية مثل مشاكل العمال وأزمة أطفال الشوارع.
وفى الستينات اعتزل حسين صدقى الفن، وطالبه أهالى منطقته بالترشح فى انتخابات مجلس الأمة، ونجح باكتساح ليصبح نائبا منتخبا عام 1961، وعرض مطالب أهل دائرته، كما طالب بسن قانون لمنع الخمور ولكن لم يتم الاستجابة له، وتم حل مجلس الأمة بعد عام واحد، ولم يرشح صدقى نفسه فى الانتخابات التالية ولم يكرر التجربة، مؤكدا أنه لاحظ تجاهلا من قبل المسئولين للمشروعات التى يطالب بتنفيذها.
فايدة كامل
المطربة والفنانة الكبيرة فايدة كامل من أشهر الفنانين الذين شاركوا فى الحياة السياسية والبرلمانية، حتى أنها دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية فى العالم كأكبر برلمانية، حيث استمرت فى عضوية مجلس الشعب لمدة 34 عاما، عن دائرة حى الخليفة، وترأست لجنة الثقافة والإعلام والسياحة.
اشتهرت فايدة كامل المولودة عام 1932 بالعديد من الأغانى الوطنية ومنها (دع سمائى فسمائى محرقة)، التى غنتها وقت العدوان الثلاثى عام 1956، كما كانت ضمن مجموعة الفنانين الذين غنوا نشيد الوطن الأكبر، وشاركت بالتمثيل فى عدد من الأفلام، وغنت من تلحين كمال الطويل أغنية (إلهى ليس لى إياك عونا) فتم اعتماده ملحنا، ثم غنت لبليغ حمدى (ليه لأ) فتم أيضا اعتماده ملحنا.
وكانت فايدة كامل زميلة عبد الحليم حافظ أثناء الدراسة فى معهد الموسيقى وحققت نجاحات فنية من الخمسينات وحتى السبعينات، ولكنها فضلت التوقف عن الغناء والتفرغ للعمل البرلماني، وكانت فايدة كامل تزوجت من النبوى اسماعيل وزير الداخلية الأسبق.
وأثناء حياتها النيابية استطاعت النائبة الفنانة تنفيذ عدد من المشروعات مثل إدخال مشروع الصرف الصحى ومياه الشرب ورصف الطرق وبناء 11 مدرسة وإنشاء 5 مراكز للشباب إلى جانب اهتمامها ببناء المؤسسات الخيرية لرعاية الفقراء والأيتام وبناء المستشفيات، ومثلت المرأة المصرية فى كثير من المؤتمرات الدولية، وناقشت عدد من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة، مثل قانون الخلع، وقانون إعطاء الجنسية المصرية لأبناء الأم المتزوجة من أجنبى، كما أعدت خلال رئاستها للجنة الثقافة والإعلام والسياحة مشروع قانون الحفاظ على التراث السينمائى المصري، للحفاظ على الأفلام السينمائية، وتوفت فايدة كامل عام 2011.
حمدى أحمد
اشتهر الفنان حمدى أحمد بأدوار ابن البلد والفلاح، وكان مهتما بالسياسة وكان ينشر العديد من المقالات بالصحف وانتخب عضوا بمجلس الشعب عام 1979 عن دائرة بولاق.
محمود المليجى
لا يعلم الكثيرون أن الفنان الكبير محمود المليجى كان عضوا بالبرلمان وأن دخوله البرلمان كان سابقة هى الأولى من نوعها، حيث اختاره الرئيس الراحل أنور السادات ضمن الأعضاء المعينين بمجلس الشورى عام 1980 فى مفاجأة هزت الأوساط الفنية فى ذلك الوقت وكان أول فنان يشارك سياسيا تحت قبة البرلمان.
موسيقار الأجيال
بعد وفاة الفنان الكبير محمود المليجى فى 6 يونيو 1983 وقع الاختيار على موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ليحل محله كعضو بمجلس الشورى، واختير عضوًا فى مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى العام نفسه، وكانت تربطه صداقة شخصية بالسادات الذى منحه عام 1979 رتبة لواء، وارتدى الزى العسكرى وهو يقود معزوفة السلام الوطنى بعد توقيع معاهدة السلام 1979.
وكان عبد الوهاب مواظبا على حضور الجلسات ولم يمنعه عنها سوى مرضه فى أيامه الأخيرة، وطوال تاريخه ربطته صداقات قوية مع رجال السياسة ومنهم مصطفى النحاس ومكرم عبيد وأحمد ماهر.
أمينة رزق
بعد وفاة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1991، تم تعيين الفنانة الكبيرة أمينة رزق عضوا بمجلس الشورى، لتكون أول فنانة تدخل مجلس الشورى كعضو، وكانت قد حصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
واهتمت أمينة رزق طوال عضويتها بمجلس الشورى بالتشريعات الخاصة بالضريبة الموحدة وتجارة المخدرات والعقوبات التى توقع على المدمنين وكذلك قضايا المرأة والأحوال الشخصية والفنية، كما قدمت استجواباً لوزير الثقافة فاروق حسنى عن حالة المسرح المصرى الذى أصبح لا يُصدر الفن الراقى للخارج بل يصدر الفنون الشعبية فقط.
مديحة يسرى
بعد 7 أعوام من عضوية أمينة رزق بمجلس الشورى، وفى عام 1998 تم تعيين الفنانة مديحة يسرى عضوا بنفس المجلس وتفاجئت يسرى بهذا الخبر الذى سمعته فى نشرة أخبار التاسعة بالتلفزيون المصرى.
وشاركت مديحة يسرى فى أكثر من لجنة بمجلس الشورى، ومنها لجنتى الآثار والإعلام وزارت معابد الأقصر والمراكب السياحية وقصور الثقافة وغيرها، واقترحت إنشاء قسم لفنون السينما داخل مكتبة الإسكندرية وقسم للقصائد والأغانى، وإنشاء بنك يدعم السينما المصرية وتكاليفها الباهظة، كما شاركت فى عدد من الجمعيات والأنشطة الخيرية.