السيادة الصهيونية على الجولان وخيار المقاومة التاريخي
بقلم: توفيق المديني

الإدانات العربية والعالمية حول اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسيادة الصهيونية على الجولان كثيرة،لما يمثله هذا الاعتراف من انحطاط أخلاقي كبير في السياسة الأمريكية،واحتقار فاضح للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية،حيث تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة راعية للإرهاب،وشبيحة في صدركل سوري وكل عربي وكل إنسان حرّفي هذا العالم يُؤْمِن بحكم القانون والعدالة والسلام العالمي.
هذا الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على مرتفعات الجولان من جانب الرئيس الأميركي،ي يُشَكِّلُ انتهاكًا فجًّا للقانون الدولي الذي ربط السلام العالمي باحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدوانًا صارخًا على الشعب السوري بأكمله، واغتصابًا وشرعنة لاغتصاب حقوق مئات آلاف النازحين الجولانيين السوريين الذين ينتظرون العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم منذ أكثر من نصف قرن ،ويَتَزَامَنُ بعد تطهير الأراضي السورية الواقعة غربي الفرات من تنظيم “داعش” الإرهابي، ويَدْخُلُ في إطار استراتيجية تقسيم سورية، فواشنطن وحلفاؤها، لن يحرروا الأراضي السورية المحتلة، إنما سيخلقون، على الأرجح، سلطات انفصالية كردية تابعة لهم في تناقض مع سيادة الدولة الوطنية السوريةعلى كامل أراضيها.
العلاقة العضوية بين أمريكا و الكيان الصهيوني
في حرب 1967الخاطفة حقق الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية نصراً كبيراً على الزعيم الراحل عبد الناصروالحركة القومية العربية. كان الكيان الصهيوني هو الذي اتخذ المبادرة بتدمير الطائرات المصرية وهي جاثمة في المطارات. هكذا بدأت “حرب استباقية” احتلّت”إسرائيل” في نهايتها أربعة أضعاف مساحة أراضيها، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء والجولان. وتم تشريد 400 ألف لاجئ فلسطيني جديد.ورفضت “إسرائيل”إعادة الأراضي المحتلة،وأبقت تحت سلطتها شعباً فلسطينياً مقاوماً معتبرة أن اللجوء إلى القوة وحده يحلّ المشاكل؛ وهذا ما أغرقها في أزمة سياسية وأخلاقية عميقة، ليست فضائح الفساد المتكررسوى واحدة من ظواهرها.
صدر قرارمجلس الأمن الدولي رقم 242 في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 لمعالجة آثار الهزيمة،والذي تضمن ما اعتبر”مبادئ حل سلمي” للصراع العربي- الصهيوني.وبعد انتصار العام 1967، قال الجنرال موشيه دايان،أبرزمسؤول سياسي في تلك الحقبة،هذه الجملة المشهورة: “نترقّب اتصالاًهاتفياًمن العرب”.كان يريد أن يحمل على الاعتقاد بأنّه بعد هذا الإتصال،ستنسحب “إسرائيل” من الأراضي المحتلّة – من سيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربية والجولان- مقابل اتفاقيات سلام مع الوطن العربي. لكن المؤرّخ طوم سيغيف كشف في كتابه 1967 (غير مُترجَم إلى الفرنسية Tom Segev, 1967, Denoel, Paris, 2007)، بأنّ تلك لم تكن في الواقع نيّة الحكومة الصهيونية.مع أنه جرى النظر إلى موقف الكيان الصهيوني على هذا النحو، سواء في العالم أم في الداخل.إنّه ينتظر اتصالات الدول العربية معلنة الاستسلام.
ومع العام 1967،أصبح وجود الدولة الصهيونية حقيقة لارجوع عنها، في حين كان يتّضح في الكيان الصهيوني الخطاب حول اللاّرجوع عن احتلال الأراضي، وهكذا تغيّرت معالم اللعبة السياسيّة في المنطقة .كما أن المشروع الصهيوني انتصرأيضاًفي حرب أكتوبر،1973.وكان الصراع دائراً بين مشروعين متناقضين، ف”إسرائيل ” ترى أنها دولة معترف بها من هيئة الأمم المتحدة، بينما يعتبرالمشروع القومي العربي أن”إسرائيل” دولة دخيلة ولا يمكن الاعتراف بها .وهوالتناقض الذي أدّى إلى حروب ومعارك متتالية،انتهت باعتراف دول عربية بوجود الكيان الصهيوني،وبالتالي فقد انتصرالمشروع الصهيوني،الذي يستوجب مقاومته من قبل الشعوب العربية والإسلامية بروح من الصمود في وجهه ولا بديل أمامها إلا بالالتفاف حول المقاومة.
بيد أن الانتصار الساحق الذي حقّقه الجيش الصهيوني،في مواجهة الجيوش الثلاثة الكبرى في الوطن العربي في حرب 1967، لم يُطمئن الصهاينة ويمنحهم شعوراً بالأمان. ف”إسرائيل” ليست على الإطلاق مكاناً آمناً،ومنذ العام 1967 شهدت ست حروبٍ جديدة لم تكن في صالح “إسرائيل”.. : حرب الاستنزاف على طول قناة السويس وجبهة الجولان (1967-1970)، حرب الغفران (1973)، الانتفاضتان الفلسطينيتان (1987-1993 و 2000-2005) وحربا لبنان (1982 و2006). خمسة آلاف صهيوني وقرابة الخمسين ألف عربيّ – مصريّين، سوريّين، لبنانيّين وطبعاً فلسطينيّين – لقوا مصرعهم فيها.باختصار،إنّ “إسرائيل” لم تُنهِ بعد اليوم السابع من حرب الستة أيام.
إن القضية الفلسطينية هي قضية الصراع العربي مع الإمبريالية الأمريكية,وللحركة الصهيونية في فلسطين دورًا وظيفياً تؤديه في هذا المجال.ولذلك يجب أن يبقى الصراع دائرًا,وألا يجزأ,لأن تجزئته في فلسطين, ومحاولة الفصل بين الإمبريالية الأمريكية و”إسرائيل”, قاد الحركة الفلسطينية إلى الضلال,وأضاع فلسطين, وأية محاولة لاعتبارحكومة الولايات المتحدة الأمريكية حكماً,سيقود إلى الضلال والضياع. ثم إن أية محاولة لاعتبارالمشكلة فلسطينية – صهيونية, سيقزم المسألة, وسيجعلها مثل مئات قضايا اللاجئين في العالم, وستطرح الحلول الإنسانية لمشكلة اللاجئين.
إن “إسرائيل”كانت مصلحة إستراتيجية أمريكية بامتيازولاتزال، وستظل كذلك في منطقة الشرق الوسط.وهذا ما يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغير من موقفها المنحاز «لإسرائيل»إلا إذا أصبح العرب قادرين على تحريرأرضهم من طريق المقاومة وبناء ذات الأمة على أسس حديثة.ويأتي توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وثيقة تشرعن الاحتلال الصهيوني لهضبة الجولان المحتلة منذ العام1967،تجسيداً للتحالف العضوي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في العداء المستحكم للأمة العربية، ويجعل من الإمبريالية الأمريكية العدوّ الرئيسي للعرب، بسبب الدعم اللامحدود والحماية التي تقدمها الإدارات الأميركية المتعاقبة للكيان الصهيوني الغاصب.كما يمثل قرار ترامب أعلى درجات الازدراء للشرعية الدولية، وتدميرًاللقانون الدولي الذي يحمي سكان الجولان المحتل،وتشجيعًا لدول أخرى محتلة على تصعيد ضمّ الأراضي وإنشاء المستوطنات ونهب الموارد.
وحين صدر عن الكنيست الصهيوني في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1981 ما سمي “قانون الجولان”، وهو قرار ضم الجولان، حيث تم بموجبه “فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على الجولان”، نجم عنه دوليًا أن أصدرت هيئات الأمم المتحدة قراراتٍ عديدة، بخصوص المنطقة، كان أهمها قرار مجلس الأمن رقم 497 في تاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول 1981، اعتبر فيه أن قرارالكيان الصهيوني ضم الجولان ملغي وباطل، وليس له أي أثر قانوني على الصعيد الدولي، وطالب مجلس الأمن الكيان الصهيوني بإلغاء قراره فوراً. عدا القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها القرار 36-147 في 16/12/1980 الذي دان الكيان الصهيوني لمحاولاته فرض الجنسية الصهيونية بصورة قسرية على المواطنين السوريين في الجولان. ولكن الكيان الصهيوني يضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية، وهو ماضي في مشروعه الرامي إلى تهويد فلسطين والجولان بشكل كامل.
احتضان ترامب لرئيس الحكومة الصهيونية الفاشية نتنياهو
يأتي اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة الاحتلال الصهيوني على الجولان المحتل، في الوقت الذي يتسارع فيه عدد من مسؤولي الكونغرس وأعضاء في إدارة دونالد ترامب إلى حضور الاجتماع السنوي للوبي الصهيوني في أمريكا: لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك” الذي يعد أقوى لوبي مؤيد للكيان الصهيوني في واشنطن خلال الفترة الممتدة بين 24 و28 آذار/ مارس 2019.
وأصبح من الواضح أن دعم إدارة ترامب التلقائي ودون تمييز لسياسات الحكومة الفاشية الصهيونية ،مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس،وقبول تنامي المستوطنات الصهيونية ،أمر بديهي وغير مفاجىء في السياسة الأمريكية في إقليم الشرق الأوسط، منذ أن أقدم دونالد ترامب، ومنذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض،على تعيين جاريد كوشنر،زوج ابنته الذي لم يتجاوز عمره 36 عاما،كبيرا لمستشاريه، وأن يكلفه رسميا بمتابعة ملف الصراع العربي الصهيوني،بما في ذلك إجراء الاتصالات اللازمة مع كل الأطراف المعنية، خاصة الفلسطينيين والصهاينة ،لبلورة معالم “صفقة القرن” التي يحلم ترامب بإبرامها خلال فترة ولايته الأولى وهي الصفقة التي ستؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية ولكل مظاهر الصراع العربي –الصهيوني في الوقت نفسه.
واستطاع ترامب اقناع المملكة السعودية بالتصدي لقيادة الدول العربية نحو تطبيع علاقتها مع الكيان الصهيوني، من دون اشتراط الانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة كما تقضي المبادرة السعودية في طبعتها القديمة التي تبنتها قمة بيروت 2002، مقابل تأييد الإدارة الأميركية للخطط الرامية إلى نقل السلطة في المملكة إلى محمد بن سلمان، يكون بذلك قد ضمن تذليل عقبة كبيرة أمام تمرير الصفقة.
وكان الرئيس الأمريكي ترامب دعا رئيس الحكومة الفاشية الصهيونية نتنياهو قبيل انعقاد مؤتمر منظمة “إيباك” في 28 أذار/ مارس الجاري، حيث يشارك رئيس الوزراء الصهيوني في هذا المؤتمر في كل عام، ويلقي خطابه فيه.ويستغل نتنياهو في هذا المؤتمر المليارديرات اليمينية اليهودية في أمريكا، للحصول على دعمهم في انتخابات الكنيست.فقد وضعت إدارة ترامب كل بيضاتها في سلة نتنياهو،وهي تدعمه بشكل كامل،وتحاول التدخل بالانتخابات الصهيونية التي ستجرى يوم 9نيسان/أبريل المقبل،لصالحه.
ومن اللافت أنّوزير الخارجية الأمريكية بومبيو،الذي زار “إسرائيل”،ذهب إلى حائط المبكى بصحبة نتنياهو، وهو ما يُعَدُّ كَسْرًا للتقاليد والأعراف.وحول سبب دعم ترامب لنتنياهو، يشير المحللون الفلسطينيون المتخصصون في الشأن الصهيوني ،إلى أنّ نتنياهو صديق تاريخي لترامب،وقدم له دعم كبير في انتخابات 2016، حيث كان لرجالات نتنياهو في الولايات المتحدة دور كبير بتقديم الدعم المادي لترامب من خلال اللوبي الصهيوني “إيباك”.ويبدو الآن إنّ نتنياهو بحاجة إلى دعم من البيت الأبيض وخاصة الرئيس ترامب، في انتخابات الكنيست.فنتنياهو لا يريد فقط الفوز بالانتخابات، بل هو بحاجة ماسة لكي ينقذ نفسه من قضايا الفساد، ويسعى للالتفاف عليها.
يقول الباحث الأكاديمي شبلي التلحمي في مقاله المنشور بالمجلة الأمريكية “فورين بوليسي”، والمترجم عن طريق صحيفة عربي 21 بتاريخ 26مارس/آذار 2019، أن “الحكمة التقليدية التي تقول إن ناخبي ترامب مؤيدون جدا لإسرائيل وتقوم على أدلة حقيقية، تشير إلى أن علاقة ترامب بنتنياهو هي زواج تم ترتيبه في السماء، لكن هناك أيضا أدلة تشير إلى أنه ليس كل شيء على ما يرام”.
ويضيف تلحمي:”فلنبدأ بالسماء، فكما أن هناك أدلة قوية على أن الديمقراطيين ابتعدوا عن الرغبة بأن تكون السياسة الأمريكية متحيزة لإسرائيل لصالح التعامل دون انحياز، فإن أكثرية الجمهوريين يقولون إنهم يريدون من أمريكا أن تنحاز تماما إلى إسرائيل، خاصة المسيحيين الإنجيليين”.
ويعتقد تلحمي:”أخيرا، هناك تحول يتم على مستوى أمريكا، لكنّه أوضح بين مجموعة تعد حجر الزاوية في الدعم الجمهوري لإسرائيل: المسيحيين الإنجيليين، وبشكل عام فإنّ الأمريكيين تحت سن 35 عاما يريدون أن تكون أمريكا أقل تحيزا لإسرائيل ولصالح تعامل دون انحياز بأعداد أكثر ممن هم أكبر من 35 عاما، لكن أكبر تحول يبدو أنه يحصل بين المسيحيين الإنجيليين: ففي الوقت الذي يريد فيه 45% من الإنجيليين في سن 35 عاما أو أكبر من إدارة ترامب أن تنحاز أكثر إلى إسرائيل، لكن 21% فقط ممن هم أقل من 35 عاما يريدون ذلك، وفي الوقت الذي يرى فيه 1% ممن هم 35 عاما أو أكبر أن على ترامب أن ينحاز للفلسطينيين، فإن هذه النسبة تصل إلى 18% بين من هم تحت سن 35 عاما، وبالإضافة إلى أن هناك تحول أجيال بين الإنجيليين الشباب حول قضايا مثل قضية الزواج المثلي، فإن هناك انقساما أكبر بين الإنجيليين الشباب وكبار السن حول إسرائيل”.
ويختم الكاتب مقاله بالقول :إن “هذه المؤشرات تشير إلى أن قاعدة ترامب ليست كلها راضية عن احتضانه لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وبالتأكيد، فإن الدعم بين الجمهورين للسياسة الإسرائيلية اليمينية لا يزال قويا، ولا يبدو أن هناك نهاية منظورة لهذا، بالرغم من علامات عدم الارتياح، لكن قد يكون هذا ناتجا عن حقيقة غياب ثمن وشيك لعلاقة الحب مع نتنياهو وللأفعال المتهورة التي يقوم بها لإظهار ذلك الحب، وإن ظهرت تكاليف لتلك الأفعال فيجب توقع ردة فعل تدوم أبعد من ترامب، لكن إلى الآن فإن أولوية الحزب الجمهوري هي الوقوف خلف ترامب في أمريكا، التي هي مستقطبة بشكل كبير، والتغطية على الخلافات بخصوص إسرائيل بين ناخبي الحزب، إلا أن هذه الخلافات لن تبقى بعيدة عن الأنظار إلى الأبد”.
قمة تونس: المطلوب من العرب التطبيع مع الكيان الصهيوني والتحالف معه
في الوقت الذي لقي فيه اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بالسيادة الصهيونية على الجولان المحتل،إدانة صريحة من جانب الشعوب العربية التي لن تغفر هذا الانتهاك السافر لسيادتها وحقوقها ،ولن تقتصر في موقفها على الرفض والإدانة، اكتفت جامعة الدول العربية التي تعد سورية من مؤسسيها،والتي تعقد قمتها بتونس يوم 31آذار/ مارس 2019، بالإدانة الخجولة، وبالخضوع الكامل للإملاءات الأمريكية التي ترفض عودة الدولة الوطنية السورية إلى جامعة الدول العربية قريبة، على الرغم من مواقف دول عربية داعمة لهذه العودة،أبرزها بشكل علني العراق ولبنان،فيما سعت الإمارات لقيادة حراك لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية ، عبر إعادة افتتاح سفارتها في دمشق في ديسمبر/ كانون الأول 2018 .
فالدول العربية في معظمها، بما فيها تونس ،مسلوبة الإرادة، وقرارها الوطني مصادر من قبل الإمبريالية الأمريكية،بسبب تبيعة الأنظمة العربية للسياسة الأمريكية،الرافضة لعودة سورية للجامعة،إذ أعلن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية، السفير محمود عفيفي، في مؤتمر صحافي يوم الأحد الماضي ،أن موضوع عودة سورية غير مدرج “حتى الآن” على جدول أعمال القمة العربية في تونس، ولم يطرحه أي طرف بشكل رسمي،”أما الأزمة السورية فهي مدرجة على جدول الأعمال”.وأوضح عفيفي أن القمم العربية تؤكد دوماً عروبة الجولان السوري المحتل وفق قرار مجلس الأمن الصادر عام 1981.
ويعود تاريخ المطالبة بعودة سورية إلى الجامعة، بعد أن عُلّقت عضويتها فيها عام 2011، إلى مارس/آذار 2017، إذ طالب حينها وزير الخارجية العراقي السابق ، إبراهيم الجعفري، وخلال الدورة 147 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري في القاهرة، بإنهاء تعليق عضوية سورية في الجامعة، قائلاً في كلمته: “أدعو أشقائي العرب لإعادة النظر بشجاعة بالغة في هذا القرار (تعليق عضوية سورية)، فالخلافات تُحل بالحضور وليس بالغياب”. وكان لبنان، إلى جانب العراق في الموقف نفسه تقريباً، وهو غالباً ما يأخذ موقفاً معارضاً أو محايداً تجاه قرارات الجامعة ضد سورية. وفي يناير/كانون الثاني 2019، دعا وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، خلال اجتماع وزاري عربي في بيروت، لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية ،واعتبر أن غيابها يشكّل “الفجوة الكبرى” في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي استضافتها بيروت، مضيفاً أن سورية يجب أن تكون في “حضننا دائماً بدل أن نرميها في أحضان الإرهاب، من دون أن ننتظر إذناً أو سماحاً بعودتها”.
وعلى عكس رغبة تونس البلد المضيف للقمة،إذ كان وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، قد قال في يناير/ كانون الثاني2019 ، إنّ المكان الطبيعي لسورية هو داخل الجامعة العربية، يؤكد استبعاد بند عودة سورية للجامعة، استمرارالدول العربية في الخضوع للمخطط الأمريكي -الصهيوني في المنطقة وأهدافه التي تتكشف كل يوم من تفكيك للدول الوطنية الرافضة للهيمنة الأمريكية-الصهيونية ،وإعادة تقسيمها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.وباتت الدول العربية منكفئة كل منها على ذاتها،وظهرت تيارات انعزالية تسيطرعلى تفكيرها، بحيث التفتت كل دولة لذاتها، وأسهم في ذلك ما يسمى بالعولمة التي ترمي في مصالح المخطط الأميركي -الصهيوني ،أبرزها المصالحة والتحالف مع الكيان الصهيوني كما هو الحال بالنسبة للمملكة السعودية وقطراللتين تمارسان ضغوطات كبيرة على بقية الدول العربية الأخرى لمنع عودة سورية، وتؤيدان الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ، بحيث تحول الأمرإلى أن بعض الدول الخليجية أصبحت تابعة للكيان الصهيوني.
مرتكزات خيار المقاومة التاريخي
هذه العودة للاستعمار الجديد بشقيه الصهيوني والأمريكي،لا بُدَّ أن تُوقِظَ الروح القومية لدى النخب العربية المتنازعة والمنقسمة على نفسها،وتدفعها إلى التفكير بتغيير سلوكها وتحمل مسؤولياتها الفكرية والسياسية من أجل إعادة بناء المشروع القومي العربي الديمقراطي.وتعيش المنطقة العربية وأخص منها المشرق العربي، منذ حرب الخليج الثانيةعام 1991، ولغاية الحرب الكونية الإرهابية على سورية المستمرةمنذ ثماني سنوات، حربًا حقيقية تهدف إلى إخضاعها وتطويعها لقبول أجندة السيطرة الأمريكية الصهيونية,كما أنها تحولت إلى مسرح رئيسي لحروب إقليمية وعالمية جديدة، يقدم النزاع الإيراني الأمريكي والحرب ضد الإرهاب كجزء من إستراتيجية مقاومة الصعود التاريخي للكتلة الآسيوية، أمثلة راهنة عليها.
في الواقع العربي، هناك خياران يتصارعان،خيار المقاومة و بناء ذات الأمة الديمقراطية بالمعني العصري لهذه الكلمة الذي تتبناه الشعوب العربية،وخيارالخضوع للإستراتيجية الأمريكية-الصهيونية،الذي تتبناه الأنظمة العربية ،ويقودإلى تصفية القضية الفلسطينية، وتهويد الأراضي العربية المحتلة.
هل يمكن للتحررمن الهيمنة الإمبريالية الأمريكية ومن شروط التبعية،وهل يمكن تحرير الأراضي العربية المحتلة،وفي مقدمتها فلسطين، والجولان،من دون أن تحرزالأمة العربية تقدماً ملموساً، وتقدم الأمة العربية مشروط بوحدتها و نهضتها؟ وبالمقابل هل يمكن إحرازالتقدم من دون أن تحرز الأمة استقلالها وسيطرتها على مقدراتها؟
إنّ هذا يطرح علينا علاقة التحررببناء مقاومة عربية تحمل في سيرورتها التاريخية مشروعا نهضويا فكريا و سياسيا، يضع تحرير فلسطين كمهمة قومية وإسلامية ،وعليه أن يضع التحريرفي موقعه من مهمات المشروع القومي الديمقراطي النهضوي، باعتباره هدفاً رئيساً،لا يعلو عليه أي من الهدفين الآخرين، تحقيق الوحدة القومية، و بناء الديمقراطية والمجتمع المدني الحديث بالتلازم مع بناء دولة الحق و القانون، من حيث الأهمية. إذ إن هذه الأهداف الثلاثة مترابطة عضوياً، بصرف النظر عن الأولويات التراتبية التي يحتلها أي منها في ظل تضاريس الجغرافيا الطبيعية والبشرية، والتاريخية والاستراتيجية للمنطقة العربية.
و قد أثبتت هذه التجربة،من جملة ما أثبتته من حقائق واقعية ،حقيقتين أساسيتين أولاهما أن الوحدة العربية هي المسألة المركزية في المشروع القومي الديمقراطي،وهي شرط ضروري لتحريرالأرض وإن لم يكن كافيا.وثانيهما تلازم النضال من أجل الديمقراطية والنضال ضدالإمبريالية والكيان الصهيوني . فلا تقدم يرجى في ظل التبعية والاحتلال . ولا يمكن أن نحرز تحريرًا في ظل وجود مقاومات عربية تستند في أساسها إلى النزعة “العسكريتارية”المحضة خارج عالم الفكروالثقافة والسياسة.
إن تحريركل الأراضي العربية المحتلة من قبل الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ليس مشروعاً بونابرتياً لحاكم عربي، ولا هو مشروع لأي حزب، أوحركة أصولية،أو طبقة اجتماعية،إنّه في جوهره جزء من المشروع القومي الديمقراطي النهضوي الذي يشمل تيارات الأمة كلها، وجزء من تقدم الأمة العربية ووحدتها.والنضال من أجل تحرير فلسطين و الجولان هو الاندماج في المشروع القومي الديمقراطي المعادي جِديًا وفِعلياً وراديكاليًا للإمبريالية الأمريكية،والكيان الصهيوني،والدول العربية التسلطية والرجعية ،والمستند إلى قوى الشعوب العربية،وإلى جماع الأمة،ولا إلى فئة،أو طبقة،أو حزب،أو حركة أصولية، مهما ادعت تلك الحركة أنها ممثلة للأمة،ونائبة عن أكثريتها،وإن كان ذلك لا ينفي حقيقة أن الدولة الوطنية العربية المتقدمة ونعني هنا سورية بوصفها الدولة الوطنية العربية الوحيدة التي حافظت على التمسك بثوابتها الوطنية والقومية، ، ستكون مسؤوليتها أكبروتأثيرها أعمق، ولكن لن تكون أبداً بديلاً عن الكل،أو نائبة عن الأمة العربية وشعوبها.
إذا أرادت العروبة أن تكون الخيار الأيديولوجي،والمشروع الثقافي للأمة العربية في القرن الحادي و العشرين ، والهوية الثقافية المميزة للعرب عن غيرهم من الامم والشعوب، والهوية السياسية المؤسسة لسياسة ودولة فاعلة في النظام الدولي العالمي، فعلى العروبة أن تتبنى مفاهيم التعددية الفكرية و السياسية، والمواطنة ،وإعادة تثمين الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية،والتأكيد على مرجعية احترام حقوق الانسان،والحرّيات الشخصية والاعتقادية، والديمقراطية.فالمشروع الديمقراطي النهضوي،هو الخيار العروبي الوحيد،الذي من خلاله يمكن للعرب أن يبنوا مستقبلهم السياسي والاقتصادي والثقافي،وأن يؤسسوا عبره وحدتهم الوطنية والقومية الحقيقية ،بعيداً عن الانقسامات المذهبية والطائفية: سواء تمثلت في صعود الانقسامات المذهبية داخل الدين الواحد أو تنامي العصبيات الجماعية على أساس ديني بين أصحاب العقائد المختلفة. فالطائفية تعبر عن إخفاق السياسة القومية في بناء إطار تضامنات فعلية وطنية ما فوق طائفية.
كما أن الاستثمار في العروبة مقترنة بروح العصر، يقتضي الإيمان بأنّ الإسلام المستنير يحتاج إلى وعاء قومي يحمله ،والحال هذه ،العروبة المتجددة القائمة على التعددية ، وفكرة المواطنة، وبناء دولة القانون،أي دولة المؤسسات الدستورية ،والتأكيد على أن الثقافة العربية الحديثة لا تزال ثقافة واحدة، ولا يزال التواصل في ما بينها عبر الأقطارالعربية أقوى تأثيرا في حركتها من التواصل داخل كل قطر من أقطارها. وليس أمام الدول سوى الاختيار بين مرجعية العدمية القومية التي تعني اليوم خيار التغريب الذي يعزز تبعيتها وتخارج بنياتها وتطلع أبناءها الدائم إلى الهجرة والاندراج في الغرب، أو العودة إلى الاستثمار في مفهوم العروبة التي تشكل وحدها منطلق لحداثة أصيلة عالمية ومرتبطة في الوقت نفسه بثقافة محلية عميقة وفاعلة.