البارزاني يتناسى درس الامس ويعد العدة لاستفتاء انفصالي عن العراق

مرّة جديدة يعود الحديث عن استفتاء كردستان إلى الواجهة، فبعد فشل الاستفتاء الأول، والنتائج السلبية التي طالت مسعود البرزاني إثر استفتاء الانفصال في 25 سبتمبر/ايلول 2017، عمدت وسائل إعلام كردية لنشر تقارير تتعلّق بمحاولات سرية من قبل مسعود البارزاني وحزبه لإجراء استفتاء آخر بغية الانفصال عن العراق.

ورغم نفي النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بيار طاهر التقارير التي تحدثت عن نية البارزاني إجراء استفتاء ثانٍ لاستقلال اقليم كردستان عن العراق، متحدّثاً عن وجود محاولات لرأب الصداع في العلاقة بين الإقليم والمركز، إلا أنّه من غير المستبعد أن يعمد البارزاني إلى مثل هذا الإجراء ولاسيّما في ظل الظروف الداخلية والإقليمية والدوليّة القائمة التي يمر بها البارزاني.

فرص استفتاء آخر

المعلومات التي وردت في تقرير موقع شاربريس أبرز المواقع الإعلامية في إقليم كردستان العراقي، أشارت إلى جملة من الفرص التي ينظر إليها البارزاني، أبرزها:

أولاً: الوضع الداخلي العراقي حيث تحدّث التقرير عن توتّرات ستحصل في الصيف القادم لاسيما في محافظات الجنوب والبصرة، وهنا نسأل: هل وصلت هذه المعلومات إلى البارزاني من جهات خارجيّة؟ هل هناك صلة لعملية تهريب السلاح التي تمّ الكشف عنها في البصرة وكانت قادمة من الإمارات؟ هل تحضّر الإمارات أو دول أخرى لتحرّكات مسلّحة في البصرة؟

ثانياً: في الشقّ الداخلي أيضاً، يعوّل البارزاني على عودة بعض رموز البعث حيث سيجد كل طرف ضالّته في الآخر لأن ضعف العراق يصبّ في مصلحة كلا الطرفين.

يشير التقرير إلى محاولات أمريكية لإعادة العناصر البعثية العراقية بهدف مواجهة الحشد الشعبي.

ثالثاً: الدور الأمريكي، لطالما حاولت واشنطن إمساك العصا من الوسط بين بغداد وأربيل، وهذا ما أوصى به الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والسفير السابق في تركيا والعراق جيمس جيفري.

واشنطن وفي حال عمد مجلس النواب العراقي إلى محاولة طرد الأمريكيين، ستحرّك مشروع الاستفتاء مجدّداً، الكلام المذكور ليس تحليلاً بل أحد توصيات جيفري.

تحدّث التقرير عن ضغوط كردية في واشنطن حيث يسعى البارزاني لاستنساخ تجربة نتنياهو مع ترامب في القدس والجولان، فهل يقدّم البارزاني تنازلات نفطية لترامب مقابل الاستفتاء والاعتراف بكردستان؟ وهل يقدم ترامب على مثل هذه الخطوة المتهوّرة كما عوّدنا؟

رابعاً: الوضع الإقليمي والدولي، يبدو أن هناك تعويلاً كبيراً من البارزاني على دعم بعض الدول الإقليمية، وهذا ما أشار إليه موقع شاربريس موضحاً أن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي متفائل مرة أخرى في قضية الانفصال بدعم الدول العربية.

في الاستفتاء السابق هناك بعض الدول التي عمدت إلى تأييده وفي مقدّمتها الإمارات، اليوم، وبعد الكشف عن حاوية السلاح المهرّبة من الإمارات إلى البصرة، يمكن القول أن ولي عهد أبو ظبي سيدعم البارزاني في هذا الاستفتاء أكثر من السابق، كيف سيتدارك العراقيون هذا الأمر خاصّة أن الإمارات تدعم البعثيين والأكراد على حدّ سواء، كذلك، يرى البارزاني أن حجم التوتّر الراهن بين إيران وأمريكا سيعزّز من فرص الانفصال، ولاسيّما أن طهران أبرز الدول المطالبة بوحدة العراق.

أبرز التحدّيات

إلى جانب بعض الفرص التي نرى أنه من غير الممكن التعويل على أكثرها، هناك جملة من التحديات أمام البارزاني نذكر منها:

أوّلاً: استفتاء 2017، في الحقيقة يعدّ استفتاء العام 2017 من أبرز التحديات أمام إجراء أي استفتاء جديد في كردستان العراق، لأن التجربة لم تكن إيجابية بالنسبة للأكراد أنفسهم، بل وجدوا أن كل وعود البارزاني باتت سراباً لا أكثر.

كذلك الأمر بالنسبة للداخل العراقي الذي سيواجه الاستفتاء الجديد بقوّة أكبر من السابق، إن التجربة الفاشلة سابقاً عزّزت في نفوس العراقيين، السياسيّين والعسكرية والمدنيين إمكانية إسقاط أي محاولات انفصالية أخرى، ولعلّ الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي من الأسباب التي عزّزت هذه الثقة في نفوس العراقيين.

ثانياً: الوضع الداخلي، يخطئ البارزاني إذا ما اعتقد أن الفرصة اليوم هي أكبر من نظيرتها في العام 2017، اليوم، بات العراق أقوى سياسياً وعسكرياً، لاسيّما في ظل حكومة عبد المهدي التي تقف على مسافة واحدة من الجميع.

كذلك، يعدّ الحشد الشعبي إلى جانب الجيش العراقي أحد أبرز العقبات أمام طموحات بارزاني الانفصالية، وبالتالي نرى أن الوضع الداخلي القائم هو أفضل الفرص لتعزيز وحدة العراق، لا العكس، لقد أثبتت القوى العراقيّة أنها تضع خلافاتها السياسية جانباً في حال كانت وحدة العراق في خطر.

ثالثاً: الظروف الإقليمية، لا يمكن صرف النظر عن الظروف الإقليمية بدءاً من إيران وتركيا، وليس انتهاءً بسوريا التي تعيش اليوم ظروفاً أفضل من ظروف استفتاء العام 2017.

بدا لافتاً حديث التقرير عن تقديم البارزاني امتيازات لتركيا للحيلولة دون ردود فعل تركية محتملة مثل ما حدث في الاستفتاء السابق، وهنا نسأل البارزاني هل ترقى هذه الامتيازات إلى تلك التي قدّمها لها منذ بدء الأزمة السوريّة وحتى يوم الاستفتاء السابق؟ ترى تركيا أن مسألة الاستفتاء ترتبط بالأمن القومي كونها ستكون الحلقة التالية، أو الحلقة التي تلي سوريا، وبالتالي سنرى معارضة تركيا أكبر من السابق.

لا يعتقد الكثيرون أن البارزاني سيجرؤ على القيام بأي استفتاء آخر، لكن اذا ما حصل هذا الأمر، فإنه بالتأكيد سيشكل خاتمةً تعيسة لحياة البارزاني السياسيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى