هزيمة اردوغان في الانتخابات البلدية تشكل بداية العد العكسي لسقوطه السياسي

 

وجهت الانتخابات المحليّة التي جرت امس الأحد، رسائل بالجملة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجاءت نتائجها عقابا جماهيريا واسعا ضد الشعبوية وضد ارتهان مصير الأتراك لمعارك خارجية هدفها صناعة المجد الشخصي.

وقال الأتراك، خاصة في المدن ذات الثقل التاريخي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، لأردوغان “لم نعد نريدك” ولا نريد حزبك، في وقت وصف فيه معارضون النتائج بأنها هزيمة للسياسات القذرة للرئيس التركي.

وتعرض حزب أردوغان إلى انتكاسة كبرى، الاثنين، بعدما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية أن حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منذ عقد ونصف العقد، خسر العاصمة أنقرة وإسطنبول وأنطاليا وأضنة وأزمير.

وتشكل خسارة أهم مدينتين في البلاد هزيمة مدوية لأردوغان، الذي كان نفسه رئيس بلدية إسطنبول والذي حظي بقدرة لا مثيل لها في تاريخ تركيا على الفوز بشكل متكرر في الانتخابات.

واعتبر ياوز بيدر، رئيس تحرير موقع أحوال تركية، أن الانتخابات المحلية وجهت ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية الذي تمكن من الفوز في جميع الانتخابات العامة والمحلية منذ سنة 2002، مع نتائج الانتخابات الحالية.

وأشار بيدر إلى أن تعاون حزب الشعب الجمهوري العلماني الحامل للفكر الكمالي (نسبة إلى كمال أتاتورك) وحزب الخير القومي غير المعلن مع حزب الشعب الديمقراطي الموالي للأكراد أثمر تحقيق النتيجة المرجوة في كل من أنقرة وإسطنبول، إذ لعبت الأصوات الكردية دورا هاما في فوز الحزب الموالي لها في العاصمة أنقرة مع إنشاء أرضية جديدة وحدت مختلف الأحزاب في كتلة مناهضة لحزب العدالة والتنمية.

كما أن عددا من البلديات التي دأب حزب أردوغان على الفوز بها تحولت السيطرة في البعض منها إلى حليفه الحزب القومي، مما يعني خسارة للعدالة والتنمية الذي تراجع أمام المعارضة وأمام حليفه أيضا.

وانخرط أردوغان بقوة في الحملة الانتخابية فصوّر الانتخابات البلدية على أنها معركة حياة أو موت، لكن الاقتراع كان بمثابة استفتاء على رفض الأكراد لحكم حزب العدالة والتنمية الذي قاد البلاد إلى أزمة اقتصادية خانقة وأربك علاقتها الخارجية وراكم قائمة أعدائها بدل تحقيق شعاره “تصفير الأزمات”.

وظهر أردوغان بمفرده، امس الاول الأحد، خلال “خطاب الشرفة” الذي ألقاه أمام حشد من أنصاره في المقر الرئيس لحزب العدالة والتنمية بأنقرة، في إشارة إلى أنه قد فقد ثقته بالمحيطين به، ملمحا إلى أنه قد يكون أكثر عزلة في المستقبل.

وكشفت ملامح وجهه عن خيبة أمله بالنتائج، لكنه لم يصدق أن الأتراك قد تخلوا عن حزبه وشرعوا بالبحث عن بدائل جديدة. وشدّد على أن السبب الوحيد الذي كان وراء النتائج المخيبة هو أن مرشحي حزبه لم يقدروا على “تقديم أنفسهم للشعب بشكل كاف”، في موقف مثير للسخرية إذ كيف لحزب يحكم البلاد منذ سنوات أن يعجز عن إيصال أفكاره وبرامجه إلى الناس.

وأعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفن أن مرشح المعارضة لتولي رئاسة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو يتصدر النتائج بنحو 28 ألف صوت مع فرز معظم الأصوات.

وحصل إمام أوغلو على قرابة 4.16 مليون صوت مقابل 4.13 مليون صوت لمرشح حزب العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم.

وقال إمام أوغلو للصحافيين، الاثنين، “نريد أن نبدأ بالعمل على خدمة الشعب في أقرب وقت ممكن. نريد أن نتعاون مع جميع المؤسسات في تركيا لنتمكن سريعا من سد احتياجات إسطنبول”.

وفي أنقرة، تقدم مرشح المعارضة لرئاسة مجلس بلدية العاصمة منصور يافاش على مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوز هسكي بحصوله على 50.89 بالمئة من الأصوات مقابل 47.06 بالمئة بعد فرز 99 بالمئة من صناديق الاقتراع.

وقال يافاش أمام أنصاره الذين لوحوا بالأعلام التركية الحمراء وأطلقوا الأسهم النارية خلال تجمع احتفالي “فازت أنقرة. الخاسر في أنقرة هو أوز هسكي، خسرت السياسات القذرة وانتصرت الديمقراطية”.

ولفت ياوز بيدر إلى أن الجدل الدائر حول القائد، الذي قد يعوض أردوغان، يقود إلى الكشف عن بدائل تختلف تماما عنه. فقد أصبح كل من إمام أوغلو وديميرتاس مرشحين للقيادة في المستقبل.

ويعتقد متابعون للشأن التركي أن الانتخابات المحلية كانت بمثابة الاستفتاء الشعبي على خيارات الرئيس التركي في العلاقة بمصالح الناس وظروف عيشهم، لافتين إلى أن أردوغان كرّس جهوده في السنوات الأخيرة للمعارك الشخصية في الداخل والخارج، وبدلا من بناء العلاقات الخارجية على المصالح، فإنه راكم قائمة الأعداء خاصة مع دول ذات نفوذ اقتصادي واستثماري سواء مع الولايات المتحدة أو ألمانيا أو دول الخليج.

وقاد التوتر مع الولايات المتحدة، الذي بلغ ذروته في الأشهر الأخيرة بسبب الموقف من الأكراد في سوريا، إلى تهاوي الليرة التركية وهروب رؤوس الأموال خوفا من مغامرات جديدة للرئيس التركي. كما أدى البرود في العلاقات مع دول الخليج، وخاصة مع السعودية بسبب الانحياز التركي لإيران وقطر في الخلاف مع الرياض، إلى هروب السياح ورؤوس الأموال الخليجية من تركيا.

واعتبر السياسي البارز بحزب الخضر الألماني جيم أوزديمير أنه “للمرة الأولى يهتز عرش حاكم البوسفور”، وأن الوضع الاقتصادي الكارثي وتكاتف المعارضة تسببا في “زعزعة المطالبة المطلقة بالسلطة للرئيس التركي… الانتصارات الانتخابية للمعارضة في أنقرة وإسطنبول يمكن أن تكون بداية النهاية لعهد أردوغان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى