بالنسبة لأي فرد عربي مؤمن بخيار المقاومة، فإن قرار رئيس دولة النهب الأمريكية دونالد ترامب (الذي نصّ على الاعتراف بسيادة العدو الصهيوني على مرتفعات الجولان) لا يغير شيئًا مركزيًا، فالجولان قابعة تحت الاحتلال الصهيوني منذ 52 عامًا، وقد تم بذل الدماء لتحريرها، وهي أرض عربية غالية لا يمكن لكائنِ من كان التفريط فيها، شأنها شأن كل أرض فلسطين التاريخية (الناصرة وصفد وعكا وحيفا والنقب.. إلخ) المسلوبة منذ أن بدأ الاستيطان الصهيوني والمخطط الغربي الداعم لنشأة هذا الكيان.. ومن الإنجليزي “آرثر بلفور” للأمريكي من أصل ألماني “دونالد ترامب” تغيرت الأسماء لكن بقي المسلك هو ذاته.
غير أنه يبقى لهذا التصرف الترامبي عدد من الآثار التي يجدر بنا رصد بعضها، والإشارة إلى ما نأمل أن يترتب عليها:
– فالقرار، أولًا، يؤكد عمق الترابط بين الصهيونية والإمبريالية الأمريكية، وهذا الشيء رغم كونه من البديهيات ومركزيات الوعي السياسي، إلّا أن البعض قد يتعمّد تجاهله أو تهميشه، بحيث يتم الفصل بين مكونات هذا الحلف الصهيوأمريكي، والسبب غالبًا ما يكون من جماعات سياسية/دينية تريد تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو تبرير التبعية والرضوخ لها، وفي ذات الوقت تعرف عمق الرفض الشعبي العربي للعدو الصهيوني، فتكون الحيلة هي التشويش على عمق الترابط بين “تل أبيب” أي تلك العاصمة المزعومة المؤسسة على أراضي يافا المحتلة وضواحيها وبين واشنطن.
ومن المصلحة أن يكشف الرئيس الأمريكي عن عمق دعمه للكيان حتى يتبين لبعض الواهمين أن من يخدم أو يتقاطع مع مشروعات أمريكا التخريبية في أي بقعة حول العالم من كوريا الديمقراطية والصين شرقًا إلى فنزويلا وبوليفيا غربًا، هو بالتأكيد يخدم ويتقاطع مع الصهيونية. وإذا حصل الوعي بذلك، فهي فرصة مؤكدة لإنعاش فكرة المقاومة الأممية، وأن الوطن العربي في معركته للتحرير يتكاتف مع حلفائه الذين يشاركونه مشكلاته أو يتصدّون للأمريكي، وأن من يدعم المؤامرة على هؤلاء الحلفاء هو عدو لنا هنا في مصر وسورية وفلسطين والجزائر.
– ثانيًا، يضيف ما فعله دونالد ترمب مزيدًا من دوافع النقمة تجاه البيت الأبيض ومنظومة المصالح التي تقف خلفه، وهذا الشيء يفترض أن تتم ترجمته في البحث عن الأشياء التي يمكن أن تؤلم تلك المنظومة، وليس إلا المقاومة بمختلف صورها، ويلعب الشق الاقتصادي هنا دورًا مركزيًا ومحوريًا، لذا فلا يجب الاستخفاف بحملات المقاطعة للبضائع والسلع والخدمات الأمريكية، وأيًا ما كان حجم ما يمكن للفرد العربي أن يقاطعه فعليه ألّا يتوقف عن فعل ذلك. فالمحرك الأساسي لقوى النهب الأمريكية هو الربح، وكل ما يجري من تدابير وأفعال عدوانية غرضها النهائي هو ضمان السيادة الاقتصادية على الموارد والأسواق بالشكل الذي يسمح باستمرار تدفق الأموال ثم تدويرها، وهكذا.. إن أساس مقاومتنا الاقتصادية، في العموم، هو أن ننتج نحن ما يغنينا، ونحقق بدرجة أو أخرى الاكتفاء الذاتي، وهذا لا جدال مرتبط بالتخلص من حالة التجزئة العربية، كما هو مرتبط باستعادة دور الدولة وأهمية القطاع العام والتخطيط الاقتصادي، لذا على المواطن العربي استعادة هذا الهدف الذي بات مفقودًا اليوم بعد أن طفت الأجندات الملوّنة باسم التغيير، والسير نحو تحقيق هذا الهدف، ودعم ومساندة المتحقق منه، بالتماشي مع تشبثه بخيار المقاطعة، وعلى الفرد ألّا يستهين بنفسه وقدرته، وحبذا لو حوّل نهجه إلى نهج جماعي، يمكن أن يمثل قاعدة لتظاهرات وأنشطة تحمل ذات الهدف المقاوم.
– ثالثًا، يثبت هذا القرار البلطجي الأمريكي مجددًا أن الخيار الوحيد الصالح لتحرير الأرض المحتلة هو عبر الكفاح المسلح وحرب التحرير، وأن الكلمة الأولى والأخيرة كانت وستظل لفوهات البنادق ودانات المدافع، وأن الحسم هو نتيجة لعرق الفدائي، وأن الحياة التي تنبت من الأرض التي يكون الجندي قد رواها مسبقًا بدمائه. وتثبيت هذا الخيار في الوعي العام مهم وضروري للغاية، خاصة في هذا الزمن الذي تتم الهرولة فيه نحو التطبيع والتصالح والتنسيق الأمني!، والحقيقة أن الشعب العربي لا زال منتميًا لهذا الخيار، وعلى استعداد له، وأدلّ شيء أبناء وبنات فلسطين الذين واللواتي يستشهدون وتستشهدن في معارك مقاومة حقيقة، من مهند الحلبي لأحمد العديني لسارة طرايرة لعمر أبو ليلي، وغيرهم المئات، وهذا فقط على مدار الثلاث سنوات الماضية.
ولعل هذا التصعيد من الحلف الصهيوأمريكي يكون باعثًا لتصعيد مخططات ومن ثم عمليات المقاومة لاسترداد كل أرض عربية محتلة، فـ”لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض”.. كما قالها خالد الذكر/جمال عبد الناصر.
– رابعًا، تصعيد الحلف الصهيوأمريكي في ممارساته، مرتبط ولا شك بالاستنزاف الذي حصل للوطن العربي على مدار الأعوام الثمانية الماضية، ولا يمكن فصل ما يجري في الجولان عن المخطط العام الذي استهدف سورية وغيرها من الأقطار العربية عبر العصابات السلفية الجهادية من جهة، وعبر القوى الاتفصالية من جهة ثانية، وعبر حملات التخريب النفسي من جهة ثالثة.
وهذا يؤكد أن الهجمة المسعورة على بلادنا مستمرة، وليس من الصحيح تصوّر أن ثمة هدنة، أو كلمة “نهاية” ستُكتب على الشاشات قريبًا!، وهذا معناه المبادرة بكل قوة للحد من خطر تلك القوى والعصابات، ومقاومة تلك الحملات، بغرض قطع رؤوس هذه الثعابين التي تمرح في فناء البيت، والتفرّغ لمرضعاتها من الخارج.